→ كتاب الصلاة (مسألة 521 - 523) | ابن حزم - المحلى كتاب الصلاة (مسألة 524 - 529) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الصلاة (مسألة 530 - 540) ← |
كتـاب الصلاة
صلاة الجمعة
524 - مسألة : وليس للسيد منع عبده من حضور الجمعة ، لأنه إذ قد ثبت أنه مدعو إليها فسعيه إليها فرض ، كما أن الصلاة فرض ولا فرق . ولا يحل له منعه من شيء من فرائضه ، قال تعالى : { ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله } . وقال رسول الله ﷺ : { لا طاعة في معصية إنما الطاعة في الطاعة } .
525 - مسألة : ولا جمعة على معذور بمرض ، أو غير ذلك من الأعذار ، ولا على النساء ، فإن حضر هؤلاء صلوها ركعتين . لأن الجمعة كسائر الصلوات تجب على من وجبت عليه سائر الصلوات في الجماعات - ويسقط الإجابة من الأعذار ما يسقط الإجابة إلى غيرها ولا فرق فإن حضرها المعذور فقد سقط العذر ، فصار من أهلها وهي ركعتان كما قال رسول الله ﷺ ولو صلاها الرجل المعذور بامرأته صلاها ركعتين ، وكذلك لو صلاها النساء في جماعة .
526 - مسألة : ويلزم المجيء إلى الجمعة من كان منها بحيث إذا زالت الشمس وقد توضأ قبل ذلك دخل الطريق إثر أول الزوال ومشى مترسلا ويدرك منها ولو السلام ، سواء سمع النداء أو لم يسمع ، فمن كان بحيث إن فعل ما ذكرنا لم يدرك منها ولا السلام لم يلزمه المجيء إليها ، سمع النداء أو لم يسمع ، وهو قول ربيعة . والعذر في التخلف عنها كالعذر في التخلف عن سائر صلوات الفرض ، كما ذكرنا قبل ، واختلف الناس في هذا - : فروينا عن ابن جريج عن سليمان بن موسى : أن معاوية كان يأمر على المنبر في خطبته أهل فاءين فمن دونها بحضور الجمعة ، وهم على أربعة وعشرين ميلا من دمشق . وعن معاذ بن جبل : أنه كان يأمر من كان على خمسة عشر ميلا بحضور الجمعة ، وعن الزهري وقتادة : تجب الجمعة على كل من كان من الجامع بمقدار ذي الحليفة من المدينة ، وقال إبراهيم النخعي : تؤتى الجمعة من فرسخين وعن أبي هريرة ، وأنس ، وابن عمر ، ونافع ، وعكرمة ، والحكم ، وعطاء ، وعن الحسن ، وقتادة ، وأبي ثور : تؤتى الجمعة من حيث إذا صلاها ثم خرج أدركه الليل في منزله ، وهو قول الأوزاعي . وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعن سعيد بن المسيب ، وعمرو بن شعيب : تجب الجمعة على من سمع النداء ، وأن عبد الله بن عمرو كان يكون من الطائف على ثلاثة أميال فلا يأتي الجمعة . وبه يقول أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه . وعن ابن المنكدر : تؤتى الجمعة على أربعة أميال ؟ وقال مالك ، والليث : تجب الجمعة على من كان من المصر على ثلاثة أميال ، ولا تجب على من كان على أكثر من ذلك ؟ وقال الشافعي : تجب على أهل المصر وإن عظم ، وأما من كان خارج المصر ، فمن كان بحيث يسمع النداء فعليه أن يجيب ومن كان بحيث لا يسمع النداء لم تلزمه الجمعة ؟ وقال أبو حنيفة وأصحابه : تلزم الجمعة جميع أهل المصر - سمعوا النداء أو لم يسمعوا - ولا تلزم من كان خارج المصر ، سمع النداء أو لم يسمع ؟ قال علي : كل هذه الأقوال لا حجة لقائلها ، لا من قرآن ، ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا قول صاحب لا مخالف له ، ولا إجماع ، ولا قياس لا سيما قول أبي حنيفة وأصحابه . فإن تعلق من يحد ذلك بثلاثة أميال بأن أهل العوالي كانوا يجمعون مع رسول الله ﷺ ؟ قلنا : وقد روي أن أهل ذي الحليفة كانوا يجمعون معه عليه السلام ، وهي على أكثر من ثلاثة أميال ، وليس في ذلك دليل على أنه عليه السلام أوجب ذلك عليهم فرضا ، بل قد روي أنه عليه السلام أذن لهم في أن لا يصلوها معه . وقد صح ذلك عن عثمان رضي الله عنه - : كما روينا من طريق مالك عن الزهري عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال : شهدت العيد مع عثمان بن عفان فصلى ثم خطب فقال : إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان ، فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها ، ومن أحب أن يرجع فليرجع ، فقد أذنت له ؟ قال علي : لو كان ذلك عنده فرضا عليهم لما أذن لهم في تركها . وأما من قال : تجب على من سمع النداء - : فإن النداء قد لا يسمعه لخفاء صوت المؤذن - أو لحمل الريح له إلى جهة أخرى ، أو لحوالة رابية من الأرض دونه من كان قريبا جدا ، وقد يسمع على أميال كثيرة إذا كان المؤذن في المنار والقرية في جبل ، والمؤذن صيتا والريح تحمل صوته ؟ وبالضرورة ندري أن { قول رسول الله ﷺ : أتسمع النداء ؟ قال : نعم ، قال : أجب } أنه إنما أمره بالإجابة لحضور الصلاة المدعو إليها ، لا من يوقن أنه لا يدرك منها شيئا ، هذا معلوم يقينا ويبين ذلك إخباره عليه السلام بأنه يهم بإحراق منازل المتخلفين عن الصلاة في الجماعة لغير عذر . فإذ قد اختلفوا هذا الاختلاف فالمرجوع إليه ما افترض الله الرجوع إليه من القرآن والسنة ؟ - : فوجدنا الله تعالى قد قال : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } . فافترض الله تعالى السعي إليها إذا نودي لها ، لا قبل ذلك ، ولم يشترط تعالى من سمع النداء ممن لم يسمعه ، والنداء لها إنما هو إذا زالت الشمس ، فمن أمر بالرواح قبل ذلك فرضا فقد افترض ما لم يفترضه الله تعالى في الآية ولا رسوله ﷺ . فصح يقينا أنه تعالى أمر بالرواح إليها إثر زوال الشمس ، لا قبل ذلك ، فصح أنه قبل ذلك فضيلة لا فريضة ، كمن قرب بدنة ، أو بقرة ، أو كبشا ، أو ما ذكر معها وقد صح أمر النبي ﷺ من مشى إلى الصلاة بالسكينة والوقار ، والسعي المذكور في القرآن إنما هو المشي لا الجري . وقد صح أن السعي المأمور به إنما هو لإدراك الصلاة لا للعناء دون إدراكها ، وقد قال عليه السلام : { فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا } . فصح قولنا بيقين لا مرية فيه - وبالله تعالى التوفيق .
