عَمَّ يَتَسَاءلُونَ {1} عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ {2} الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ {3}
كَلَّا سَيَعْلَمُونَ {4} ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ {5} أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا {6}
وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا {7} وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا {8} وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا
{9} وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا {10} وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا {11} وَبَنَيْنَا
فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا {12} وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا {13} وَأَنزَلْنَا
مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا {14} لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا {15} وَجَنَّاتٍ
أَلْفَافًا {16} إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا {17} يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ
فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا {18} وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا {19} وَسُيِّرَتِ
الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا {20} إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا {21} لِلْطَّاغِينَ
مَآبًا {22} لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا {23} لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا
{24} إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا {25} جَزَاء وِفَاقًا {26} إِنَّهُمْ كَانُوا
لَا يَرْجُونَ حِسَابًا {27} وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا {28} وَكُلَّ شَيْءٍ
أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا {29} فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا {30}
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا {31} حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا {32} وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا {33} وَكَأْسًا
دِهَاقًا {34} لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا {35} جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء
حِسَابًا {36} رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ
مِنْهُ خِطَابًا {37} يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ
إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا {38} ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن
شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا {39} إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ
يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا {40} صدق الله مولانا العظيم
هذه السورة نمودج لاتجاه هذا الجزء بموضوعاته وحقائقه وإيقاعاته ومشاهده وصوره وظلاله وموسيقاه ولمساته في الكون والنفس ، والدنيا والآخرة ، واختيار الألفاظ والعبارات لتوقع أشد إيقاعاتها أثراً في الحس والضمير .
وهي تفتح بسؤال مثير للاستهوال والاستعظام وتضخيم الحقيقة التي يختلفون عليها ، وهي أمر عظيم لاخفاء فيه ، ولا شبهة ، ويعقب على هذا بتهديدهم يوم يعلمون حقيقته : ( عم يتساءلون ؟ عن النبأ العظيم ، الذي هم فيه مختلفون . كلا سيعلمون . ثم كلا سيعلمون ! )
ومن ثم يعدل السياق عن المعنى في الحديث عن النبأ ويدعه لحينه ، ويلفتهم إلى ما هو واقع بين أيديهم وحولهم ، في ذوات أنفسهم وفي الكون حولهم من أمر عظيم ، يدل على ما وراءه ويوحى بما سيتلوه : ( ألم نجعل الأرض مهادا ، والجبال أوتادا ؟ وخلقناكم أزواجا ؟ وجعلنا نومكم سباتاً ؟ وجعلنا الليل لباسا ، وجعلنا النهار معاشا ؟ وبنينا فوقكم سبعاً شداداً ؟ وجعلنا سراجاً وهاجا ؟ وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ؟ لنخرج به حباً ونباتاً وجنات ألفافاً ؟ )
ومن هذا الحشد من الحقائق والمشاهد والصور والايقاعات يعود بهم إلى ذلك النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ، والذي هددهم به يوم يعلمون ! ليقول لهم ماهو ؟ وكيف يكون : ( إن يوم الفصل كان ميقاتا . يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا . وفتحت السماء فكانت أبوابا . وسيرت الجبال فكانت سرابا ) ..
ثم مشهد العذاب بكل قوته وعنفه : ( إن جهنم كانت مرصاداً ، للطاغين مآبا ، لابثين فيها أحقابا ، لايذوقون فيها برداً ولاشراباً . إلا حميماً وغساقاً . إنهم كانوا لايرجون حساباً ، وكذبوا بآياتنا كذاباً ، وكل شيء أحصيناه كتابا فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً ) ..
ومشهد النعيم وهو يتدفق تدفقاً : ( إن للمتقين مفازاً : حائق وأعناباً ، وكواعب أتراباً ، وكأساً دهاقاً ، لايسمعون فيها لغواً ولا كذاباً . جزاء من ربك عطاء حساباً )
وتختم السورة بإيقاع جليل في حقيقته وفي المشهد الذي يعرض فيه . وبإنذار وتذكير قبل أن يجيء اليوم الذي يكون فيه هذا المشهد الجليل : ( رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكوم منه خطابا . يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لايتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً . ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخد إلى ربه مآبا .إنا أنذرناكم عذاباً قريباً يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ، ويقول الكافر ياليتني كمت تراباً ) ذلك هو النبأ العظيم . الذي يتساءلون عنه . وذلك ما سيكون يوم يعلمون ذلك النبأ العظيم !
المصدر : في ظلال القرآن - سيد قطب .
وصلات خارجية
|