→ كتـاب الصلاة (مسألة 462 - 466) | ابن حزم - المحلى كتـاب الصلاة (مسألة 467 - 472) المؤلف: ابن حزم |
كتـاب الصلاة (مسألة 473 - 484) ← |
كتـاب الصلاة
سجود السهو
467 - مسألة : كل عمل يعمله المرء في صلاته سهوا وكان - ذلك العمل مما لو تعمده ذاكرا بطلت صلاته - : فإنه يلزمه في السهو سجدتا السهو ؟ ويشبه أن يكون هذا مذهب الشافعي إلا أنه رأى السهو في ترك الجلسة بعد الركعتين ، وظاهر مذهبه أنها ليست فرضا ؟ وقال : من أسقط شيئا من صلب صلاته سهوا فعليه سجود السهو ؟ وقال أبو سليمان وأصحابنا : لا سجود سهو إلا في مواضع ، وهي - : من سلم أو تكلم أو مشى ساهيا في الصلاة المفروضة . أو من قام من اثنتين في صلاة مفروضة ومن شك فلم يدر كم صلى ؟ أو من زاد في صلاته ركعة فما فوقها ساهيا في صلاة مفروضة وقال أبو حنيفة : لا سجود سهو إلا في عشرة أوجه - : إما قيام مكان قعود وإما قعود مكان قيام - للإمام أو الفذ وإما سلام قبل تمام الصلاة للإمام أو الفذ أو نسيان تكبير صلاة العيد خاصة للإمام أو الفذ أو نسيان القنوت في الوتر للإمام أو الفذ أو نسيان التشهد للإمام أو الفذ أو نسيان ( أم القرآن ) للإمام أو الفذ أو تأخيرها بعد قراءة السورة للإمام أو للفذ أو من جهر في قراءة سر أو أسر في قراءة جهر للإمام خاصة ، فقط ؟ قال : فإن تعمد ذلك فصلاته تامة ولا سجود سهو عليه ؟ قال : فإن نسي سجدة أو شك فلم يدر كم صلى ؟ فإن كان ذلك أول مرة : أعاد الصلاة ؟ وإن كان قد عرض له ذلك ولو مرة : سجد للسهو فإن لم يذكر ذلك إلا بعد أن خرج من المسجد : بطلت صلاته وأعادها . وأما مذهب مالك في سجوده لسهو فغير منضبط ، لأنه رأى فيمن ترك ثلاث تكبيرات من الصلاة فصاعدا غير تكبيرة الإحرام - : أن يسجد للسهو . فإن لم يفعل حتى انتقض وضوءه ، أو تطاول ذلك : بطلت صلاته وأعادها . ورأى فيمن سها عن تكبيرتين من الصلاة كذلك : أن يسجد للسهو ؟ فإن لم يفعل حتى انتقض وضوءه أو تطاول ذلك : فلا شيء عليه وصلاته تامة ، ولا سجود سهو عليه . ورأى فيمن سها عن تكبيرة واحدة غير تكبيرة الإحرام أن لا شيء عليه ، لا سجود سهو ولا غيره . ورأى على من جعل " الله أكبر " مكان " سمع الله لمن حمده " سجود السهو . ورأى على من جهر في قراءة سر ، أو أسر في قراءة جهر ، إن كان ذلك قليلا فلا شيء عليه ، وإن كان كثيرا فعليه سجود السهو ؟ قال علي : ورأى فيمن سها عن قراءة ( أم القرآن ) في ركعتين من صلاته فصاعدا : أن صلاته تبطل . فإن سها عنها في ركعة - : فمرة رأى سجود السهو فقط ومرة رأى عليه أن يأتي بركعة ويسجد للسهو ؟ قال علي : أما قول أبي حنيفة فأفسد من أن يشتغل به فإنه لم يتعلق فيه بقرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا بقياس ، ولا بقول صاحب ، ولا برأي سديد بل لا نعلم أحدا قاله قبله وكذلك قول مالك سواء سواء ، وزيادة أنه لا يختلف مسلمان في - : أن كل صلاة فرض - تكون أربع ركعات - فإن فيها اثنتين وعشرين تكبيرة سوى تكبيرة الإحرام ؟ وأن صلاة المغرب فيها ست عشرة تكبيرة سوى تكبيرة الإحرام ؟ وأن كل صلاة فرض تكون ركعتين ففيها عشر تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام ؟ فتسويتهم بين من سها عن ثلاث تكبيرات وبين من سها عن تكبيرتين ، وتفريقهم بين من سها عن تكبيرتين ، وبين من سها عن تكبيرة واحدة - : أحد عجائب الدنيا وحسبنا الله ونعم الوكيل وأما قول الشافعي فظاهر التناقض - : إذ رأى سجود السهو في ترك الجلسة الأولى ، وليست عنده فرضا ولم ير سجود السهو في ترك جميع تكبير الصلاة - حاشا تكبيرة الإحرام - ولا في العمل القليل - الذي تفسد الصلاة عنده بكثيره ولم يجد في القليل الذي أسقط فيه السجود حدا يفصله به مما تبطل الصلاة عنده بتعمده ، ويجب سجود السهو في سهوه ، وهذا فاسد جدا ومن العجب قوله " صلب الصلاة " وما علم الناس للصلاة صلبا ولا بطنا ولا كبدا ولا معيا ومثل هذا قد أغنى ظاهر فساده عن تكلف نقضه وأما قول أصحابنا فإنهم قالوا : لا سجود سهو إلا حيث سجده رسول الله ﷺ أو أمر بسجوده ، ولم يسجد عليه السلام إلا حيث ذكرنا ؟ قال علي : وهذا قول صحيح لا يحل خلافه ، إلا أننا قد وجدنا خبرا صحيحا يوجب صحة قولنا وجعلوه معارضا لغيره ، وهذا باطل لا يجوز ، بل الأخبار كلها تستعمل ، ولا يحل ترك شيء منها ، فإن لم يكن وجب الأخذ بالشرع الزائد الوارد فيها ، لأنه حكم من الله تعالى ، فلا يحل تركه ؟ قال علي : وبرهان صحة قولنا هو أن أعمال الصلاة قسمان - بيقين لا شك فيه - لا ثالث لهما - : إما فرض ، يعصي من تركه ، وإما غير فرض ، فلا يعصي من تركه ؟ فما كان غير فرض فهو مباح فعله ، ومباح تركه ؟ وإن كان بعضه مندوبا إليه مكروها تركه . فما كان مباحا تركه فلا يجوز أن يلزم حكما في ترك أمر أباح الله تعالى تركه ، فيكون فاعل ذلك شارعا ما لم يأذن به الله تعالى ؟ وأما الفرض - وهو القسم الثاني - وهو الذي تبطل الصلاة بتعمد تركه ولا تبطل بالسهو فيه ، لقول الله تعالى : { ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } . فإذ الصلاة لا تبطل بالسهو فيه وكان سهوا ، ففيه سجود السهو ، إذ لم يبق غيره ، فلا يجوز أن يخص بعضه بالسجود دون بعض - وبالله تعالى التوفيق . قال علي : وقد جاء ما قلنا نصا - : كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا القاسم بن زكريا ثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائدة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال { صلينا مع رسول الله ﷺ فإما زاد أو نقص - شك إبراهيم قال ابن مسعود قلنا : يا رسول الله ، أحدث في الصلاة شيء ؟ قال : لا ، فقلنا له الذي صنع ، فقال : إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين } حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا إسماعيل بن مسعود الجحدري ثنا خالد بن الحارث ثنا شعبة قال : قرأت على منصور ، وسمعته يحدث ، وكتب به إلي عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود : أن رسول الله ﷺ قال لهم : { إنما أنا بشر ، فإذا نسيت فذكروني ، إذا أوهم أحدكم في صلاته فليتحر أقرب ذلك من الصواب ثم ليتم عليه ثم ليسجد سجدتين } قال علي : فهذا نص قولنا في إيجاب السجود في كل زيادة ونقص في الصلاة ، وكل وهم ، ولا يقال لمن أدى صلاته بجميع فرائضها كما أمره الله تعالى : أنه زاد في صلاته ، ولا نقص منها ، ولا أوهم فيها ، بل قد أتمها كما أمر ، وإنما الزائد في الصلاة ، أو الناقص منها ، والواهم : من زاد فيها ما ليس منها ، أو نقص منها ما لا تتم إلا به على سبيل الوهم - وبالله تعالى التوفيق . وقد قال بقولنا طائفة من السلف رضي الله عنهم : - كما روينا عن حماد بن سلمة عن سعيد بن قطن : أن أبا زيد الأنصاري قال : إذا أوهم أحدكم في صلاته فليسجد سجدتي الوهم ؟ وعن الحجاج بن المنهال عن أبي عوانة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال : لا وهم إلا في قعود ، أو قيام ، أو زيادة ، أو نقصان ، أو تسليم في ركعتين ؟ ومن طريق معمر عن قتادة عن أنس : أنه نسي ركعة من الفريضة حتى دخل في التطوع ، ثم ذكر ، فصلى بقية صلاة الفريضة ، ثم سجد سجدتين وهو جالس ؟ قال علي : ما نعلم لأنس في هذا مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم وعن ابن جريج - قلت لعطاء : فإن استيقنت أني صليت خمس ركعات ؟ قال : فلا تعد ولو صليت عشر ركعات ، واسجد سجدتي السهو ؟ وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري إذا زدت أو نقصت : فاسجد سجدتي السهو
