الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الأول/الصفحة الثانية والستون


كتـاب الصلاة

413 - مسألة : وأما من تأول في بعض ما يوجب الوضوء فلم ير الوضوء منه - : فالائتمام به جائز ؛ وكذلك من اعتقد متأولا أن بعض فروض صلاته تطوع ؛ لأنه معذور بجهله ، وقد أجاز عليه السلام صلاة معاوية بن الحكم ، وهو قد تعمد الكلام في صلاته جاهلا

414 - مسألة : ومن علم أن إمامه قد زاد ركعة أو سجدة فلا يجوز له أن يتبعه عليها ، بل يبقى على الحالة الجائزة ، ويسبح بالإمام ، وهذا لا خلاف فيه ، وقد قال تعالى : { لا تكلف إلا نفسك }


415 - مسألة : وأيما رجل صلى خلف الصف بطلت صلاته ، ولا يضر ذلك المرأة شيئا . وفرض على المأمومين تعديل الصفوف - الأول فالأول - والتراص فيها ، والمحاذاة بالمناكب ، والأرجل ، فإن كان نقص كان في آخرها ومن صلى وأمامه في الصف فرجة يمكنه سدها بنفسه فلم يفعل : بطلت صلاته ؛ فإن لم يجد في الصف مدخلا فليجتذب إلى نفسه رجلا يصلي معه ؛ فإن لم يقدر فليرجع ، ولا يصل وحده خلف الصف إلا أن يكون ممنوعا فيصلي وتجزئه حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا سليمان بن حرب ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة هو ابن معبد الأسدي { أن رسول الله ﷺ رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة } . وروينا من طريق جرير بن عبد الحميد عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف أن زياد بن أبي الجعد أخبره عن وابصة بن معبد { أن رسول الله ﷺ أمر رجلا صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلاة } . فقال قوم بآرائهم : لعله أمره بالإعادة لأمر غير ذلك لا نعرفه قال علي : وهذا باطل لأنه عليه السلام لم يكن ليدع بيان ذلك لو كان كما ادعوا ، وإذا جوزوا مثل هذا لم يعجز أحد لا يتقي الله عز وجل أن يقول إذا ذكر له حديث : لعله نقص منه شيء يبطل هذا الحكم الوارد فيه فكيف وقد حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر حدثني عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه قال { قدمنا على رسول الله ﷺ فبايعناه وصلينا خلفه ، فقضى الصلاة فرأى رجلا فردا يصلي خلف الصف فوقف عليه رسول الله ﷺ حتى انصرف ، فقال له : استقبل صلاتك ، فإنه لا صلاة للذي خلف الصف } . قال علي : ملازم ثقة . وثقه ابن أبي شيبة ، وابن نمير وغيرهما ، وعبد الله بن بدر ثقة مشهور وما نعلم أحدا عاب عبد الرحمن بأكثر من أنه لم يرو عنه إلا عبد الله بن بدر ، وهذا ليس جرحة . ورواية هلال بن يساف حديث وابصة مرة عن زياد بن أبي الجعد ، ومرة عن عمرو بن راشد قوة للخبر ، وعمرو بن راشد ثقة ، وثقه أحمد بن حنبل وغيره . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو الوليد هو الطيالسي - ثنا شعبة أنا عمرو بن مرة قال سمعت سالم بن أبي الجعد قال سمعت النعمان بن بشير يقول قال رسول الله ﷺ : { لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم } . قال علي : هذا وعيد شديد . والوعيد لا يكون إلا في كبيرة من الكبائر . وبه نصا إلى شعبة : عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ { سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة } . قال علي : تسوية الصف إذا كان من إقامة الصلاة فهو فرض ؛ لأن إقامة الصلاة فرض ؛ وما كان من الفرض فهو فرض . وبه إلى البخاري : ثنا