الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الأول/الصفحة الحادية والسبعون


كتـاب الصلاة

سجود السهو

473 - مسألة : وسجود السهو كله بعد السلام إلا في موضعين ، فإن الساهي فيهما مخير بين أن يسجد سجدتي السهو بعد السلام وإن شاء قبل السلام ؟ أحدهما : من سها فقام من ركعتين ولم يجلس ويتشهد ، فهذا سواء كان إماما أو فذا فإنه إذا استوى قائما فلا يحل له الرجوع إلى الجلوس ، فإن رجع وهو عالم بأن ذلك لا يجوز ذاكر لذلك - : بطلت صلاته ، فإن فعل ذلك ساهيا لم تبطل صلاته ، وهو سهو يوجب السجود ، لكن يتمادى في صلاته فإذا أتم التشهد الآخر فإن شاء سجد سجدتي السهو ثم سلم ، وإن شاء سلم ثم سجد سجدتي السهو ؟ والموضع الثاني : أن لا يدري في كل صلاة تكون ركعتين أصلى ركعة أو ركعتين ؟ وفي كل صلاة تكون ثلاثا أصلى ركعة أو ركعتين أو ثلاثا ؟ وفي كل صلاة تكون أربعا أصلى أربعا أم أقل ؟ فهذا يبني على الأقل ويصلي أبدا حتى يكون على يقين من أنه قد أتم ركعات صلاته وشك في الزيادة . فإذا تشهد في آخر صلاته فهو مخير إن شاء سجد سجدتي السهو قبل السلام ، ثم يسلم ، وإن شاء سلم ثم سجد سجدتي السهو . وإن أيقن من خلال ذلك أنه كان قد أتم جلس من حينه وتشهد وسلم ولا بد ، ثم سجد للسهو وإن ذكر بعد أن سلم وسجد أنه زاد يقينا فلا شيء عليه وصلاته تامة . والسجود في صلاة التطوع واجب كما هو في صلاة الفرض ، ولا فرق في كل ما ذكرناه ؟ وقال أبو حنيفة : السجود كله للسهو بعد السلام ؟ وقال الشافعي : هو كله قبل السلام ؟ وقال مالك : هو في الزيادة بعد السلام ، وفي النقصان قبل السلام قال علي : تعلق أبو حنيفة ببعض الآثار وترك بعضا وهذا لا يجوز ؟ وكذلك فعل الشافعي وزاد حجة نظرية وهي : أنه قال : إن جبر الشيء لا يكون إلا فيه لا بائنا عنه قال علي : والنظر لا يحل أن يعارض به كلام رسول الله ﷺ ، وليت شعري من أين لهم بأن جبر الشيء لا يكون إلا فيه لا بائنا عنه ؟ وهم مجمعون على أن الهدي ، والصيام : يكونان جبرا لما نقص من الحج ، وهما بعد الخروج عنه وأن عتق الرقبة أو الصدقة ، أو صيام الشهرين جبر لنقص وطء التعمد في نهار رمضان وبعض ذلك لا يجوز إلا بعد تمامه ، وسائر ذلك يجوز بعد تمامه ، وهذه صفة الآراء المقحمة في الدين بلا برهان من الله تعالى ، ولا من رسوله ﷺ . وأما قول مالك ، فرأي مجرد فاسد بلا برهان على صحته ، وهو أيضا مخالف للثابت عن رسول الله ﷺ من أمره بسجود السهو قبل السلام من شك فلم يدر كم صلى ؟ وهو سهو زيادة فبطلت هذه الأقوال كلها ، وبالله تعالى التوفيق . قال علي : وبرهان صحة قولنا - : ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا الحسن بن إسماعيل بن سليمان ثنا الفضيل هو ابن عياض - عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود : أن رسول الله ﷺ قال لهم : { فأيكم ما نسي شيئا فليتحر الذي يرى أنه صواب ثم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو } حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة ، قال : قال عبد الله هو ابن مسعود - : إن رسول الله ﷺ قال لهم في حديث { إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ، ثم ليسلم ، ثم ليسجد سجدتين } قال علي : ورويناه من طرق كثيرة جياد غاية فلو لم يرد غير هذه السنة لم يجز سجود السهو إلا بعد السلام - : حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن الأعرج عن عبد الله ابن بحينة قال { صلى بنا رسول الله ﷺ ركعتين ، ثم قام فلم يجلس ، فقام الناس معه ، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ، ثم سلم } . فلم يرجع عليه السلام إلى الجلوس ، وقد قال عليه السلام : { صلوا كما تروني أصلي } - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبيد الله بن عمر الجشمي ثنا يزيد بن هارون أنا المسعودي هو أبو العميس عتبة بن عبد الله بن مسعود - عن زياد بن علاقة قال { صلى بنا المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين ، فقلنا : سبحان الله ، فقال : سبحان الله ، ومضى ، فلما أتم صلاته وسلم سجد سجدتي السهو ، فلما انصرف قال : رأيت رسول الله ﷺ يصنع كما صنعت } . قال علي : وكلا الخبرين صحيح ، فكلاهما الأخذ به سنة ؟ وقد قال بعض مقلدي أبي حنيفة : لعل ابن بحينة لم يسمع رسول الله ﷺ إذ سلم قال علي : وهذا تعلل بدعوى الكذب ، وإسقاط السنن بالظن الكاذب ولا يحل أن يقال فيما رواه الثقة - فكيف الصاحب - : لعله وهم ، إلا بيقين وارد بأنه وهم ، وأما بالظن فلا . قال عليه السلام { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } . ومن الباطل أن يسلم رسول الله ﷺ من صلاته ولا يسلم المؤتمون بسلامه ، وأن يسلموا كما سلم عليه السلام ولا يسمع ابن بحينة شيئا من ذلك فلا يدعي هذا إلا قليل الحياء ، رقيق الدين مستهين بالكذب حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف ثنا موسى بن داود ثنا سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ، أثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن العلاء أبو كريب ثنا أبو خالد هو الأحمر - عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك وليبن على اليقين ، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين ، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته ، وكانت السجدتان ترغيما للشيطان } . ورويناه من طريق مالك مرسلا . فهذا نص ما قلنا ، وهذا هو بيان التحري المذكور في حديث ابن مسعود . وفي هذا بطلان قول أبي حنيفة : إن عرض له ذلك أول مرة أعاد الصلاة ، وأما بعد ذلك فيتحرى أغلب ظنه - مع أن هذا التقسيم فاسد ، لأنه بلا برهان ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا حفص بن عمر هو الحوضي - ومسلم بن إبراهيم ثنا شعبة عن الحكم هو ابن عتيبة - عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال : { صلى رسول الله ﷺ الظهر خمسا ؟ فقيل له : أزيد في الصلاة ؟ قال : وما ذلك ؟ قيل : صليت خمسا ، فسجد سجدتين بعدما سلم } . فقال أبو حنيفة : من صلى خمسا ساهيا فصلاته باطل ، إلا أن يكون جلس في آخر الرابعة مقدار التشهد . قال علي : وهذا تقسيم مخالف للسنة ، خارج عن القياس ، بعيد عن سداد الرأي وروينا عن يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن أبيه عن الحارث بن شبل عن عبد الله بن شداد : أن ابن عمر لم يجلس في الركعتين ، فمضى ، فلما سلم في آخر صلاته سجد سجدتين وتشهد مرتين حدثنا يوسف بن عبد الله النمري ثنا عبد الوارث بن سفيان ثنا قاسم بن أصبغ ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا أبي ثنا أبو معاوية الضرير عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن سعد بن أبي وقاص { أنه نهض في الركعتين فسبحوا له ، فاستتم قائما ، ثم سجد سجدتي السهو حين انصرف ثم قال : كنتم تروني أجلس إني صنعت كما رأيت رسول الله ﷺ صنع } . وعن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار سمعت ابن عمر يقول : إذا شك أحدكم في صلاته فليتوخ حتى يعلم أنه قد أتم ، ثم ليسجد سجدتين وهو جالس . ففسر ابن عمر التحري كما قلناه ؟ فإن احتج محتج بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر وسفيان بن عيينة كلاهما عن أيوب السختياني عن ابن سيرين عن عمران بن الحصين عن النبي ﷺ أنه قال : { التسليم بعد سجدتي السهو } ؟ قلنا : لم يسمع ابن سيرين من عمران بن الحصين ، فهذا منقطع ، ثم لو أسند لما كان معارضا لأمره عليه السلام بسجود السهو بعد السلام ، بل كان يكون مضافا إليه ، وإنما كان يكون فيه أن بعد السجدتين تسليما منهما فقط - وبالله تعالى التوفيق . وروينا عن عطاء إيجاب سجود السهو في التطوع ، وعموم أمره ﷺ من أوهم في صلاة بسجدتي السهو - : يدخل فيه التطوع ، ولا يجوز إخراجه منه بالظن وبالله تعالى نتأيد .

