الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الأول/الصفحة الثالثة والستون


كتـاب الصلاة

421 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يصلي أمام الإمام إلا لضرورة حبس فقط ، أو في سفينة حيث لا يمكن غير ذلك - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هارون بن معروف ثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد أبي حرزة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت : أتينا جابر بن عبد الله فحدثنا { أن رسول الله ﷺ توضأ ، قال جابر : فتوضأت من متوضأ رسول الله ﷺ فذهب جبار بن صخر يقضي حاجته ، فقام رسول الله ﷺ ليصلي ، ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله ﷺ فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه ، ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يسار رسول الله ﷺ فأخذ بأيدينا جميعا حتى أقامنا خلفه } . فوجب أن يكون الاثنان فصاعدا خلف الإمام ولا بد ؛ ويكون الواحد عن يمين الإمام ولا بد ؛ لأن دفع النبي ﷺ جابرا وجبارا إلى ما وراءه أمر منه عليه السلام بذلك لا يجوز تعديه ، وإدارته جابرا إلى يمينه كذلك ؛ فمن صلى بخلاف ما أمر به عليه السلام فلا صلاة له وقد قال قوم : إن الاثنين يكونان حفافي الإمام واحتجوا في ذلك برواية رويناها عن الأعمش عن إبراهيم { عن علقمة ، والأسود : أنهما صليا مع ابن مسعود رضي الله عنه فقام بينهما ، وجعل أحدهما عن يمينه . والآخر عن شماله ، وقام بينهما ، ثم ركع بهما ، فوضعا أيديهما على ركبهما ، فضرب أيديهما ثم طبق يديه فجعلهما بين فخذيه ، فلما صلى قال : هكذا فعل رسول الله ﷺ } . وروينا من طريق فيها هارون بن عنترة وأخرى فيها الحارث بن أبي أسامة - وكلاهما متروك - : أن هكذا كان يفعل عليه السلام إذا كانوا ثلاثة . قال علي : أما رواية الأعمش - وهي الثابتة - فلا بيان فيها إلى أي شيء أشار ابن مسعود بقوله : { هكذا فعل رسول الله ﷺ } إلى موقف الإمام بين المأمومين وإلى التطبيق معا أم إلى التطبيق وحده وإذ لا بيان في ذلك فلا يجوز أن يترك اليقين للظنون . ثم حتى لو صح هذا مسندا إلى رسول الله ﷺ لكان إبعاده عليه السلام لجابر ، وجبار ، عن كونهما حفافيه وإيقافهما خلفه - : مدخلا لنا في يقين منع الاثنين من كونهما حفافي الإمام ، وأنه لا يجوز ، وإذ ذلك كذلك فجواز كون الاثنين حفافي الإمام قد حرم بيقين ؛ فلا يجوز أن يعود إلى الجواز ما قد تيقن تحريمه إلا بنص جلي بعودته - وبالله تعالى التوفيق