أحمد بن أبي رجاء ثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة بن قدامة ثنا حميد الطويل ثنا أنس بن مالك قال : قال لنا رسول الله ﷺ : { أقيموا صفوفكم وتراصوا ، فإني أراكم من وراء ظهري } . وروينا عن أنس أنه قال " كان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه . قال علي : هذا إجماع منهم ، والآثار في هذا كثيرة جدا ؛ والصف الأول هو الذي يلي الإمام حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن حرب الواسطي ثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن ثنا شعبة عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال { لو تعلمون أو يعلمون ما في الصف الأول لكانت قرعة } . قال علي : لا يمكن أن تكون القرعة إلا فيما لا يسع الجميع فيقع فيه التغاير والمضايقة ولو كان الصف الأول للمبادر بالمجيء - كما يقول من لا يحصل كلامه - لما كانت القرعة فيه إلا حماقة ؛ لأنه لا يمنع أحد من المبادرة بالمجيء حتى يحتاج فيه إلى قرعة حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا إسماعيل بن مسعود هو الجحدري - عن خالد بن الحارث ثنا سعيد هو ابن أبي عروبة - عن قتادة عن أنس أن رسول الله ﷺ قال : { أتموا الصف الأول ثم الذي يليه ، فإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر } . قال علي : شغب من أجاز صلاة المنفرد خلف الصف بصلاة رسول الله ﷺ بأنس ، واليتيم خلفه ، والمرأة خلفهما وهذا لا حجة لهم فيه لأن حكم النساء خلف الرجال ، وإلا فعليهن من إقامة الصفوف إذا كثرن ما على الرجال لعموم الأمر بذلك ، ولا يجوز أن يترك حديث مصلى المرأة المذكورة لحديث وابصة ، ولا حديث وابصة لحديث مصلى المرأة ، فليس من ترك هذا لهذا بأولى ممن ترك ما أخذ هذا وأخذ بما ترك ، وكل هذا لا يجوز وشغبوا بحديث { ابن عباس وجابر إذ جاء كل منهما فوقف عن يسار رسول الله ﷺ مؤتما به وحده فأدار عليه السلام كل واحد منهما حتى جعله عن يمينه } ، قالوا : فقد صار جابر وابن عباس خلف رسول الله ﷺ في تلك الإدارة . قال علي : وهذا لا حجة فيه لهم ، لما ذكرنا من أنه لا يحل ضرب السنن بعضها ببعض . وهذا تلاعب بالدين وليت شعري ما الفرق بين من ترك حديث جابر وابن عباس لحديث وابصة ، وعلي بن شيبان وبين من ترك حديث وابصة ، وعلي لحديث جابر ، وابن عباس وهل هذا كله إلا باطل بحت ، وتحكم بلا برهان بل الحق في ذلك الأخذ بكل ذلك ، فكله حق ، ولا يحل خلافه ، فإدارة الإمام من صلى عن يساره إلى يمينه حق ، ولا تبطل بذلك الصلاة ، وبخلاف من صلى عن يسار الإمام وهو عالم بالمنع من ذلك فصلاة هذين باطل ، بخلاف حكم المصلي خلف الصف ، وما سمي قط المدار عن شمال إلى يمين مصليا وحده خلف الصف وموهوا أيضا بخبر أبي بكرة إذا أتى وقد حفزه النفس فركع دون الصف ثم دخل الصف . قال علي : وهذا الخبر حجة عليهم لنا ؛ لأن عبد الله بن ربيع حدثنا قال ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا حميد بن مسعدة أن يزيد بن زريع حدثهم قال : ثنا سعيد بن أبي عروبة عن زياد الأعلم ثنا الحسن { أن أبا بكرة حدث أنه دخل المسجد ونبي الله ﷺ راكع ، قال : فركعت دون الصف ، فقال النبي ﷺ زادك الله حرصا ولا تعد } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن الأعلم هو زياد - عن الحسن عن { أبي بكرة أنه دخل المسجد ورسول الله ﷺ يصلي وقد ركع ، فركع ثم دخل الصف وهو