474 - مسألة : ومن أكره على السجود لوثن أو لصليب أو لإنسان وخشي الضرب أو الأذى أو القتل على نفسه أو على مسلم غيره إن لم يفعل - : فليسجد لله تعالى قبالة الصنم ، أو الصليب ، أو الإنسان ، ولا يبالي إلى القبلة يسجد أو إلى غيرها ؟ وقد قال بعض الناس : إن كان المأمور بالسجود له في القبلة فليسجد لله وإلا فلا ؟ قال علي : وهذا تقسيم فاسد ، لأن المنع من السجود لله تعالى إلى كل جهة عمدا قصدا لم يأت منه منع . قال تعالى : { فأينما تولوا فثم وجه الله } . وإنما أمرنا باستقبال الكعبة في الصلاة خاصة ، والسجود وحده ليس صلاة ، وهو جائز بلا طهارة ، وإلى غير القبلة ، وللحائض ، لأنه لم يأت نص بإيجاب ذلك فيه ؟ وقال تعالى : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } .

475 - مسألة : ومن عجز عن القيام أو عن شيء من فروض صلاته - : أداها قاعدا فإن لم يقدر فمضطجعا بإيماء وسقط عنه ما لا يقدر عليه ويجزئه ولا سجود سهو في ذلك ؟ ويكون في اضطجاعه كما يقدر ، إما على جنبه ووجهه إلى القبلة ، وإما على ظهره بمقدار ما لو قام لاستقبل القبلة ، فإن عجز عن ذلك فليصل - كما يقدر - إلى القبلة وإلى غيرها ، وكذلك من قدح عينيه فإنه يصلي كما يقدر قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } . وقال رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } وأمر تعالى على لسان رسول الله ﷺ بالتداوي ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا حفص بن عمر هو الحوضي - ثنا شعبة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال : { أتيت رسول الله ﷺ وأصحابه كأنما على رءوسهم الطير ، فسلمت ثم قعدت ، فجاءت الأعراب من ههنا وههنا ، فقالوا : يا رسول الله أنتداوى ؟ قال : تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد : الهرم } . فإن ذكروا : أن عائشة نهت ابن عباس عن ذلك قلنا : كم قصة لها رضي الله عنها خالفتموها ؟ حيث لا يعلم لها مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ، وحيث لم تأت سنة بخلافها - : كأمرها المستحاضة بالوضوء لكل صلاة إيجابا ومعها في ذلك : علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وابن الزبير رضي الله عن جميعهم ، ولا مخالف لهم في ذلك يعرف من الصحابة ، ومعها السنة الصحيحة . وكإمامتها هي ، وأم سلمة رضي الله عنهما : النساء في الفريضة ، ولا مخالف لهما في ذلك من الصحابة يعرف . ومثل هذا كثير جدا فإن كان لا يحل خلافها في مكان لم يحل في كل مكان ، وإن كان خلافها للسنة مباحا في موضع فهو واجب بالسنة في كل موضع

476 - مسألة : ومن ابتدأ الصلاة مريضا مومئا أو قاعدا أو راكبا لخوف ثم أفاق أو أمن - : قام المفيق ونزل الآمن ، وبنيا على ما مضى من صلاتهما ، وأتما ما بقي ، وصلاتهما تامة ، سواء كان ما مضى منها أقلها أو لم يكن إلا التكبير ، أو لم يبق منها إلا السلام فما بين ذلك ، كل ذلك سواء ؟ . ومن ابتدأ صلاته صحيحا قائما إلى القبلة ، ثم مرض مرضا أصاره إلى القعود ، أو إلى الإيماء ، أو إلى غير القبلة . أو خاف فاضطر إلى الركوب والركض والدفاع - : فليبن على ما مضى من صلاته ، وليتم ما بقي ، كما ذكرنا سواء ولا فرق ، لما ذكرنا من قوله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . ولقول رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ؟ } . وهو قول مالك ، وزفر ، وأبي سليمان ، وغيرهم . وقال الشافعي : إن أمن بعد الخوف فنزل بنى وتمت صلاته ، وإن خاف بعد الأمن فركب ابتدأ الصلاة قال علي : وهذا تقسيم فاسد ، وتفريق - على أصله - بين قليل العمل وكثيره ، وهو أصل في غاية الفساد . وقال تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } . وقد صلى بعض الصحابة ماشيا إلى عدوه . وقال أبو حنيفة : من ابتدأ الصلاة جالسا لمرض به ثم صح في صلاته فإنه يبني ، لا يختلف قوله في ذلك . واختلف قوله في الذي يفتتحها مومئا لمرض به ثم يصح فيها ، وفي الذي يفتتحها صحيحا قائما ثم يمرض فيها مرضا ينقله إلى القعود أو إلى الإيماء مضطجعا . فمرة قال : يبني ، ومرة قال : يبتدئها ولا بد ، وسواء أصابه ذلك بعد أن قعد مقدار التشهد وقبل أن يسلم ، أو أصابه قبل ذلك وهذه الرواية في غاية الفساد ، والتفريق بالباطل الذي لا يدرى كيف يتهيأ في عقل ذي عقل قبوله من غير رسول الله ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى { إن هو إلا وحي يوحى } من الخالق الذي { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } . وقال أبو يوسف : إن افتتح صحيحا قائما ثم مرض فانتقل إلى الإيماء أو إلى الجلوس ، أو افتتحها مريضا قاعدا ثم صح - : فإن هؤلاء - ما لم ينتقل حالهم قبل أن يقعدوا مقدار التشهد - : فإنهم يبنون . قال : ومن افتتحها مريضا مومئا ثم صح فيها - قبل أن يقعد مقدار التشهد : - فإنه يبتدئ ولا بد ؟ وقال محمد بن الحسن : من افتتحها مريضا قاعدا ، أو مومئا ثم صح فيها فإنه يبتدئ الصلاة ولا بد . ومن افتتحها قائما ثم مرض فيها قبل أن يقعد مقدار التشهد فصار إلى القعود أو إلى الإيماء فإنه يبني ؟ قال علي : وهذه أقوال في غاية الفساد بلا برهان ، وإنما ذكرناها لنري أهل السنة مقدار فقه هؤلاء القوم وعلمهم

