الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الأول/الصفحة الثامنة والخمسون


كتـاب الصلاة

أوقـــات الصـلاة

377 - مسألة : وكل من سها عن شيء مما ذكرنا فإنه فرض عليه حتى ركع لم يعتد بتلك الركعة ، وقضاها إذا أتم الإمام إن كان مأموما ، وكذلك يلغيها الفذ والإمام ، ويتمان صلاتهما ، وعلى جميعهم سجود السهو ؛ لأنهم لم يأتوا بالركعة كما أمروا ، وكل ما أمر به رسول الله ﷺ أن يعمل في مكان من الصلاة فلا يجوز أن يعمل في غير ذلك الموضع لقول الله تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه }

378 - مسألة : ولا يحل تعمد الكلام مع أحد من الناس في الصلاة ، لا مع الإمام في إصلاح الصلاة ولا مع غيره ، فإن فعل بطلت صلاته ولو قال في صلاته : رحمك الله يا فلان ، بطلت صلاته . حدثنا عبد الله بن الربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبان هو ابن يزيد العطار - ثنا عاصم هو ابن أبي النجود - عن أبي وائل عن ابن مسعود قال { كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجاتنا ، فقدمت على رسول الله ﷺ وهو يصلي ، فسلمت عليه فلم يرد علي السلام ، فأخذني ما قدم وما حدث ، فلما قضى رسول الله ﷺ الصلاة قال : إن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وإن الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة فرد علي السلام }

379 - مسألة : ولا يجوز لأحد أن يفتي الإمام إلا في أم القرآن وحدها . فإن التبست القراءة على الإمام فليركع ، أو فلينتقل إلى سورة أخرى ، فمن تعمد إفتاءه وهو يدري أن ذلك لا يجوز له بطلت صلاته برهان ذلك - : ما قد ذكرناه بإسناده من قول رسول الله ﷺ { أتقرءون خلفي قالوا : نعم ، قال : فلا تفعلوا إلا بأم القرآن } فوجب أن من أفتى الإمام لا يخلو من أحد وجهين : إما أن يكون قصد به قراءة القرآن ؛ أو لم يقصد به قراءة القرآن . فإن كان قصد به قراءة القرآن فهذا لا يجوز ، لأن رسول الله ﷺ نهى أن يقرأ المأموم شيئا من القرآن حاشا أم القرآن . إن كان لم يقصد به قراءة القرآن فهذا لا يجوز لأنه كلام في الصلاة ، وقد أخبر عليه السلام أنه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس . وهو قول علي بن أبي طالب وغيره - وبه يقول أبو حنيفة : فإن ذكروا خبرا رويناه من طريق يحيى بن كثير الأسدي عن المسور بن يزيد الأسدي { أن رسول الله ﷺ نسي آية في الصلاة ، فلما سلم ذكره رجل بها ، فقال له : أفلا أذكرتنيها } . فإن هذا موافق لمعهود الأصل من إباحة القراءة في الصلاة ، وبيقين ندري أن نهي النبي ﷺ أن يقرأ خلفه إلا بأم القرآن فناسخ لذلك ومانع منه ؛ ولا يجوز العود إلى حال منسوخة بدعوى كاذبة في عوديها