راكع ؛ فلما انصرف رسول الله ﷺ قال : أيكم دخل الصف وهو راكع فقال له أبو بكرة : أنا ، قال : زادك الله حرصا ولا تعد } . قال علي : فقد ثبت أن الركوع دون الصف ثم دخول الصف كذلك لا يحل فإن قيل : فهلا أمره رسول الله ﷺ بالإعادة كما أمر الذي أساء الصلاة والذي صلى خلف الصف وحده قلنا : نحن على يقين - نقطع به - أن الركوع دون الصف إنما حرم حين نهى النبي ﷺ . فإذ ذلك كذلك فلا إعادة على من فعل ذلك قبل النهي ، ولو كان ذلك محرما قبل النهي ؛ لما أغفل عليه السلام أمره بالإعادة ، كما فعل مع غيره . فبطل أن يكون لمن أجاز صلاة المنفرد خلف الصف ، وصلاة من لم يقم الصفوف : حجة أصلا ، لا من قرآن ولا من سنة ولا إجماع وبقولنا يقول السلف الطيب - : روينا بأصح إسناد عن أبي عثمان النهدي قال : كنت فيمن ضرب عمر بن الخطاب قدمه لإقامة الصف في الصلاة قال علي : ما كان رضي الله عنه ليضرب أحدا ويستبيح بشرة محرمة على غير فرض وعن يحيى بن سعيد القطان ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع أنه أخبره عن ابن عمر : أن عمر بن الخطاب كان يبعث رجالا يسوون الصفوف ، فإذا جاءوا : كبر . وعن عمر بن الخطاب : من كان بينه وبين الإمام نهر أو حائط أو طريق فليس مع الإمام وعن مالك عن أبي النضر عن مالك بن أبي عامر عن عثمان بن عفان أنه كان يقول ذلك في خطبته قلما يدع ذلك كلاما فيه : إذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف ، وحاذوا بالمناكب ، فإن اعتدال الصف من تمام الصلاة ، ثم لا يكبر حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف فيخبرونه أنها استوت فيكبر . هذا فعل الخليفتين رضي الله عنهما بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ، لا يخالفهم في ذلك أحد منهم . وعن عثمان أنه كان يقول : اعدلوا الصفوف وصفوا الأقدام وحاذوا بالمناكب . وعن سفيان الثوري عن الأعمش عن عمارة بن عمران الجعفي عن سويد بن غفلة قال : كان بلال - هو مؤذن رسول الله ﷺ - يضرب أقدامنا في الصلاة ويسوي مناكبنا . فهذا بلال ما كان : ليضرب أحدا على غير الفرض . وعن ابن عمر : من تمام الصلاة اعتدال الصف . وأنه قال : لأن تخر ثنيتاي أحب إلي من أن أرى خللا في الصف فلا أسده قال علي : هذا لا يتمنى في ترك مباح أصلا وعن ابن عباس : إياكم وما بين السواري ، وعليكم بالصف الأول . وعن عبيد الله بن أبي يزيد : رأيت المسور بن مخرمة يتخلل الصفوف حتى ينتهي إلى الصف الأول أو الثاني وعن وكيع عن مسعر بن كدام عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن النعمان بن بشير قال : والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم . وقيل لأنس بن مالك : أتنكر شيئا مما كان على عهد رسول الله ﷺ قال : لا ، إلا أنكم لا تقيمون الصفوف . قال علي : المباح لا يكون منكرا وعن سعيد بن جبير الأمر بتسوية الصفوف وعن عطاء : على الناس أن يسووا الصفوف . وعن عبد الرحمن بن يزيد : سووا الصفوف ، فإن من تمام الصلاة إقامة الصف . وعن إبراهيم النخعي في الرجل يجيء وقد تم الصف : إن قدر فليدخل معهم في الصف ، أو يجتذب رجلا فيصلي معه ، فإن صلى وحده فليعد الصلاة . وعن شعبة قال : سألت الحكم بن عتيبة عن الرجل يصلي وحده خلف الصف قال : يعيد . وببطلان صلاة من صلى خلف الصف منفردا يقول الأوزاعي ، والحسن بن حي ، وأحد قولي سفيان الثوري ، وهو قول أحمد بن حنبل ، وإسحاق