477 - مسألة : ومن اشتغل باله بشيء من أمور الدنيا في الصلاة كرهناه ، ولم تبطل لذلك صلاته ، ولا سجود سهو في ذلك ، إذا عرف ما صلى ولم يسه عن شيء من صلاته ؟ برهان ذلك - : ما قد ذكرناه بإسناده من قول رسول الله ﷺ : { إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تخرجه بقول أو عمل } وهذا نفس قولنا . فإن قيل : فإنكم تبطلون الصلاة بأن ينوي فيها عمدا الخروج عن الصلاة جملة ، أو الخروج عن إمامة الإمام بلا سبب يوجب ذلك عليه ، أو الخروج عن فرض إلى تطوع ، أو من تطوع إلى فرض ، أو من صلاة إلى صلاة أخرى ، إذا عمد كل ذلك ذاكرا ويوجبون في سهوه بكل ذلك سجود السهو ، وحكم السهو في إلغاء ما عمل في تلك الحال من واجبات صلاته ؟ . قلنا : نعم ، لأن هذا قد أخرج ما حدث به نفسه بعمل فعمل شيئا ما ، في صلاته عمدا بخلاف ما أمر به ، فبطلت صلاته ، أو سها بذلك العمل ، فوجب عليه سجود السهو - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي هو الدستوائي - عن يحيى بن أبي كثير ثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة حدثهم أن رسول الله ﷺ قال : { إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع الأذان ، فإذا قضي الأذان أقبل ، فإذا ثوب بها أدبر ، فإذا قضي التثويب أقبل يخطر بين المرء ونفسه ، يقول : اذكر كذا وكذا لما لم يكن يذكر ، حتى يظل المرء إن يدري كم صلى ؟ فإذا لم يدر أحدكم كم صلى ؟ فليسجد سجدتين وهو جالس ؟ } . فلم يبطل عليه السلام الصلاة بتذكير الشيطان له ما يشغله به عن صلاته ، ولا جعل في ذلك سجود سهو ، وجعل عليه السلام سجود السهو في جهله كم صلى فقط ؟ ومن طريق وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه : أن عمر بن الخطاب قال : إني لأحسب جزية البحرين في الصلاة

478 - مسألة : ومن ذكر في نفس صلاته - أي صلاة كانت : أنه نسي صلاة فرض واحدة أو أكثر من واحدة ، أو كان في صلاة الصبح فذكر أنه نسي الوتر - : تمادى في صلاته تلك حتى يتمها ، ثم يصلي التي ذكر فقط ، لا يجوز له غير ذلك ، ولا يعيد التي ذكرها فيها . قال الله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } فهذا في عمل قد نهي عن إبطاله ؟ وقال أبو حنيفة : إن كان الذي ذكر خمس صلوات فأقل : قطع التي هو فيها وصلى التي ذكر ، وقطع صلاة الصبح ، وأوتر ، ثم صلى التي قطع ، فإن خشي فوت التي هو فيها تمادى فيها ثم صلى التي ذكر ولا مزيد . فإن كانت التي ذكر ست صلوات فصاعدا تمادى في صلاته التي هو فيها ثم قضى التي ذكر ؟ وقال مالك : إن كانت التي ذكر خمس صلوات فأقل أتم التي هو فيها ثم صلى التي ذكر ، ثم أعاد التي ذكرها فيها . وإن كانت ست صلوات فأكثر أتم التي هو فيها ثم قضى التي ذكرها ولا يعيد التي ذكرها فيها ؟ قال علي : وهذان قولان فاسدان - : أول ذلك : أنه تقسيم بلا برهان ، ولا فرق بين ذكر الخمس وذكر الست ، لا بقرآن ولا بسنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ولا قول صاحب ، ولا قياس ولا رأي سديد . ولا فرق بين وجوب الترتيب في صلاة يوم وليلة وبين وجوبه في ترتيب صلاة أمس قبل صلاة اليوم ، وصلاة أول أمس قبل صلاة أمس ، وهكذا أبدا ؟ فإن ذكروا قول رسول الله ﷺ : { من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك } ؟ قلنا : هذا حق وهو عليه السلام الآمر بهذا قد ذكر صلاة الصبح إذ انتبه بعد طلوع الشمس ، فأمر الناس بالاقتياد ، والوضوء ، والأذان . ثم صلى هو وهم ركعتي الفجر ، ثم صلى الصبح . فصح أن معنى قوله عليه السلام : { فليصلها إذا ذكرها } كما أمر ، لا كما لم يؤمر من قطع صلاة قد أمره عليه السلام بالتمادي فيها بقوله : { فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا } . وبقوله عليه السلام : { إن في الصلاة لشغلا } . ثم هم أول مخالف لهذا الخبر لتفريقهم بين ذكر خمس فأقل ، وبين ذكره أكثر من خمس ، وليس في الخبر نص ولا دليل بالفرق بين ذلك ؟ فإن ذكروا خبر ابن عمر : " من ذكر صلاة في صلاة " انهدمت عليه ؟ فقد قلنا : إنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ ، وهم قد خالفوا قول ابن عمر في تفريقهم بين خمس فأقل وبين أكثر من خمس . فإن ادعوا إجماعا في ذلك كانوا كاذبين على الأمة ، لقولهم عليهم بغير علم ، وبالظن الذي لا يحل وأكذبهم : أن أحمد بن حنبل ، وأحد قولي الشافعي - : أنه يبدأ بالفائتة ، ولو أنها صلاة عشرين سنة ؟ لا سيما أمر أبي حنيفة بإبطال الصبح - وهي فريضة - للوتر - وهي تطوع - ولا يأثم من تركه . وأمر مالك بأن يتم صلاة لا يعتد له بها ، ثم يعيدها ؟ وهذا عجب جدا أن يأمره بعمل لا يعتد له به ولا يخلو هذا المأمور بالتمادي في صلاته من أن تكون هي الصلاة التي أمر الله تعالى بها أم هي صلاة لم يأمره الله تعالى بها ؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث . فإن كان أمره بالتمادي في الصلاة التي أمره الله تعالى بها فأمره بإعادتها باطل . وإن كان أمره بالتمادي في صلاة لم يأمره الله تعالى بها فقد أمره بما لا يجوز ؟ وقولنا : هو قول طاوس ، والحسن ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأبي سليمان وغيرهم ، ولا فرق بين ذكره الصلاة التي نسي أو نام عنها في صلاة أخرى ، أو بعد أن أتم صلاة أخرى ، أو في وقت صلاة أخرى قبل أن يبدأ بها - من طريق النظر أصلا - وبالله تعالى التوفيق .

