الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الأول/الصفحة الستون


كتـاب الصلاة

أوقـــات الصـلاة

392 - مسألة : ولا تحل الصلاة في عطن إبل ، وهو الموضع الذي تقف فيه الإبل عند ورودها الماء وتبرك ، وفي المراح والمبيت ، فإن كان لرأس واحد من الإبل أو لرأسين فالصلاة فيه جائزة ، وإنما تحرم الصلاة إذا كان لثلاثة فصاعدا . [ ثم استدركنا فقلنا : إنه لا تجوز الصلاة ألبتة في الموضع المتخذ لبروك جمل واحد فصاعدا ، ولا في المتخذ عطنا لبعير واحد فصاعدا ؛ على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى ] . والصلاة إلى البعير جائزة وعليه ، فإن انقطع أن تأوي الإبل إلى ذلك المكان حتى يسقط عنه اسم عطن : جازت الصلاة فيه فمن صلى في عطن إبل بطلت صلاته عامدا كان أو جاهلا . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري والقاسم بن زكرياء ؛ قال أبو كامل : ثنا أبو عوانة عن عثمان بن عبد الله بن موهب ؛ وقال القاسم بن زكريا : ثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان كلاهما عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة عن النبي ﷺ : { أن رجلا سأله : أصلي في مبارك الإبل قال : لا } . حدثنا يونس بن عبد الله ثنا أبو عيسى بن أبي عيسى القاضي ثنا أحمد بن خالد ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا لم تجدوا إلا مرابض الغنم وأعطان الإبل فصلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في معاطن الإبل } . وروينا ذلك أيضا بإسناد في غاية الصحة عن البراء بن عازب ، وعبد الله بن مغفل كلاهما عن رسول الله ﷺ . فهذا نقل تواتر يوجب يقين العلم . وقد احتج بعض من خالف هذا بأن قال : قد صح عن النبي ﷺ أنه قال : { فضلت على الأنبياء بست فذكر فيها وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فحيثما أدركتك الصلاة فصل } . وقال : وهذه فضيلة ، والفضائل لا تنسخ ، وذكر قول الله تعالى : { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } . فقلنا : إن هذا كله حق ، وليس للنسخ ههنا مدخل ، والواجب استعمال كل هذه النصوص ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن يستثنى الأقل من الأكثر ، فتستعمل جميعا حينئذ ، ولا يحل لمسلم مخالفة شيء منها ولا تغليب بعضها على بعض بهواه ثم نسأل المخالف - : عن الصلاة في كنيف أو مزبلة - إن كان شافعيا ، أو حنفيا وعن صلاة الفريضة في جوف الكعبة إن كان مالكيا وعن الصلاة في أرض مغصوبة إن كان من أصحابنا فإنهم يمنعون من الصلاة في هذه المواضع ويختصونها من الآية المذكورة ومن الفضيلة المنصوصة ، وقد قال تعالى وذكر مسجد الضرار : { لا تقم فيه أبدا } فحرم الصلاة فيه وهو من الأرض فصح أن الفضيلة باقية ، وأن الأرض كلها مسجد وطهور إلا مكانا نهى الله تعالى عن الصلاة فيه ، فإن قيل : قد صلى رسول الله ﷺ على بعيره وإلى بعيره قلنا : نعم ومن منع هذا فهو مبطل ، ومن صلى على بعيره أو إلى بعيره فلم يصل في عطن إبل ، وعن هذا جاء النهي لا عن الصلاة إلى البعير . وقد زاد بعضهم كذبا وجرأة وافتراء على رسول الله ﷺ فقال : إنما نهى عن الصلاة في معاطنها ومباركها لنفارها واختلاطها ، أو لأن الراعي يبول بينها قال علي : وهذا كذب مجرد على النبي ﷺ وإخبار عنه بالباطل وبما لم يقله عليه السلام قط ، ولو أطلق مثل هذا على رجل من عرض الناس لكان إثما وفسقا ، فكيف على رسول الله ﷺ ولو أنه عليه السلام أراد ما ذكروا