416 - مسألة : وواجب على من دخل المسجد أن يقول " اللهم افتح لي أبواب رحمتك " فإذا خرج منه فليقل : " اللهم إني أسألك من فضلك " . وهذا إنما هو من شروط دخول المسجد متى دخله ، لا من شروط الصلاة ، فصلاة من لم يقل ذلك جائزة ، وقد عصى في تركه قول ما أمر به حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد هو ابن سويد الأنصاري - عن أبي حميد أو عن أبي أسيد قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا دخل أحدكم المسجد فليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج فليقل : اللهم إني أسألك من فضلك } . قال علي : أيهما كان فهو خير من كل من بعده

417 - مسألة : وفرض على كل مأموم أن لا يرفع ولا يركع ولا يسجد ولا يكبر ولا يقوم ولا يسلم قبل إمامه ، ولا مع إمامه ؛ فإن فعل عامدا بطلت صلاته ؛ لكن بعد تمام كل ذلك من إمامه ؛ فإن فعل ذلك ساهيا فليرجع ولا بد حتى يكون ذلك كله منه بعد كل ذلك من إمامه وعليه سجود السهو . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل الجحدري ثنا أبو عوانة عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي ثنا أبو موسى قال { إن رسول الله ﷺ خطبنا فبين لنا سنة الخير ، وعلمنا صلاتنا ، فقال : إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ، ثم ليؤمكم أحدكم ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قال : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقولوا آمين يجبكم الله فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا ، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم ، فتلك بتلك وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا ، فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم ، فتلك بتلك } وذكر باقي الحديث . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري حدثني أبو إسحاق هو السبيعي - ثنا عبد الله بن يزيد الأنصاري ثنا البراء بن عازب قال : { كان رسول الله ﷺ إذا قال : سمع الله لمن حمده ، لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي ﷺ ساجدا ، ثم نقع سجودا بعده } . وقد رويناه أيضا من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب . وبه إلى البخاري : ثنا الحجاج بن المنهال ثنا شعبة عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله ﷺ : { أما يخشى أحدكم ، أو لا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار ؛ أو يجعل الله صورته صورة حمار } . حدثنا حمام ثنا ابن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا الحميدي ثنا سفيان هو ابن عيينة - ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري أنه سمع محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول قال رسول الله ﷺ : { لا تبادروني بالركوع ولا السجود فإني قد بدنت فمهما أسبقكم به إذا ركعت فإنكم تدركوني به إذا رفعت ، ومهما أسبقكم به إذا سجدت فإنكم تدركوني به إذا رفعت } وبه قال السلف . روينا عن أبي هريرة أنه قال : إن الذي يرفع رأسه قبل الإمام ويخفض قبله فإن ناصيته بيد شيطان . وعن عبد الله بن مسعود : ما يؤمن الرجل إذا رفع رأسه قبل الإمام أن تعود رأسه رأس كلب . قال علي : لا وعيد أشد من المسخ في صورة كلب أو حمار ، ولا عقوبة أعظم من إسلام ناصية المرء إلى يد الشيطان . وعن ابن مسعود : لا تبادروا أئمتكم بالسجود ، فإن سبقكم من ذلك شيء فليضع أحدكم رأسه كقدر ما سبق . وعن عمر بن الخطاب مثل هذا حرفا حرفا . قال علي : والمعصية المحرمة المبعدة من الله تعالى لا تنوب عن الطاعة المفترضة المقربة منه عز وجل

418 - مسألة : فمن كان عليل البصر وخشي ضررا من طول الركوع أو السجود فليؤخر ذلك إلى قرب رفع الإمام رأسه بمقدار ما يركع ويطمئن ويقول سبحان ربي العظيم وبحمده ثم يرفع بعد رفع الإمام لقول الله تعالى : { ما جعل عليكم في الدين من حرج } ولقوله عز وجل : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ولقوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } والعجب كله من قول أبي حنيفة ، ومالك : لا يحل لمأموم أن يكبر للإحرام قبل إمامه ، ولا مع إمامه ، ولا أن يسلم قبل إمامه ، ولا مع إمامه : ثم أجازوا له أن يفعل سائر ذلك مع الإمام وفي قول رسول الله ﷺ : { فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا } أو { فاقضوا } نص جلي على أنه لا يحل للمأموم أن يفارق الإمام حتى تتم صلاة الإمام ، ولا تتم صلاة الإمام إلا بتمام سلامه