479 - مسألة : فإن ذكر صلاة وهو في وقت أخرى ، فإن كان في الوقت فسحة فليبدأ بالتي ذكر ، سواء كانت واحدة أو خمسا أو عشرا أو أكثر ، يصلي جميعها مرتبة ثم يصلي التي هو في وقتها سواء كانت في جماعة أو فذا ، وحكمه - ولا بد - أن يصلي تلك الصلاة مع الجماعة من التي نسي ، فإن قضاها بخلاف ذلك أجزأه فإن كان يخشى فوت التي هو في وقتها بدأ بها ولا بد ، لا يجزئه غير ذلك ، سواء كانت التي ذكر واحدة أو أكثر ، فإذا أتم التي هو في وقتها صلى التي ذكر ، لا شيء عليه غير ذلك ، فإن بدأ بالتي ذكر وفات وقت التي ذكرها في وقتها بطل كلاهما ، وعليه أن يصلي التي ذكر ، ولا يقدر على التي تعمد تركها حتى خرج وقتها . وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ؟ وقال مالك : إن كانت التي ذكر خمس صلوات فأقل : بدأ بالتي ذكر ، وإن خرج وقت التي حضرت ، وإن كانت أكثر من خمس بدأ بالتي حضر وقتها ؟ قال علي : وهذا قول لا برهان على صحته أصلا ، لا من قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا قول صاحب ، ولا رأي له وجه ، لكنه طرد المسألة التي قبل هذه إذ تناقض أبو حنيفة ؟ وبرهان صحة قولنا - : { أن رسول الله ﷺ نسي الظهر والعصر يوم الخندق حتى غربت الشمس ، فأمر بالأذان والإقامة ثم صلى الظهر ، ثم أمر بالأذان والإقامة ، ثم صلى العصر ، ثم أمر بالأذان والإقامة فصلى المغرب في وقتها } . وإنما لم نجعل ذلك واجبا ؛ لأنه عمل لا أمر . وأما إن فاته وقت الحاضرة فإن التي ذكر من اللواتي خرج وقتها لغير الناسي متمادية الوقت للناسي أبدا لا تفوته باقي عمره ، والتي هو في وقتها تفوته بتعمده تركها حتى يخرج وقتها وهو ذاكر لها ، فهو مأمور بصلاتها ، كما هو مأمور بالتي نسي ولا فرق . فإذا حرام عليه التفريط في صلاة يذكرها حتى يدخل وقت أخرى أو يخرج وقت هذه فلا يحل له ذلك ؟ فإن تعلق بقوله عليه السلام : { فليصلها إذا ذكرها } ؟ قلنا : أنتم أول مخالف لهذا الخبر ، في تفريقكم بين الخمس وبين أكثر من الخمس ، وأما نحن فما خالفناه ، لأنه لا بد من أن يصلي إحدى التي ذكر قبل الأخرى ، فالتي يكون عاصيا لله إن أخرها أوجب من التي لا يكون عاصيا له تعالى إن أخرها وبقولنا هذا يقول سعيد بن المسيب ، والحسن ، وسفيان الثوري ، وغيرهم ؟