468 - مسألة : قال علي : وكل ما عمله المرء في صلاته سهوا من كلام أو إنشاد شعر ، أو مشي أو اضطجاع ، أو استدبار القبلة أو عمل أي عمل كان ، أو أكل أو شرب ، أو زيادة ركعة أو ركعات ، أو خروج إلى تطوع - كثر ذلك أو قل - أو تسليم قبل تمامها ، فإنه متى ذكر - طال زمانه أو قصر ، ما لم ينتقض وضوءه - : فإنه يتم ما ترك فقط ، ثم يسجد سجدتي السهو ، إلا انتقاض الوضوء ، فإنه تبطل به الصلاة ، لما ذكرنا قبل ؟ برهان ذلك - : ما ذكرناه في المسألة التي قبل هذه متصلة بها . وقال أبو حنيفة : من تكلم في صلاته ساهيا : بطلت صلاته . فإن سلم منها ساهيا : لم تبطل صلاته . فإن أكل ساهيا - أو زاد ركعة ، ولم يكن جلس في آخرها مقدار التشهد : بطلت صلاته - فإن بال أو تغوط بغلبة : لم تبطل صلاته . فإن عطس فقال " الحمد لله " محركا بها لسانه : بطلت صلاته قال علي : وهذا الكلام فيه من التخليط والقبح - مع مخالفة السنة - ما نسأل الله تعالى السلامة من مثله - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو جعفر محمد بن الصباح وأبو بكر بن أبي شيبة قالا : ثنا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية - عن الحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال { بينا أنا أصلي مع رسول الله ﷺ إذ عطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت ، فلما صلى رسول الله ﷺ فبأبي هو وأمي ، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ، قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ، أو كما قال رسول الله ﷺ } . حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن : قرئ على أبي قلابة وأنا أسمع : حدثكم بشر بن عمر الزهراني حدثني رفاعة بن يحيى إمام مسجد بني زريق قال : سمعت معاذ بن رفاعة بن رافع يحدث عن أبيه قال : { صلينا مع رسول الله ﷺ المغرب فعطس رجل خلف النبي ﷺ فقال : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، فلما انصرف رسول الله ﷺ قال : لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا كلهم يبتدرونها أيهم يكتبها ويصعد بها إلى السماء } فهذا رسول الله ﷺ قد غبط الذي حمد الله تعالى إذا عطس في الصلاة جاهرا بذلك ، ولم يلزم الذي تكلم ناسيا بإعادة ، على ما ذكرنا فيما خلا من هذا الديوان ؟ . قال علي : وأما من فرق بين قليل العمل وكثيره ، فأبطل الصلاة بكثيره ولم يبطلها بقليله ، أو رأى سجود السهو في كثيره ولم يره في قليله ، أو حد الكثير بالخروج عن المسجد والقليل بأن لا يخرج عنه - : فكلام في غاية الفساد ونسألهم : عمن رمى نزقا لنسج مرة واحدة عامدا في الصلاة . أو أخذ حبة سمسمة عمدا ذاكرا فأكلها . أو تكلم بكلمة واحدة ذاكرا . فمن قولهم : إن قليل هذا وكثيره يبطل الصلاة . فنسألهم : عمن كثر حكه لجسده محتاجا إلى ذلك من أول صلاته إلى آخرها ، وكان عليه كساء فلوت فاضطر إلى جمعه على نفسه من أول الصلاة إلى آخرها . فمن قولهم : هذا كله مباح في الصلاة ؟ قلنا : صدقتم ، فهاتوا نصا أو إجماعا - غير مدعى بلا علم - على أن ههنا أعمالا يبطل الصلاة كثيرها ولا يبطلها قليلها . ثم هاتو نصا أو إجماعا متيقنا - : غير مدعى بالكذب على تحديد القليل من الكثير ولا سبيل إلى ذلك أبدا ؟ فصح ما قلناه : من أن كل عمل أبيح في الصلاة بالنص - : فقليله وكثيره مباح فيها ، وكل عمل لم يبح بالنص في الصلاة : فقليله وكثيره يبطل الصلاة بالعمد ، ويوجب سجود السهو إذا كان سهوا . وأما الخروج عن المسجد فرب مسجد يكون طوله أزيد من ثلاثمائة خطوة ورب مسجد يخرج منه بخطوة واحدة - وبالله تعالى التوفيق . { وقد سلم رسول الله ﷺ ساهيا وتكلم وراجع وخرج عن المسجد ودخل بيته ثم عرف فخرج فأتم ما بقي من صلاته وسجد لسهوه سجدتين فقط } . وقد قال عليه السلام { من رغب عن سنتي فليس مني } . وبهذا يبطل أيضا قول من قال " لكل سهو في الصلاة سجدتان " . وأما من قال : إن تطاولت المدة على من ترك سجود السهو بطلت صلاته ولزمه إعادتها ، وقول من قال : إن تطاولت المدة عليه سقط عنه سجود السهو وصحت صلاته - : فقولان في غاية الفساد ؟ وأول ذلك - : أنهما قولان بلا برهان ، وما كان هكذا فهو باطل ؟ والثاني : أنه يلزمهم الفرق بين تطاول المدة وبين قصرها بنص صحيح أو إجماع متيقن غير مدعى بالكذب ، ولا سبيل إلى ذلك ؟ والحق في هذا : هو أن من أمره رسول الله ﷺ بسجدتي السهو فقد لزمه أداء ما أمره به ، ولا يسقطه عنه رأي ذي رأي ، وعليه أن يفعل ما أمره به أبدا ، ولا يسقطه عنه إلا تحديد رسول الله ﷺ ذلك العمل بوقت محدود الآخر ؟ والعجب من قوم أتوا إلى أمر رسول الله ﷺ بالصلاة في وقت محدود الطرفين ، وبالصيام في وقت محدود الطرفين - فقالوا : لا يسقط عملهما ؟ وإن بطل ذلك الوقت الذي جعله الله تعالى وقتا لهما ولم يجعل ما عدا ذلك الوقت وقتا لهما ثم أتوا إلى سجود السهو الذي أمر به رسول الله ﷺ إصلاحا لما وهم فيه من فروض الصلاة ، وأطلق بالأمر به ولم يحده - : فأبطلوه بوقت حدوه من قبل أنفسهم وقولنا هذا هو قول الأوزاعي ، وقال به الشافعي في أول قوليه .
469 - مسألة : وإذا سها الإمام فسجد للسهو : ففرض على المؤتمين أن يسجدوا معه ، إلا من فاتته معه ركعة فصاعدا ، فإنه يقوم إلى قضاء ما عليه ، فإذا أتمه سجد هو للسهو ، إلا أن يكون الإمام سجد للسهو قبل السلام ففرض على المأموم أن يسجدهما معه ، وإن كان بقي عليه قضاء ما فاته ، ثم لا يعيد سجودهما إذا - سلم ؟ برهان ذلك - : { أن رسول الله ﷺ سها فسجد وسجد المسلمون معه بعلمه بذلك } ؟ وأما من عليه قضاء ركعة فصاعدا : فإن الإمام إذا سلم فقد خرج من صلاته ، ولزم المأموم القضاء ، لقول رسول الله ﷺ : { ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فاقضوا } . وقال عليه السلام أيضا : { فأتموا } فلا يجوز له الاشتغال بغير الإتمام المأمور به موصولا بما أدرك ، فلم يتم صلاته بعد ، والسجود للسهو لا يكون إلا في آخر الصلاة وبعد تمامها ، بأمره عليه السلام بذلك كما ذكرنا آنفا ؟ وأما إذا سجدهما الإمام قبل أن يسلم فقد قال رسول الله ﷺ : { إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا } ففرض عليه الائتمام به في كل ما يفعله الإمام في موضعه وإن كان موضعه للمأموم بخلاف ذلك ، وكذلك يفعل في القيام والقعود والسجود - وبالله تعالى التوفيق
470 - مسألة : وإذا سها المأموم ولم يسه الإمام ففرض على المأموم أن يسجد للسهو ، كما كان يسجد لو كان منفردا أو إماما ولا فرق ؟ لأن رسول الله ﷺ أمر كما أوردنا آنفا كل من أوهم في صلاته بسجدتي السهو ، ولم يخص عليه السلام بذلك إماما ولا منفردا من مأموم ، فلا يحل تخصيصهم في ذلك . ومن قال : إن الإمام يحمل السهو عن المأموم - : فقد أبطل ، وقال ما لا برهان له به ، وخالف أمر رسول الله ﷺ المذكور برأيه ، ولا خلاف منا ومنهم في أن من أسقط ركعة أو سجدة أو أحدث - سهوا كان كل ذلك أو عمدا - فإن الإمام لا يحمله عنه ، فمن أين وقع لهم أن يحمل عنه سائر ما سها فيه من فرض ؟ إن هذا لعجب . وقد روي هذا القول عن ابن سيرين وغيره . وهو قول أبي سليمان ، وبه نأخذ ؟
