→ كتاب الصلاة (مسألة 344 - 348) | ابن حزم - المحلى كتاب الصلاة (مسألة 349) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الصلاة (مسألة 350 - 353) ← |
كتـاب الصلاة
أوقـــات الصـلاة
349 - مسألة : والعورة المفترض سترها على الناظر وفي الصلاة - : من الرجل : الذكر وحلقة الدبر فقط ؛ وليس الفخذ منه عورة وهي من المرأة : جميع جسمها ، حاشا الوجه ، والكفين فقط ، الحر ، والعبد ، والحرة ، والأمة ، سواء في كل ذلك ولا فرق حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا ابن الحجاج ثنا سعيد بن يحيى الأموي ثنا أبي ثنا عثمان بن حكيم بن عباد بن حنيف الأنصاري ثنا أبو أمامة بن سهل بن حنيف ، عن المسور بن مخرمة قال : { أقبلت بحجر ثقيل أحمله وعلي إزار خفيف ، فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أمنعه حتى بلغت به إلى موضعه ؛ فقال رسول الله ﷺ ارجع إلى إزارك فخذه ، ولا تمشوا عراة } فصح أن أخذ الإزار فرض . وأما الفخذ : فإن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد حدثنا قال ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا يعقوب بن إبراهيم حدثني ابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم . - ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك { أن رسول الله ﷺ غزا خيبر ، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس ؛ فركب رسول الله ﷺ وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة ؛ فأجرى رسول الله ﷺ في زقاق خيبر ، وإن ركبتي لتمس فخذ النبي ﷺ ثم حسر الإزار عن فخذه ، حتى إني أنظر إلى بياض فخذ النبي ﷺ } وذكر باقي الحديث ، قال علي : فصح أن الفخذ ليست عورة ولو كانت عورة لما كشفها الله عز وجل عن رسوله ﷺ المطهر المعصوم من الناس في حال النبوة والرسالة ؛ ولا أراها أنس بن مالك ، ولا غيره ، وهو تعالى قد عصمه من كشف العورة في حال الصبا وقبل النبوة كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا روح بن عبادة ثنا زكريا بن إسحاق ثنا عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله يحدث { أن رسول الله ﷺ كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره ، فقال له العباس عمه : يا ابن أخي ، لو حللت إزارك فجعلته على منكبك دون الحجارة قال : فحله وجعله على منكبه ؛ فسقط مغشيا عليه ، فما رئي بعد ذلك اليوم عريانا } . حدثنا حماد ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الفربري ثنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث : { أن رسول الله ﷺ - لما بنيت الكعبة - ذهب هو وعباس ينقلان الحجارة فقال عباس لرسول الله ﷺ اجعل إزارك على رقبتك من الحجارة ففعل ، فخر إلى الأرض ، وطمحت عيناه إلى السماء ثم قام ، فقال : إزاري إزاري فشد عليه إزاره } . وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية - ثنا أيوب السختياني عن أبي العالية البراء قال : إن عبد الله بن الصامت ضرب فخذي وقال : إني سألت أبا ذر فضرب فخذي كما ضربت فخذك ، وقال : { إني سألت رسول الله ﷺ كما سألتني فضرب فخذي كما ضربت فخذك ، وقال : صل الصلاة لوقتها ؛ فإن أدركتك الصلاة معهم فصل ، ولا تقل إني قد صليت فلا أصلي } . فلو كانت الفخذ عورة لما مسها رسول الله ﷺ من أبي ذر أصلا بيده المقدسة ، ولو كانت الفخذ عند أبي ذر عورة لما ضرب عليها بيده : وكذلك عبد الله بن الصامت ، وأبو العالية . وما يستحل مسلم أن يضرب بيده على ذكر إنسان على الثياب ، ولا على حلقة دبر الإنسان على الثياب ، ولا على بدن امرأة أجنبية على الثياب ألبتة