380 - مسألة : ومن تكلم ساهيا في الصلاة فصلاته تامة ؛ قل كلامه أو كثر ، وعليه سجود السهو فقط ، وكذلك إن تكلم جاهلا . وقال أبو حنيفة : الكلام في الصلاة عمدا وسهوا سواء : تبطل بكليهما ؛ ورأى السلام في الصلاة عمدا يبطلها ، ولا يبطلها إذا كان سهوا - وهذا تناقض برهان صحة قولنا - : قول الله عز وجل : { ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } . حدثنا أحمد بن عمر بن أنس ثنا الحسين بن عبد الله الجرجاني ثنا عبد الرزاق بن أحمد بن عبد الحميد الشيرازي أخبرتنا فاطمة بنت الحسن بن الريان المخزومي وراق بكار بن قتيبة القاضي قالت : ثنا الربيع بن سليمان المؤذن ثنا بشر بن بكر عن الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ { إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية - عن حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن { معاوية بن الحكم السلمي قال بينما أنا أصلي مع رسول الله ﷺ إذ عطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول الله ﷺ فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه ، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن } ، أو كما قال رسول الله ﷺ . قال علي : هذا الحديث يبطل قول أبي حنيفة ؛ لأن فيه أنه كان بعد تحريم الكلام في الصلاة بيقين ، ولم يبطل رسول الله ﷺ صلاته . فإن قيل : ولا أمره بسجود السهو قلنا : قد صح الأمر بالسجود من زاد في صلاته أو نقص ، فواجب ضم هذا الحكم إلى ما وقع عليه ولا بد وقد حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني إبراهيم بن يعقوب ثنا الحسن بن موسى ثنا شيبان ثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن - عن أبي هريرة قال : { بينما أنا أصلي مع رسول الله ﷺ صلاة الظهر فسلم رسول الله ﷺ من ركعتين ، فقام رجل من بني سليم فقال : يا رسول الله ، أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ فقال رسول الله ﷺ : لم تقصر ولم أنس ، فقال : يا رسول الله ، إنما صليت ركعتين ، فقال رسول الله ﷺ : أحق ما يقول ذو اليدين قالوا : نعم ، فقام رسول الله ﷺ فصلى بهم ركعتين } . قال علي : فغلط في هذا الخبر صنفان : أحدهما - أصحاب أبي حنيفة ، والثاني - ابن القاسم ومن وافقه فأما أصحاب أبي حنيفة فإنهم قالوا : لعل هذا الخبر كان قبل تحريم الكلام في الصلاة . وقالوا : الرجل المذكور قتل يوم بدر ، ذكر ذلك سعيد بن المسيب والزهري . وعمدوا إلى لفظ ذكره بعض رواة الخبر وهو { صلى لنا رسول الله ﷺ } فقالوا : هذا إخبار بأنه صلى للمسلمين . قال علي : وهذا كله باطل وتمويه وظن كاذب - : أما قولهم : لعله كان قبل تحريم الكلام فباطل ؛ لأن تحريم الكلام في الصلاة كان قبل يوم بدر بيقين . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا ابن نمير ثنا ابن فضيل هو محمد - ثنا الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال { كنا نسلم على رسول الله ﷺ وهو في الصلاة فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا ، وقال : إن في الصلاة شغلا } . ولا خلاف في أن ابن مسعود شهد بدرا بعد إقباله من أرض الحبشة وأبو هريرة ، وعمران بن الحصين - وكلاهما متأخر الإسلام - يذكران جميعا حديث ذي اليدين ، وإسلامهما بعد بدر بأعوام - وكذلك معاوية بن خديج أيضا . وأما قولهم : إن الرجل المذكور قتل يوم بدر فتمويه بارد ، لوجوه - : أحدها : أن أعلى من ذكر ذلك فابن المسيب ، ولم يولد إلا بعد بدر ببضعة عشر عاما . والثاني : أن المقتول يوم بدر إنما هو ذو الشمالين ، واسمه عبد عمرو ونسبه الخزاعي ، والمكلم لرسول الله ﷺ هو ذو اليدين واسمه الخرباق ونسبه سلمي . وأما قولهم : إن قول أبي هريرة { صلى لنا رسول الله ﷺ } إنما هو إخبار عن صلاته بالمسلمين الذين أبو هريرة معهم - : فباطل ، يبين ذلك قول أبي هريرة الذي ذكرناه آنفا { بينما أنا أصلي مع رسول الله ﷺ } فظهر فساد قولهم . فإن قالوا : قسنا السهو في الكلام على العمد قيل لهم : القياس كله باطل ؛ ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأن القائلين بالقياس مجمعون على أن الشيء إنما يقاس على نظيره ، لا على ضده ، والنسيان ضد العمد ثم يقال لهم : فهلا قستم الكلام في الصلاة سهوا على السلام في الصلاة سهوا ، فهو أشبه به ؛ لأنهما معا كلام فأي شيء قصدوا به إلى التفريق بينهما فإن الفرق بين سهو الكلام وعمده أبين وأوضح - وبالله تعالى التوفيق . وأما ابن القاسم ومن وافقه فإنهم أجازوا بهذا الخبر كلام الناس مع الإمام في إصلاح الصلاة . قال علي : وهذا خطأ ، لأن الناس إنما كلموا رسول الله ﷺ فقط ، وتعمد الكلام معه عليه السلام لا يضر الصلاة شيئا ، وكلمهم عليه السلام وهو يقدر أن صلاته قد تمت ، وأن الكلام له مباح ؛ وكذلك تكلم الناس يومئذ بعضهم مع بعض وهم يظنون أن الصلاة قصرت وتمت . حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن جعفر غندر - عن شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن { أبي سعيد بن المعلى قال كنت أصلي فرآني النبي ﷺ فدعاني فلم آته حتى صليت ، فقال : ما منعك أن تأتيني قلت : كنت أصلي ، قال : ألم يقل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم } } ثم ذكر باقي الحديث . فصح أن هذا بعد تحريم الكلام في الصلاة ، لامتناع أبي سعيد من إجابة النبي ﷺ حتى أتم الصلاة ، وصح أن الكلام مع النبي ﷺ مباح في الصلاة هذا خاص له ، وفيه حمل اللفظ على العموم ، وإجماع أهل الإسلام المتيقن على أن المصلي يقول في صلاته " السلام عليك أيها النبي " . ولا يختلف الحاضرون من خصومنا على أن من قال عامدا في صلاته : السلام عليك يا فلان ، أن صلاته قد بطلت - وبالله تعالى التوفيق

381 - مسألة : ولا يحل للمصلي أن يضم ثيابه أو يجمع شعره قاصدا بذلك للصلاة ، لقول رسول الله ﷺ الذي قد ذكرناه بإسناده { أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكفت شعرا ولا ثوبا } .

