الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الأول/الصفحة السادسة والثلاثون


كتاب الصلاة

275 - مسألة : الصلاة قسمان : فرض وتطوع ؛ فالفرض هو الذي من تركه عامدا ، كان عاصيا لله عز وجل وهو الصلوات الخمس : الظهر والعصر والمغرب والعشاء الأخيرة والفجر . والقضاء لما نسي منها أو نام عنها هو هي نفسها ، والفرض قسمان : فرض متعين على كل مسلم عاقل بالغ ، ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، وهو ما ذكرناه ؛ وفرض على الكفاية ؛ يلزم كل من حضر ؛ فإذا قام به بعضهم سقط عن سائرهم ، وهو الصلاة على جنائز المسلمين . والتطوع هو ما إن تركه المرء عامدا لم يكن عاصيا لله عز وجل بذلك ، وهو الوتر وركعتا الفجر وصلاة العيدين والاستسقاء والكسوف والضحى ، وما يتنفل المرء قبل صلاة الفرض وبعدها ، والإشفاع في رمضان وتهجد الليل وكل ما يتطوع به المرء ، ويكره ترك كل ذلك . برهان ذلك أنه ليس في ضرورة العقل إلا القسمان المذكوران ، إما شيء يعصي الله تعالى تاركه ؛ وإما شيء لا يعصي الله تعالى تاركه ؛ ولا واسطة بينهما . وقولنا : الفرض والواجب والحتم واللازم والمكتوب ؛ ألفاظ معناها واحد ، وهو ما ذكرنا . وقولنا : التطوع والنافلة بمعنى واحد ، وهو ما ذكرنا ، وقال قوم : ههنا قسم ثالث وهو الواجب . قال أبو محمد : هذا خطأ ؛ لأنه دعوى بلا برهان ، وقول لا يفهم ، ولا يقدر قائله على أن يبين مراده فيه . فإن قالوا : إن بعض ذلك أوكد من بعض ، قلنا : نعم ، بعض التطوع أوكد من بعض ، وليس ذلك بمخرج شيء منه عن أن يكون تطوعا ، لكن أخبرونا عن هذا الذي قلتم : هو واجب لا فرض ، ولا تطوع ، أيكون تاركه عاصيا لله عز وجل ؟ أم لا يكون عاصيا ؟ ولا بد من أحد هذين القسمين ، ولا سبيل إلى قسم ثالث ، فإن كان تاركه عاصيا فهو فرض ؛ وإن كان تاركه ليس عاصيا فليس فرضا . وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا حمد بن محمد حدثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول { جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فإذا هو يسأل عن الإسلام ؛ فقال رسول الله ﷺ : خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل علي غيرهن ؟ قال : لا إلا أن تتطوع وذكر باقي الحديث فأدبر الرجل ، وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه ؛ فقال رسول الله ﷺ : أفلح إن صدق } . وهذا نص من رسول الله ﷺ على قولنا ، وأنه ليس إلا واجبا أو تطوعا ، فإن ما عدا الخمس فهو تطوع ، وهذا لا يسع أحدا خلافه . وأما وجوب النذر ؛ فلقول الله تعالى : { أوفوا بالعقود } ؛ ولقول رسول الله ﷺ { من نذر أن يطيع الله فليطعه } ، ولا خلاف من أحد من الأمة في أن الصلوات الخمس فرض ، ومن خالف ذلك فكافر . وأما كون صلاة الجنازة فرضا على الكفاية ؛ فلقول رسول الله ﷺ : { صلوا على صاحبكم } ، ولا خلاف في أنه إذا قام بالصلاة عليها قوم فقد سقط الفرض عن الباقين . وأما كون ما عدا ذلك تطوعا فإجماع من الحاضرين من المخالفين إلا في الوتر ؛ فإن أبا حنيفة قال : إنه واجب ، وقد روي عن بعض المتقدمين : إنه فرض . فالبرهان على من قال إنه فرض ما روينا بالسند المذكور إلى مسلم : حدثنا حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب ثنا يونس هو ابن يزيد - عن ابن شهاب عن أنس بن مالك فذكر حديث الإسراء - وفيه أن رسول الله ﷺ قال : " ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة " ثم ذكر عليه السلام مراجعته لربه عز وجل في ذلك ؛ إلى أن قال " فراجعت ربي " فقال : " هي خمس وهي خمسون { ما يبدل القول لدي } فهذا خبر من الله عز وجل مأمون تبدله ، فصح أن الصلوات لا تبدل أبدا عن خمس وأمنا النسخ في ذلك أبدا بهذا النص ، فبطل بهذا قول من قال : إن الوتر فرض ، وإن تهجد الليل فرض ، وهو قول رويناه عن الحسن . وأيضا فإن يونس بن عبد الله حدثنا قال : حدثنا أبو عيسى بن أبي عيسى ثنا أحمد بن خالد ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حسين بن علي هو الجعفي - عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال { جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة ؟ قال : الصلاة من جوف الليل قال : أي الصيام أفضل بعد رمضان ؟ قال : شهر الله الذي يدعونه المحرم } . قال أبو محمد : فصح أن تهجد الليل ليس من المكتوبة ؛ والوتر من تهجد الليل ؛ فبهذين الخبرين صح أن قول رسول الله ﷺ لعبد الله بن عمرو { يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل } وقوله عليه السلام لحفصة عن أخيها عبد الله بن عمر رضي الله عن جميعهم { نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل } ، وقوله عليه السلام الذي رويناه من طريق أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر حدثني نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال : { اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا } ، وقوله عليه السلام : { بادروا الصبح بالوتر } و { يا أهل القرآن أوتروا } إن هذه الأوامر كلها ندب ، لا يجوز غير ذلك . وأما الحديث { إن الشيطان يعقد على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل فارقد وفي آخره فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان } ، وقوله عليه السلام : إذ ذكر له رجل لم يزل نائما حتى أصبح ما قام إلى الصلاة ، فقال عليه السلام : { بال الشيطان في أذنه } - إنما هو على الفرض ونومه عنه لما ذكرنا . والبرهان لا يعارض إلا ببرهان ، وما كان من عند الله فلا يختلف ، ولا يتكاذب ، وروينا عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : الوتر ليس بحتم ولكنه سنة . وروينا عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي قال : { الوتر ليس فريضة ولكنه سنة سنها رسول الله ﷺ } ، وعن عبادة بن الصامت تكذيب من قال إن الوتر واجب . وروينا عن الحجاج بن المنهال حدثنا جرير بن حازم قال : سألت نافعا مولى ابن عمر : أكان ابن عمر يوتر على راحلته ؟ قال نعم وهل للوتر فضيلة على سائر التطوع ؟ وروينا عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير أنه سئل عن من لم يوتر حتى أصبح ؟ قال سيوتر يوما آخر . وروينا عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه سأله رجل عن الوتر ، فقال سعيد : أوتر النبي ﷺ وإن تركت فليس عليك ، وصلى الضحى ، وإن تركت فليس عليك ؛ وصلى ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها ، وإن تركت فليس عليك . وعن ابن جريج ، قلت لعطاء : أواجب الوتر وركعتان أمام الصبح أو شيء من الصلاة قبل المكتوبة أو بعدها ؟ قال لا ، وهو قول الشافعي وداود وجمهور المتقدمين والمتأخرين . وأما أبو حنيفة فإن كان ذهب إلى أن الوتر فرض فقد ذكرنا بطلان هذا القول ، وإن كان ذهب إلى أن الوتر واجب لا فرض ، ولا تطوع ؛ فهو قول فاسد ، وقد ذكرنا إبطاله في صدر هذه المسألة . وقال مالك : ليس فرضا ، ولكن من تركه أدب ، وكانت جرحة في شهادته . قال أبو محمد : وهذا خطأ بين ؛ لأنه لا يخلو تاركه أن يكون عاصيا لله عز وجل أو غير عاص ؛ فإن كان عاصيا لله تعالى فلا يعصي أحد بترك ما لا يلزمه وليس فرضا ؛ فالوتر إذن فرض ، وهو لا يقول بهذا ، وإن قال : بل هو غير عاص - لله تعالى . قيل : فمن الباطل أن يؤدب من لم يعص الله تعالى ، أو أن تجرح شهادة من ليس عاصيا لله عز وجل ؛ لأن من لم يعص الله عز وجل فقد أحسن ، والله تعالى يقول : { ما على المحسنين من سبيل } . قال أبو محمد : إلا أن الوتر أوكد التطوع ، للأحاديث التي ذكرنا من أمر رسول الله ﷺ ؛ ثم أوكدها بعد الوتر صلاة الضحى وركعتان عند دخول المسجد ، وصلاة من صلى في جماعة ثم وجد جماعة يصلون تلك الصلاة ؛ وصلاة الكسوف وأربع بعد الجمعة { ؛ لأن رسول الله ﷺ أمر بهذه } ، وما أمر به عليه السلام فهو أوكد مما لم يأمر به . روينا من طريق مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة السلمي أن رسول الله ﷺ قال : { إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس } . وروينا عن عبد الوارث بن سعيد التنوري ثنا أبو التياح حدثني أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة قال { أوصاني خليلي ﷺ بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد } . وروينا عن شعبة عن أبي نعامة عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : قال رسول الله ﷺ : { فصل الصلاة لوقتها ، ثم إن أقيمت الصلاة فصل معهم فإنها زيادة خير } . وروينا عن سفيان بن عيينة حدثنا سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال { أمرنا رسول الله ﷺ أن نصلي أربعا بعد الجمعة } . وروينا عن الحسن بن أبي بكرة { إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم } . حدثنا حمام حدثنا عباس بن أصبغ ثنا ابن أيمن ثنا ابن وضاح ثنا حامد بن يحيى البلخي حدثنا سفيان بن عيينة ثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال { أمرنا رسول الله ﷺ أن نصلي بعد الجمعة أربعا } . ثم بعد هذه سائر التي ذكرنا ؛ لأنه لم يأت بها أمر ، لكن جاء بها عمل منه عليه السلام وترغيب ، وأما كراهتنا ترك ذلك فلأنه فعل خير ، قال الله تعالى : { وافعلوا الخير } .