وقد { منع رسول الله ﷺ من القود من الكسعة وهي ضرب الأليتين على الثياب بباطن القدم ، وقال دعوها فإنها منتنة } . فإن قيل : فإن الحجر قد جمح بثياب موسى عليه السلام حتى رأى بنو إسرائيل أنه ليس آدر قلنا : نعم ، ولا حجة لكم في هذا ، لوجهين - : أحدهما : أنه ليس عندنا كشف العورات في شريعة موسى عليه السلام وفي ذلك الخبر نفسه : أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة ، وكان موسى عليه السلام يغتسل في الخلاء ، ولم يأت أنه عليه السلام نهاهم عن الاغتسال عراة وقد يستتر عليه السلام حياء ، كما ستر رسول الله ﷺ ساقه حياء من عثمان ؛ وليست ساق الرجل عورة عند أحد والثاني : أنه ليس في الحديث : أنهم رأوا من موسى : الذكر - الذي هو عورة - وإنما رأوا منه هيئة تبينوا بها أنه مبرأ مما قالوه من الأدرة ؛ وهذا يتبين لكل ناظر بلا شك بغير أن يرى شيئا من الذكر ، لكن بأن يرى ما بين الفخذين خاليا - فبطل تعلقهم بهذا الخبر فإن ذكروا الأخبار الواهية في أن الفخذ عورة ؛ فهي كلها ساقطة . أما حديث جويبر - : فإنه عن ابن جوهر ؛ وهو مجهول ، وعن مجهولين ، ومنقطع ومن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - وهو صحيفة - قد ذكرنا في غير ما موضع من هذه الرواية ما لا يقولون به . مثل : روايته عن أبيه عن جده { أن رسول الله ﷺ قضى أن كل مستلحق استلحق بعد أبيه الذي يدعى له ادعاه ورثته : إن كان من أمة يملكها يوم أصابها : فقد لحق بمن استلحقه ؛ وليس له مما قسم قبله من الميراث شيء ، وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه ، ولا يلحق إن كان أبوه الذي يدعى له أنكره } . ومثل : روايته من هذه الطريق مسندا وذكر الوضوء ثلاثا ثلاثا { هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم } و { أنه عليه السلام نهى عن الحلق قبل الصلاة يوم الجمعة } . ولا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا هلك زوجها في عصمتها و { أنه عليه السلام قضى في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية } . ومثل هذا كثير جدا . وفي أن الفخذ عورة من طريق قبيصة بن مخارق ، فيه : سليمان بن سليمان ومحمد بن عقبة ، وجرير بن قطن ؛ وهم مجهولون لا يعرف من هم . ومن طريق ابن جحش ، فيه أبو كثير ، وهو مجهول . ومن طريق علي ، منقطع ، رواه ابن جريج عن حبيب بن أبي ثابت ، ولم يسمعه منه ، بينهما من لم يسم ولا يدرى من هو ، ورواية حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة ، ولم يسمعه منه ، قال ابن معين : بينهما رجل ليس بثقة ، ولم يروه عن ابن جريج إلا أبو خالد ، ولا يدرى من هو . ومن طريق ابن عباس ، فيها أبو يحيى القتات ، وهو ضعيف . ومن طريق ابن عباس ، فيه مجهولون لا يدرى من هم . ومن طريق سفيان الثوري : أن رسول الله ﷺ وهذا لا شيء . وحتى لو لم يأت من الآثار الثابتة التي ذكرنا شيء لما جاز أن يقطع على عضو بأنه عورة تبطل الصلاة بتركه - : إلا ببرهان ، من نص أو إجماع . وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني أبو بكر بن إسحاق أنا سعيد بن كثير بن عفير ثنا عبد الله بن وهب عن يونس هو ابن يزيد - عن ابن شهاب أخبرني علي بن الحسين أن أباه الحسين بن علي أخبره أن عليا قال : { كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وذكر الحديث . وفيه أن حمزة صعد النظر إلى ركبتي رسول الله ﷺ ثم صعد النظر إلى سرته . } وذكر باقي الحديث . فلو كانت السرة عورة لما أطلق الله حمزة ولا غيره على النظر إليها . وقد روينا من طريق أبي داود : حدثني مسلم بن إبراهيم ثنا هشام هو الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر قال : { احتجم النبي ﷺ على وركه من وثء كان به } . فلو كان الورك عورة ما كشفها عليه السلام إلى الحجام وهذا إسناد أعظم آمالهم أن يظفروا بمثله لأنفسهم وأما نحن فغانون بالصحيح على ما لا نراه حجة ، ومعاذ الله من أن نحتج في مكان بما لا نراه حجة في كل مكان ، تعصبا للتقليد ؛ واستهانة بالشريعة ، وهذا الذي قلنا به هو قول جمهور السلف . كما روينا من طريق محمد بن المثنى : ثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر سمع سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع يخبر عن جبير بن الحويرث قال : رأيت أبا بكر الصديق واقفا على قزح يقول : يا أيها الناس أصبحوا ، وإني لأنظر إلى فخذه قد انكشف . ومن طريق البخاري : ثنا عبد الله بن عبد الوهاب هو الحجبي ثنا خالد بن الحارث ثنا ابن عون هو عبد الله عن موسى بن أنس بن مالك : فذكر يوم اليمامة فقال : أتى أنس إلى ثابت بن قيس بن الشماس وقد حسر عن فخذيه وهو يتحنط - : يعني من الحنوط للموت . قال البخاري : ورواه حماد عن ثابت عن أنس . ومن طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب قال : دخلت على أبي جعفر هو محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب - : وهو محموم وقد كشف عن فخذيه ، وذكر الخبر فهؤلاء - أبو بكر بحضرة أهل الموسم - : وثابت بن قيس ، وأنس ، وغيرهم . وهو قول ابن أبي ذئب ، وسفيان الثوري ، وأبي سليمان - وبه نأخذ وأما المرأة فإن الله تعالى يقول : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } - إلى قوله - : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } . فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب ، وهذا نص على ستر العورة ، والعنق ، والصدر . وفيه نص على إباحة كشف الوجه ؛ لا يمكن غير ذلك أصلا ، وهو قوله تعالى : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } نص على أن الرجلين والساقين مما يخفى ولا يحل إبداؤه . وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عمرو الناقد ثنا عيسى بن يونس ثنا هشام عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت : { أمرنا رسول الله ﷺ أن نخرجهن في الفطر والأضحى : العواتق ، والحيض ، وذوات الخدور . قالت : قلت يا رسول الله ، إحدانا لا يكون لها جلباب قال : لتلبسها أختها من جلبابها } . قال علي : وهذا أمر بلبسهن الجلابيب للصلاة والجلباب في لغة العرب التي خاطبنا بها رسول الله ﷺ هو ما غطى جميع الجسم ، لا بعضه فصح ما قلنا نصا حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن سفيان هو الثوري - أخبرني عبد الرحمن بن عابس قال : { سمعت ابن عباس يذكر أنه شهد العيد مع رسول الله ﷺ : وأنه عليه السلام خطب بعد أن صلى ، ثم أتى النساء ومعه بلال ؛ فوعظهن وذكرهن ، وأمرهن أن يتصدقن ، فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال } . فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله ﷺ رأى أيديهن ؛ فصح أن اليد من المرأة ، والوجه : ليسا عورة ، وما عداهما ؛ ففرض عليها ستره . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا سليمان بن سيف ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ثنا أبي عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب : أن سليمان بن يسار أخبره أن ابن عباس أخبره { أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله ﷺ في حجة الوداع } ، والفضل بن عباس رديف رسول الله ﷺ " وذكر الحديث . وفيه " فأخذ الفضل يلتفت إليها ، وكانت امرأة حسناء ، وأخذ رسول الله ﷺ يحول وجه الفضل من الشق الآخر " . فلو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها عليه السلام على كشفه بحضرة الناس ، ولأمرها أن تسبل عليه من فوق ، ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء فصح كل ما قلناه يقينا والحمد لله كثيرا . وأما الفرق بين الحرة والأمة فدين الله تعالى واحد ، والخلقة والطبيعة واحدة ، كل ذلك في الحرائر والإماء سواء ، حتى يأتي نص في الفرق بينهما في شيء فيوقف عنده ، فإن قيل : إن قول الله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن } : يدل على أنه تعالى أراد الحرائر فقلنا : هذا هو الكذب بلا شك ؛ لأن البعل في لغة العرب : السيد ، والزوج ، وأيضا فالأمة قد تتزوج ؛ وما علمنا قط أن الإماء لا يكون لهن : أبناء ، وآباء ، وأخوال ، وأعمام ، كما للحرائر ، وقد ذهب بعض من وهل في قول الله تعالى : { يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } إلى أنه إنما أمر الله تعالى بذلك لأن الفساق كانوا يتعرضون للنساء للفسق ؛ فأمر الحرائر بأن يلبسن الجلابيب ليعرف الفساق أنهن حرائر فلا يعترضوهن . قال علي : ونحن نبرأ من هذا التفسير الفاسد ، الذي هو : إما زلة عالم ووهلة فاضل عاقل ؛ أو افتراء كاذب فاسق ؛ لأن فيه أن الله تعالى أطلق الفساق على أعراض إماء المسلمين ، وهذه مصيبة الأبد ، وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أن تحريم الزنى بالحرة كتحريمه بالأمة ؛ وأن الحد على الزاني بالحرة كالحد على الزاني بالأمة ولا فرق ، وإن تعرض الحرة في التحريم كتعرض الأمة ولا فرق ، ولهذا وشبهه وجب أن لا يقبل قول أحد بعد رسول الله ﷺ إلا بأن يسنده إليه عليه السلام . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا ابن الأعرابي ثنا محمد بن الجارود القطان ثنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن زيد ثنا قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله ﷺ قال : { لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار } . قال علي : وروينا من طريق مالك عن محمد بن أبي بكر عن أمه أنها سألت أم سلمة أم المؤمنين : في كم تصلي المرأة . قالت : في الدرع السابغ الذي يواري ظهور قدميها وفي الخمار ، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن أم ثور عن زوجها بشر قال : قلت لابن عباس : في كم تصلي المرأة من الثياب . ؟ قال : في درع وخمار ومن طريق عبد الرزاق عن الأوزاعي عن مكحول عمن سأل عائشة أم المؤمنين : في كم تصلي المرأة من الثياب ؟ فقالت له : سل علي بن أبي طالب ثم ارجع إلي فأخبرني فأتى عليا فسأله ، فقال : في الخمار والدرع السابغ ، فرجع إلى عائشة فأخبرها . فقالت : صدق . ومن طريق محمد بن المثنى ثنا عبد الله بن إدريس أنا قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه : أن جارية كانت تخرج على عهد عائشة بعدما تحرك ثدياها ؛ فقيل لعائشة في ذلك ، فقالت : إنها لم تحض بعد فمن ادعى أنهم رضي الله عنهم أرادوا الحرائر دون الإماء : كان كاذبا ولم يكن بينه فرق وبين من قال : بل أرادوا إلا القرشيات خاصة ، أو المضريات خاصة ؛ أو العربيات خاصة ، وكل ذلك كذب . ومن طريق ابن المثنى ثنا ابن فضيل ثنا خصيف سمعت مجاهدا يقول : أيما امرأة صلت ولم تغط شعرها لم يقبل الله لها صلاة . ومن طريق ابن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء قال : تنع الأمة رأسها في الصلاة . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن سليمان بن موسى قال : إذا حاضت المرأة لم تقبل لها صلاة حتى تختمر ، وتواري رأسها . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : إذا صلت الأمة غطت رأسها وغيبته بخرقة أو خمار ، وكذلك كن يضعن على عهد رسول الله ﷺ . وكان الحسن يأمر الأمة إذ تزوجت عبدا أو حرا أن تختمر : قال علي : لم يخف علينا ما روي عن عمر رضي الله عنه في خلاف هذا وعن غيره ، ولكن لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ وإذا تنازع السلف رضي الله عنهم وجب الرد إلى ما افترض الله تعالى الرد إليه : من القرآن والسنة ؛ وليس في القرآن ، ولا في السنة : فرق في الصلاة بين حرة ولا أمة . والعجب أنهم لا يبالون بخلاف عمر رضي الله عنه : حيث لا يحل خلافه ، وحيث لا مخالف له من الصحابة رضي الله عنهم ، وحيث معه القرآن والسنة : إذا خالفه رأي أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي - : كقضائه في الأرنب يقتلها المحرم بعناق ، وفي الضب بجدي . وكقوله : كل نكاح فاسد فلا صداق فيه . وقوله بالمسح على العمامة - إلى مئين من القضايا ، فإذا وافق ما روي عنه رأي أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي : صار حينئذ حجة لا يجوز مخالفته ، وإن خالفه غيره من الصحابة ؛ وإن خالفوا القرآن والسنة في ذلك مع أن الذي عن عمر في ذلك إنما هو في خروجهن لا في الصلاة ؛ فبطل تمويههم بعمر .
وقد روي عن مالك : إن صلت أم الولد بلا خمار أعادت في الوقت ، وقد روينا عن ابن عباس في { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال : الكف ، والخاتم ، والوجه . وعن ابن عمر : الوجه ، والكفان ، وعن أنس : الكف ، والخاتم وكل هذا عنهم في غاية الصحة ، وكذلك أيضا عن عائشة وغيرها من التابعين قال علي : فإن قالوا : قد جاء الفرق في الحدود بين الحرة والأمة . قلنا : نعم ، وبين الحر والعبد ؛ فلم ساويتم بين الحر والعبد فيما هو منهما عورة في الصلاة ، وفرقتم بين الحرة والأمة فيما هو منهما عورة في الصلاة ، وقد صح الإجماع والنص على وجوب الصلاة على الأمة كوجوبها على الحرة في جميع أحكامها ، من الطهارة ، والقبلة ، وعدد الركوع ، وغير ذلك ، فمن أين وقع لكم الفرق بينهما في العورة وهم أصحاب قياس بزعمهم ، وهذا مقدار قياسهم ، الذي لا شيء أسقط منه ولا أشد تخاذلا ، فلا النص اتبعوا ولا القياس عرفوا ، وبالله تعالى التوفيق . قال علي : فإن قيل : فلم فرقتم أنتم بين من اضطر المرء إليه بعدم أو إكراه في الصلاة مكشوف العورة ، وفي مكان فيه ما افترض عليه اجتنابه ، أو في ثيابه ، أو في جسده ؛ فأجزتم صلاته كذلك - : وبين صلاته كذلك ناسيا فلم تجيزوها . قلنا : نعم ، فإن النصوص قد جاءت بأن كل ما نسيه المرء من أعمال صلاته فإنه لا تجزئه صلاته دونها ؛ وأنه لا بد له من إتيانها ؛ كمن نسي الطهارة ، أو التكبير ، أو القيام ؛ أو السجود ، أو الركوع ، أو الجلوس . ولا خلاف في أن من نسي فعوض القعود مكان القيام في الصلاة ، أو القيام مكان القعود ، أو الركوع مكان السجود - : فإنه لا يجزئه ذلك . وقد { أمر رسول الله ﷺ من نسي صلاة ، أو نام عنها أن يصليها } ؛ وبعض الصلاة صلاة بلا خلاف ؛ فمن لم يأت بهما كما أمر ناسيا فقد نسي من صلاته جزءا وأتى بما ليس صلاة ، إذ صلى بخلاف ما أمر ؛ فمن ههنا أوجبنا على الناسي أن يأتي بما نسي كما أمر وأجزنا صلاته كذلك في الإكراه بغلبة أو عدم ؛ للنصوص الواردة بجواز كل ما ذكرنا في عدم القوة . فإن قيل : إن { رسول الله ﷺ قد دخل في الصلاة فأتاه جبريل عليه السلام فأعلمه أن في نعليه قذرا ؛ فخلعهما وتمادى في صلاته } . قلنا : نعم ، وإنما حرم ذلك عليه حين أخبره