480 - مسألة : ومن أيقن أنه نسي صلاة لا يدري أي صلاة هي ؟ فإن مالكا ، وأبا يوسف ، والشافعي ، وأبا سليمان قالوا : يصلي صلاة يوم وليلة ؟ ويلزم على هذا القول إن لم يدر أمن سفر أم من حضر ؟ أن يصلي ثماني صلوات ؟ وقال سفيان الثوري ، ومحمد بن الحسن : يصلي ثلاث صلوات - : إحداها - ركعتان ، ينوي بها الصبح . والثانية - ثلاث ينوي بها المغرب . والثالثة - أربع ينوي بها الظهر أو العصر ؟ أو العشاء الآخرة ؟ ويلزم على هذا القول إن لم يدر أمن سفر هي أم من حضر ؟ أن يصلي صلاتين فقط - : إحداهما ركعتان ، والأخرى ثلاث ركعات ؟ وقال زفر ، والمزني : يصلي صلاة واحدة أربع ركعات ، يقعد في الثانية ، ثم في الثالثة ، ثم في الرابعة ، ثم يسجد للسهو . قال زفر : بعد السلام ، وقال المزني : قبل السلام وقال الأوزاعي : يصلي صلاة واحدة أربع ركعات فقط ، لا يقعد إلا في الثانية والرابعة ، ثم يسجد للسهو ينوي في ابتدائه إياها أنها التي فاتته في علم الله تعالى . وبهذا نأخذ ، إلا أن الأوزاعي قال : يسجد للسهو قبل السلام ، وقلنا نحن : بعد السلام ؟ برهان صحة قولنا - : أن الله - عز وجل - لما فرض عليه - بيقين مقطوع لا شك فيه ، ولا خلاف من أحد منهم ولا منا - : صلاة واحدة ، وهي التي فاتته ، فمن أمره بخمس صلوات ، أو ثمان صلوات ، أو ثلاث صلوات ، أو صلاتين ؟ فقد أمره - يقينا - بما لم يأمره الله تعالى به ولا رسوله ﷺ وفرضوا عليه صلاة أو صلاتين أو صلوات ليست عليه ، وهذا باطل بيقين ، فلا يجوز أن يكلف إلا صلاة واحدة كما هي عليه ولا مزيد . فسقط قول كل من ذكرنا ، حاشا قولنا ، وقول زفر ، والمزني ؟ فاعترضوا علينا بأن قالوا : إن النية للصلاة فرض عندنا وعندكم ، وأنتم تأمرونه بنية مشتركة لا تدرون أنها الواجب عليه ، وهذا الاعتراض إنما هو للذين أمروه بالخمس ، أو الثمان فقط ؟ قلنا لهم : نعم إن النية فرض عندنا وعندكم ، وأنتم تأمرونه لكل صلاة أمرتموه بها بنية مشكوك فيها أو كاذبة بيقين ولا بد من أحدهما . لأنكم إن أمرتموه أن ينوي لكل صلاة أنها التي فاتته قطعا فقد أوجبتم عليه الباطل والكذب ، وهذا لا يحل ، لأنه ليس على يقين من أنها التي فاتته . فإذا لم يكن على يقين منها ونواها قطعا فقد نوى الباطل ، وهذا حرام . وإن أمرتموه أن ينوي في ابتداء كل صلاة منها أنها التي علم الله أنها فاتته فقد أمرتموه بما عبتم علينا ، سواء سواء ، لا بمثله ؟ ونحن نقول : إن هذه الملامة ساقطة عنه ، لأنه لا يقدر على غيرها أصلا ، وقد قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقال عليه السلام : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } ؟ فقد سقطت عنه النية المعينة ، لعدم قدرته عليها ، وبقي عليه وجوب النية المرجوع فيها إلى علم الله تعالى ، إذ هو قادر عليها - وبالله تعالى التوفيق ، فسقط ذلك القول أيضا ؟ . ثم قلنا لزفر ، والمزني : إنكم ألزمتموه جلسة بعد الركعة الثالثة لم يأمر الله تعالى بها قط ، ولا يجوز أن يلزم أحد إلا ما نحن على يقين من أن الله تعالى ألزمه إياه فسقط أيضا قولهما ، لأنهما دخلا في بعض ما أنكرا على غيرهما ؟ قال علي : وبرهان صحة قولنا - : هو أن الله تعالى إنما أوجب عليه صلاة واحدة فقط ، لا يدري أي صلاة هي ؟ فلا يقدر ألبتة على نية لها بعينها ، ولا بد له من نية مشكوك فيها أي صلاة هي ؟ فينوي أنه يؤدي الصلاة التي فاتته التي يعلمها الله تعالى ، فيصلي ركعتين ، ثم يجلس ويتشهد ، فإذا أتم تشهده فقد شك : أتم صلاته التي هي عليه إن كانت الصبح ، أو إن كانت صلاة تقصر في السفر ؟ أم صلى بعضها كما أمر ولم يتمها ، إن كانت صلاة تتم في الحضر ؟ أو كانت المغرب ؟ فإذا كان في هذه الحال فقد دخل في جملة من أمره النبي ﷺ - إذا لم يدر كم صلى ؟ أن يصلي حتى يكون على يقين من التمام ، وعلى شك من الزيادة فيقوم إلى ركعة ثالثة ولا بد ، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية منها فقد شك : هل أتم صلاته التي عليه - إن كانت المغرب - فيقعد حينئذ ؟ أم بقيت عليه ركعة ، إن كانت الظهر ، أو العصر ، أو العتمة ، في حضر ؟ فإذا صار في هذه الحال فقد دخل في جملة من أمره رسول الله ﷺ إذا لم يدر كم صلى ؟ بأن يصلي حتى يكون على يقين من التمام وعلى شك من الزيادة ، فعليه أن يقوم إلى رابعة ، فإذا أتمها وجلس في آخرها وتشهد فقد أيقن بالتمام بلا شك ، وحصل في شك من الزيادة ، فليسلم حينئذ ، وليسجد كما أمره الله تعالى على لسان رسوله ﷺ . وهذا هو الحق المقطوع على وجوبه - والحمد لله رب العالمين ؟ ويدخل على زفر ، والمزني - في إلزامهما إياه جلسة في الثالثة - أنهما ألزماه إفراد النية في تلك الجلسة أنها للمغرب خاصة ، وهذا خطأ ، لأنه إعمال يقين فيما لا يقين فيه ؟ فإن أيقن أنها من سفر صلى صلاة واحدة كما ذكرنا ، يقعد في الثانية ، ثم في الثالثة ويسلم ثم يسجد للسهو ؟ قال علي : فإن نسي ظهرا وعصرا لا يدري ؟ أمن يوم واحد أم من يومين ، أو يدري صلاهما فقط ، ولا يبالي أيهما قدم ؟ لأنه لم يوجب عليه غير ذلك نص سنة ولا قرآن ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب ، وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ؟ وقال المالكيون : إن لم يدر أهي من يوم أم من يومين ؟ فليصل ثلاث صلوات إما ظهرا بين عصرين ، وإما عصرا بين ظهرين ؟ قال علي : وهذا تخليط ناهيك به وإنما يجب الترتيب ما دامت الأوقات قائمة مرتبة بترتيب الله تعالى لها ، وأما عند خروج بعض الأوقات فلا ؟ إذ لم يأت بذلك نص قرآن ولا سنة ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق .

481 - مسألة : فإن كان قوم في سفينة لا يمكنهم الخروج إلى البر إلا بمشقة أو بتضييعها فليصلوا فيها كما يقدرون ، بإمام وأذان وإقامة ولا بد ، فإن عجزوا عن إقامة الصفوف وعن القيام لميد أو لكون بعضهم تحت السطح أو لترجح السفينة - : صلوا كما يقدرون . وسواء كان بعضهم أو كلهم قدام الإمام أو معه أو خلفه ، إذا لم يقدروا على أكثر ، وصلى من عجز من القيام قاعدا ولا يجزئ القادر على القيام إلا القيام ؟ لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . ولقوله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ولقول رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } وقال أبو حنيفة : يصلي قاعدا من قدر على القيام - وهذا خلاف أمر الله تعالى بالقيام في الصلاة . واحتج بأن أنسا صلى في سفينة قاعدا ؟ . فقلنا : وما يدريكم أنه كان قاعدا وهو يقدر على القيام ؟ حاشا لله أن يظن بأنس رضي الله عنه أنه صلى قاعدا ، وهو قادر على القيام

482 - مسألة : والصلاة جائزة في البيع ، والكنائس ، والهبارات والبيت من بيوت النيران ، وبيوت البد والديور : إذا لم يعلم هنالك ما يجب اجتنابه من دم ، أو خمر أو ما أشبه ذلك ، لقول رسول الله ﷺ : { وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، حيثما أدركتك الصلاة فصل } .

483 - مسألة : وحد دنو المرء من سترته أقرب ذلك قدر ممر الشاة ، وأبعده ثلاثة أذرع لا يحل لأحد الزيادة على ذلك فإن بعد عن سترته عامدا أكثر من ثلاثة أذرع وهو ينوي أنها سترته بطلت صلاته ، فإن لم ينو أنها سترة له فصلاته تامة . وكل ما مر أمامه مما يقطع الصلاة والسترة بينه وبينه أو مقدارها - نوى ذلك سترة أو لم ينو - : فصلاته تامة ، وسواء مر ذلك على السترة أو خلفها ؟ وحد مقدار السترة : ذراع في أي غلظ كان ومن مر أمام المصلي وجعل بينه وبينه أكثر من ثلاثة أذرع فلا إثم على المار ، وليس على المصلي دفعه ، فإن مر أمامه على ثلاثة أذرع فأقل فهو آثم إلا أن تكون سترة المصلي أقل من ثلاثة أذرع ، فلا حرج على المار في المرور وراءها أو عليها . برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا علي بن حجر ، وإسحاق بن منصور قالا : أنا سفيان هو ابن عيينة - عن صفوان بن سليم عن نافع بن جبير بن مطعم عن سهل بن أبي حثمة ، قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته } . قال علي : فصار فرضا على من صلى إلى سترة أن يدنو منها ، وكان من لم يدن منها - إذا صلى إليها - غير مصل كما أمر ، فلا صلاة له ؟ فإذ الدنو منها فرض فلا بد من بيان مقدار الدنو المفترض من خلافه ، إذ لا يمكن أن يأمرنا عليه السلام بأمر يلزمنا ، ثم لا يبينه علينا ، والله تعالى قد أمره بالبيان علينا ، والتبليغ إلينا ، قال تعالى : { بلغ ما أنزل إليك من ربك } . وقال تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } . فنظرنا في ذلك فوجدنا - : عبد الله بن يوسف بن نامي حدثنا قال : ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثنا ابن أبي حازم هو عبد العزيز - ثنا أبي عن سهل بن سعد الساعدي قال : { كان بين مصلى رسول الله ﷺ وبين الجدار ممر الشاة } فكان هذا أقل ما يمكن من الدنو ، إذ ما كان أقل من هذا فمانع من الركوع ومن السجود إلا بتقهقر ، ولا يجوز تكلف ذلك إلا لمن لا يقدر على أكثر من ذلك . وقد وجدنا عبد الله بن ربيع حدثنا ، قال : ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن سلمة عن ابن القاسم حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر ، قال : { إن رسول الله ﷺ دخل الكعبة ، هو وأسامة بن زيد ، وبلال ، وعثمان بن طلحة الحجبي فأغلقها عليه ، فسألت بلالا حين خرج : ماذا صنع رسول الله ﷺ قال : جعل عمودا عن يساره وعمودين عن يمينه ، وثلاثة أعمدة وراءه - وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة - ثم صلى ، وجعل بينه وبين الجدار نحوا من ثلاثة أذرع } . قال علي : لم نجد في البعد عن السترة أكثر من هذا ، فكان هذا حد البيان في أقصى الواجب من ذلك - وقد ذكرنا البراهين فيما خلا من كتابنا هذا ولله تعالى الحمد . وقد قال بهذا قبلنا طائفة من السلف - : روينا عن ابن جريج عن عطاء قال : يقال : أدنى ما يكفيك فيما بينك وبين السارية ثلاثة أذرع . وقد { صلى عليه السلام إلى الحربة ، والعنزة ، والبعير ، وحد السترة في ارتفاعها بمؤخرة الرحل } ، ورويناه عن أبي سعيد وعطاء وغيرهم . ولم يصح في الخط شيء ، فلا يجوز القول به - وبالله تعالى التوفيق