276 - مسألة : ولا صلاة على من لم يبلغ من الرجال والنساء ؛ ويستحب لو علموها إذا عقلوها ؛ لقول رسول الله ﷺ الذي قد ذكرناه قبل { رفع القلم عن ثلاثة فذكر فيه الصبي حتى يبلغ } ؛ وقد { علم رسول الله ﷺ ابن عباس قبل بلوغه بعض حكم الصلاة وأمه فيها } ، ويستحب إذا بلغ سبع سنين أن يدرب عليها فإذا بلغ عشر سنين أدب عليها . لما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن عيسى ثنا إبراهيم بن سعد عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله ﷺ : { مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها } .

277 - مسألة : ولا على مجنون ، ولا مغمى عليه ، ولا حائض ، ولا نفساء ، ولا قضاء على واحد منهم إلا ما أفاق المجنون والمغمى عليه ؛ أو طهرت الحائض والنفساء في وقت أدركوا فيه بعد الطهارة الدخول في الصلاة . برهان ذلك قول رسول الله ﷺ { رفع القلم عن ثلاثة فذكر المجنون حتى يفيق } وأما الحائض والنفساء ، وإسقاط القضاء عنها فإجماع متيقن ، وأما المغمى عليه فإننا روينا عن عمار بن ياسر وعطاء ومجاهد وإبراهيم وحماد بن أبي سليمان وقتادة أن المغمى عليه يقضي ، وقال سفيان : يقضي إن أفاق عند غروب الشمس الظهر والعصر فقط ، وقال أبو حنيفة : إن أغمي عليه خمس صلوات قضاهن ، فإن أغمي عليه أكثر لم يقض شيئا . قال علي : أما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد ؛ لأنه لا نص أتى بما قال ، ولا قياس ؛ لأنه أسقط عن المغمى عليه ست صلوات ولم ير عليه قضاء شيء منهن . وأوجب عليه إن أغمي عليه خمس صلوات أن يقضيهن ؛ فلم يقس المغمى عليه على المغمى عليه في إسقاط القضاء ، ولا قاس المغمى عليه على النائم في وجوب القضاء عليه في كل ما نام عنه . وقد صح عن ابن عمر خلاف قول عمار على أن الذي روينا عن عمار إنما هو إنه أغمي عليه أربع صلوات فقضاهن ، كما روينا عن عبد الرزاق بن جريج عن نافع أن ابن عمر اشتكى مرة غلب فيها على عقله حتى ترك الصلاة ثم أفاق فلم يصل ما ترك من الصلاة ؛ وعن عبد الله بن عمر عن نافع : أغمي على ابن عمر يوما وليلة فلم يقض ما فاته . وعن ابن جريج عن ابن طاووس عن أبيه : إذا أغمي على المريض ثم عقل لم يعد الصلاة . قال معمر : سألت الزهري عن المغمى عليه فقال لا يقضي وعن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين أنهما قالا في المغمى عليه : لا يعيد الصلاة التي أفاق عندها . قال حماد قلت لعاصم بن بهدلة : أعدت ما كان مغمى عليك ؟ قال أما ذاك فلا . قال علي : المغمى عليه لا يعقل ، ولا يفهم ؛ فالخطاب عنه مرتفع ، وإذا كان كل من ذكرنا غير مخاطب بها في وقتها الذي ألزم الناس أن يؤدوها فيه : فلا يجوز أداؤها في غير وقتها ؛ لأنه لم يأمر الله تعالى بذلك ، وصلاة لم يأمر الله تعالى بها لا تجب ، وبالله تعالى التوفيق .