527 - مسألة : ويبتدئ الإمام - بعد الأذان وتمامه - بالخطبة فيخطب واقفا خطبتين يجلس بينهما جلسة ؟ وليست الخطبة فرضا ، فلو صلاها إمام دون خطبة صلاها ركعتين جهرا ولا بد ونستحب له أن يخطبهما على أعلى المنبر مقبلا على الناس بوجهه ، يحمد الله تعالى ، ويصلي على رسوله ﷺ ويذكر الناس بالآخرة ، ويأمرهم بما يلزمهم في دينهم ؟ وما خطب به مما يقع عليه اسم خطبة أجزأه ، ولو خطب بسورة يقرؤها : فحسن فإن كان لم يسلم على الناس إذ دخل - فليسلم عليهم إذا قام على المنبر ؟ روينا عن أبي بكر ، وعمر : أنهما كانا يسلمان إذا قعدا على المنبر ؟ - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا أحمد بن الحجاج ثنا أبو كامل الجحدري ثنا خالد بن الحارث ثنا عبيد الله هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر قال { كان رسول الله ﷺ يخطب يوم الجمعة قائما ثم يجلس ، ثم يقوم ، كما يفعلون اليوم } . وقد روينا عن عثمان ، ومعاوية ، أنهما كانا يخطبان جالسين . قال أبو محمد : قال الله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } فإنما لنا الائتساء بفعله ﷺ وليس فعله فرضا ؟ فأما أبو حنيفة ، ومالك فقالا : الخطبة فرض لا تجزئ صلاة الجمعة إلا بها ، والوقوف في الخطبة فرض ، واحتجا بفعل رسول الله ﷺ . ثم تناقضا فقالا : إن خطب جالسا أجزأه ، وإن خطب خطبة واحدة أجزأه ، وإن لم يخطب لم يجزه ، وقد صح عن جابر أنه قال " من أخبرك أن رسول الله ﷺ خطب جالسا فقد كذب " . قال أبو محمد : من الباطل أن يكون بعض فعله عليه السلام فرضا وبعضه غير فرض . وقال الشافعي : إن خطب خطبة واحدة لم تجزه الصلاة . ثم تناقض فأجاز الجمعة لمن خطب قاعدا ، والقول عليه في ذلك كالقول على أبي حنيفة ، ومالك في إجازتهما الجمعة بخطبة واحدة ولا فرق ؟ وقال عطاء ، وطاوس ، ومجاهد : من لم يدرك الخطبة يوم الجمعة لم يصلها إلا أربعا ، لأن الخطبة أقيمت مقام الركعتين . روينا من طريق الخشني : ثنا محمد بن المثنى ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي المكي قال : سمعت طاوسا ، وعطاء يقولان : من لم يدرك الخطبة صلى أربعا ومن طريق محمد بن المثنى : ثنا يحيى بن سعيد القطان عن أبي يونس الحسن بن يزيد سمعت مجاهدا يقول : إذا لم تدرك الخطبة يوم الجمعة فصل أربعا . وروينا من طريق عبد الرزاق عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب : أن عمر بن الخطاب قال : الخطبة موضع الركعتين ، فمن فاتته الخطبة صلى أربعا ؟ قال أبو محمد : الحنفيون ، والمالكيون يقولون : المرسل كالمسند وأقوى ، فيلزمهم الأخذ بقول عمر ههنا ، وإلا فقد تناقضوا ؟ قال أبو محمد : من احتج في إيجاب فرض الخطبة بأنها جعلت بدلا عن الركعتين لزمه أن يقول بقول هؤلاء ، وإلا فقد تناقض واحتج بعضهم في إيجاب الخطبة بقول الله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما } . قال أبو محمد : وهذا الاحتجاج لا منفعة لهم فيه في تصويب قولهم ، وإنما فيه أنهم تركوه قائما ، وهكذا نقول ، وإنما هو رد على من قال : إنهم تركوه عليه السلام قاعدا ، وهذا لا يقوله أحد ، وليس في إنكار الله تعالى لتركهم لنبيه عليه السلام قائما - : إيجاب لفرض القيام في الخطبة ، ولا لفرض الخطبة ؟ فإن كان ذلك عندهم كما يقولون فيلزمهم أن من خطب قاعدا فلا جمعة له ولا لهم ، وهذا لا يقوله أحد منهم ، فظهر أن احتجاجهم بالآية عليهم ، وأنها مبطلة لأقوالهم في ذلك لو كانت على إيجاب القيام ، وليس فيها أثر بوجه من الوجوه على إيجاب الخطبة ، إنما فيها أن الخطبة تكون قياما فقط ؟ فإن ادعوا إجماعا تعجل ما رويناه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن البصري : من لم يخطب يوم الجمعة صلى ركعتين على كل حال . وقد قاله أيضا ابن سيرين : وقد أقدم بعضهم - بجاري عادتهم في الكذب على الله تعالى - فقال : إن قول الله تعالى : { فاسعوا إلى ذكر الله } إنما مراده إلى الخطبة وجعل هذا حجة في إيجاب فرضها ؟ قال أبو محمد : ومن لهذا المقدم أن الله تعالى أراد بالذكر المذكور فيها الخطبة ؟ بل أول الآية وآخرها يكذبان ظنه الفاسد ؛ لأن الله تعالى إنما قال : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } . ثم قال عز وجل : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا } . فصح أن الله إنما افترض السعي إلى الصلاة إذا نودي لها ، وأمر إذا قضيت بالانتشار وذكره كثيرا . فصح يقينا أن الذكر المأمور بالسعي له هو الصلاة ، وذكر الله تعالى فيها بالتكبير ، والتسبيح والتمجيد ، والقراءة ، والتشهد لا غير ذلك ؟ ولو كان ما قاله هذا الجاهل لكان من لم يدرك الخطبة ولا شيئا منها وأدرك الصلاة غير مؤد لما افترض الله تعالى عليه من السعي ، وهم لا يقولون هذا ، وقد قاله من هو خير منهم ، فلا يكذبون ثانية في دعوى الإجماع مموهين على الضعفاء - وبالله تعالى التوفيق . فإن قالوا : لم يصلها عليه السلام قط إلا بخطبة ؟ قلنا : ولا صلاها عليه السلام قط إلا بخطبتين قائما يجلس بينهما ، فاجعلوا كل ذلك فرضا لا تصح الجمعة إلا به ، ولا صلى عليه السلام قط إلا رفع يديه في التكبيرة الأولى ، فأبطلوا الصلاة بترك ذلك وأما قولنا : ما وقع عليه اسم خطبة فاقتداء بظاهر فعل رسول الله ﷺ . وقال أبو حنيفة : تجزئ تكبيرة ، وهذا نقض منه لإيجابه الخطبة فرضا ، لأن التكبيرة لا تسمى خطبة ، ويقال لهم : إذا جاز هذا عندكم فلم لا أجزأت عن الخطبة تكبيرة الإحرام فهي ذكر ؟ وقال مالك - : الخطبة : كل كلام ذي بال ؟ قال أبو محمد : ليس هذا حدا للخطبة ، وهو يراها فرضا ، ومن أوجب فرضا فواجب عليه تحديده ، حتى يعلمه متبعوه علما لا إشكال فيه ، وإلا فقد جهلوا فرضهم وأما خطبتها على أعلى المنبر فهكذا فعل رسول الله ﷺ صحت بذلك الآثار المتواترة وكان يلزمهم أن يجعلوا هذا أيضا فرضا ، لأنه مذ عمل المنبر لم يخطب النبي ﷺ في الجمعة إلا عليه ؟ وأما قولنا : إن خطب بسورة يقرؤها : فحسن . روينا من طريق مسلم حدثني محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن عبد الله بن محمد بن معاوية عن ابنة لحارثة بن النعمان قالت " ما حفظت ( ق ) إلا من في رسول الله ﷺ يخطب بها كل جمعة ، وكان تنورنا وتنور رسول الله ﷺ واحدا " .
528 - مسألة : ولا تجوز إطالة الخطبة ، فإن قرأ فيها بسورة فيها سجدة أو آية فيها سجدة فنستحب له أن ينزل فيسجد والناس ، فإن لم يفعل فلا حرج - : روينا من طريق مسلم بن الحجاج حدثني شريح بن يونس حدثني عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر عن أبيه عن واصل بن حيان قال : قال أبو وائل : خطبنا عمار بن ياسر فأوجز وأبلغ ، فلما نزل قلنا : يا أبا اليقظان ، لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست ؟ فقال إني سمعت رسول الله ﷺ يقول : { إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ، فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة ، فإن من البيان سحرا } . ومن طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال : قال ابن مسعود : أحسنوا هذه الصلاة واقصروا هذه الخطب . قال أبو محمد : شهدت ابن معدان في جامع قرطبة قد أطال الخطبة ، حتى أخبرني بعض وجوه الناس أنه بال في ثيابه . وكان قد نشب في المقصورة ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم القاضي ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري قال { قرأ رسول