لبينه ثم هبك أنه كما قالوا - ومعاذ الله من ذلك - فإن النهي والتحريم بذلك باق كما كان ، فكيف يستحلون أن يصححوا النهي ويدعوا أنه لعلة يذكرونها - : ثم يبيحون ما صح النهي عنه هذا أمر ما ندري كيف هو ونعوذ بالله من البلاء وقد روينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : لا تصلوا في أعطان الإبل . وسئل مالك عمن لم يجد إلا عطن إبل قال : لا يصلي فيه ، قال : فإن بسط عليه ثوبا قال : لا ، أيضا . وقال أحمد بن حنبل : من صلى في عطن إبل أعاد أبدا ، فإن قيل : فإنه قد روي عنه أنه قال : { فإنها خلقت من الشياطين } . قلنا : نعم ، هذا حق ، ونحن نقر بهذا ، ولا اعتراض في هذا على نهيه عليه السلام عن الصلاة في أعطانها قال علي : والبعير والبعيران لا يشك في أن الموضع المتخذ لمبركهما أو لمبرك أحدهما داخل في جملة مبارك الإبل وعطن الإبل ، وكل عطن فهو مبرك . وليس كل مبرك عطنا ؛ لأن العطن هو الموضع الذي تناخ فيه عند ورودها الماء فقط ، والمبرك أعم ؛ لأنه الموضع المتخذ لبروكها في كل حال . وإذا سقط عن العطن والمبرك اسم عطن ومبرك فليس عطنا ولا مبركا ؛ فالصلاة فيه جائزة . فأما قولنا : عالما كان أو غير عالم ؛ فلأنه أتى بالصلاة في غير موضعها ومكانها ، والصلاة لا تصح إلا في زمان ومكان محدودين ، فإذا لم تؤد في مكانها وزمانها فليست هي التي أمر الله تعالى بها ، بل هي غيرها . وبالله تعالى التوفيق .

393 - مسألة : ولا تحل الصلاة في حمام ، سواء في ذلك مبدأ بابه إلى منتهى جميع حدوده ، ولا على سطحه ، ومستوقده ، وسقفه ، وأعالي حيطانه ، خربا كان أو قائما : فإن سقط من بنائه شيء فسقط عنه اسم " حمام " جازت الصلاة في أرضه حينئذ . ولا في مقبرة - مقبرة مسلمين كانت أو مقبرة كفار - ، فإن نبشت وأخرج ما فيها من الموتى جازت الصلاة فيها . ولا إلى قبر ، ولا عليه ، ولو أنه قبر نبي أو غيره ، فإن لم يجد إلا موضع قبر أو مقبرة ، أو حماما ، أو عطنا ، أو مزبلة ، أو موضعا فيه شيء أمر باجتنابه - : فليرجع ولا ويصلي هنالك جمعة ، ولا جماعة ، فإن حبس في موضع مما ذكرنا فإنه يصلي فيه ، ويجتنب ما افترض عليه اجتنابه بسجوده ، لكن يقرب مما بين يديه من ذلك ما أمكنه ، ولا يضع عليه جبهة ، ولا أنفا ، ولا يدين ولا ركبتين ، ولا يجلس إلا القرفصاء ؛ فإن لم يقدر إلا على الجلوس ، أو الاضطجاع ؛ صلى كما يقدر وأجزأه . برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا حجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى الأنصاري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال : { الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة } . حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الرقي ثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا أبو كامل هو الجحدري - ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال : { الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة } . قال البزار : أسنده أيضا عن عمرو بن يحيى أبو طوالة عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري وأحمد بن إسحاق . قال علي : قال بعض من لا يتقي عاقبة كلامه في الدين : هذا حديث أرسله سفيان الثوري ، وشك في إسناده موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة . قال علي : فكان ماذا لا سيما وهم يقولون : إن المسند كالمرسل ولا فرق ثم أي منفعة لهم في شك موسى ولم يشك حجاج وإن لم يكن