422 - مسألة : وكل من استخلفه الإمام المحدث فإنه لا يصلي إلا صلاة نفسه لا على صلاة إمامه المستخلف له ، ويتبعه المأمومون فيما يلزمهم ، ولا يتبعونه فيما لا يلزمهم ؛ بل يقفون على حالهم ، ينتظرونه حتى يبلغ إلى ما هم فيه فيتبعوه حينئذ وقال أبو حنيفة ، ومالك : بل يصلي الإمام المستخلف كما كان يصلي لو كان مأموما ، وعلى حكم صلاة إمامه الذي استخلفه قال علي : ما نعلم لهم حجة إلا أنهم ونحن تنازعنا في قول رسول الله ﷺ { إنما جعل الإمام ليؤتم به } قال علي : والإمام الذي أحدث واستخلف وخرج فقد بطلت إمامته بإجماع منا ومنهم وبضرورة الحس والمشاهدة ؛ لأنه الآن في داره يحدث أو يأكل أو يعمل ما الله تعالى أعلم به في غير صلاة ، وأنه لو رجع لكان مؤتما عندكم لا إماما ، فقد أيقنا : أن إمامته قد بطلت ، فإن قالوا : إنما قلنا : بقي حكم إمامته ، لا إمامته قلنا في هذا نازعناكم ، فليس دعواكم حجة لنفسها ، وإذ قد أقررتم أن إمامته قد بطلت ، وأنه ليس إماما - فلا يجوز بقاء حكم إمامة قد بطلت أصلا وأما الثاني - فهو بإجماع منا ومنهم - الإمام الذي أمر عليه السلام أن نأتم به ، وأن نكبر إذا كبر ، ونرفع إذا رفع ، ونركع إذا ركع ، ونسجد إذا سجد ؛ فإذ هو كذلك فهو الإمام لا المأموم ، والإمام هو المأمور بأن يأتي بالصلاة كما أمر ؛ والمؤتمون به هم المأمورون بالائتمام به ، فإن قالوا : فأنتم تقولون : إن المأموم إذا أتم صلاته لم ينتظر الإمام قلنا : نعم ، وهؤلاء لم تتم صلاتهم بعد . فواجب عليهم انتظاره ، كما فعل المسلمون في انتظار رسول الله ﷺ إذ خرج ثم رجع وقد اغتسل ، وكما فعلوا في صلاة الخوف ؛ لأنهم بعد مؤتمون به ، وهو إمامهم ، وصلاتهم لم تتم ، فلا عذر لهم في الخروج عن الائتمام به ، ولا يحل لهم أن يتبعوه فيما ليس من صلاتهم فيزيدوا فيها بالعمد ما قد صلوه ، فوجب انتظارهم إياه ولا بد - وبالله تعالى التوفيق . وأما من تمت صلاته منهم ، فإن شاء سلم وإن شاء أطال التشهد ؛ فذلك له ، حتى يسلم مع الإمام - وبالله تعالى التوفيق .

423 - مسألة : وأيما عبد أبق عن مولاه فلا تقبل له صلاة حتى يرجع ، إلا أن يكون أبق لضرر محرم لا يجد من ينصره منه ، فليس آبقا حينئذ إذا نوى بذلك البعد عنه فقط - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ثنا جرير عن المغيرة عن الشعبي قال : كان جرير بن عبد الله البجلي يحدث عن النبي ﷺ أنه قال : { إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة } وبهذا يقول أبو هريرة ؛ كما روينا عن محمد بن المثنى : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت قال سمعت وأنا صبي عن أبي هريرة أنه قال في الآبق : لا تقبل له صلاة . قال علي : هذا صاحب لا يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم مخالف ، وخصومنا يشغبون بأقل من هذا إذا وافق تقليدهم

424 - مسألة : ومن صلى من الرجال وهو لابس معصفرا بطلت صلاته إذا كان ذكرا عالما بالنهي وإلا فلا ؛ فإن كان مصبوغا بعصفر لا يظهر فيه إلا أنه لا يطلق عليه اسم " معصفر " فصلاته فيه جائزة ، والصلاة فيه جائزة للنساء حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا القعنبي ثنا مالك عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي بن أبي طالب : { أن رسول الله ﷺ نهى عن لبس القسي وعن لبس المعصفر وعن تختم الذهب ، وعن القراءة في الركوع } . وبهذا يقول بعض السلف الصالح - : كما روينا عن معمر عن قتادة : أن عمر بن الخطاب رأى على رجل ثوبا معصفرا فقال : دعوا هذه البراقات للنساء . وعن معمر عن بديل العقيلي عن أبي العلاء بن عبد الله بن الشخير عن سليمان بن صرد الخزاعي قال : رأى عمر بن الخطاب على رجل ثوبين ممصرين فقال : ألق هذين عنك ؛ لعلك أن توهم من عملك ما هو أشد من هذا قال علي : هذا تشديد عظيم جدا وروينا أن أم الفضل بنت غيلان : أرسلت إلى أنس بن مالك تسأله عن العصفر فقال أنس : لا بأس به للنساء . قال علي : صح عن النبي ﷺ إباحته للنساء حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا يعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف - ثنا أبي عن محمد بن إسحاق أن نافعا مولى ابن عمر حدثه عن عبد الله بن عمر : أنه سمع رسول الله ﷺ { نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب ، وما مس الورس والزعفران من الثياب ، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب من معصفر ، أو خز ، أو حلي ، أو سراويل ، أو قميص ، أو خف } .

