→ كتـاب الصلاة (مسألة 473 - 484) | ابن حزم - المحلى كتـاب الصلاة(مسألة 485) المؤلف: ابن حزم |
كتـاب الصلاة (مسألة 486 - 488) ← |
كتـاب الصلاة
صلاة الجماعة
485 - مسألة : ولا تجزئ صلاة فرض أحدا من الرجال - : إذا كان بحيث يسمع الأذان أن يصليها إلا في المسجد مع الإمام ، فإن تعمد ترك ذلك بغير عذر بطلت صلاته ، فإن كان بحيث لا يسمع الأذان ففرض عليه أن يصلي في جماعة مع واحد إليه فصاعدا ولا بد ، فإن لم يفعل فلا صلاة له إلا أن لا يجد أحدا يصليها معه فيجزئه حينئذ ، إلا من له عذر فيجزئه حينئذ التخلف عن الجماعة وليس ذلك فرضا على النساء ، فإن حضرنها حينئذ فقد أحسن ، وهو أفضل لهن ؟ فإن استأذن الحرائر ، أو الإماء بعولتهن أو ساداتهن في حضور الصلاة في المسجد : ففرض عليهم الإذن لهن - ولا يخرجن إلا تفلات غير متطيبات ولا متزينات ، فإن تطيبن ، أو تزين لذلك : فلا صلاة لهن ، ومنعهن حينئذ فرض ؟ . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - كلهم عن مروان بن معاوية الفزاري عن عبيد الله بن الأصم عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال : { أتى النبي ﷺ رجل أعمى فقال : يا رسول الله ، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله ﷺ أن يرخص له ، فيصلي في بيته ، فرخص له ، فلما ولى دعاه وقال له : هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال : نعم ، قال رسول الله ﷺ : فأجب ؟ } حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يزيد بن زريع ثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث الليثي قال : قال لنا رسول الله ﷺ : { إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما ثم ليؤمكما أكبركما } ؟ وبه إلى البخاري - : حدثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث : أن النبي ﷺ قال لرجلين أتياه يريدان السفر : { إذا خرجتما فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما } ؟ . وبه إلى البخاري - : حدثنا معلى بن أسد ثنا وهيب هو ابن خالد - عن أيوب عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث قال : { إن رسول الله ﷺ قال لنا - وقد أتيته في نفر من قومي - : إذا حضرت الصلاة . فليؤذن لكم أحدكم ، وليؤمكم أكبركم } . حدثنا أحمد بن قاسم حدثني أبي قاسم بن محمد بن قاسم حدثني جدي قاسم بن أصبغ ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا سليمان بن حرب ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن النبي ﷺ قال : { من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر } . حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا إبراهيم بن محمد ثنا ابن بكير عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { والذي نفسي بيده ، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ، ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء } . وقد رويناه من طريق سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مسندا - ومن طريق شعبة ، وعبد الله بن نمير ، وأبي معاوية كلهم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مسندا . وليس في ذكر العشاء في آخر الحديث دليل على أنها المتوعد على تركها دون غيرها ، بل هي قضيتان متغايرتان ؟ . وأيضا فالمخالف موافق لنا على أن حكم صلاة العشاء في وجوب حضورها كسائر الصلوات ولا فرق . ورسول الله ﷺ لا يهم بباطل ولا يتوعد إلا بحق . فإن قيل : فلم لم يحرقها ؟ قيل : لأنهم بادروا وحضروا الجماعة ، لا يجوز غير ذلك - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا النفيلي هو عبد الله بن محمد - ثنا أبو المليح هو الحسن بن عمر الرقي - حدثني يزيد بن يزيد هو ابن جابر - حدثني يزيد بن الأصم قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله ﷺ : { لقد هممت أن آمر فتيتي فتجمع حزما من حطب ، ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم } . قال يزيد : فقلت ليزيد بن الأصم : يا أبا عوف ، الجمعة عنى أو غيرها ؟ قال : صمتا أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة عن رسول الله ﷺ ما ذكر جمعة ولا غيرها " . قال علي : وقد أقدم قوم على الكذب على رسول الله ﷺ جهارا فقال : إنما عنى المنافقين ومعاذ الله من الكذب على رسول الله ﷺ ومن المحال البحت أن يكون عليه السلام يريد المنافقين فلا يذكرهم ويذكر تاركي الصلاة وهو لا يريدهم فإن ذكروا حديث أبي هريرة ، وابن عمر كلاهما عن رسول الله ﷺ { إن صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد سبعا وعشرين درجة } . قلنا : هذان خبران صحيحان ، وقد صحت الأخبار التي صدرناها ، وثبت أنه لا صلاة لمتخلف عن الجماعة إلا أن يكون معذورا ، فوجب استعمال هذين الخبرين على ما قد صح هنالك ، لا على التعارض والتناقض المبعدين عن كلام رسول الله ﷺ . فصح أن هذا التفاضل إنما هو على صلاة المعذور التي تجوز ، وهي دون صلاة الجماعة في الفضل كما أخبر عليه السلام . ومن حمل هذين الخبرين على غير ما ذكرنا حصل على خلاف رسول الله ﷺ في الأحاديث الأخر ، وعلى تكذيبه عليه السلام في قوله : أن لا صلاة في غير الجماعة إلا لمعذور ، واستخف بوعيده ، وعصى أمره عليه السلام في إجابة النداء . وبأن يؤم الاثنين فصاعدا أحدهما ، وهذا عظيم جدا ؟ وهذا الذي قلنا : هو مثل قول الله تعالى : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه } . فنص تعالى على أن المتخلف عن الجهاد بغير عذر مذموم أشد الذم في غير ما موضع من القرآن - : منها قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم } في آيات كثيرة جدا . ثم بين الله تعالى أن المجاهدين مفضلون على القاعدين درجة ودرجات ، فصح أنه إنما عنى القاعدين المعذورين الذين لهم نصيب من وعد الله الحسنى والأجر ، لا الذين توعدوا بالعذاب ؟ وكما أخبر عليه السلام أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ، ولم يختلفوا معنا في أن المصلي قاعدا بغير عذر لا أجر له ، ولا نصيب من الصلاة ، فصح أن النسبة المذكورة من الفضل إنما هي بين المباح له الصلاة قاعدا لعذر من خوف أو مرض أو في نافلة ؟ فإن أرادوا أن يخصوا بذلك النافلة فقط ، سألناهم الدليل على ذلك ؟ ولا سبيل لهم إليه ، إلا بدعوى في أن المعذور في الفريضة صلاته كصلاة القائم ، وهذه دعوى كاذبة مخالفة لعموم قوله عليه السلام : { صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم } دون تخصيص منه عليه السلام ؟ وأيضا - فإن حمام بن أحمد حدثنا قال : ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا بكر بن حماد ، والقاضي أحمد بن محمد البرتي - : قال القاضي البرتي : ثنا أبو معمر هو عبد الله بن عمرو الرقي ثنا عبد الوارث - : وقال بكر : ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان وعبد الوارث بن سعيد التنوري ثم اتفقا عن الحسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن الحصين - : قال القاضي البرتي في حديثه : إن عمران بن الحصين حدثه - وكان رجلا مبسورا : { أنه سأل رسول الله ﷺ عن صلاة الرجل وهو قاعد ، فقال عليه السلام : من صلى قائما فهو أفضل ، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد } قال علي : وخصومنا لا يجيزون التنفل بالإيماء للصحيح ، فبطل تأويلهم جملة - ولله تعالى الحمد . ولا شك في أن من فعل الخير أفضل من آخر منعه العذر من فعله ، وهذا منصوص عليه في الخبر الذي فيه - : إن الفقراء قالوا : يا رسول الله ، ذهب أصحاب الدثور بالأجور ، فعلمهم رسول الله ﷺ الذكر الذي علمهم ، فبلغ الأغنياء ففعلوه زائدا على ما كانوا يفعلونه من العتق والصدقة ، فذكر الفقراء ذلك لرسول الله ﷺ فقال : { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } . ولا خلاف في أن من حج أفضل ممن لم يحج ممن أقعده العذر ، وهكذا في سائر الأعمال - وقد جاء في الأثر الصحيح : { من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشرا } . فعم عليه السلام من لم يعملها بعذر أو غير عذر ؟ فإن ذكروا الأثر الوارد فيمن كان له حزب من الليل فأقعده عنه المرض أو النوم : كتب له ؟ قلنا : لا ننكر تخصيص ما شاء الله تعالى تخصيصه إذا ورد النص بذلك ، وإنما ننكره بالرأي والظن والدعوى ، وقد يكتب له القيام كما في الحديث ، ويضاعف الأجر للقائم عشرة أمثال قيامه ، فهذا ممكن موافق لسائر النصوص - وبالله تعالى التوفيق . فإن ذكروا : { أن رسول الله ﷺ أم الناس في بيته وهو منفك القدم وفي منزل أنس ؟ } قلنا : نعم ، وهو معذور عليه السلام بانفكاك قدمه ، ولا يخلو الذين معه من أن يكونوا جميع أهل المسجد فصلوا هنالك ، فهنالك كانت الجماعة ، وهذا لا ننكره ، أو من أن يكونوا ممن لزمه الكون معه عليه السلام لضرورة ، فهذا عذر ، وتكون إمامته في منزل أنس في غير وقت صلاة فرض ، لكن تطوعا ؟ وكل هذا لا يعارض به ما ثبت من وجوب فرض الصلاة في جماعة ، ووجوب إجابة داعي الله تعالى في قوله : " حي على الصلاة " ؟ . وقال الشافعي : هي فرض على الكفاية ؟ قال علي : وهذه دعوى بلا برهان ، وإذ أقر بأنها فرض ، ثم ادعى سقوط الفرض لم يصدق إلا بنص وقد قال : بمثل هذا جماعة من السلف - : روينا عن أبي هريرة أنه رأى إنسانا خرج من المسجد بعد النداء فقال " أما هذا فقد عصى أبا القاسم ﷺ " . وروينا عن أبي الأحوص عن ابن مسعود أنه قال : " حافظوا على هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن ، فإنهن من سنن الهدى ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنهن إلا منافق بين النفاق ، ولقد رأيتنا وإن الرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف وما منكم أحد إلا له مسجد في بيته ، ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم ، ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم " . ومن طريق وكيع عن مسعر بن كدام عن أبي حصين عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي موسى الأشعري قال : من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له . وعن ابن مسعود : من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له ؟ وعن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر : أنه صلى ركعتين من المكتوبة في بيته فسمع الإقامة فخرج إليها ؟ قال علي : لو أجزأت ابن عمر صلاته في منزله ما قطعها ؟ وعن أبي هريرة : لأن يمتلئ أذنا ابن آدم رصاصا مذابا خير له من أن يسمع المنادي فلا يجيبه ؟ وعن سفيان الثوري عن منصور عن عدي بن ثابت الأنصاري عن عائشة أم المؤمنين قالت : من سمع النداء فلم يأته فلم يرد خيرا ولم يرد به وعن يحيى بن سعيد القطان : ثنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي حدثني أبي عن علي بن أبي طالب : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ؟ فقيل له : يا أمير المؤمنين ، ومن جار المسجد ؟ قال : من سمع الأذان ومثله من طريق سفيان بن عيينة ، وسفيان الثوري عن أبي حيان المذكور عن أبيه عن علي . وعن محمد بن جعفر عن شعبة عن عدي بن ثابت سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أنه قال : من سمع النداء ، ثم لم يأت فلا صلاة له إلا من عذر . وعن عطاء : ليس لأحد من خلق الله تعالى في الحضر والقرية يسمع النداء والإقامة - : رخصة في أن يدع الصلاة قال ابن جريج : فقلت له : وإن كان على بز يبيعه يفرق إن قام عنه أن يضيع ؟ قال : لا ، لا رخصة له في ذلك ؟ قلت : إن كان به مرض أو رمد غير حابس أو تشتكي يده ؟ قال : أحب إلي أن يتكلف ، قلت له : أرأيت من لم يسمع النداء من أهل القرية وإن كان قريبا من المسجد ؟ قال : إن شاء فليأت ، وإن شاء فليجلس ؟ وعن عطاء : كنا نسمع أنه لا يتخلف عن الجماعة إلا منافق وعن إبراهيم النخعي : أنه كان لا يرخص في ترك الصلاة في الجماعة إلا لمريض أو خائف ؟ وعن هشام بن حسان عن الحسن قال : إذا سمع الرجل الأذان فقد احتبس ؟ وعن سفيان بن عيينة حدثني عبد الرحمن بن حرملة قال : كنت عند سعيد بن المسيب فجاءه رجل فسأله عن بعض الأمر ونادى المنادي فأراد أن يخرج فقال له سعيد : قد نودي بالصلاة ، فقال له الرجل : إن أصحابي قد مضوا وهذه راحلتي بالباب ، فقال له سعيد : لا تخرج ، فإن رسول الله ﷺ قال : { لا يخرج من هذا المسجد بعد النداء إلا منافق ، إلا رجل خرج وهو يريد الرجعة إلى الصلاة } فأبى الرجل إلا الخروج ، فقال سعيد : دونكم الرجل ، قال : فإني عنده ذات يوم إذ جاءه رجل فقال : يا أبا محمد ألم تر الرجل ؟ - يعني ذلك الذي خرج - وقع عن راحلته فانكسرت رجله قال سعيد : قد ظننت أنه سيصيبه أمر ؟ وهو قول أبي سليمان ، وجميع أصحابنا ؟ وأما النساء فلا خلاف في أن شهودهن الجماعة ليس فرضا ؟ وقد صح في الآثار كون نساء النبي ﷺ في حجرهن لا يخرجن إلى المسجد ؟ واختلف الناس في أي الأمرين أفضل لهن ؟ أصلاتهن في بيوتهن ؟ أم في المساجد في الجماعات - : وبرهان صحة قولنا - : هو ما قد ذكرنا من قول رسول الله ﷺ : { إن صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة } . وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه النساء من غيرهن .
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج أنا حرملة بن يحيى أنا ابن وهب أنا يونس هو ابن يزيد - عن ابن شهاب أنا سالم بن عبد الله بن عمر أن أباه عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها } . فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن ، فأقبل عليه عبد الله بن عمر فسبه سبا سيئا ، ما سمعته سبه مثله قط قال : أخبرك عن رسول الله ﷺ وتقول : والله لنمنعهن وبه إلى مسلم : حدثنا عمرو الناقد وزهير بن حرب كلاهما عن سفيان بن عيينة عن الزهري سمع سالم بن عبد الله بن عمر يحدث عن أبيه يبلغ به النبي ﷺ قال : { إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها } . وبه إلى مسلم : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبي ، وعبد الله بن إدريس قالا : ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : إن رسول الله ﷺ قال : { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله } . وبه إلى مسلم : حدثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل } . وبه إلى مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عجلان ثنا بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن زينب امرأة ابن مسعود قالت : قال لنا رسول الله ﷺ : { إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا } . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن وضاح ثنا حامد هو ابن يحيى البلخي - ثنا سفيان هو ابن عيينة - عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، ولا يخرجن إلا وهن تفلات } . قال علي : وهذا نفس قولنا ، فإذا خرجن متزينات أو متطيبات فهن عاصيات لله تعالى ، خارجات بخلاف ما أمرن ، فلا يحل إرسالهن حينئذ أصلا . والآثار في حضور النساء صلاة الجماعة مع رسول الله ﷺ متواترة في غاية الصحة ، لا ينكر ذلك إلا جاهل - : كحديث عائشة أم المؤمنين { إن كان رسول الله ﷺ ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس } . وحديث أبي حازم عن سهل بن سعد : { لقد رأيت الرجال عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر خلف رسول الله ﷺ فقال قائل : يا معشر النساء ، لا ترفعن رءوسكن حتى يرفع الرجال } . وقوله عليه السلام : { إني لأدخل في الصلاة أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي خشية أن تفتن أمه } . والخبر الذي رويناه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر عن النبي ﷺ أنه قال : { خير صفوف الرجال المقدم ، وشرها المؤخر وشر صفوف النساء المقدم ، وخيرها المؤخر ، ثم قال : يا معشر النساء ، إذا سجد الرجال فاغضضن أبصاركن ، لا ترين عورات الرجال من ضيق الأزر } وحديث أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { لو تركنا هذا الباب للنساء } فما دخل من ذلك الباب ابن عمر حتى مات . وأن عمر بن الخطاب كان ينهى أن يدخل من باب النساء وحديث أسماء في صلاة الكسوف ، وأنها صلت في المسجد مع النساء خلف رسول الله ﷺ . فما كان عليه السلام ليدعهن يتكلفن الخروج في الليل والغلس يحملن صغارهن ويفرد لهن بابا ويأمر بخروج الأبكار وغير الأبكار ومن لا جلباب لها فتستعير جلبابا إلى المصلى ، فيتركهن يتكلفن من ذلك ما يحط أجورهن ، ويكون الفضل لهن في تركه ، هذا لا يظنه بناصح للمسلمين إلا عديم عقل ، فكيف برسول الله ﷺ ؟ الذي أخبر تعالى أنه { عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة : أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص قال : - اجتمعنا إلى رسول الله ﷺ فقال : { إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم } ؟ قال علي : واحتج من خالف الحق في هذا بخبر موضوع عن عبد الحميد بن المنذر الأنصاري عن عمته أو جدته أم حميد : أن النبي ﷺ قال : { إن صلاتك في بيتك أفضل من صلاتك معي } ؟ قال علي : عبد الحميد بن المنذر مجهول لا يدريه أحد . وذكروا أيضا - ما رويناه عن عائشة رضي الله عنها من قولها : لو أدرك رسول الله ﷺ ما أحدث النساء لمنعهن من الخروج كما منعه نساء بني إسرائيل ؟ وهذا لا حجة فيه لوجوه ثمانية - : أولها : أن الله تعالى باعث محمد ﷺ بالحق موجب دينه إلى يوم القيامة الموحي إليه بأن لا يمنع النساء - حرائرهن وإماءهن ، ذوات الأزواج وغيرهن - من المساجد ليلا ونهارا - قد علم ما يحدث النساء ، فلم يحدث تعالى لذلك منعا لهن ، ولا قال له : إذا أحدثن فامنعوهن ؟ والثاني : أنه عليه السلام ، لو صح أنه لو أدرك أحداثهن لمنعهن - لما كان ذلك مبيحا منعهن ، لأنه عليه السلام لم يدرك فلم يمنع ، فلا يحل المنع ، إذ لم يأمر به عليه السلام والثالث : أن من الكبائر نسخ شريعة مات عليه السلام ولم ينسخها ، بل هو كفر مجرد والرابع : أنه لا حجة في قول أحد بعده عليه السلام ؟ والخامس : أن عائشة رضي الله عنها لم تقل : إن منعهن لكم مباح ، بل منعت منه وإنما أخبرت ظنا منها بأمر لم يكن ولا تم ، فهم مخالفون لها في ذلك ؟ والسادس : أنه لا حدث منهن أعظم من الزنى ، وقد كان فيهن على عهد رسول الله ﷺ ، وقد نهاهن الله تعالى : عن التبرج ، وأن يضربن بأرجلهن { ليعلم ما يخفين من زينتهن } ، وأنذر عليه السلام بنساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت لا يرحن رائحة الجنة ، وعلم أنهن سيكن بعده ، فما منعهن من أجل ذلك ؟ والسابع : أنه لا يحل عقاب من لم يحدث من أجل من أحدث ، فمن الباطل أن يمنع من لم يحدث من أجل من أحدث ، والله تعالى يقول : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . والثامن : أنهم لا يختلفون في أنه لا يحل منعهن من التزاور ، ومن الصفق في الأسواق ، والخروج في حاجاتهن ، وليس في الضلال والباطل أكثر من إطلاقهن على كل ذلك وقد أحدث منهن من أحدث ، وتخص صلاتهن في المسجد الذي هو أفضل الأعمال بعد التوحيد بالمنع ، حاشا لله من هذا ، وما ندري كيف ينطلق لسان من يعقل بالاحتجاج بمثل هذا في خلاف السنن الثابتة المتواترة . قال علي : والصحيح من هذا - هو ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن المثنى أن عمرو بن عاصم الكلابي حدثهم قال : ثنا همام هو ابن يحيى - عن قتادة عن مورق العجلي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال : { صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ، وصلاتها في مسجدها أفضل من صلاتها في بيتها } . وروينا هذا الخبر بلفظ آخر كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن قاسم ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عمرو بن عاصم الكلابي ثنا همام عن قتادة عن مورق العجلي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال : { إنما المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها } قال علي : هكذا بذكر المخدع ليس فيه للمسجد ذكر أصلا ، ثم لو صح فيه أن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في مسجدها - وهذا لا يوجد أبدا من طريق فيها خير - لما كانت فيه حجة ، لأنه كان يكون منسوخا بلا شك ، بما ذكرنا من تركه عليه السلام لهن يتكلفن التكلف في الغبش ، راغبات في الصلاة في الجماعة معه إلى أن مات عليه السلام ، فهذا آخر الأمر بلا شك ؟ قال علي : مسجدها ههنا هو مسجد محلتها ومسجد قومها ، ولا يجوز أن يظن أنه مسجد بيتها ، إذ لو كان ذلك لكان عليه السلام قائلا : صلاتك في بيتك أفضل من صلاتك في بيتك ، وهذه لكنة وعي ، حرام أن ينسبا إليه عليه السلام وبقولنا : قال الأئمة - : روينا عن معمر عن الزهري : أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل كانت تحت عمر بن الخطاب ، وكانت تشهد الصلاة في المسجد ، فكان عمر يقول لها : والله إنك لتعلمين ما أحب هذا ، فقالت : والله لا أنتهي حتى تنهاني ، فقال عمر : فإني لا أنهاك - قال : فلقد طعن عمر يومئذ وإنها لفي المسجد . قال علي : ولو رأى عمر صلاتها في بيتها أفضل لكان أقل أحواله أن يجبرها بذلك ويقول لها : إنك تدعين الأفضل وتختارين الأدنى ، لا سيما مع أني لا أحب لك ذلك ، فما فعل ، بل اقتصر على إخبارها بهواه الذي لا يقدر على صرفه ، ومن الباطل أن تختار - وهي صاحبة ، ويدعها هو - أن تتكلف إسخاط زوجها فيما غيره أفضل منه ؟ فصح أنهما رأيا الفضل العظيم الذي يسقط فيه موافقة رضا الزوج ، وأمير المؤمنين ، وصاحب رسول الله ﷺ في خروجها إلى المسجد في الغلس وغيره ، وهذا في غاية الوضوح لمن عقل ؟ وروينا من طريق هشام بن عروة : أن عمر بن الخطاب أمر سليمان بن أبي حثمة أن يؤم النساء في مؤخر المسجد في شهر رمضان . ومن طريق عرفجة : أن علي بن أبي طالب كان يأمر الناس بالقيام في رمضان ، فيجعل للرجال إماما ، وللنساء إماما ، قال عرفجة : فأمرني فأممت النساء مع ما ذكرنا من شدة غضب ابن عمر على ابنه إذ قال : إنه يمنع النساء من الخروج إلى الصلاة ؟ فهؤلاء أئمة المسلمين بحضرة الصحابة ، ثم على هذا عمل المسلمين في أقطار الأرض جيلا بعد جيل - وبالله تعالى التوفيق .