471 - مسألة : ومن سجد سجدتي السهو على غير طهارة أجزأتا عنه ونكره ذلك ؟ . برهان ذلك - : ما قد ذكرناه مما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية المرواني ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر غندر - وعبد الرحمن بن مهدي قالا جميعا : ثنا شعبة عن يعلى بن عطاء أنه سمع علي بن عبد الله الأزدي هو البارقي - أنه سمع ابن عمر يحدث عن النبي ﷺ أنه قال : { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى } . قال علي : فلا يجوز أن تكون صلاة غير مثنى ، إلا ما سماه رسول الله ﷺ صلاة وهو غير مثنى : كالفروض التي هي أربع أربع ، وكالوتر وكالصلاة قبل الظهر وبعد الجمعة أربعا لا تسليم بينهن ، وصلاة الجنائز . وما عدا ذلك فليس صلاة ، ولم يسم عليه السلام سجدتي السهو : صلاة . ولا وضوء يجب لازما إلا لصلاة - : كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة ثنا أبو عاصم عن ابن جريج ثنا سعيد بن الحويرث أنه سمع ابن عباس يقول : { إن النبي ﷺ قضى حاجته من الخلاء فقرب إليه طعام فأكل فلم يمس ماء } . قال ابن جريج - : وزادني عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث { أن النبي ﷺ قيل له : إنك لم تتوضأ ؟ قال : ما أردت صلاة فأتوضأ } قال عمرو : سمعته من سعيد بن الحويرث ؟ ورويناه أيضا عن سفيان بن عيينة وحماد بن زيد كلاهما عن عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث عن ابن عباس عن رسول الله ﷺ أنه قال نحو ذلك
472 - مسألة : والأفضل أن يكبر لكل سجدة من سجدتي السهو ويتشهد بعدهما ويسلم منهما ، فإن اقتصر على السجدتين دون شيء من ذلك أجزأه قال علي : أما الاقتصار على السجدتين فقط ، فلما أوردناه آنفا من أمره عليه السلام من أوهم في صلاته أو زاد أو نقص : بسجدتين ، ولم يأمر عليه السلام فيهما بغير ذلك ؟ وأما اختيارنا التكبير لهما والتشهد والسلام - : فلما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن عبيد بن حساب ثنا حماد هو ابن زيد - عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال { صلى بنا رسول الله ﷺ إحدى صلاتي العشي ، الظهر قال أو العصر ، فصلى بنا ركعتين ، ثم سلم ، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يديه عليها ، إحداهما على الأخرى ، يعرف في وجهه الغضب ، ثم خرج سرعان الناس وهم يقولون : قصرت الصلاة ، قصرت الصلاة ، وفي الناس أبو بكر وعمر ، فهاباه أن يكلماه ، فقام رجل كان يسميه رسول الله ﷺ ذا اليدين ، فقال : يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة ؟ - قال : لم أنس ولم تقصر الصلاة ؟ قال : بل نسيت يا رسول الله فأقبل رسول الله ﷺ على القوم فقال : أصدق ذو اليدين ؟ فأومئوا إليه : أي نعم فرجع رسول الله ﷺ إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين ، ثم سلم ، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع وكبر ، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع وكبر } . فقيل لمحمد بن سيرين : سلم في السهو ؟ قال : لم أحفظ من أبي هريرة ولكن نبئت أن عمران بن الحصين قال : " ثم سلم " . وبه إلى أبي داود : ثنا محمد بن يحيى بن فارس ثنا محمد بن عبد الله بن المثنى حدثني أشعث هو ابن عبد الملك عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين { أن رسول الله ﷺ سها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم } . قال علي : وهذه أعمال لا أوامر ، فالائتساء فيها حسن ؟ روينا عن ابن جريج عن عطاء قال : ليس في سجدتي السهو قراءة ، ولا ركوع ، ولا تشهد . وعن الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس بن مالك ، والحسن : أنهما لا يتشهدان في سجدتي السهو . وعن الحسن : ليس فيهما تسليم - : قال علي : ولا بد له فيهما من أن يقول " سبحان ربي الأعلى " لقول رسول الله ﷺ : { اجعلوها في سجودكم } وهذا عموم لكل سجود ؟ .