→ كتـاب الصلاة (مسألة 459 - 461) | ابن حزم - المحلى كتـاب الصلاة (مسألة 462 - 466) المؤلف: ابن حزم |
كتـاب الصلاة (مسألة 467 - 472) ← |
كتـاب الصلاة
الأعمال المستحبة في الصلاة وليست فرضا
462 - مسألة : كل حدث ينقض الطهارة - بعمد أو نسيان - فإنه متى وجد بغلبة أو بإكراه أو بنسيان في الصلاة ما بين التكبير للإحرام لها إلى أن يتم سلامه منها - : فهو ينقض الطهارة والصلاة معا ، ويلزمه ابتداؤها ، ولا يجوز له البناء فيها ، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا ، في فرض كان أو في تطوع ، إلا أنه لا تلزمه الإعادة في التطوع خاصة وهو أحد قولي الشافعي ؟ وقال أبو سليمان ، وأبو حنيفة وأصحابهما : يبني بعد أن يتوضأ ، إلا أن أبا حنيفة قال : لو نام في صلاته فاحتلم فإنه يغتسل ويبتدئ ولا يبني ، ولا ندري قولهم فيه إن كان حكمه التيمم ، فإنهم إن كانوا راعوا طول العمل في الغسل ، فليس التيمم كذلك ، لأن حكم المحدث ، والجنب فيه سواء وقالوا : إن أحدث الإمام بغلبة وهو ساجد - : فإن كبر ورفع رأسه : بطلت صلاته وصلاة من وراءه وإن رفع رأسه ولم يكبر لم تبطل صلاته ولا صلاة من وراءه فإن استخلف عليهم أو استخلفوا قبل خروج الإمام من المسجد : لم تبطل صلاة الإمام ولا صلاة المأمومين ؟ فإن لم يستخلف عليهم ولا استخلفوا حتى خرج من المسجد : بطلت صلاته وصلاتهم والأشهر عن أبي حنيفة : تبطل صلاة المأمومين وتتم صلاة الإمام ؟ فإن خرج فأخذ الماء من خابية بإناء فتوضأ : رجع وبنى - : فإن استقى الماء من بئر : بطلت صلاته فإن تكلم سهوا أو عمدا : بطلت صلاته ؟ قال علي : هذه أقوال في غاية الفساد والتناقض والتحكم في دين الله تعالى بلا دليل ومع ذلك فأكثرها لم يقله أحد قبلهم ، وإنما كلامنا في إبطال البناء وإثباته قال علي : احتج من قال بالبناء بأثرين ضعيفين - : أحدهما - من طريق أبي الجهم عن أبي بكر المطوعي عن داود بن رشيد عن إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن أبيه ، وابن أبي مليكة عن عائشة عن النبي ﷺ { إذا قاء أحدكم أو قلس فليتوضأ وليبن على ما صلى ما لم يتكلم } ومن طريق سعيد بن منصور : ثنا إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن أبيه وابن أبي مليكة عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال : { إن قاء أحدكم في صلاته أو رعف أو قلس فلينصرف ويتوضأ وليبن على ما مضى من صلاته } ومن طريق الأنصاري عن ابن جريج عن أبيه مرسلا والثاني - من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وكلاهما لا حجة فيه ؛ لأن إسماعيل بن عياش ضعيف ، لا سيما فيما روى عن الحجازيين فمتفق على أنه ليس بحجة - وعبد الرحمن بن زياد في غاية السقوط ؟ وأثر ساقط من طريق عمر بن رياح البصري - وهو ساقط - عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس { أن رسول الله ﷺ كان إذا رعف في الصلاة توضأ وبنى على ما مضى من صلاته } وأما الحنفيون فإنهم تناقضوا فقاسوا على ما ذكر في هذين الخبرين جميع الأحداث التي لم تذكر فيهما . ولم يقيسوا الاحتلام على ذلك ، وهذا تناقض وما جاء قط أثر - صحيح ولا سقيم - في البناء من الأحداث ، كالبول والرجيع والريح والمذي ؟ وأما أصحابنا فاحتجوا بأنه قد صح ما صلى فلا يجوز إبطاله إلا بنص قال علي : وهذا احتجاج صحيح ، ولولا النص الوارد بإبطال ما مضى منها ما أبطلناه ولكن البرهان على بطلان ما صلى : أن عبد الله بن ربيع حدثنا قال : ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن محمد بن حنبل ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ } قال علي : ورويناه من طرق ، فإذ صح أن الصلاة ممن أحدث لا يقبلها الله حتى يتوضأ ، وقد صح بلا خلاف وبالنص : أن الصلاة لا تجزئ إلا متصلة ، ولا يجوز أن يفرق بين أجزائها بما ليس صلاة : فنحن نسأل من يرى البناء للمحدث فنقول : أخبرونا عن المحدث الذي أمرتموه بالبناء ، مذ يحدث فيخرج فيمشي فيأخذ الماء فيغسل حدثه أو يستنجي فيتوضأ فينصرف إلى أن يأخذ في عمل الصلاة ، أهو عندكم في صلاة ؟ أم هو في غير صلاة ، ولا سبيل لهم إلى قسم ثالث فإن قالوا : هو في صلاة أكذبهم قول رسول الله ﷺ : { إن الله لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ } ومن المحال الباطل أن يعتد له بصلاة قد أيقنا أن الله تعالى لا يقبلها ، فصح أن عمل صلاته الذي كان قبل قد انقطع ، وأما أجره فباق له بلا شك ، إلا أنه الآن في غير صلاة بلا شك ، إذ هو في حال لا يقبل الله تعالى معها صلاة ؟ وإن قالوا : بل هو في غير صلاة ؟ قلنا : صدقتم ، فإذ هو في غير صلاة : فعليه أن يأتي بالصلاة متصلة ، لا يحول بين أجزائها - وهو ذاكر قاصدا - بما ليس من الصلاة وبوقت هو فيه في صلاة ، وهذا برهان لا مخلص منه ؟ ولو أردنا أن نحتج من الحديث بأقوى مما احتجوا به لذكرنا ما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن علي بن طلق قال : قال رسول الله ﷺ { : إذا فسا أحدكم في الصلاة فليتوضأ وليعد الصلاة } فإن ذكروا من بنى من الصحابة رضي الله عنهم فقد روينا عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثني عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري : أن المسور بن مخرمة كان إذا رعف في الصلاة يعيدها ولا يعتد بما مضى ؟ وقد اختلف السلف الصالح في هذا : فروينا من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي : أنه قال - في الذي يحدث في صلاته ثم يتوضأ - : صل ما بقي من صلاتك وإن تكلمت . ومن طريق محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال : في الغائط والبول والريح : يتوضأ ويستقبل الصلاة ، وفي القيء والرعاف : يتوضأ ويبني على صلاته ما لم يتكلم ؟ وعن المعتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن ابن سيرين فيمن أحدث في صلاته قبل أن يسلم ، قال : إن صلاته لم تتم ؟ وعن معمر عن الزهري فيمن أحدث في صلاته قبل أن يسلم : أنه يعيد الصلاة ؟ وهو قول سفيان الثوري ، ومالك ، وابن شبرمة ، وآخر قولي الشافعي ، وبه نأخذ
463 - مسألة : فإن رعف أحد ممن ذكرنا في صلاة - كما ذكرنا - فإن أمكنه أن يسد أنفه وأن يدع الدم يقطر على ما بين يديه ، بحيث لا يمس له ثوبا ولا شيئا من ظاهر جسده ، فعل وتمادى على صلاته ، ولا شيء عليه . برهان ذلك - : أن الرعاف ليس حدثا على ما ذكرنا قبل ، فإذ ليس حدثا ، ولا مس له الدم ثوبا ، ولا ظاهر جسد فلم يعرض في طهارته ، ولا في صلاته شيء ؟ فإن مس الدم شيئا من جسده أو ثوبه فأمكنه غسل ذلك غير مستدبر القبلة فليغسله وهو متمادي في صلاته ، وصلاته تامة ، وسواء مشى إلى الماء كثيرا أو قليلا ؟ برهان ذلك - أن غسل النجاسة واجتناب المحرمات فرض بلا خلاف ، فهو في مشيه لذلك وفي عمله لذلك مؤدي فرض ، ولا تبطل الصلاة بأن يؤدي فيها ما أمر بأدائه ، لأنه لم يخالف ، بل صلى كما أمر ، ومن فعل ما أمر به فهو محسن ، وقد قال تعالى : { ما على المحسنين من سبيل } فإن عجز عن ذلك : صلى كما هو ، وصلاته تامة ، لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فثبت أنه لا يكلف ما لا يستطيع فإن تعمد استدبار القبلة لذلك : بطلت صلاته ، لأنه مخالف ما افترض الله تعالى عليه قاصدا إلى ذلك ؟ وقال مالك : إن أصابه الرعاف قبل أن يتم ركعة بسجدتيها : قطع صلاته وابتدأ ، وإن أصابه بعد أن أتم ركعة بسجدتيها : فليخرج فليغسل الدم ويرجع فيبني ؟ قال علي : وهذا تقسيم لم يأت به قرآن ولا سنة ، لا صحيحة ولا سقيمة ، ولا قول صاحب ولا قياس ، وما كان كذلك فلا معنى للاشتغال به