484 - مسألة : ومن بكى في الصلاة من خشية الله تعالى أو من هم عليه ولم يمكنه رد البكاء فلا شيء عليه ولا سجود سهو ولا غيره ، فلو تعمد البكاء عمدا بطلت صلاته - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا سويد بن نصر أنا عبد الله بن المبارك عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن مطرف هو ابن الشخير - عن أبيه قال : { أتيت رسول الله ﷺ وهو يصلي ، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل ، يعني يبكي } . قال علي : هكذا هو التفسير نصا في نفس الحديث ؟ وأما غلبة البكاء فقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال عليه السلام : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . وأما تعمد البكاء فعمل لم يأت بإباحته نص ؟ وقال عليه السلام { إن في الصلاة لشغلا } . فصح أن كل عمل فهو محرم في الصلاة ، إلا عملا جاء بإباحته نص ، أو إجماع ، وبالله تعالى التوفيق .

محلى ابن حزم - المجلد الأول/كتاب الصلاة

كتاب الصلاة (مسألة 275 - 280) | كتاب الصلاة (مسألة 281 - 284) | كتاب الصلاة (مسألة 285) | كتاب الصلاة (مسألة 286) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 286) | كتاب الصلاة (مسألة 287 - 295) | كتاب الصلاة (مسألة 296 - 300) | كتاب الصلاة (مسألة 301) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 301) | كتاب الصلاة (مسألة 302 - 313) | كتاب الصلاة (مسألة 314 - 321) | كتاب الصلاة (مسألة 322 - 334) | كتاب الصلاة (مسألة 335) | كتاب الصلاة (مسألة 336) | كتاب الصلاة (مسألة 337 - 347) | كتاب الصلاة (مسألة 344 - 348) | كتاب الصلاة (مسألة 349) | كتاب الصلاة (مسألة 350 - 353) | كتاب الصلاة (مسألة 354 - 360) | كتاب الصلاة (مسألة 361 - 368) | كتاب الصلاة (مسألة 369 - 371) | كتاب الصلاة (مسألة 372 - 376) | كتاب الصلاة (مسألة 377 - 384) | كتاب الصلاة (مسألة 385 - 391) | كتاب الصلاة (مسألة 392 - 394) | كتاب الصلاة (مسألة 395 - 412) | كتاب الصلاة (مسألة 413 - 420) | كتاب الصلاة (مسألة 421 - 434) | كتاب الصلاة (مسألة 435 - 442) | كتاب الصلاة (مسألة 443 - 446) | كتـاب الصلاة (مسألة 447 - 453) | كتـاب الصلاة (مسألة 454 - 458) | كتـاب الصلاة (مسألة 459 - 461) | كتـاب الصلاة (مسألة 462 - 466) | كتـاب الصلاة (مسألة 467 - 472) | كتـاب الصلاة (مسألة 473 - 484) | كتـاب الصلاة (مسألة 485) | كتـاب الصلاة (مسألة 486 - 488) | كتـاب الصلاة (مسألة 489 - 493) | كتـاب الصلاة (مسألة 494 - 496) | كتـاب الصلاة (مسألة 497 - 504) | كتـاب الصلاة (مسألة 505) | كتـاب الصلاة (مسألة 506 - 510) | كتـاب الصلاة (مسألة 511 - 512) | كتـاب الصلاة (مسألة 513) | كتـاب الصلاة (مسألة 514 - 518) | كتـاب الصلاة (مسألة 519 - 520) | كتاب الصلاة (مسألة 521 - 523) | كتاب الصلاة (مسألة 524 - 529) | كتاب الصلاة (مسألة 530 - 540) | كتاب الصلاة (مسألة 543 - 553) | كتاب الصلاة (مسألة 554 - 555) | كتاب الصلاة (مسألة 556 - 557)