425 - مسألة : ومن صلى وهو يحمل شيئا مسروقا أو مغصوبا أو إناء فضة أو ذهب بطلت صلاته إلا أن يحمل المأخوذ بغير حقه ليرده إلى صاحبه ، أو يحمل الإناء ليكسره - : فصلاته تامة ، فإن صلى وفي كفه أو حجزته حلي ذهب يتملكه لأهله ، أو ليبيعه ، أو ثوب حرير كذلك ، أو دنانير - : فصلاته تامة . وكذلك لو صلى وفي فيه دينار أو لؤلؤة يحرزهما بذلك فصلاته تامة . برهان ذلك - : أنه عمل في صلاته ما لا يحل له ، ومن عمل في صلاته ما لا يحل له ؛ فلم يصل الصلاة التي أمره الله عز وجل بها ؛ فإذا حمل ذلك لما أمر به ؛ فلم يعمل في صلاته إلا ما أمر به ؛ فصلاته صحيحة - وبالله تعالى التوفيق

426 - مسألة : وفرض على الرجل - إن صلى في ثوب واسع - أن يطرح منه على عاتقه أو عاتقيه ، فإن لم يفعل بطلت صلاته ، فإن كان ضيقا اتزر به وأجزأه ، كان معه ثياب غيره أو لم يكن - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو عاصم هو النبيل - عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء } . ورويناه من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي ﷺ : { لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء } . قال علي : المعنى في كلا اللفظين واحد ، لأنه متى ألقى بعض الثوب على عاتقه فلم يصل في ثوب ليس على عاتقيه منه شيء ، بل صلى في ثوب على أحد عاتقيه منه شيء . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هارون بن معروف ثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة - عن { عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال : أتينا جابر بن عبد الله أنا وأبي فحدثنا في حديث : أن رسول الله ﷺ قال له يا جابر ، إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه ، وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك } يعني ثوبه . وهذه الأحاديث تقضي سائر الأخبار في الصلاة في الثوب الواحد وروينا عن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر قال في الثوب : إذا كان واسعا فتوشح به ، وإن كان قصيرا فاتزر به . وعن أبي عوانة عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال : إذا لم يكن عليك إلا ثوب واحد ، إن كان واسعا فتوشح به ، وإن كان صغيرا فاتزر به وعن طاوس بنحو هذا وعن محمد بن الحنفية : لا صلاة لمن لم يخمر على عاتقيه في الصلاة

427 - مسألة : ولا يجوز لأحد أن يصلي وهو مشتمل الصماء ، وهو أن يشتمل المرء ويداه تحته ، الرجل والمرأة سواء - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد بن عمر عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة : { أن رسول الله ﷺ نهى عن بيعتين وعن لبستين فذكر الحديث وفيه : عن اشتمال الصماء }