464 - مسألة : ومن زوحم حتى فاته الركوع أو السجود أو ركعة أو ركعات - : وقف كما هو ، فإن أمكنه أن يأتي بما فاته فعل ، ثم اتبع الإمام حيث يدركه وصلاته تامة ، ولا شيء عليه غير ذلك ، فإن لم يقدر على ذلك إلا بعد سلام الإمام بمدة - قصيرة أو طويلة - فعل كذلك أيضا ، وصلاته تامة ، والجمعة وغيرها سواء في كل ما ذكرنا ؟ فلو أدرك مع الإمام ركعة صلاها وأضافها إلى ما كان صلى ، ثم أتم صلاته ، ولا شيء عليه غير ذلك ؟ والغافل سهوا والمزحوم سواء في كل ما ذكرنا ؟ فإن قدر أن يسجد على ظهر أحد ممن بين يديه أو على رجله ، فليفعل ويجزئه ؟ برهان ذلك - : قول الله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } فمن صح له الإحرام فما زاد فقد صح له عمل مفترض أداؤه كما أمر ، فلا يحل له إبطاله بغير نص من رسول الله ﷺ في إبطاله وقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقال رسول الله ﷺ { : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } ؟ حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا ابن أبي ذئب حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ، ولا تسرعوا ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا } حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن ابن عجلان حدثني محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن معاوية بن أبي سفيان قال : قال رسول الله ﷺ : { لا تبادروني بركوع ولا بسجود فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت ، إني قد بدنت } فأمر عليه السلام بصلاة ما أدرك المرء ، وأن لا يسبق الإمام بركوع ولا بسجود ، وأنه مهما فات المأموم من ركوع أدركه بعد رفع الإمام ، ولم يخص عليه السلام ركعة أولى من ثانية ، ولا ثالثة ولا رابعة ، وأمر بقضاء ما فاته ؟ وقد أخبر عليه السلام أنه رفع عن أمته الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه - وهذا يوجب يقين ما قلنا : من أن يأتي المرء بصلاته حسب ما يستطيع وما عدا هذا فهو قول فاسد ؟
465 - مسألة : ومن لم يمس بالماء - في وضوئه وغسله - ولو مقدار شعرة مما أمر بغسله في الغسل أو الوضوء فلا صلاة له ، لقول رسول الله ﷺ { لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ } وهذا لم يتوضأ بعد ، إذ لم يكمل طهارته كما أمر
466 - مسألة : ومن أحال القرآن متعمدا فقد كفر ، وهذا ما لا خلاف فيه ؟ ومن كانت لغته غير العربية : جاز له أن يدعو بها في صلاته ولا يجوز له أن يقرأ بها ، ومن قرأ بغير العربية : فلا صلاة له ؟ وقال أبو حنيفة : من قرأ بالفارسية في صلاته : جازت صلاته ؟ قال علي : قال رسول الله ﷺ { : لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن } وقال الله تعالى : { قرآنا عربيا } وقال تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } فصح أن غير العربية لم يرسل به الله تعالى محمدا عليه السلام ، ولا أنزل به عليه القرآن ، فمن قرأ بغير العربية فلم يقرأ ما أرسل الله تعالى به نبيه عليه السلام ، ولا قرأ القرآن ، بل لعب بصلاته فلا صلاة له ، إذ لم يصل كما أمر فإن ذكروا : قول الله تعالى : { وإنه لفي زبر الأولين } ؟ قلنا : نعم ، ذكر القرآن والإنذار به في زبر الأولين ، وأما أن يكون الله تعالى أنزل هذا القرآن على أحد قبل رسول الله ﷺ فباطل وكذب ممن ادعى ذلك ؟ ولو كان هذا ما كان فضيلة لرسول الله ﷺ ولا معجزة له وما نعلم أحدا قال هذا قبل أبي حنيفة ؟ ومن لم يحفظ ( أم القرآن ) صلى كما هو ، وعليه أن يتعلمها ، لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فهو غير مكلف ما لا يقدر عليه ، فإن حفظ شيئا من القرآن غيرها لزمه فرضا أن يصلي به ، ويتعلم ( أم القرآن ) : لقول رسول الله ﷺ : { لا صلاة إلا بقراءة } ولقول الله تعالى : { فاقرءوا ما تيسر من القرآن }