سورة محمد | |
---|---|
الترتيب في القرآن | 47 |
عدد الآيات | 38 |
عدد الكلمات | 542 |
عدد الحروف | 2360 |
الجزء | {{{جزء}}} |
الحزب | {{{حزب}}} |
النزول | مدنية |
هذه السورة مدنية ، ولها اسم آخر ، اسمها سورة القتال . وهو اسم حقيقي لها . فالقتال هو موضوعها .والقتال هو العنصر البارز فيها . والقتال في صورها وظلالها . والقتال في جرسها وإيقاعها . وهي تشمل ثلاث جولات .
وتبدأ الجولة الأولى ببيان حقيقة الذين كفروا وحقيقة الذين آمنوا في صيغة هجوم أدبي ، وتمجيد كذلك للذين آمنوا ،مع إيحاء بأن الله عدوالكافرين وولي المؤمنين .
وعقب إعلان الحرب على الذين كفروا ، أمر الذين آمنوا بخوض الحرب ضد الكافرين ، مع بيان لحكم الأسرى بعد المعركة : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ، حتي إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ، فإما مناً بعد وإما فداء ، حتى تضع الحرب أوزارها ) .
ومع بيان لحكمة القتال ، وتشجيع عليه ، وتكريم للإشتسهاد فيه ،ووعد من الله بإكرام الشهداء وبالنصر لمن يخوض المعركة انتصاراً لله ،وبهلاك الكافرين وإحباط أعمالهم : ( واللذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ) ( والذين كفروا فتعساً لهم وأضل أعمالهم ) . وهنالك تهديد للكافرين ، وإعلان لولاية الله ونصرته للمؤمنين وضياع الكافرين وخذلانهم .
وتمضي السورة في ألوان الحديث عن الكفر والإيمان . وحال المؤمنين وحال الكافرين في الدنيا والآخرة فتفرق بين متاع المؤمن بالطيبات وتمتع الكافرين بلذائذ الأرض كالحيوان . (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار .والذين كفروا يأكلون يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم ) وهكذا تشمل المعركة السافرة المباشرة بين المؤمنين والكافرين .
أما الجولة الثانية فهي مع المنافقين الذين كانوا هم واليهود يؤلفون خطراً على الجماعة الإسلامية الناشئة لايقل عن خطر المشركين في مكة وما حولها من القبائل .
والحديث عن المنافقين في هذه السورة يحمل ظلالها ، ظلال الهجوم والقتال ، والتهديد بالساعة يوم لا يملكون الصحو ولاالتذكر : (فهل ينظرون إلى الساعة أن تأتيهم بغتة ؟ ) ويصور هلعهم إذا وجهوا بالقرآن يكلفهم القتال – وهم يتظاهرون بالإيمان : ( فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت ! ويحثهم على الطاعة والصدق ، ويفضحهم في توليهم للشيطان وفي تآمرهم مع اليهود ويهددهم بالعذاب عند الموت : ( الشيطان سول لهم وأملى لهم ) ( ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم )
وفي الجولة الثالثة والأخيرة في السورة عودة إلى الذين كفروا من قريش ومن اليهود وهجوم عليهم وتحذير للذين آمنوا أن يصيبهم مثل ما أصاب أعدائهم : ( يأيها اللذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم إن اللذين كفروا وصدوا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار ، فلن يغفر الله لهم ) ، وتحضيض لهم على الثبات والقتال : ( فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم )
وتهوين من شأن الحياة وأعراضها . وحض على البذل الذي يسره الله ، ولم يجعله استئصالاً للمال كله ، رأفة بهم ، وهو يعرف شح نفوسهم البشرية . وتبرمها وضيقها لو أحفاهم في السؤال : (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم . إن بسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم )
وتختم السورة بما يشبه التهديد للمسلمين إن هم بخلوا بإنفاق المال ، والبذل في القتال ( هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله . فمنكم من يبخل فإنما يبخل على نفسه ، والله الغني وأنتم الفقراء ، وأن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ، ثم لا يكونوا أمثالكم )
إنها معركة مستمرة من بدء السورة إلى ختامها ، يظللها جو القتال وتتسم بطابعه في كل فقراتها وجرس الفاصلة وإيقاعها كأنه القدائف الثقيلة : ( أعمالهم ، بالهم ، أهواءهم ...) وحتى حين تخف فإنها تشبه السيوف في الهواء : ( أوزارها ، أمثالها ، أقفالها ...) وهناك شدة في الصور كالشدة في جرس الألفاظ المعبرة عنها فالقتال أو القتل يقول عنه : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) ..والتقتيل والأسر يصور بشدة : ( حتى إذا أتخنتموهم فشدوا الوثاق ) . والدعاء على الكافرين يجيء في لفظ قاسي : ( فتعساً لهم وأضل أعمالهم ) ، وهلاك الغابرين يرسم في صورة مدوية ظلاً ولفظاً : ( دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ) وصورة العذاب في النار تجيء في هذا المشهد : ( وسقوا ماء حميماً فقطع أمعائهم ) وحالة الجبن والفزع تجيء في مشهد عنيف : ( ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت ) ..حتي تحذير المؤمنين من التولى تجيء في مشهد عنيف : ( وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) وهكذا تتناسق الموضوع والصور والظلال والايقاع في سورة القتال .
المصدر : في ظلال القرآن - سيد قطب .