428 - مسألة : ولا تجزئ الصلاة ممن جر ثوبه خيلاء من الرجال وأما المرأة فلها أن تسبل ذيل ما تلبس ذراعا لا أكثر ، فإن زادت على ذلك عالمة بالنهي بطلت صلاتها وحق كل ثوب يلبسه الرجل أن يكون إلى الكعبين لا أسفل ألبتة ؛ فإن أسبله فزعا أو نسيانا فلا شيء عليه حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد هو القطان - عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء } . فهذا عموم للسراويل ، والإزار ، والقميص وسائر ما يلبس . ورواه أيضا عبد الله بن دينار ، وزيد بن أسلم عن ابن عمر مسندا . ورويناه أيضا من طريق أبي ذر مسندا بوعيد شديد . وروينا عن أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود أنه قال : المسبل إزاره في الصلاة ليس من الله في حل ولا في حرام . وعن ابن عباس : لا ينظر الله إلى مسبل وعن مجاهد : كان يقال : من مس إزاره كعبه لم يقبل الله له صلاة فهذا مجاهد يحكي ذلك عمن قبله ، وليسوا إلا الصحابة رضي الله عنهم لأنه ليس من صغار التابعين ؛ بل من أواسطهم وعن ذر بن عبد الله المرهبي - وهو من كبار التابعين - : كان يقال : من جر ثيابه لم تقبل له صلاة ولا نعلم لمن ذكرنا مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم . قال علي : فمن فعل في صلاته ما حرم عليه فعله فلم يصل كما أمر ، ومن لم يصل كما أمر فلا صلاة له . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود السجستاني ثنا النفيلي هو عبد الله بن محمد - ثنا محمد ثنا زهير هو ابن معاوية - ثنا موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال قال رسول الله ﷺ : { من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر الصديق : إن أحد جانبي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال له رسول الله ﷺ لست ممن يفعله خيلاء } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا نوح بن حبيب القومسي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه قالت أم سلمة يا رسول الله فكيف تصنع النساء بذيولهن قال : ترخينه شبرا ؛ قالت : إذن تنكشف أقدامهن ؛ قال : ترخينه ذراعا لا يزدن عليه } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ثنا سفيان هو ابن عيينة - ثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه قال : سألت أبا سعيد الخدري فقال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ، وما أسفل ذلك في النار ، لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا } .

429 - مسألة : والصلاة جائزة في ثوب الكافر والفاسق ، ما لم يوقن فيها شيئا يجب اجتنابه لقول الله تعالى : { خلق لكم ما في الأرض جميعا } . وقد صح { أن رسول الله ﷺ صلى في جبة رومية } ؛ ونحن على يقين من طهارة القطن ، والكتان ، والصوف ، والشعر ، والوبر ، والجلود ، والحرير للنساء ؛ وإباحة كل ذلك فمن ادعى نجاسة أو تحريما لم يصدق إلا بدليل من نص قرآن أو سنة صحيحة . قال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } . وقال تعالى : { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } ، فإن قيل : قد حرم رسول الله ﷺ آنيتهم إلا بعد غسلها ، وإن لم يوجد غيرها قلنا : نعم ، والآنية غير الثياب { وما كان ربك نسيا } . ولو أراد الله تعالى تحريم ثيابهم لبين ذلك على لسان رسوله ﷺ كما فعل بالآنية والعجب أن المانع من الصلاة في ثيابهم يبيح آنيتهم لغير ضرورة وهذا عكس الحقائق وإباحة الصلاة في ثياب المشركين هو قول سفيان الثوري ، وداود بن علي ، وبه نقول

430 - مسألة : ولا يجزئ أحدا من الرجال أن يصلي وقد زعفر جلده بالزعفران ، فإن صبغ ثيابه ، أو عمامته ، بالزعفران ، أو زعفر لحيته ، فحسن ، وصلاته بكل ذلك جائزة حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا حماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية - كلاهما عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال : { نهى رسول الله ﷺ أن يتزعفر الرجل } . هذا لفظ إسماعيل ، ولفظ حماد ، { عن التزعفر للرجال } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا سليمان بن الأشعث ثنا زهير بن حرب ثنا محمد بن عبد الله الأسدي ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن جديه قالا : سمعنا أبا موسى الأشعري يقول : قال رسول الله ﷺ : { لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق } . قال علي : الخلوق الزعفران ، وأول مراتب هذا الخبر كونه من قول أبي موسى . قال علي : هذا النهي ناسخ لما كان في أول الهجرة من إباحته عليه السلام لأن يتزعفر الرجل ، إذ رأى عبد الرحمن بن عوف حين تزوج وعليه الخلوق ، فلم ينكر عليه ؛ إذ الأصل في ذلك الإباحة ، ثم طرأ النهي فجاء ناسخا حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا يعقوب بن إبراهيم ثنا الدراوردي هو عبد العزيز بن محمد - عن زيد بن أسلم قال : رأيت ابن عمر يصفر لحيته بالخلوق ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن إنك تصفر لحيتك بالخلوق قال : [ { إني رأيت رسول الله ﷺ يصفر بها لحيته ولم يكن شيء من الصبغ أحب إليه منها ؛ ولقد كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته } ] . قال علي : ولم ينه عليه السلام النساء عن التزعفر ، فهو مباح لهن . قال عز وجل : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } .

431 - مسألة : ولا يحل للرجل أن يصفق بيديه في صلاته ، فإن فعل وهو عالم بالنهي بطلت صلاته ؛ لكن إن نابه شيء في صلاته فليسبح وأما المرأة فحكمها إن نابها شيء في صلاتها أن تصفق بيديها ، فإن سبحت : فحسن وهو قول الشافعي ، وداود وقال أبو حنيفة : إن سبح الرجل مريدا إفهام غيره بأمر ما : بطلت صلاته وقال مالك : لا تصفق المرأة بل تسبح . وكلا القولين خطأ ، وخلاف للثابت عن رسول الله ﷺ حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو النعمان هو محمد بن الفضل عارم - ثنا حماد بن زيد ثنا أبو حازم المدني عن سهل بن سعد - فذكر حديثا وفيه - : إن الناس صفحوا إذ رأوا رسول الله ﷺ جاءوهم يصلون خلف أبي بكر ، وإن رسول الله ﷺ قال لهم إذ سلم { إذا رابكم أمر فليسبح الرجال وليصفح النساء في الصلاة } . قال علي : لا خلاف في أن التصفيق ، والتصفيح بمعنى واحد ، وهو الضرب بإحدى صفحتي الأكف على الأخرى وروينا عن أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، أنهما قالا : التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء - ولا يعرف لهما من الصحابة رضي الله عنهم مخالف وإنما جاز التسبيح للنساء ، لأنه ذكر لله تعالى والصلاة مكان لذكر الله عز وجل

432 - مسألة : ولا يحل للمرأة إذا شهدت المسجد أن تمس طيبا ، فإن فعلت بطلت صلاتها ؛ سواء في ذلك الجمعة ، والعتمة ، والعيد ، وغير ذلك من جميع الصلوات . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عجلان ثنا بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت : قال لنا رسول الله ﷺ : { إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد هو ابن سلمة - عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف - عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، ولكن يخرجن وهن تفلات } . قال علي : إن أمكن المرأة أن تتطيب يوم الجمعة طيبا تذهب ريحه قبل الجمعة فذلك عليها ؛ وإلا فلا بد لها من ترك الطيب أو ترك الجمعة ؛ أي ذلك فعلت فمباح لها

433 - مسألة : ولا يحل للمرأة أن تصلي وهي واصلة شعرها بشعر إنسان ، أو غيره ، أو بصوف ، أو بأي شيء كان ؛ وكذلك الرجل أيضا . وأما التي تضفر غديرتها أو غدائرها بخيط من حرير ، أو صوف أو كتان ، أو قطن ، أو سير أو فضة ، أو ذهب ؛ فليست واصلة ، ولا إثم عليها . ولا صلاة للتي تعظم رأسها بشيء تختمر عليه حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا الحميدي ثنا سفيان هو ابن عيينة - ثنا هشام هو ابن عروة - أنه سمع فاطمة بنت المنذر تقول : إنها سمعت أسماء بنت أبي بكر الصديق تقول { سألت امرأة النبي ﷺ فقالت : يا رسول الله ، إن ابنتي أصابتها الحصبة فامرق شعرها وإني زوجتها ، أفأصل فيه قال : لعن الله الواصلة والموصولة } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن يحيى بن الحارث الحمصي ثنا محبوب بن موسى أنا ابن المبارك عن يعقوب هو ابن القعقاع - عن قتادة عن ابن المسيب عن معاوية أنه قال : { أيها الناس ، إن رسول الله ﷺ نهاكم عن الزور ، وجاء بخرقة سوداء فألقاها بين أيديهم قال : هو هذا تجعله المرأة في رأسها ثم تختمر عليه } . قال علي : قول معاوية : { نهاكم } خطاب من النبي ﷺ للرجال والنساء ، فمن صلى وهو عامل في صلاته حالا محرمة عليه ، فلم يصل كما أمر ؛ فلا صلاة له - وبالله تعالى التوفيق .