419 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يكبر قبل إمامه إلا في أربعة مواضع - : أحدها : من دخل خلف إمام فلما كبر الإمام وكبر الناس ذكر الإمام أنه على غير طهارة ، فإنه يشير إلى الناس أن امكثوا ، ثم يخرج فيتطهر ، ثم يأتي فيبتدئ التكبير للإحرام ، وهم باقون على ما كبروا ؛ كما فعل رسول الله ﷺ بأصحابه رضي الله عنهم والثاني : أن يكبر الإمام ويكبر الناس بعده ثم يحدث ، فيستخلف من دخل حينئذ ، فيصير إماما مكانه ، ويكون المؤتمون به قد كبروا قبله - وهذا إجماع من الحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين ، والحنبليين . والثالث : أن يغيب الإمام الراتب فيستخلف الناس من يصلي بهم ثم يأتي الإمام الراتب فيتأخر المقدم ، ويتقدم هو ، فيصلي بالناس وقد كبر المأمومون قبله ، كما فعل رسول الله ﷺ مرتين - : مرة { إذ مضى عليه السلام إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم ، فقدم الناس للصلاة التي حضرت أبا بكر فجاء رسول الله ﷺ فتأخر أبو بكر وتقدم رسول الله ﷺ فصلى بالناس بانين على ما صلوا مع أبي بكر } . وكما فعل ﷺ في آخر صلاة صلاها بالمسلمين . وقد ذكرنا ذلك بإسناده فيما سلف من كتابنا هذا ولله الحمد والرابع : من كان معذورا في ترك حضور الجماعة أو يئس عن أن يجد جماعة فبدأ الصلاة فلما دخل فيها أتى الإمام ، فإنه يدخل في صلاة الإمام ويعتد بتكبيره وبما صلى ، لأنه كبر كما أمر ، وصلى ما مضى من صلاته كما أمر ، ومن فعل ما أمر به فقد أحسن ، ومن أحسن فلا يجوز إبطال ما عمل إلا بنص : قرآن أو سنة ثابتة ، وقد قال تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } . وكذلك لا يحل لأحد أن يسلم قبل إمامه إلا في أربعة مواضع - : أحدها : صلاة الخوف ، كما نذكر في أبوابها إن شاء الله تعالى والثاني : من كان له عذر في ترك حضور الجماعة أو يئس عن وجود جماعة فبدأ بالصلاة ثم أتى الإمام ، فصار هذا مؤتما به وتمت صلاته قبل صلاة الإمام ، فهذا مخير ، إن شاء سلم ونهض ؛ لأن صلاته قد تمت . ولا يجوز له الائتمام بالإمام في أحوال يفعلها الإمام من صلاته ، ولا يحل للمؤتم أن يزيدها في صلاته ؛ فإذ لا يجوز له الائتمام بالإمام فقد خرج عن إمامته وتمت صلاته ، فليسلم ، وإن شاء يتمادى على تشهده ودعائه ، حتى إذا سلم الإمام سلم بعده أو معه . والثالث : مسافر دخل خلف من يتم الصلاة - إما مقيما وإما متأولا معذورا بخطئه فإذا تمت للمأموم ركعتان بسجدتيهما فقد تمت صلاته ؛ فهو مخير بين ما ذكرنا من سلام أو تمادى على الجلوس والدعاء ، وإن شاء بعد سلامه أن ينهض فله ذلك ، وإن شاء أن يصلي مع الإمام باقي صلاته متطوعا فذلك له والرابع : من طول عليه الإمام تطويلا يضر به في نفسه ، أو في ضياع ماله ؛ فله أن يخرج عن إمامته ، ويتم صلاته لنفسه ، ويسلم وينهض لحاجته - : كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عباد ثنا سفيان هو ابن عيينة - عن عمرو هو ابن دينار - عن جابر بن عبد الله قال : { كان معاذ يصلي مع النبي ﷺ ثم يأتي فيؤم قومه ، فصلى ليلة مع النبي ﷺ العشاء ، ثم أتى قومه فأمهم ، فافتتح بسورة البقرة ، فانحرف رجل فسلم ، ثم صلى وحده وانصرف ، فقالوا له : أنافقت يا فلان قال : لا والله ، ولآتين رسول الله ﷺ فلأخبرنه ؛ فأتى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله ، إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار ، وإن معاذا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة ، فأقبل رسول الله ﷺ فقال : يا معاذ ، أفتان أنت اقرأ بكذا ، واقرأ بكذا } وذكر باقي الكلام . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري حدثني محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة عن عمرو بن دينار قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : { كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي ﷺ ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم ، فصلى العشاء فقرأ بالبقرة فانصرف رجل فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال : فتان فتان فتان أو قال : فاتنا فاتنا فاتنا وأمره بسورتين من أوسط المفصل } . وهذا إجماع من الصحابة رضي الله عنهم مع النص وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : إذا تشهد الرجل وخاف أن يحدث قبل أن يسلم الإمام فليسلم وقد تمت صلاته ولا نعلم له من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك مخالفا . وبكل الوجوه التي ذكرنا ، قد قالت طوائف من السلف رضي الله عنهم