278 - مسألة : وأما من سكر حتى خرج وقت الصلاة أو نام عنها حتى خرج وقتها أو نسيها حتى خرج وقتها : ففرض على هؤلاء خاصة أن يصلوها أبدا . قال الله تعالى : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } فلم يبح الله تعالى للسكران أن يصلي حتى يعلم ما يقول . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا قتيبة بن سعيد ثنا حماد بن زيد عن ثابت هو البناني - عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة أن رسول الله ﷺ قال : إنه { ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط في اليقظة فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها } ، ورويناه أيضا من طريق أنس مسندا : وهذا كله إجماع متيقن .


279 - مسألة : وأما من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها فهذا لا يقدر على قضائها أبدا ، فليكثر من فعل الخير وصلاة التطوع ؛ ليثقل ميزانه يوم القيامة ؛ وليتب وليستغفر الله عز وجل . وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : يقضيها بعد خروج الوقت ، حتى أن مالكا وأبا حنيفة قالا : من تعمد ترك صلاة أو صلوات فإنه يصليها قبل التي حضر وقتها - إن كانت التي تعمد تركها خمس صلوات فأقل - سواء خرج وقت الحاضرة أو لم يخرج ؛ فإن كانت أكثر من خمس صلوات بدأ بالحاضرة . برهان صحة قولنا قول الله تعالى : { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } وقوله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } فلو كان العامد لترك الصلاة مدركا لها بعد خروج وقتها لما كان له الويل ، ولا لقي الغي ؛ كما لا ويل ، ولا غي ؛ لمن أخرها إلى آخر وقتها الذي يكون مدركا لها . وأيضا فإن الله تعالى جعل لكل صلاة فرض وقتا محدود الطرفين ، يدخل في حين محدود ؛ ويبطل في وقت محدود ، فلا فرق بين من صلاها قبل وقتها وبين من صلاها بعد وقتها ؛ لأن كليهما صلى في غير الوقت ؛ وليس هذا قياسا لأحدهما على الآخر ، بل هما سواء في تعدي حدود الله تعالى ، وقد قال الله تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } . وأيضا فإن القضاء إيجاب شرع ، والشرع لا يجوز لغير الله تعالى على لسان رسوله . فنسأل من أوجب على العامد قضاء ما تعمد تركه من الصلاة : أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمره بفعلها ، أهي التي أمره الله تعالى بها ؟ أم هي غيرها ؟ فإن قالوا : هي هي ؛ قلنا لهم : فالعامد ؛ لتركها ليس عاصيا ؛ لأنه قد فعل ما أمره الله تعالى ، ولا إثم على قولكم ، ولا ملامة على من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها ، وهذا لا يقوله مسلم . وإن قالوا : ليست هي التي أمره الله تعالى بها ، قلنا صدقتم ؛ وفي هذا كفاية إذ أقروا بأنهم أمروه بما لم يأمره به الله تعالى . ثم نسألهم عمن تعمد ترك الصلاة إلى بعد الوقت : أطاعة هي أم معصية ؟ فإن قالوا : طاعة ، خالفوا إجماع أهل الإسلام كلهم المتيقن ، وخالفوا القرآن والسنن الثابتة : وإن قالوا : هو معصية صدقوا ، ومن الباطل أن تنوب المعصية عن الطاعة . وأيضا فإن الله تعالى قد حد أوقات الصلاة على لسان رسوله ﷺ وجعل لكل وقت صلاة منها أولا ليس ما قبله وقتا لتأديتها ، وآخرا ليس ما بعده وقتا ؛ لتأديتها ، هذا ما لا خلاف فيه من أحد من الأمة ؛ فلو جاز أداؤها بعد الوقت لما كان لتحديده عليه السلام آخر وقتها معنى ؛ ولكان لغوا من الكلام وحاشا لله من هذا . وأيضا فإن كل عمل علق بوقت محدود فإنه لا يصح في غير وقته ، ولو صح في غير ذلك الوقت لما كان ذلك الوقت وقتا له ، وهذا بين ، وبالله تعالى التوفيق . ونسألهم : لم أجزتم الصلاة ، بعد الوقت ، ولم تجيزوها قبله ؟ فإن ادعوا الإجماع كذبوا ؛ لأن ابن عباس والحسن البصري يجيزان الصلاة قبل الوقت ، لا سيما والحنفيون والشافعيون والمالكيون يجيزون الزكاة قبل الوقت ، ويدعون أن قتال أبي بكر ؛ لأهل الردة ، إنما كان قياسا للزكاة على الصلاة ، وأنه قال : لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، وهم قد فرقوا ههنا بين حكم الزكاة والصلاة فليعجب المتعجبون ، وإن ادعوا فرقا من جهة نص أو نظر لم يجدوه . فإن قالوا : فإنكم تجيزون الناسي والنائم والسكران على قضائها أبدا . وهذا خلاف قولكم بالوقت ؟ قلنا : لا بل وقت الصلاة للناسي والسكران والنائم ممتد غير منقض . وبرهان ذلك أنهم ليسوا عصاة في تأخيرها إلى أي وقت صلوها فيه ، وكل أمر الله عز وجل فإنه منقسم على ثلاثة أوجه لا رابع لها إما أمر غير معلق بوقت ؛ فهذا يجزئ أبدا متى أدي ، كالجهاد والعمرة وصدقة التطوع والدعاء وغير ذلك ، فهذا يجزئ متى أدي ؛ والمسارعة إليه أفضل ؛ لقول الله عز وجل : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها } ، وإما أمر معلق بوقت محدود الأول غير محدود الآخر كالزكاة ونحوها ، فهذا لا يجزئ قبل وقته ، ولا يسقط بعد وجوبه أبدا ؛ لأنه لا آخر لوقته ، والمبادرة إليه أفضل ؛ لما ذكرنا . وإما أمر معلق بوقت محدود أوله وآخره فهذا لا يجزئ قبل وقته ، ولا بعد وقته ؛ ويجزئ في جميع وقته في أوله وآخره ووسطه كالصلاة والحج وصوم رمضان ونحو ذلك . ونقول لمن خالفنا : قد وافقتمونا على أن الحج لا يجزئ في غير وقته ، وأن الصوم لا يجزئ في غير النهار ؛ فمن أين أجزتم ذلك في الصلاة ؟ وكل ذلك ذو وقت محدود أوله وآخره ؟ وهذا ما لا انفكاك منه . فإن قالوا قسنا العامد على الناسي . قلنا القياس كله باطل ؛ ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأن القياس عند القائلين به إنما هو قياس الشيء على نظيره ، لا على ضده ، وهذا ما لا خلاف فيه بين أحد من أهل القياس ، وقد وافقهم من لا يقول بالقياس ، على أنه لا يجوز قياس الشيء على ضده ، فصار إجماعا متيقنا وباطلا لا شك فيه . والعمد ضد النسيان ، والمعصية ضد الطاعة ، بل قياس ذلك على ما ذكرنا من الحج ؛ لو كان القياس حقا ، لا سيما ، والحنفيون والمالكيون لا يقيسون الحالف عامدا ؛ للكذب على الحالف فيحنث غير عامد للكذب في وجوب الكفارة ، بل يسقطون الكفارة عن العامد ، ويوجبونها على غير العامد ، ولا يقيسون قاتل العمد على قاتل الخطأ في وجوب الكفارة عليه ، بل يسقطونها عن قاتل العمد ، ولا يرون قضاء الصلاة على المرتد ؛ فهذا تناقض لا خفاء به ، وتحكم بالدعوى وبالله تعالى التوفيق . ولو كان القضاء واجبا على العامد ؛ لترك الصلاة حتى يخرج وقتها لما أغفل الله تعالى ولا رسوله ﷺ ذلك ، ولا نسياه ، ولا تعمدا إعناتنا بترك بيانه { وما كان ربك نسيا } وكل شريعة لم يأت بها القرآن ، ولا السنة فهي باطل . وقد صح عن رسول الله ﷺ { من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله } فصح أن ما فات فلا سبيل إلى إدراكه ، ولو أدرك أو أمكن أن يدرك ؛ لما فات ، كما لا تفوت المنسية أبدا ، وهذا لا إشكال فيه ، والأمة أيضا كلها مجمعة على القول والحكم بأن الصلاة قد فاتت إذا خرج وقتها ، فصح فوتها بإجماع متيقن ، ولو أمكن قضاؤها وتأديتها لكان القول بأنها فاتت كذبا وباطلا . فثبت يقينا أنه لا يمكن القضاء فيها أبدا . وممن قال بقولنا في هذا عمر بن الخطاب وابنه عبد الله ، وسعد بن أبي وقاص وسليمان وابن مسعود والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وبديل العقيلي ، ومحمد بن سيرين ومطرف بن عبد الله ، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم . فروينا من طريق شعبة عن يعلى بن عطاء عن عبد الله بن حراش قال : رأى ابن عمر رجلا يقرأ صحيفة ، فقال له : يا هذا القارئ ؛ إنه لا صلاة ؛ لمن لم يصل الصلاة لوقتها ، فصل ثم اقرأ ما بدا لك . وروينا من طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي عن عمه الضحاك بن عثمان أن عمر بن الخطاب قال في خطبته بالجابية : ألا ، وإن الصلاة لها وقت شرطه الله لا تصلح إلا به . ومن طريق محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي نضرة عن سالم بن الجعد قال : قال سليمان - هو صاحب رسول الله ﷺ : الصلاة مكيال ؛ فمن وفى وفي له ؛ ومن طفف فقد علمتم ما قيل في المطففين . قال علي : من أخر الصلاة عن وقتها فقد طفف ، ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النجود عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال في قول الله تعالى : { الذين هم عن صلاتهم ساهون } قال : السهو الترك عن الوقت . قال علي : لو أجزأت عنده بعد الوقت لما كان له الويل عن شيء قد أداه . وبه إلى وكيع عن المسعودي عن القاسم هو ابن عبد الرحمن - والحسن هو ابن سعد - قيل لعبد الله بن مسعود { الذين هم على صلاتهم دائمون } { والذين هم على صلاتهم يحافظون } فقال : ذلك على مواقيتها . قالوا : ما كنا نرى ذلك إلا على تركها ، قال تركها هو الكفر . وعن محمد بن المثنى : حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : ذكر لنا أن عبد الله بن مسعود كان يقول : إن للصلاة وقتا كوقت الحج ؛ فصلوا الصلاة ؛ لميقاتها . وعن محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق قال : سمعت محمد بن سيرين يقول : إن للصلاة وقتا واحدا ، فإن الذي يصلي قبل الوقت مثل الذي يصلي بعد الوقت . ومن طريق سحنون عن ابن القاسم أخبرني مالك أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق حين كانت بنو أمية يؤخرون الصلاة ، أنه كان يصلي في بيته ، ثم يأتي المسجد يصلي معهم ، فكلم في ذلك ، فقال أصلي مرتين أحب إلي من أن لا أصلي شيئا . قال علي : فهذا يوضح أن الصلاة الأولى كانت فرضه والأخرى تطوع ، فهما صلاتان صحيحتان ، وإن الصلاة بعد الوقت ليست صلاة أصلا ، ولا هي شيء . وعن أسد بن موسى بن مروان بن معاوية الفزاري : أن عمر بن عبد العزيز قال : سمعت الله تعالى ذكر أقواما فعابهم فقال : { أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } ولم تكن إضاعتهم إياها ، أن تركوها ؛ ولو تركوها لكانوا بتركها كفارا ، ولكن أخروها عن وقتها . وعن عبد الرزاق عن معمر عن بديل العقيلي قال : بلغني أن العبد إذا صلى الصلاة ؛ لوقتها صعدت ولها نور ساطع في السماء ، وقالت : حفظتني حفظك الله ، وإذا صلاها لغير وقتها طويت كما يطوى الثوب الخلق فضرب بها وجهه . ومن العجب أن بعضهم قال : معنى قول ابن عمر : لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها أي لا صلاة كاملة ؛ وكذلك قال آخرون في قوله عليه السلام : { لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود } وفي قوله عليه السلام : { لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن } . قال علي : فيقال ؛ لهؤلاء : ما حملكم على ما ادعيتم ؟ فإن قالوا : هو معهود كلام العرب ؛ قلنا : ما هو كذلك ؛ بل معهود كلام العرب الذي لا يجوز غيره - أن " لا " للنفي والتبرئة جملة إلا أن يأتي دليل من نص آخر أو ضرورة حس على خلاف ذلك ، ثم هبكم أنه كما قلتم ؛ فإن ذلك حجة لنا ، وهو قولنا ؛ لأن كل صلاة لم تكمل ولم تتم فهي باطل كلها ، بلا خلاف منا ومنكم . فإن قالوا : إنما هذا فيما نقص من فرائضها ؛ قلنا : نعم ؛ والوقت من فرائض الصلاة بإجماع منا ومنكم ومن كل مسلم فهي صلاة تعمد ترك فريضة من فرائضها . قال علي : ما نعلم ؛ لمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم مخالفا منهم ، وهم يشنعون بخلاف الصاحب إذا وافق أهواءهم ، وقد جاء عن عمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد . وهؤلاء الحنفيون والمالكيون لا يرون على المرتد قضاء ما خرج وقته . فهؤلاء من الصحابة رضي الله عنهم أيضا لا يرون على من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها قضاء . قال علي : وما جعل الله تعالى عذرا لمن خوطب بالصلاة في تأخيرها عن وقتها بوجه من الوجوه ، لا في حال المطاعنة والقتال والخوف وشدة المرض والسفر . وقال الله تعالى : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك } ، وقال تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } ولم يفسح الله تعالى ، ولا رسوله ﷺ في تركها عن وقتها حتى صلاها بطائفتين وجوه إحدى الطائفتين إلى غير القبلة ، على ما نذكر في صلاة الخوف إن شاء الله عز وجل . ولم يفسح تعالى في تأخيرها عن وقتها للمريض المدنف ، بل أمر إن عجز عن الصلاة قائما أنه يصلي قاعدا فإن عجز عن القعود فعلى جنب ؛ وبالتيمم إن عجز عن الماء ، وبغير تيمم إن عجز عن التراب فمن أين أجاز من أجاز تعمد تركها حتى يخرج وقتها ؟ ثم أمره بأن يصليها بعد الوقت ، وأخبره بأنها تجزئه كذلك ؛ من غير قرآن ، ولا سنة ، لا صحيحة ، ولا سقيمة ، ولا قول لصاحب ، ولا قياس . وقد أقدم بعضهم فذكر { صلاة رسول الله ﷺ يوم الخندق الظهر والعصر بعد غروب الشمس } ، ثم أشار إلى أنه عليه السلام تركها متعمدا ذاكرا لها . قال علي : وهذا كفر مجرد ممن أجاز ذلك من رسول الله ﷺ ؛ لأنهم مقرون معنا بلا خلاف من أحدهم ، ولا من أحد من الأمة - في أن من تعمد ترك صلاة فرض ذاكرا لها حتى يخرج وقتها ، فإنه فاسق مجرح الشهادة ، مستحق ؛ للضرب والنكال ، ومن أوجب شيئا من النكال على رسول الله ﷺ أو وصفه وقطع عليه بالفسق أو بجرحه في شهادته ، فهو كافر مشرك مرتد كاليهود والنصارى ؛ حلال الدم والمال ؛ بلا خلاف من أحد من المسلمين . وذكر بعضهم قول الله تعالى : { وأقم الصلاة لذكري } وقوله عليه السلام : { خمس صلوات كتبهن الله تعالى } وقال قد صح وجوب الصلاة ، فلا يجوز سقوطها إلا ببرهان نص أو إجماع . قال علي ، وهذا قول صحيح ، وقد صح البرهان بأن { رسول الله ﷺ أوجب كل صلاة في وقت محدود أوله وآخره } ، ولم يوجبها عليه السلام لا قبل ذلك الوقت ، ولا بعده ، فمن أخذ بعموم هذه الآية وهذا الخبر لزمه إقامة الصلاة قبل الوقت وبعده ، وهذا خلاف لتوقيت النبي ﷺ الصلاة بوقتها . وموه بعضهم بحديث رويناه من طريق أنس ؛ إنهم اشتدت الحرب غداة فتح تستر فلم يصلوا إلا بعد طلوع الشمس ؛ وهذا خبر لا يصح ؛ لأنه إنما رواه مكحول : أن أنس بن مالك قال : ومكحول لم يدرك أنسا ؛ ثم لو صح فإنه ليس فيه أنهم تركوها عارفين بخروج وقتها ، بل كانوا ناسين لها بلا شك ، لا يجوز أن يظن بفاضل من عرض المسلمين غير هذا ، فكيف بصاحب من الصحابة رضي الله عنهم ، ولو كانوا ذاكرين لها لصلوها صلاة الخوف كما أمروا ، أو رجالا وركبانا كما ألزمهم الله تعالى ؛ لا يجوز غير هذا ، فلاح يقينا كذب من ظن غير هذا ، وبالله التوفيق .


280 - مسألة : وأما قولنا : أن يتوب من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها ويستغفر الله تعالى ويكثر من التطوع ؛ فلقول الله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة } ولقول الله تعالى : { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } وقال تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } وقال تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا } وأجمعت الأمة - وبه وردت النصوص كلها - على أن للتطوع جزءا من الخير الله أعلم بقدره ، وللفريضة أيضا جزء من الخير الله أعلم بقدره ، فلا بد ضرورة من أن يجتمع من جزء التطوع إذا كثر ما يوازي جزء الفريضة ، ويزيد عليه ؛ وقد أخبر الله تعالى أنه لا يضيع عمل عامل ، وأن { الحسنات يذهبن السيئات } ، وأن { من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية } ، و { من خفت موازينه فأمه هاوية } . حدثنا عبد الله بن ربيع حدثنا عمر بن عبد الملك ثنا أبو داود ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا إسماعيل هو ابن علية - ثنا يونس عن الحسن عن أنس بن حكيم الضبي أنه لقي أبا هريرة فقال له أبو هريرة : { أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة ، يقول ربنا - تبارك وتعالى - للملائكة وهو أعلم : انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها ؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة وإن كان انتقص منها شيئا قال : انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فإن كان له تطوع قال : أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ، ثم تؤخذ الأعمال على ذلكم } . قال أبو داود : وحدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد هو ابن سلمة - عن داود بن أبي هند عن زرارة بن أوفى عن تميم الداري عن النبي ﷺ بهذا المعنى ، قال { ثم الزكاة مثل ذلك ، ثم تؤخذ الأعمال حسب ذلك } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ني عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا جميعا ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن عبيد الله هو ابن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال : { صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعا وعشرين درجة } . وبه إلى مسلم حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا المغيرة بن سلمة المخزومي حدثنا عبد الواحد هو ابن زياد - ثنا عثمان بن حكيم أخبرنا عبد الرحمن بن أبي عمرة قال : دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه المسجد بعد صلاة المغرب فقعد وحده فقعدت إليه ، فقال : يا ابن أخي سمعت رسول الله ﷺ يقول : { من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله } . فهذا بيان مقدار أجر التطوع وأجر الفريضة ، وإنما هذا لمن تاب وندم وأقلع واستدرك ما فرط . وأما من تعمد ترك المفروضات واقتصر على التطوع ؛ ليجبر بذلك ما عصى في تركه مصرا على ذلك ، فهذا عاص في تطوعه ؛ لأنه وضعه في غير موضعه ؛ لأن الله تعالى لم يضعه ؛ لتترك الفريضة ، بل ؛ ليكون زيادة خير ونافلة ، فهذا هو الذي يجبر به الفرض المضيع . وإذا عصى في تطوعه فهو غير مقبول منه ؛ قال رسول الله ﷺ { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . فإن ذكر ذاكر ما روي من أن التطوع لا يقبل ممن لا يؤدي الفريضة كالتاجر لا يصح له ربح حتى يخلص رأس ماله ؛ فباطل لا يصح ؛ لأنه إنما رواه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف ، وعبد الملك بن حبيب الأندلسي عن المكفوف عن أيوب بن خوط ، وهذه بلايا في نسق إحداها يكفي ؛ ومرسل أيضا ، وعبد الملك بن حبيب عن مطرف عن مالك أن أبا بكر الصديق . وعبد الملك ساقط ؛ وهذا أيضا منقطع ، ولو صح ذلك لكان المراد به من قصد التطوع ؛ ليعوضه عن الفريضة مصرا على ذلك غير نادم ، ولا تائب ، وبالله تعالى التوفيق .

محلى ابن حزم - المجلد الأول/كتاب الصلاة

كتاب الصلاة (مسألة 275 - 280) | كتاب الصلاة (مسألة 281 - 284) | كتاب الصلاة (مسألة 285) | كتاب الصلاة (مسألة 286) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 286) | كتاب الصلاة (مسألة 287 - 295) | كتاب الصلاة (مسألة 296 - 300) | كتاب الصلاة (مسألة 301) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 301) | كتاب الصلاة (مسألة 302 - 313) | كتاب الصلاة (مسألة 314 - 321) | كتاب الصلاة (مسألة 322 - 334) | كتاب الصلاة (مسألة 335) | كتاب الصلاة (مسألة 336) | كتاب الصلاة (مسألة 337 - 347) | كتاب الصلاة (مسألة 344 - 348) | كتاب الصلاة (مسألة 349) | كتاب الصلاة (مسألة 350 - 353) | كتاب الصلاة (مسألة 354 - 360) | كتاب الصلاة (مسألة 361 - 368) | كتاب الصلاة (مسألة 369 - 371) | كتاب الصلاة (مسألة 372 - 376) | كتاب الصلاة (مسألة 377 - 384) | كتاب الصلاة (مسألة 385 - 391) | كتاب الصلاة (مسألة 392 - 394) | كتاب الصلاة (مسألة 395 - 412) | كتاب الصلاة (مسألة 413 - 420) | كتاب الصلاة (مسألة 421 - 434) | كتاب الصلاة (مسألة 435 - 442) | كتاب الصلاة (مسألة 443 - 446) | كتـاب الصلاة (مسألة 447 - 453) | كتـاب الصلاة (مسألة 454 - 458) | كتـاب الصلاة (مسألة 459 - 461) | كتـاب الصلاة (مسألة 462 - 466) | كتـاب الصلاة (مسألة 467 - 472) | كتـاب الصلاة (مسألة 473 - 484) | كتـاب الصلاة (مسألة 485) | كتـاب الصلاة (مسألة 486 - 488) | كتـاب الصلاة (مسألة 489 - 493) | كتـاب الصلاة (مسألة 494 - 496) | كتـاب الصلاة (مسألة 497 - 504) | كتـاب الصلاة (مسألة 505) | كتـاب الصلاة (مسألة 506 - 510) | كتـاب الصلاة (مسألة 511 - 512) | كتـاب الصلاة (مسألة 513) | كتـاب الصلاة (مسألة 514 - 518) | كتـاب الصلاة (مسألة 519 - 520) | كتاب الصلاة (مسألة 521 - 523) | كتاب الصلاة (مسألة 524 - 529) | كتاب الصلاة (مسألة 530 - 540) | كتاب الصلاة (مسألة 543 - 553) | كتاب الصلاة (مسألة 554 - 555) | كتاب الصلاة (مسألة 556 - 557)