تدور أحداث هذه السورة في المجتمع المدني . مع الجماعة المسلمة الناشئة حيث تربي وتقوم وتعد للنهوض بدورها العالمي . بل بدورها الكوني . الذي قدر الله لها في دورة هذا الكون ومقدراته وهو دور ضخم يبدأ من إنشاء تصور جديد كامل لهذه الحياة ، في نفوس الجماعة وإقامة حياة واقعية على أساس هذا التصور ، ثم تحمله هذه الجماعة إلى العالم كله لتنشىء للبشرية حياة إنسانية قائمة على أساس هذا التصور وهو دور ضخم يقتضي إعداداً كاملاً . ولقد اقتضت تربية النفوس وإعدادها للدور الكوني الكوني الكبير المقدرلها في الأرض جهوداً ضخمة ، وصبراًً طويلاً ، وعلاجاً بطيئاً ، في صغار الأمور وفي كبارها ...كانت حركة بناء هائلة هذه التي قام بها الإسلام وقام بها رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - بناء النفوس التي تنهض ببناء المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية وتقوم على منهج الله ، تفهمه وتحققه ، وتنقله إلى أطراف الأرض في صورة حية متحركة ، لا في صحائف وكلمات .
وفي هذه السورة بصفة خاصة نشهد صورة موحية من رعاية الله للجماعة الناشئة ، وهو يصنعها على عينه ، ويربيها بمنهجه ، ويشعرها برعايته ، ويبني في ضميرها الشعور الحي بوجوده - سبحانه - معها في أخص خصائصها وأصغر شؤونها ، وأخفي طواياها ، وحراسته لها من كيد أعدائها خفيه وظاهره ، وضمها إلى لوائه وظله ، وتربية أخلاقها وعاداتها وتقاليدها تربية تليق بالجماعة التي تنضوي إلى كنف الله ، وتنتسب إليه ، وتؤلف حزبه في الأرض ، وترفع لواءه لتعرف به في الأرض جميعاً .
ومن ثم تبدأ السورة بصورة عجيبه من صورة هذه الفترة الفريدة في تاريخ البشرية . ( فترة اتصال السماء بالأرض في صورة مباشرة محسوسة ) ومشاركتها في الحياة اليومية لجماعة من الناس مشاركة ظاهرة : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ، والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ) .. فتشهد السماء تتدخل في شأن يومي لأسرة صغيرة فقيرة مغمورة لتقرر حكم الله في قضيتها ، وقد سمع – سبحانه – للمرأة وهي تحاور رسول الله فيها، ولم تكد تسمعها عائشة وهي قريبة منها ! وهي صورة تملأ القلب بوجود الله وقربه وعطفه ورعايته .
ثم توكيد وتذكير بحضور الله - سبحانه – وشهوده لكل نجوى في خلوة ، يحسب أصحابها أنهم منفردون بها ، والله معهم أينما كانوا : ( ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ، إن الله بكل شيء عليم ) وهي صورة تملأ القلب بوجود الله وحضورة ، كما تملؤه برقابته واطلاعه . وهذا تهديد للذين يتناجون في خلواتهم لتدبير المكايد للمسلمين ، وتهديد بأن أمرهم مكشوف . ونهي المسلمين عن التناجي بغير البر والتقوى وتربية نفوسهم وتربيتها بهذا الخصوص .
أما باقية السورة فتنصرف عن الحديث عن المنافقين اللذين يتولون اليهود ويتآمرون معهم ويدارون تآمرهم بالكذب والحلف للرسول والمؤمنين وتصورهم كذلك في الآخرة حلافين كذابين ، يتقون بالحلف ما يواجههم من عذاب الله ، كما كانوا يتقون بهما في الدنيا من غضب رسول الله والمؤمنين !
وفي ختام السورة تجيء تلك الصورة الوضيئة لحزب الله التي كان يمثلها بالفعل أولئك السابقون من المهاجرين والأنصار. والتي كانت الآية تشير لها كي ينتهي إليها أولئك الذين ما زالوا بعد في الطريق .
المصدر : في ظلال القرآن - سيد قطب .
]]
سورة المجادلة | |
---|---|
الترتيب في القرآن | 58 |
عدد الآيات | 22 |
عدد الكلمات | 475 |
عدد الحروف | 1991 |
الجزء | {{{جزء}}} |
الحزب | {{{حزب}}} |
النزول | مدنية |
نص سورة المجادلة في ويكي مصدر |