420 - مسألة : ومن سبق إلى مكان من المسجد لم يجز لغيره إخراجه عنه وكذلك إن قام عنه غير تارك له فرجع فهو أحق به ؛ لأن المسجد لجميع الناس ، وقد نهى النبي ﷺ أن يقام أحد عن مكانه - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { إذا قام الرجل من مجلسه ثم رجع فهو أحق به } .

محلى ابن حزم - المجلد الأول/كتاب الصلاة

كتاب الصلاة (مسألة 275 - 280) | كتاب الصلاة (مسألة 281 - 284) | كتاب الصلاة (مسألة 285) | كتاب الصلاة (مسألة 286) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 286) | كتاب الصلاة (مسألة 287 - 295) | كتاب الصلاة (مسألة 296 - 300) | كتاب الصلاة (مسألة 301) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 301) | كتاب الصلاة (مسألة 302 - 313) | كتاب الصلاة (مسألة 314 - 321) | كتاب الصلاة (مسألة 322 - 334) | كتاب الصلاة (مسألة 335) | كتاب الصلاة (مسألة 336) | كتاب الصلاة (مسألة 337 - 347) | كتاب الصلاة (مسألة 344 - 348) | كتاب الصلاة (مسألة 349) | كتاب الصلاة (مسألة 350 - 353) | كتاب الصلاة (مسألة 354 - 360) | كتاب الصلاة (مسألة 361 - 368) | كتاب الصلاة (مسألة 369 - 371) | كتاب الصلاة (مسألة 372 - 376) | كتاب الصلاة (مسألة 377 - 384) | كتاب الصلاة (مسألة 385 - 391) | كتاب الصلاة (مسألة 392 - 394) | كتاب الصلاة (مسألة 395 - 412) | كتاب الصلاة (مسألة 413 - 420) | كتاب الصلاة (مسألة 421 - 434) | كتاب الصلاة (مسألة 435 - 442) | كتاب الصلاة (مسألة 443 - 446) | كتـاب الصلاة (مسألة 447 - 453) | كتـاب الصلاة (مسألة 454 - 458) | كتـاب الصلاة (مسألة 459 - 461) | كتـاب الصلاة (مسألة 462 - 466) | كتـاب الصلاة (مسألة 467 - 472) | كتـاب الصلاة (مسألة 473 - 484) | كتـاب الصلاة (مسألة 485) | كتـاب الصلاة (مسألة 486 - 488) | كتـاب الصلاة (مسألة 489 - 493) | كتـاب الصلاة (مسألة 494 - 496) | كتـاب الصلاة (مسألة 497 - 504) | كتـاب الصلاة (مسألة 505) | كتـاب الصلاة (مسألة 506 - 510) | كتـاب الصلاة (مسألة 511 - 512) | كتـاب الصلاة (مسألة 513) | كتـاب الصلاة (مسألة 514 - 518) | كتـاب الصلاة (مسألة 519 - 520) | كتاب الصلاة (مسألة 521 - 523) | كتاب الصلاة (مسألة 524 - 529) | كتاب الصلاة (مسألة 530 - 540) | كتاب الصلاة (مسألة 543 - 553) | كتاب الصلاة (مسألة 554 - 555) | كتاب الصلاة (مسألة 556 - 557)