جبريل عليه السلام لا قبل ذلك ؛ فكان ابتداؤه الصلاة كذلك جائزا ، وقال عليه السلام في آخر ذلك الحديث إذ سلم كلاما معناه : { إذا جاء أحدكم إلى الصلاة فلينظر نعليه - أو قال خفيه - فإن رأى فيها شيئا فليحكه وليصل فيهما } وكان هذا الحكم واردا بعد تلك الصلاة . فمن صلى ولم يتأمل نعليه ، أو خفيه ، وكان فيهما أذى فقد صلى بخلاف ما أمر به - وبالله تعالى التوفيق . وقال أبو حنيفة : العورة تختلف ؛ فهي من الرجال : ما بين السرة إلى الركبة والركبة عورة ، والسرة ليست عورة . وهي من الحرة : جميع جسدها ، حاشا الوجه ، والكفين ، والقدمين . وهي من الأمة كالرجل سواء سواء ؛ فتصلي الأمة ، وأم الولد ، والمدبرة : عندهم عريانة الرأس ، والجسد كله ، حاشا مئزرا يستر ما بين سرتها وركبتها فقط ، لا كراهة عندهم في ذلك . قال : وأحكام العورات تختلف ؛ فإذا انكشف من الرجل أكثر من قدر الدرهم البغلي من ذكره ؛ أو من المرأة من فرجها ، في حال استقبالهما الافتتاح للصلاة ؛ أو في حال استقبالهما الركوع ؛ أو في حال استقبالهما القيام : بطلت صلاتهما ، فإن انكشف هذا المقدار من ذكره ، أو من فرجها ، في حال القيام ، أو في حال الركوع ، أو في حال السجود ، فسترا ذلك حين انكشافه - : لم يضر ذلك صلاتهما شيئا . فإن انكشف من ذكره ، أو من فرجها ، في كل ما ذكرنا قدر الدرهم البغلي فأقل : لم يضر ذلك صلاتهما شيئا . طال ذلك أم قصر . فإن انكشف من فخذ الرجل ، أو الأمة ، أو الحرة ، أو مقاعدهما ، أو وركيهما ، أو من جميع أعضاء الحرة : الصدر ، أو البطن ، أو الظهر ، أو الشعر ، أو العنق - : مقدار ربع العضو فأكثر - : بطلت الصلاة عند أبي حنيفة ومحمد . فإن انكشف من كل ذلك أقل من الربع لم يضر الصلاة شيئا . وقال أبو يوسف : لا تبطل الصلاة إلا أن ينكشف مما عدا الفرج أكثر من نصف العضو ، قال أبو حنيفة : فإن أعتقت أمة في الصلاة فإنها تأخذ قناعها وتستتر ، وتبني على ما مضى من صلاتها ، فإن بدأ الرجل الصلاة عريانا لضرورة ثم وجد ثوبا فإن صلاته تبطل ؛ ويلزمه أن يبتدئها ولا بد ، وسواء كان وجوده الثوب في أول صلاته أو في آخرها ، ولو قعد مقدار التشهد ، ما لم يسلم هذا مع قوله : إن المصلي إذا قعد مقدار التشهد ثم أحدث عامدا أو ناسيا فقد تمت صلاته ولا شيء عليه ، فصار وجوب الثوب أعظم عنده من البول أو الغائط ، قال : فلو زحم المأموم حتى وقع إزاره وبدا فرجه كله فبقي واقفا كما هو حتى تمت صلاة الإمام - : فصلاة ذلك المأموم تامة ، فلو ركع بركوع الإمام أو سجد بسجوده : بطلت صلاته ، قال علي : فهل لهذه الأقوال دواء أو معارضة إلا حمد الله تعالى على السلامة منها ؟ وهل يحصى ما فيها من التخليط إلا بكلفة ، وقال مالك : الأمة عورة كالحرة ؛ حاشا شعرها فقط ؛ فليس عورة ؛ فإن انكشف شعر الحرة أو صدرها أو ساقها في الصلاة لم تعد إلا في الوقت . قال علي : ولا ندري قوله في الفرج ؛ وما نراه يرى الإعادة من ذلك إلا في الوقت ؛ وقد تقدم إفسادنا لقوله بالإعادة في الوقت فيما سلف من كتابنا هذا ؛ فأغنى عن إعادته ، ولا فرق عنده بين نسيان وعمد في ذلك ، وقال الشافعي : إن انكشف من عورة الرجل - وهي ما بين سرته إلى ركبته - أو عورة المرأة - وهو جميع جسد الحرة ، والأمة ، حاشا شعر الأمة ووجهها ، ووجه الحرة وكفيها ، وكفي الأمة - : شيء قل أو كثر ؛ فإن ستر في الوقت لم يضر شيئا والصلاة تامة ؛ وإن بقي مقدار ما - قل أو كثر - ولم يغط : بطلت الصلاة - النسيان والعمد سواء . قال علي : وهذا تقسيم لا دليل عليه . وقال أبو سليمان : النسيان في ذلك مرفوع ؛ فإن انكشف شيء من العورة عمدا بطلت الصلاة .