الله ﷺ على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه } . ومن طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن صفوان بن محرز : أن أبا موسى الأشعري قرأ سورة الحج على المنبر بالبصرة فسجد بالناس سجدتين . ومن طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه : أن عمر بن الخطاب قرأ السجدة وهو على المنبر يوم الجمعة ، ثم نزل فسجد فسجدوا معه ، ثم قرأها يوم الجمعة الأخرى فتهيئوا للسجود ، فقال عمر : على رسلكم ، إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء ؟ ومن طريق البخاري : ثنا إبراهيم بن موسى أنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير - وكان من خيار الناس - أنه شهد عمر بن الخطاب قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل ، حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه ، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها ، حتى إذا جاء السجدة قال : يا أيها الناس ، إنما نمر بالسجود ، فمن سجد فقد أصاب ، ومن لم يسجد فلا حرج عليه فلم يسجد عمر . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش أن عمار بن ياسر قرأ يوم الجمعة على المنبر { إذا السماء انشقت } ثم نزل فسجد . ومن طريق شعبة عن أبي إسحاق السبيعي : أن الضحاك بن قيس كان يخطب فقرأ " ص وذلك بحضرة الصحابة ، لا ينكر ذلك أحد بالمدينة ، والبصرة ، والكوفة ، ولا يعرف لهم من الصحابة رضي الله عنهم مخالف ، وقد سجد رسول الله ﷺ في سجدات القرآن المشهورة ، فأين دعواهم اتباع عمل الصحابة ؟
529 - مسألة : وفرض على كل من حضر الجمعة - سمع الخطبة أو لم يسمع - أن لا يتكلم مدة خطبة الإمام بشيء ألبتة ، إلا التسليم إن دخل حينئذ ، ورد السلام على من سلم ممن دخل حينئذ ، وحمد الله تعالى إن عطس ، وتشميت العاطس إن حمد الله ، والرد على المشمت ، والصلاة على النبي ﷺ إذا أمر الخطيب بالصلاة عليه ، والتأمين على دعائه ، وابتداء مخاطبة الإمام في الحاجة تعن ، ومجاوبة الإمام ممن ابتدأه الإمام بالكلام في أمر ما فقط ؟ ولا يحل أن يقول أحد حينئذ لمن يتكلم - : انصت ، ولكن يشير إليه أو يغمزه ، أو يحصبه ؟ ومن تكلم بغير ما ذكرنا ذاكرا عالما بالنهي فلا جمعة له ؟ فإن أدخل الخطيب في خطبته ما ليس من ذكر الله تعالى ولا من الدعاء المأمور به فالكلام مباح حينئذ ، وكذلك إذا جلس الإمام بين الخطبتين فالكلام حينئذ مباح ، وبين الخطبة وابتداء الصلاة أيضا ، ولا يجوز المس للحصى مدة الخطبة حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن راهويه أنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن منصور بن المعتمر عن أبي معشر زياد بن كليب عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن القرثع الضبي - وكان من القراء الأولين - عن سلمان الفارسي قال : قال رسول الله ﷺ : { ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمر ثم يخرج إلى الجمعة فينصت حتى يقضي صلاته إلا كان كفارة لما كان قبله من الجمعة } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ، ومن مس الحصا فقد لغا } حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله ﷺ قال : { إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة : أنصت والإمام يخطب فقد لغوت } . قال أبو محمد : قال الله تعالى : { وإذا مروا باللغو مروا كراما } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة { أن رسول الله ﷺ كان يقرأ سورة على المنبر ؟ فقال أبو ذر لأبي بن كعب : متى نزلت هذه السورة ؟ فأعرض عنه أبي ، فلما قضى صلاته قال أبي بن كعب لأبي ذر : ما لك من صلاتك إلا ما لغوت ، فدخل أبو ذر على رسول الله ﷺ فأخبره بذلك ؟ فقال : صدق أبي بن كعب } . وبه إلى حماد عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني : أن علقمة بن عبد الله المزني كان بمكة فجاء كريه والإمام يخطب يوم الجمعة ، فقال له : حبست القوم قد ارتحلوا ، فقال له : لا تعجل حتى ننصرف ، فلما قضى صلاته قال له ابن عمر : أما صاحبك فحمار ، وأما أنت فلا جمعة لك ؟ ومن طريق وكيع عن أبيه عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم النخعي : أن رجلا استفتح عبد الله بن مسعود آية والإمام يخطب ، فلما صلى قال : هذا حظك من صلاتك ؟ قال أبو محمد : فهؤلاء ثلاثة من الصحابة لا يعرف لهم من الصحابة رضي الله عنهم مخالف ، كلهم يبطل صلاة من تكلم عامدا في الخطبة . وبه نقول ، وعليه إعادتها في الوقت ، لأنه لم يصلها والعجب ممن قال : معنى هذا أنه بطل أجره قال أبو محمد : وإذا بطل أجره فقد بطل عمله بلا شك ؟ ومن طريق معمر عن أيوب السختياني عن نافع : أن ابن عمر حصب رجلين كانا يتكلمان يوم الجمعة ، وأنه رأى سائلا يسأل يوم الجمعة فحصبه ، وأنه كان يومئ إلى الرجل يوم الجمعة : أن اسكت ؟ وأما إذا أدخل الإمام في خطبته مدح من لا حاجة بالمسلمين إلى مدحه ، أو دعاء فيه بغي وفضول من القول ، أو ذم من لا يستحق - : فليس هذا من الخطبة ، فلا يجوز الإنصات لذلك ، بل تغييره واجب إن أمكن روينا من طريق سفيان الثوري عن مجالد قال : رأيت الشعبي ، وأبا بردة بن أبي موسى الأشعري يتكلمان والحجاج يخطب حين قال : لعن الله ولعن الله ، فقلت : أتتكلمان في الخطبة ؟ فقالا : لم نؤمر بأن ننصت لهذا ؟ وعن المعتمر بن سليمان التيمي عن إسماعيل بن أبي خالد قال : رأيت إبراهيم النخعي يتكلم والإمام يخطب زمن الحجاج ؟ قال أبو محمد : كان الحجاج وخطباؤه يلعنون عليا ، وابن الزبير رضي الله عنهم ولعن لاعنهم . قال أبو محمد : وقد روينا خلافا عن بعض السلف لا نقول به ؟ - : رويناه من طريق وكيع عن ابن نائل عن إسماعيل بن أمية عن عروة بن الزبير : أنه كان لا يرى بأسا بالكلام إذا لم يسمع الخطبة . وأما ابتداء السلام ورده فإن عبد الله بن ربيع حدثنا قال : ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا بشر هو ابن المفضل - عن محمد بن عجلان عن المقبري هو سعيد بن أبي سعيد - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم ، فإذا أراد أن يقوم فليسلم ، فليست الأولى بأحق من الآخرة } وقال عز وجل { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } . وأما حمد العاطس وتشميته فإن عبد الله بن ربيع حدثنا قال : ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن سالم بن عبيد قال : إنه سمع رسول الله ﷺ قال : { إذا عطس أحدكم فليحمد الله ، وليقل له من عنده : يرحمك الله ، وليرد عليهم : يغفر الله لنا ولكم } . وقد قيل : إن بين هلال بن يساف وبين سالم بن عبيد : خالد بن عرفجة وبه إلى أبي داود : ثنا موسى بن إسماعيل قال عبد العزيز هو ابن عبد الله بن أبي سلمة - عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله على كل حال ، وليقل أخوه أو صاحبه : يرحمك الله ، ويقول هو : يهديكم الله ويصلح بالكم } . قال أبو محمد : فإن قيل : قد صح النهي عن الكلام والأمر بالإنصات في الخطبة ، وصح الأمر بالسلام ورده ، وبحمد الله تعالى عند العطاس وتشميته عند ذلك ورده ، فقال قوم : إلا في الخطبة ، وقلتم أنتم : بالإنصات في الخطبة إلا عن السلام ورده والحمد والتشميت والرد ، فمن لكم بترجيح استثنائكم وتغليب استعمالكم للأخبار على استثناء غيركم واستعماله للأخبار ، لا سيما وقد أجمعتم معنا على أن كل ذلك لا يجوز في الصلاة ؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق : قد جاء عن رسول الله ﷺ في الصلاة أنه { لا يصلح فيها شيء من كلام الناس } والقياس للخطبة على الصلاة باطل ، إذ لم يوجبه قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع . فنظرنا في ذلك فوجدنا الخطبة يجوز فيها ابتداء الخطيب بالكلام ومجاوبته ، وابتداء ذي الحاجة لله بالمكالمة وجواب الخطيب له ، على ما نذكر بعد هذا ، وكل هذا ليس هو فرضا ، بل هو مباح . ويجوز فيها ابتداء الداخل بالصلاة تطوعا . فصح أن الكلام المأمور به مغلب على الإنصات فيها ، لأنه من المحال الممتنع الذي لا يمكن ألبتة جوازه - : أن يكون الكلام المباح جائزا فيها ويكون الكلام الفرض المأمور به الذي لا يحل تركه فيها - وبالله تعالى نتأيد - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا الوليد بن مسلم ثنا أبو عمرو هو الأوزاعي - حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال { بينما النبي ﷺ يخطب في يوم جمعة قام أعرابي فقال : يا رسول الله ، هلك المال ، وجاع العيال ، فادع الله لنا ، فرفع رسول الله ﷺ يديه ، وما نرى في السماء قزعة } وذكر باقي الحديث . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ ثنا سليمان بن المغيرة ثنا حميد بن هلال قال : { قال أبو رفاعة : انتهيت إلى رسول الله ﷺ وهو يخطب ، فقلت : يا رسول الله ، رجل غريب جاء يسأل عن دينه ، لا يدري ما دينه ، فأقبل علي رسول الله ﷺ وترك خطبته حتى انتهى إلي ، وأتى بكرسي حسبت قوائمه حديدا ، فقعد عليه رسول الله ﷺ وجعل يعلمني مما علمه الله - عز وجل - ثم أتى إلى خطبته فأتم آخرها } . قال أبو محمد : أبو رفاعة هذا تميم العدوي له صحبة وقد ذكرنا قبل هذا الباب في المتصل به كلام عمر مع الناس على المنبر في أن السجود ليس فرضا . وذكرنا قبل كلام عمر مع عثمان بحضرة الصحابة رضي الله عنهم وكلام عثمان معه وعمر يخطب في أمر غسل الجمعة وإنكار تركه ، لا ينكر الكلام في كل ذلك أحد من الصحابة ، حتى نشأ من لا يعتد به مع من ذكرنا . والعجيب أن بعضهم - ممن ينتسب إلى العلم بزعمهم - قال : لعل هذا قبل نسخ الكلام في الصلاة أو قال : في الخطبة فليت شعري أين وجد نسخ الكلام الذي ذكرنا في الخطبة ؟ وما الذي أدخل الصلاة في الخطبة ؟ وليس لها شيء في أحكامها . ولو خطب الخطيب على غير وضوء لما ضر ذلك خطبته ، وهو يخطبها إلى غير القبلة ، فأين الصلاة من الخطبة لو عقلوا ؟ ونعوذ بالله من الضلال - والدين لا يؤخذ ب " لعل " ومن طريق وكيع عن الفضل بن دلهم عن الحسن قال يسلم ، ويرد السلام ، ويشمت العاطس - والإمام يخطب . وعن وكيع عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي مثله . وعن الشعبي ، وسالم بن عبد الله بن عمر قالا : رد السلام يوم الجمعة واسمع . وقال القاسم بن محمد ، ومحمد بن علي : يرد في نفسه . ومن طريق شعبة قال : سألت حماد بن أبي سليمان ، والحكم بن عتيبة عن رجل جاء يوم الجمعة ، وقد خرج الإمام ؟ فقالا جميعا : يسلم ويردون عليه ، وإن عطس شمتوه ، ويرد عليهم ؟ وعند عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : إذا عطس الرجل يوم الجمعة والإمام يخطب فحمد الله تعالى ، أو سلم وأنت تسمعه وتسمع الخطبة فشمته في نفسك ، ورد عليه في نفسك ، فإن كنت لا تسمع الخطبة فشمته وأسمعه ، ورد عليه ، وأسمعه ؟ وعن معمر عن الحسن البصري وقتادة قالا جميعا في الرجل يسلم وهو يسمع الخطبة : أنه يرد ويسمعه . وعن حماد بن سلمة عن زياد الأعلم عن الحسن : أنه كان لا يرى بأسا أن يسلم الرجل ويرد السلام والإمام يخطب . وهو قول الشافعي ، وعبد الرزاق ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي سليمان وأصحابهم .