382 - مسألة : وفرض على المصلي أن يغض بصره عن كل ما لا يحل له النظر إليه ، لقول الله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن } . من فعل في صلاته ما حرم عليه فعله ولم يشتغل بها فلم يصل كما أمر ، فلا صلاة له ، إذ لم يأت بالصلاة التي أمر بها . وبالله تعالى التوفيق . وقد روي عن مالك : من تأمل عورة إنسان في صلاته بطلت صلاته .

383 - مسألة : وفرض عليه أن لا يضحك ولا يتبسم عمدا ، فإن فعل بطلت صلاته ؛ وإن سها بذلك فسجود السهو فقط . وأما القهقهة فإجماع ، وأما التبسم فإن الله تعالى يقول : { وقوموا لله قانتين } والقنوت الخشوع ، والتبسم ضحك ، قال الله عز وجل : { فتبسم ضاحكا من قولها } ومن ضحك في صلاته فلم يخشع ، ومن لم يخشع فلم يصل كما أمر . روينا عن محمد بن سيرين . أنه سئل عن التبسم في الصلاة فتلا هذه الآية ، وقال : لا أعلم التبسم إلا ضحكا . ومن طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر : أنه أمر أصحابه بإعادة الصلاة من الضحك . قال علي : إنما فرق بين القهقهة والتبسم من يقول بالاستحسان ، فيفرق بين العمل الكثير والقليل ، وهذا باطل ، وفرق لا دليل عليه إلا الدعوى ولا يخلو الضحك من أن يكون مباحا في الصلاة أو محرما في الصلاة فإن كان محرما فقليله وكثيره سواء في التحريم . وإن كان مباحا فقليله وكثيره سواء في الإباحة - وبالله تعالى التوفيق

384 - مسألة : وأن لا يمسح الحصا أو ما يسجد عليه إلا مرة واحدة ؛ وتركها أفضل ، لكن يسوي موضع سجوده قبل دخوله في الصلاة . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان عن هشام الدستوائي حدثني ابن أبي كثير هو يحيى - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن معيقيب { أنهم سألوا رسول الله ﷺ عن المسح في الصلاة فقال : واحدة } . قال مسلم : وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا الحسن بن موسى ثنا شيبان عن يحيى هو ابن أبي كثير - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن حدثني معيقيب { أن رسول الله ﷺ قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد ، قال : إن كنت فاعلا فواحدة }

محلى ابن حزم - المجلد الأول/كتاب الصلاة

كتاب الصلاة (مسألة 275 - 280) | كتاب الصلاة (مسألة 281 - 284) | كتاب الصلاة (مسألة 285) | كتاب الصلاة (مسألة 286) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 286) | كتاب الصلاة (مسألة 287 - 295) | كتاب الصلاة (مسألة 296 - 300) | كتاب الصلاة (مسألة 301) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 301) | كتاب الصلاة (مسألة 302 - 313) | كتاب الصلاة (مسألة 314 - 321) | كتاب الصلاة (مسألة 322 - 334) | كتاب الصلاة (مسألة 335) | كتاب الصلاة (مسألة 336) | كتاب الصلاة (مسألة 337 - 347) | كتاب الصلاة (مسألة 344 - 348) | كتاب الصلاة (مسألة 349) | كتاب الصلاة (مسألة 350 - 353) | كتاب الصلاة (مسألة 354 - 360) | كتاب الصلاة (مسألة 361 - 368) | كتاب الصلاة (مسألة 369 - 371) | كتاب الصلاة (مسألة 372 - 376) | كتاب الصلاة (مسألة 377 - 384) | كتاب الصلاة (مسألة 385 - 391) | كتاب الصلاة (مسألة 392 - 394) | كتاب الصلاة (مسألة 395 - 412) | كتاب الصلاة (مسألة 413 - 420) | كتاب الصلاة (مسألة 421 - 434) | كتاب الصلاة (مسألة 435 - 442) | كتاب الصلاة (مسألة 443 - 446) | كتـاب الصلاة (مسألة 447 - 453) | كتـاب الصلاة (مسألة 454 - 458) | كتـاب الصلاة (مسألة 459 - 461) | كتـاب الصلاة (مسألة 462 - 466) | كتـاب الصلاة (مسألة 467 - 472) | كتـاب الصلاة (مسألة 473 - 484) | كتـاب الصلاة (مسألة 485) | كتـاب الصلاة (مسألة 486 - 488) | كتـاب الصلاة (مسألة 489 - 493) | كتـاب الصلاة (مسألة 494 - 496) | كتـاب الصلاة (مسألة 497 - 504) | كتـاب الصلاة (مسألة 505) | كتـاب الصلاة (مسألة 506 - 510) | كتـاب الصلاة (مسألة 511 - 512) | كتـاب الصلاة (مسألة 513) | كتـاب الصلاة (مسألة 514 - 518) | كتـاب الصلاة (مسألة 519 - 520) | كتاب الصلاة (مسألة 521 - 523) | كتاب الصلاة (مسألة 524 - 529) | كتاب الصلاة (مسألة 530 - 540) | كتاب الصلاة (مسألة 543 - 553) | كتاب الصلاة (مسألة 554 - 555) | كتاب الصلاة (مسألة 556 - 557)