→ كتاب الصلاة (مسألة 337 - 343) | ابن حزم - المحلى كتاب الصلاة (مسألة 344 - 348) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الصلاة (مسألة 349) ← |
كتـاب الصلاة
أوقـــات الصـلاة
344 - مسألة : فمن أصاب بدنه أو ثيابه أو مصلاه شيء فرض اجتنابه بعد أن كبر سالما في كل ما ذكرنا مما أصابه بعد ذلك - : فإن علم بذلك : أزال الثوب - وإن بقي عريانا - ما لم يؤذه البرد ، وزال عن ذلك المكان ؛ وأزالها عن بدنه بما أمر أن يزيلها به ، وتمادى على صلاته وأجزأه ولا شيء عليه غير ذلك . فإن نسي حتى عمل عملا مفترضا عليه من صلاته ألغي ، وأتم الصلاة ، وأتى بذلك العمل كما أمر ، ثم يسجد للسهو ، وإن كان ذلك بعد أن سلم ، ما لم تنتقض طهارته ؛ فإن انتقضت أعاد الصلاة متى ذكر . فإن لم يصبه ذلك إلا في مكان من صلاته لو لم يأت به لم تبطل به صلاته مثل قراءة السورة التي مع أم القرآن ، أو ما زاد على الطمأنينة في الركوع والسجود ، والجلوس بين السجدتين ، والرفع من الركوع ، والجلوس بعد التشهد - : فصلاته تامة ؛ وليس عليه إلا سجود السهو فقط ؟ فإن تعمد ما ذكرنا : بطلت صلاته ؛ وكان كمن لم يصل ، ولا فرق ، لا يقدر على الصلاة إلا في وقتها ؟ فصح الآن أن الناسي يعيد أبدا ، لقول رسول الله ﷺ : { من نسي صلاة أو نام عنها فيصلها إذا ذكرها } ؟ . والناسي : هو الذي علم الشيء ثم نسيه ، وبعض الصلاة : صلاة بنص حكم اللغة والضرورة . وهكذا الحكم فيمن نسي الطهارة ، أو بعض أعضائه ، أو نسي ستر عورته ؟ فإن ابتدأ صلاته كذلك أعادها أبدا . وصح : أن العامد لا يقدر على الصلاة إلا في وقتها ؛ وكل ما ذكرنا في ذلك سواء وأما الجاهل : وهو الذي لا يعلم الشيء إلا في صلاته أو بعدها ؟ كمن كان في ثيابه ، أو بدنه ، أو في مكانه - : شيء فرض اجتنابه لم يعلم به ؟ فإنه يعيد كل ما صلى كذلك في الوقت كذلك وكذلك من انكشفت عورته ، وهو لا يرى . وكذلك من جهل فرضا من فروض طهارته ، أو صلاته ثم علمها - : فإن هؤلاء لا إعادة عليهم إلا في الوقت فقط ، لا بعد الوقت ؟ برهان ذلك - : أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في أرض الحبشة وغيرها ، والفرائض تنزل ؛ كتحويل القبلة ، والزيادة في عددها ، وغير ذلك ؟ فلم يأمرهم عليه السلام بإعادة شيء من ذلك ؛ إذ بلغه ذلك ، وأمر الذي رآه لم يتم صلاته أن يعيدها . فصح بذلك - : أن يأتي بما جهل من كل ما ذكرنا إذا علمه ؛ ما دام الوقت قائما فقط ؟ وأما المكره ، والعاجز ؛ لعلة أو ضرورة ؟ فإنه في كل ما ذكرنا - : إن زال الإكراه ، أو الضرورة بعد الصلاة - : فقد تمت صلاته ؛ لقول رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } ؟ . وإن زال ذلك في الصلاة بنى على ما مضى من صلاته ؛ فأتمها كما يقدر واعتد بما عمل منها قبل أن يقدر ، ولا سجود سهو في ذلك - ، وبالله تعالى التوفيق . برهان ذلك - : ما ذكرناه قبل : إن كان عمل مأمور به ، فهو فيها جائز - كثر أو قل ، وإزالة ما افترض على المرء اجتنابه في الصلاة مأمور به فيها ؛ فهو جائز في الصلاة ؟ وأما قولنا : وإن بقي عريانا ؛ فلأنه قد اجتمع عليه فرضان - : أحدهما : ستر العورة ؛ والثاني : اجتناب ما أمر باجتنابه ؟ ولا بد له من أحدهما . فإن صلى غير مجتنب ؛ لما أمر باجتنابه ؟ فقد تعمد في صلاته عملا محرما عليه ؛ فلم يصل كما أمر ؛ فلا صلاة له ؟ . وإذا لم يجد ثوبا أمر بالاستتار بمثله ؛ فهو غير قادر على الاستتار ؛ ولا حرج على المرء فيما لا يقدر عليه قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } ، وليس المرء مضطرا إلى لباس ثوب يقدر على خلعه ، ولا إلى البقاء في مكان يقدر على مفارقته ، وهو مضطر إلى التعري إذا لم يجد ما أبيح له لباسه ؛ فإن خشي البرد فهو حينئذ مضطر إلى ما يطرد به البرد عن نفسه ؛ فيصلي به ، ولا شيء عليه ؛ لأنه مباح له حينئذ ؟ وأما قولنا : إن نسي حتى عمل عملا مفترضا عليه في صلاته ألغاه ، وأتم الصلاة وأتى بذلك العمل كما أمر ، وإن كان بعد أن سلم ، ما لم تنتقض طهارته ؟ . فلما قد ذكرناه من سقوط ما نسيه المرء في صلاته ، وأن ذلك لا يبطل صلاته ؟ ؛ ولقول الله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } . ولما سنذكره من أمر رسول الله ﷺ { من سها في صلاته فزاد أو نقص } بأن يتم صلاته ويسجد للسهو ؛ وهذا قد زاد في صلاته ساهيا ما لو تعمده لبطلت صلاته . وأما قولنا : إن انتقضت طهارته أعادها أبدا متى ذكر ؟ فلقول رسول الله ﷺ الذي قد ذكرناه { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } ، وبعض الصلاة صلاة عليه ففرض أن يصليها ، وأن يأتي بما نسي ، وبما لا يجزئ - إذا ما نسي - إلا به ، من وضوء أو غسل ، أو ابتداء الصلاة على ترتيبها ، إلى أن يتم ما نسي من صلاته إلا به . وأما قولنا : إن لم يصبه ذلك إلا في مكان من صلاته لو تعمد تركه لم تبطل صلاته بذلك ، إلى آخر كلامنا ؛ فلأنه قد وفى جميع أعمال صلاته سالمة كما أمر ؛ وكانت تلك الأعمال الزائدة ، وإن كانت الصلاة جائزة دونها - : فإنها في جملة الصلاة ، وفي حال لو تعمد فيها ما تبطل به الصلاة لبطلت صلاته ، وكان منه فيها ما كان ناسيا فزاد في صلاته عملا بالسهو لا يجوز له فليس عليه إلا سجود السهو ، كما أمر رسول الله ﷺ مما سنذكره في باب سجود السهو إن شاء الله تعالى . وروينا عن رسول الله ﷺ خلع نعليه في الصلاة للقذر الذي كان فيهما ، وعن الحسن إذا رأيت في ثوبك قذرا فضعه عنك وامض في صلاتك ، وقد أجاز أبو حنيفة ، ومالك : غسل الرعاف في الصلاة ؟ فأما الصلاة بالنجاسة : فإن مالكا قال : لا يعيد العامد لذلك والناسي إلا في الوقت ؟ قال علي : وهذا خطأ ؛ لأنه لا يخلو من أن يكون أدى الصلاة التي أمر بها كما أمر ، أو لم يؤدها كما أمر ؛ فإن كان أداها كما أمر فلا يحل له أن يصلي في يوم واحد ظهرين ، ولا معنى لإعادته صلاة قد صلاها ؟ ، وإن كان لم يؤدها كما أمر فمن قوله أن يصلي من لم يصل أبدا ؛ فظهر بطلان هذا القول ؟ . وأيضا : فإنه يقال لهم : أخبرونا عن الصلاة التي تأمرونه بأن يأتي بها في الوقت ولا تأمرونه بها بعد الوقت : أفرض هي عندكم أم نافلة ؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث ؟ وبأي نية يصليها ؟ أبنية أنها الفرض اللازم له في ذلك الوقت أم بنية التطوع ؟ أم بلا نية ، لا لفرض ولا لتطوع ؟ فإن قلتم : هي فرض ولا يصليها إلا بنية الفرض ؛ فمن أصلكم الذي لم تختلفوا فيه : أن الفرض يصلى أبدا ، ولا يسقط بخروج الوقت فيه ، فهذا تناقض وهدم لأصلكم . وإن كانت تطوعا وتأمرونه بأن يدخل فيها بنية التطوع فإن التطوع لا يجزئ بدل الفرض في الدنيا ، ولا يحل لأحد أن يتعمد ترك الفرض ويصلي التطوع عوضا من الفرض ؛ ولا يحل لأحد أن يفتيه بذلك بلا خلاف من أحد ؛ بل هو خروج الكفر بلا شك وإن قلتم : لا يصليها بنية فرض ولا تطوع ؟ كان هذا باطلا متيقنا ؛ لقول النبي ﷺ : { إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى } فهذا لا عمل له ، إذ لا نية له ، ولا شيء له ، فقد أمرتموه بالباطل الذي لا يحل وأما الشافعي فإنه قال : يعيد أبدا في العمد ، والنسيان قال علي : وهذا خطأ ؛ لقول رسول الله ﷺ : { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } ؛ ولقول الله تعالى : { ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } . وقال أبو حنيفة : من كانت النجاسة في موضع قدميه في الصلاة وكانت أكثر من الدرهم البغلي : - أي نجاسة : بطلت صلاته عامدا كان أو ناسيا ؟ فإن كانت قدر الدرهم البغلي فأقل ؛ فصلاته تامة في العمد ؛ والنسيان ؟ فإن كانت أكثر من قدر الدرهم البغلي ، وكانت في موضع وضع يديه ، أو في موضع وضع ركبتيه ، أو حذاء إبطيه : فصلاته تامة في العمد ، والنسيان واختلف عنه إذا كانت في موضع وقوع جبهته في السجود . فمرة قال : صلاته تامة في العمد ، والنسيان ، ومرة قال : صلاته باطلة في العمد ، والنسيان ؛ وبه يقول زفر . وقال أبو يوسف كذلك في كل ما ذكرنا ، إلا أنه قال : إن كانت في موضع سجوده : فسدت تلك السجدة - وحدها خاصة - وكأنه لم يسجدها ؟ وإن سجدها ما دام في صلاته تمت صلاته - وإن لم يسجدها حتى أتم صلاته بطلت صلاته كلها ؟ وكانت حجتهم في هذا أسقط من قولهم ؛ وهو أنهم قالوا : لو لم يضع يديه ولا ركبتيه في السجود لم يضر ذلك صلاته شيئا بخلاف قدميه قال علي : وهذا احتجاج للباطل بأشنع ما يكون من الباطل وإنما هو استخفاف بالصلاة ، ويلزم على أحد قوليه أن تتم صلاته ، وإن لم يضع جبهته بالأرض لغير عذر . قال أبو حنيفة : ومن صلى وفي ثوبه نجاسة أكثر من قدر الدرهم إلا أنها في موضع يسجيه ، وليس على شيء من جسمه ، فإن كان إذا تحرك في صلاته لقيام أو ركوع أو سجود تحركت النجاسة - : بطلت صلاته ، وإلا فلا ؟ وقال أبو يوسف : المصلي المبطن بمنزلة ثوب واحد ، إن كان في الباطنة أكثر من قدر الدرهم غير نافذة إلى الوجه بطلت الصلاة . وقال محمد : لا تبطل ، وهما ثوبان قال أبو محمد : وهذه أقوال ينبغي حمد الله تعالى على السلامة منها ، ولا مزيد ، ولا سلف لهم في شيء منها ثم العجب قولهم لمن أخذ بأمر الله تعالى وأمر رسوله ﷺ الذين يقرون بصحة نقله وبيانه : قولوا لنا : من قال بهذا قبلكم ؟ فيا للمسلمين أيعنف من أخذ بالقرآن والسنة ، التي أجمع المسلمون على وجوب طاعتهما ، حتى يأتي باسم من قال بذلك ؟ ولا يعنف من قال برأيه - مبتدئا دون موافق من السلف - مثل هذه الأقوال الفاسدة المتناقضة ؟ وحسبنا الله ، ونعم الوكيل - وله الحمد على هدايته لنا وتوفيقه إيانا ؟
345 - مسألة : فمن كان محبوسا في مكان فيه ما يلزمه اجتنابه لا يقدر على الزوال عنه ، وكان مغلوبا لا يقدر على إزالته عن جسده ، ولا عن ثيابه - : فإنه يصلي كما هو ، وتجزئه صلاته . فإن كان في موضع سجوده أو جلوسه ، ولا يقدر على مكان غيره - : صلى قائما وجلس على أقرب ما يقدر من الدنو من ذلك الموضع ولا يجلس عليه ، وكذلك يقرب : جبهته وأنفه من ذلك المكان أكثر ما يقدر عليه ، ولا يضعهما عليه ، فإن جلس عليه ، أو سجد عليه متعمدا - وهو قادر على أن لا يفعل - : بطلت صلاته ؟ برهان ذلك - : قول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ، وقول رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } فصح أنه يسقط عنه ما لا يستطيع ويبقى عليه ما قدر عليه - وبالله تعالى التوفيق .
346 - مسألة : وستر العورة فرض عن عين الناظر ، وفي الصلاة جملة ، كان هنالك أحد أو لم يكن . قال الله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } - { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن } . فمن أبدى فرجه لغير من أبيح له فقد عصى الله تعالى ؟ وقال تعالى : { خذوا زينتكم عند كل مسجد } فاتفق على أنه ستر العورة ؟ .
347 - مسألة : وإنما هذا للعامد ، وأما من لا يجد ثوبا أبيح له الصلاة به أو أكره أو نسي - : فصلاته تامة ؛ لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقوله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } ؛ ولقول رسول الله ﷺ : { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } إلا أن القول في إلغاء ما عمل من فرائض صلاته مكشوف العورة ناسيا ، والمجيء بها كما أمر ، والبناء على ما صلى مغطى العورة ، والسجود للسهو ، وجواز الصلاة بما صلى كذلك في حال من صلاته لو أسقطها تمت صلاته ، وسجود السهو لذلك - : كما قلنا في الصلاة : غير مجتنب لما افترض علينا اجتنابه ، سواء سواء ولا فرق ؛ لما ذكرنا هنالك - وبالله تعالى التوفيق .
348 - مسألة : فلو ابتدأ التكبير مكشوف العورة أو غير مجتنب لما افترض عليه اجتنابه - عامدا أو ناسيا أو جاهلا - فلا صلاة له ؛ لأنه لم يدخل في الصلاة كما أمر ؛ ولا صح له منها شيء يبني عليه . ولا يجوز في الصلاة تقديم مؤخر قبل ما هو في الرتبة قبله ؛ لقول رسول الله ﷺ : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } ؟ .