فوق موسى فليس دونه أو في إرسال سفيان - وقد أسنده حماد ، وعبد الواحد ، وأبو طوالة ، وابن إسحاق ، وكلهم عدل حدثنا أحمد بن محمد الجسور ثنا أحمد بن الفضل الدينوري ثنا محمد بن جرير الطبري ثنا محمد بن بشار بندار ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد الله بن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني بسر بن عبيد الله سمعت أبا إدريس الخولاني قال : سمعت واثلة بن الأسقع يقول : سمعت أبا مرثد الغنوي يقول : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها } . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبيري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة : أن عائشة وابن عباس أخبراه : { أن رسول الله ﷺ لما حضرته الوفاة جعل يلقي على وجهه طرف خميصة له ، فإذا اغتم كشفها عن وجهه ، وهو يقول لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، تقول عائشة يحذر مثل ما صنعوا } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن إبراهيم وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له - : قال إسحاق : أخبرنا زكرياء بن عدي . وقال أبو بكر : ثنا زكرياء بن عدي عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث النجراني حدثني { جندب قال سمعت رسول الله ﷺ قبل أن يموت بخمس : " وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، إني أنهاكم عن ذلك } في حديث طويل . قال علي : من زعم أنه عليه السلام أراد بذلك قبور المشركين فقد كذب على رسول الله ﷺ ؛ لأنه عليه السلام عم بالنهي جميع القبور ، ثم أكد بذمه من فعل ذلك في قبور الأنبياء والصالحين . قال علي : فهذه آثار متواترة توجب ما ذكرناه حرفا حرفا ، ولا يسع أحدا تركها . وبه يقول طوائف من السلف رضي الله عنهم . روينا عن نافع بن جبير بن مطعم أنه قال : ينهى أن يصلى وسط القبور والحمام ، والحشان . وعن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : لا تصلين إلى حش ، ولا في حمام ، ولا في مقبرة قال علي : ما نعلم لابن عباس في هذا مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم ، وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق تقليدهم وعن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال : كانوا يكرهون أن يتخذوا ثلاث أبيات قبلة : الحش ، والحمام ، والقبر وعن العلاء بن زياد عن أبيه ، وعن خيثمة بن عبد الرحمن أنهما قالا : لا تصل إلى حمام ، ولا إلى حش ، ولا وسط مقبرة . وقال أحمد بن حنبل : من صلى في حمام أعاد أبدا وعن وكيع عن سفيان الثوري عن حميد عن أنس قال : رآني عمر بن الخطاب أصلي إلى قبر فنهاني ، وقال : القبر أمامك . وعن معمر عن ثابت البناني عن أنس قال : رآني عمر بن الخطاب أصلي عند قبر فقال لي : القبر لا تصل إليه قال ثابت : فكان أنس يأخذ بيدي إذا أراد أن يصلي فيتنحى عن القبور . وعن علي بن أبي طالب : من شرار الناس من يتخذ القبور مساجد وعن ابن عباس رفعه : { لا تصلوا إلى قبر ، ولا على قبر } وعن ابن جريج أخبرني ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول : قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . قال ابن جريج : قلت لعطاء : أتكره أن تصلي وسط القبور أو إلى قبر قال : نعم - كان ينهى عن ذلك - لا تصل وبينك وبين القبلة قبر ؛ فإن كان بينك وبينه سترة ذراع فصل قال ابن جريج : وسئل عمرو بن دينار عن الصلاة وسط القبور فقال : ذكروا أن رسول الله ﷺ قال : { كانت بنو إسرائيل اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فلعنهم الله } قال ابن جريج : وأخبرني عبد الله بن طاوس عن أبيه قال : لا أعلمه إلا أنه كان يكره الصلاة وسط القبور كراهية شديدة وعن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال : كانوا إذا خرجوا في جنازة تنحوا عن القبور للصلاة وقال أحمد بن حنبل : من صلى في مقبرة أو إلى قبر أعاد أبدا قال علي : فهؤلاء عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وأبو هريرة ؛ وأنس ، وابن عباس : ما نعلم لهم مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم قال علي : وكره الصلاة إلى القبر ، وفي المقبرة ، وعلى القبر : أبو حنيفة ، والأوزاعي ، وسفيان ، ولم ير مالك بذلك بأسا ، واحتج له بعض مقلديه بأن { رسول الله ﷺ صلى على قبر المسكينة السوداء } قال علي : وهذا عجب ناهيك به أن يكون هؤلاء القوم يخالفون هذا الخبر فيما جاء فيه ، فلا يجيزون أن تصلى صلاة الجنازة على من قد دفن ثم يستبيحون بما ليس فيه من أثر ولا إشارة مخالفة السنن الثابتة ، ونعوذ بالله من الخذلان قال علي : وكل هذه الآثار حق ، فلا تحل الصلاة حيث ذكرنا ، إلا صلاة الجنازة فإنها تصلى في المقبرة ، وعلى القبر الذي قد دفن فيه صاحبه ، كما فعل رسول الله ﷺ نحرم ما نهى عنه ، ونعد من القرب إلى الله تعالى أن نفعل مثل ما فعل ؛ فأمره ونهيه حق ، وفعله حق ، وما عدا ذلك فباطل ؛ والحمد لله رب العالمين . وأما قولنا : أن يرجع من لم يجد موضعا غير ما ذكرنا ؛ فإنه لم يجد موضعا تحل فيه الصلاة ؛ وكذلك لو وجد زحاما لا يقدر معه على ركوع ولا سجود وأما المحبوس فليس قادرا على مفارقة ذلك الموضع ، ولا على الصلاة في غيره ، فله حكم أمر رسول الله ﷺ إذ يقول : { إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } فهذا يسقط عنه ما عجز عنه ، ويلزمه ما قدر عليه ، ويجتنب ما قدر على اجتنابه مما نهي عنه . قال عز وجل { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }

394 - مسألة : ولا تجوز الصلاة في أرض مغصوبة ولا متملكة بغير حق من بيع فاسد أو هبة فاسدة أو نحو ذلك من سائر الوجوه وكذلك من كان في سفينة مغصوبة أو فيها لوح مغصوب لولاه لغرقها الماء ، فإنه إن قدر على الخروج عنها فصلاته باطلة . وكذلك الصلاة على وطاء مغصوب أو مأخوذ بغير حق . أو على دابة مأخوذة بغير حق ، أو في ثوب مأخوذ بغير حق ، أو في بناء مأخوذ بغير حق وكذلك إن كان مسامير السفينة مغصوبة ، أو خيوط الثوب الذي خيط بها مغصوبة . أو أخذ كل ذلك بغير حق ، فإن كان لا يقدر على مفارقة ذلك المكان أصلا ، ولا على الخروج عن السفينة أو كان اللوح لا يمنع الماء من الدخول ، أو كان غير مستظل بذلك البناء ولا مستترا به ، أو كان قد يئس [ من ] معرفة من أخذ منه ذلك الشيء بغير حق ، أو كانت سفينة أو بناء لم يغصب شيء من أعيانها لكن سخر الناس فيها ظلما : فالصلاة في كل ذلك جائزة ، قدر على مفارقة ذلك المكان أو لم يقدر . وكذلك إن خشي البرد وأذاه ، أو الحر وأذاه ، فله أن يصلي في الثوب المأخوذ بغير حق ؛ وعليه إذا كان صاحبه غير مضطر إليه ؛ وإلا فلا ؛ وكذلك الأرض المباحة التي لم يحظرها صاحبها ولا منع منها ، فالصلاة فيها جائزة برهان ذلك - : قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم } وقال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } صح ذلك من طريق