434 - مسألة : وأما التي تتولى وصل شعر غيرها ، والواشمة ، والمستوشمة - والوشم : النقش في الجلد ثم يعمل بالكحل الأسود - والمتفلجة والنامصة والمتنمصة - والنمص هو نتف الشعر من الوجه - فكل من فعلت ذلك في نفسها ، أو في غيرها فملعونات من الله عز وجل وصلواتهن تامة أما اللعنة فقد صح لعن كل من ذكرنا عن رسول الله ﷺ . وأما تمام صلاتهن فإنهن بعد حصول هذه الأعمال فيهن ومنهن لا يقدرن على التبرؤ من تلك الأحوال ، ومن عجز عما كلف سقط عنه . قال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال عليه السلام : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . فلم يكلف أحد إلا ما يستطيع ؛ فإذا عجزن عن إزالة تلك الأحوال فقد سقط عنهن إزالتها ، وهن مأمورات بالصلاة ؛ فيؤدينها كما يقدرن . وأما الواصلة في شعر نفسها فقادرة على إزالته ، فإذا لم تزله فقد استصحبت في صلاتها عملا هي فيه عاصية لله عز وجل ، فلم تصل كما أمرت فلا صلاة لها - وبالله تعالى التوفيق .

محلى ابن حزم - المجلد الأول/كتاب الصلاة

كتاب الصلاة (مسألة 275 - 280) | كتاب الصلاة (مسألة 281 - 284) | كتاب الصلاة (مسألة 285) | كتاب الصلاة (مسألة 286) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 286) | كتاب الصلاة (مسألة 287 - 295) | كتاب الصلاة (مسألة 296 - 300) | كتاب الصلاة (مسألة 301) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 301) | كتاب الصلاة (مسألة 302 - 313) | كتاب الصلاة (مسألة 314 - 321) | كتاب الصلاة (مسألة 322 - 334) | كتاب الصلاة (مسألة 335) | كتاب الصلاة (مسألة 336) | كتاب الصلاة (مسألة 337 - 347) | كتاب الصلاة (مسألة 344 - 348) | كتاب الصلاة (مسألة 349) | كتاب الصلاة (مسألة 350 - 353) | كتاب الصلاة (مسألة 354 - 360) | كتاب الصلاة (مسألة 361 - 368) | كتاب الصلاة (مسألة 369 - 371) | كتاب الصلاة (مسألة 372 - 376) | كتاب الصلاة (مسألة 377 - 384) | كتاب الصلاة (مسألة 385 - 391) | كتاب الصلاة (مسألة 392 - 394) | كتاب الصلاة (مسألة 395 - 412) | كتاب الصلاة (مسألة 413 - 420) | كتاب الصلاة (مسألة 421 - 434) | كتاب الصلاة (مسألة 435 - 442) | كتاب الصلاة (مسألة 443 - 446) | كتـاب الصلاة (مسألة 447 - 453) | كتـاب الصلاة (مسألة 454 - 458) | كتـاب الصلاة (مسألة 459 - 461) | كتـاب الصلاة (مسألة 462 - 466) | كتـاب الصلاة (مسألة 467 - 472) | كتـاب الصلاة (مسألة 473 - 484) | كتـاب الصلاة (مسألة 485) | كتـاب الصلاة (مسألة 486 - 488) | كتـاب الصلاة (مسألة 489 - 493) | كتـاب الصلاة (مسألة 494 - 496) | كتـاب الصلاة (مسألة 497 - 504) | كتـاب الصلاة (مسألة 505) | كتـاب الصلاة (مسألة 506 - 510) | كتـاب الصلاة (مسألة 511 - 512) | كتـاب الصلاة (مسألة 513) | كتـاب الصلاة (مسألة 514 - 518) | كتـاب الصلاة (مسألة 519 - 520) | كتاب الصلاة (مسألة 521 - 523) | كتاب الصلاة (مسألة 524 - 529) | كتاب الصلاة (مسألة 530 - 540) | كتاب الصلاة (مسألة 543 - 553) | كتاب الصلاة (مسألة 554 - 555) | كتاب الصلاة (مسألة 556 - 557)