سورة الذاريات | |
---|---|
الترتيب في القرآن | 51 |
عدد الآيات | 60 |
عدد الكلمات | 360 |
عدد الحروف | 1510 |
الجزء | {{{جزء}}} |
الحزب | {{{حزب}}} |
النزول | مكية |
نص سورة الذاريات في ويكي مصدر |
هذه السورة ذات جو خاص ، فهي تبدأ بذكر قوى أربعة ..من أمر الله .. في لفظ مبهم الدلاله ،يوقع في الحس لأول وهلة أنه أمام أمور ذات سر ، يقسم الله - الله – على أمر : ( والذريات ذروا ، فالحاملات وقرا ، فالجاريات يسرا ، فالمقسمات أمرا . إن ما توعدون لصادق ، وإن الدين لواقع ) .. والذريات . . والحاملات . والمقسمات ..مدلولاتها ليست متعارفة .
وما يكاد القسم الأول ينتهي حتى يعقبه قسم آخر بالسماء : ( والسماء ذات الحبك ) يقسم بها الله على أمر : ( إنكم لفي قول مختلف ) ..لااستقرار ولا تناسق فيه ، قائم على التخرصات والظنون ، لا على العلم واليقين ..
هذه السورة بافتتاحها على هذا النحو ، ثم بسياقها كله ..ربط القلب البشري بالسماء ، وتعليقه يغيب الله المكنون ، وتخليصه من أوهاق الأرض ، وإطلاقه من كل عائق يحول بينه وبين التجرد لعبادة الله ، والانطلاق إليه جملة ، والفرار إليه كلية ، استجابة لقوله في السورة : ( ففروا إلى الله ) .. وتحقيقاً لإرادته في عباده : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )
ولما كان الانشغال بالرزق وما يخبئه القدر عنه هو أكثف تلك العوائق وأشدها فقد عني في هذه السورة بإطلاق الحس من إساره ، وتطمين النفس من جهته ، وتعليق القلب بالسماء في شأنه ، لا بالارض وأسبابها القريبه . وتكررت الإشارة إلى هذا الأمر في السورة في مواضع متفرقة منها إما مباشرة كقوله : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) .. ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) ..وإما تعريضاً كقوله بصور حال عباده المتقين مع المال : ( وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) ..ووصفه لجود إبراهيم وسخائه وهو يقرى ضيوفه القلائل – أو من حسبهم ضيوفه من الملائكة بعجل سمين ، يسارع به عقب وفودهم إليه ، وبمجرد إلقاء السلام عليه ، وهو لم يعرفهم إلا منذ لحظة .
فتخليص القلب من أوهاق الأرض ، وإطلاقه من إسار الرزق ، وتعليقه بالسماء ، ترف أشواقه حولها ، ويتطلع إلى خالقها في علاه ، بلا عائق يحول بينه وبين الانطلاق ، ويعوقه عن الفرار إلى الله . هو محور السورة بكل موضوعاتها وقضاياها التي تطرقها . ومن ثم كان هذا الافتتاح ، وكان ذلك الإيقاع الغامض في أولها ، وكان القسم بعده بالسماء ، وكان تكرار الإشارة إلى السماء أيضاً ..
وفي هذا كانت صورة المتقين التي يرسمها في مطلع السورة : ( إن المتقين في جنات وعيون . آخدين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا من قبل ذلك محسنين . كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون . وبالأسحار هم يستغفرون . وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) .. فهي صورة التطلع إلى الله ، والتجرد له ، والقيام في عبادته بالليل ، والتوجه إليه في الأسحار . مع إرخاص المال ، والتخلص من ضغطه ، وجعل نصيب للسائل والمحروم حقاً فيه .
وفي هذا كان التوجيه إلى آيات الله في الأرض وفي الأنفس مع تعليق القلوب بالسماء بشأن الرزق ، لا بالأرض وما فيها من أسبابه القريبة : ( وفي الأرض آيات للموقنين . وفي أنفسكم أفلا تبصرون . وفي السماء رزقكم وما توعدون )
وفي هذا كانت الإشارة إلى بناء الله للسماء على سعة ، وتمهيده للأرض في يسر ، وخلقه ما فيها من أزواج والتعقيب على هذا كله بالفرار إلى الله : ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون . والأرض فرشناها فنعم الماهدون ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون . ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ) ..
وفي هذا الإيقاع الأخير البارز في السورة ، عن إرادة الله سبحانه في خلق الجن والأنس ، ووظيفتهما الرئيسية الأولى : ( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون . وما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون . إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) ..
فهو إيقاع واحد مطرد . ذو نغمات متعددة . ولكنها كلها تؤلف ذلك الإيقاع ، وتطلق ذلك الحداء . الحداء بالقلب البشري إلى السماء !
وقد وردت إشارات سريعة إلى حلقة من قصة إبراهيم ولوط ، وقصة موسى ، وقصة عاد ، وقصة ثمود وقصة نوح . وفي الإشارة إلى قصة إبراهيم تلك اللمحة عن المال ، كما أن فيها لمحة عن الغيب المكنون في تبشيره بغلام عليم ، ورزقه وامراته به على غير ما توقع ولاانتظار . وفي بقية القصص إشارة إلى تصديق وعد الله الذي أقسم عليه في أول السورة : ( إن ما توعدون لصادق ) والذي أشار في ختامها إنذاراً للمشركين : ( فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون ) .. بعد ما ذكر أن أجيال المكذبين كأنما تواصت به ؟ بل هم قوم طاغون ! )
فالقصص في السورة – على هذا النحو مرتبط بموضوعاتها الأصيل . وهو تجريد القلب لعبادة الله ، وتخليصه من جميع العوائق ، ووصله بالسماء . بالإيمان أولاً واليقين . ثم يرفع الحواجز والشواغل دون الرفرفة والانطلاق إلى ذلك الأفق الكريم .
المصدر : سيد قطب .