أبي بكرة ، وعبد الله بن عمر ، ونبيط بن شريط الأشجعي . وقال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . فإذا كان من حرم الله عليه الدخول إلى مكان ما ، والإقامة فيه ، ولباس ثوب ما ، والتصرف فيه ، أو استعمال شيء ما : ففعل في صلاته كل ما حرم عليه فلم يصل كما أمر ؛ ومن لم يصل كما أمر فلم يصل أصلا ، والصلاة طاعة وفريضة ، قيامها وقعودها والإقامة فيها ، وبعض اللباس فيها ، فإذا قعد حيث نهي عنه ؛ أو عمل متصرفا فيما حرم أو استعمل ما حرم عليه : فإنما أتى بعمل معصية ، وقعود معصية ، من الباطل أن تنوب المعصية المحرمة عن الطاعة المفترضة ، وأن يجزئ الضلال والفسوق عن الهدى والحق وقد عارض ذلك بعض المتعسفين فقال : يلزمكم إذا طلق في شيء مما ذكرتم ، أو أعتق فيه ، أو نكح فيه ، أو باع فيه ، أو اشترى ، أو وهب ؛ أو تصدق - : أن تنقضوا كل ذلك وكذلك من صبغ لحيته بحناء مغصوبة ثم صلى ومن تعلم القرآن من مصحف مسروق أن ينساه ، أو علمه إياه عبد آبق ، وأكثروا من مثل هذه الحماقات وقالوا : كل من ذكرتم بمنزلة من صلى مصرا على الزنى ، وقتل النفس ، وشرب الخمر ، والسرقة - ولا فرق قال علي : ليس شيء مما قالوا من باب ما قلنا ، لأن الصلاة لا بد فيها من إقامة في مكان واحد ، ومن جلوس مفترض . ومن ستر عورة ، ومن ترك كل عمل لم يبح له في الصلاة ، ومن زمان محدود مؤقت لها ، ومن مكان موصوف لها ، ومن ماء يتطهر به أو تراب يتيمم به إن قدر على ذلك ، هذا ما لا خلاف فيه بيننا وبينهم ، ولا بين أحد من أهل الإسلام وليس الطلاق ، ولا النكاح ، ولا العتاق ، ولا البيع ، ولا الهبة ، ولا الصدقة ، ولا تعلم القرآن - . معلقا بشيء مما ذكرنا ، ولا مأمورا فيه بهيئة ما ، ولا بجلوس ولا بد ، ولا بقيام على صفة ، ولا بمكان موصوف ، لكن كل هذه الأعمال أيضا محتاجة ولا بد إلى ألفاظ موضوعة ، أو أعمال محدودة ، وأوقات محدودة ، فكل من أتى بالصلاة ، أو النكاح ، أو الطلاق ، أو البيع ، أو الهبة ، أو الصدقة ، على خلاف ما أمره الله تعالى به على لسان رسول الله ﷺ فهو كله باطل لا يصح منه شيء لا طلاق ، ولا نكاح ، ولا عتاق ، ولا هبة ، ولا صدقة ، وكذلك كل شيء من أعمال الشريعة - ولا فرق فمن صلى فجعل الجلوس المحرم عليه بدل الجلوس المأمور به ؛ والإقامة المحرمة عليه بدل الإقامة المفترضة عليه ؛ وستر عورته بما حرم عليه سترها به ؛ وأتى بها في غير الزمان الذي أمر بأن يأتي بها فيه ، أو في غير المكان الذي أمر أن يأتي بها فيه ، وعوض من ذلك زمانا ومكانا حرما عليه ؛ وعوض الماء المحرم عليه ، أو التراب المحرم عليه من الماء المأمور به ، أو التراب المأمور به - : فلم يصل قط الصلاة التي أمره الله تعالى بها ؛ وهو والذي صلى إلى غير القبلة عمدا سواء ولا فرق ؛ وكلاهما صلى بخلاف ما أمر به وكذلك من طلق أجنبية ، أو بغير الكلام الذي جعل الله تعالى الطلاق به وحرم به الفرج الذي كان حلالا ، أو نكح ذات زوج ؛ أو في عدة ، أو بغير الكلام الذي أباح به النكاح وحلل به الفرج الحرام قبله ؛ أو باع بيعا محرما ؛ أو اشترى من غير مالك ؛ أو وهب هبة لم يطلق عليها ، أو أعتق عتقا حرم عليه ؛ كمن أعتق غلام غيره ، أو تصدق بثوب على الأوثان - فكل ذلك باطل مردود ، لا يصح شيء منه ، وليس تبطل شريعة بما تبطل به أخرى ؛ لكن بأن يعمل بخلاف ما أمر الله تعالى بأن تعمل عليه والذي صبغ لحيته بحناء مغصوبة ، فإن صلى حاملا لتلك الحناء فلا صلاة له . وأما إذا نزعها ولم يصل بها - فاللون غير متملك - فلم يصل بخلاف ما أمر وأما المصر على المعاصي فقد صح عن النبي ﷺ : أن كل من كان من أمته فقد عفا الله عز وجل له عن كل ما حدث به نفسه من قول أو عمل ، فهذا معفو له عنه ، فإن قيل : فأنتم تبطلون صلاة من نوى خروجه من الصلاة ، وإن لم يعمل ولا قال قلنا : بلى قد عمل ، لأنه بنيته تلك صار وقوفه - إن كان واقفا ؛ وقعوده - إن كان قاعدا ؛ وركوعه - إن كان راكعا ؛ وسجوده - إن كان ساجدا - : عملا يعمله ظاهرا لغير الصلاة ؛ فقد بطلت صلاته ؛ إذ حال عامدا بين أعمالها بما ليس منها ؛ لكن لو نوى أن يبطلها في غير وقته ذلك لم تبطل بذلك صلاته - وبالله تعالى التوفيق . وأما من عجز عن المفارقة لشيء مما ذكرنا فقد قال الله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } وأخبر عليه السلام : أنه عفا الله عن أمته الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه ؛ فهذا مضطر مكره ؛ فلا تبطل صلاته إلا بنص جلي في إبطالها بذلك ، كالحدث المتفق على أنه لا يجزئ التمادي في الصلاة إثره إلا بإحداث وضوء وأما السفينة ، والبناء الذي سخر الناس ظلما فيهما فليس هناك عين محرمة كان المصلي مستعملا لها ، والآثار لا تتملك ، فإن يئس من معرفة صاحبه فقد صار من جماعة المسلمين - وهو أحدهم - فله التصرف فيه حينئذ - وبالله تعالى التوفيق

محلى ابن حزم - المجلد الأول/كتاب الصلاة

كتاب الصلاة (مسألة 275 - 280) | كتاب الصلاة (مسألة 281 - 284) | كتاب الصلاة (مسألة 285) | كتاب الصلاة (مسألة 286) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 286) | كتاب الصلاة (مسألة 287 - 295) | كتاب الصلاة (مسألة 296 - 300) | كتاب الصلاة (مسألة 301) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 301) | كتاب الصلاة (مسألة 302 - 313) | كتاب الصلاة (مسألة 314 - 321) | كتاب الصلاة (مسألة 322 - 334) | كتاب الصلاة (مسألة 335) | كتاب الصلاة (مسألة 336) | كتاب الصلاة (مسألة 337 - 347) | كتاب الصلاة (مسألة 344 - 348) | كتاب الصلاة (مسألة 349) | كتاب الصلاة (مسألة 350 - 353) | كتاب الصلاة (مسألة 354 - 360) | كتاب الصلاة (مسألة 361 - 368) | كتاب الصلاة (مسألة 369 - 371) | كتاب الصلاة (مسألة 372 - 376) | كتاب الصلاة (مسألة 377 - 384) | كتاب الصلاة (مسألة 385 - 391) | كتاب الصلاة (مسألة 392 - 394) | كتاب الصلاة (مسألة 395 - 412) | كتاب الصلاة (مسألة 413 - 420) | كتاب الصلاة (مسألة 421 - 434) | كتاب الصلاة (مسألة 435 - 442) | كتاب الصلاة (مسألة 443 - 446) | كتـاب الصلاة (مسألة 447 - 453) | كتـاب الصلاة (مسألة 454 - 458) | كتـاب الصلاة (مسألة 459 - 461) | كتـاب الصلاة (مسألة 462 - 466) | كتـاب الصلاة (مسألة 467 - 472) | كتـاب الصلاة (مسألة 473 - 484) | كتـاب الصلاة (مسألة 485) | كتـاب الصلاة (مسألة 486 - 488) | كتـاب الصلاة (مسألة 489 - 493) | كتـاب الصلاة (مسألة 494 - 496) | كتـاب الصلاة (مسألة 497 - 504) | كتـاب الصلاة (مسألة 505) | كتـاب الصلاة (مسألة 506 - 510) | كتـاب الصلاة (مسألة 511 - 512) | كتـاب الصلاة (مسألة 513) | كتـاب الصلاة (مسألة 514 - 518) | كتـاب الصلاة (مسألة 519 - 520) | كتاب الصلاة (مسألة 521 - 523) | كتاب الصلاة (مسألة 524 - 529) | كتاب الصلاة (مسألة 530 - 540) | كتاب الصلاة (مسألة 543 - 553) | كتاب الصلاة (مسألة 554 - 555) | كتاب الصلاة (مسألة 556 - 557)