→ كتاب الصلاة (مسألة 519 - 520) | ابن حزم - المحلى كتاب الصلاة (مسألة 521 - 523) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الصلاة (مسألة 524 - 529) ← |
كتـاب الصلاة
صلاة الجمعة
521 - مسألة : الجمعة ، هي ظهر يوم الجمعة ، ولا يجوز أن تصلى إلا بعد الزوال ، وآخر وقتها : آخر وقت الظهر في سائر الأيام . وروينا عن عبد الله بن سيلان قال : شهدت الجمعة مع أبي بكر الصديق فقضى صلاته وخطبته قبل نصف النهار ثم شهدت الجمعة مع عمر بن الخطاب فقضى صلاته وخطبته مع زوال الشمس . وعن وكيع عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال : صلى بنا ابن مسعود الجمعة ضحى ، وقال : إنما عجلت بكم خشية الحر عليكم ؟ ومن طريق مالك بن أنس في موطئه عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه قال : كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب تطرح إلى جدار المسجد الغربي ، فإذا غشى الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب فصلى ، ثم نرجع بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحى ؟ قال علي : هذا يوجب أن صلاة عمر رضي الله عنه الجمعة كانت قبل الزوال ، لأن ظل الجدار ما دام في الغرب منه شيء فهو قبل الزوال ، فإذا زالت الشمس صار الظل في الجانب الشرقي ولا بد . وعن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن ابن أبي سليط : أن عثمان بن عفان صلى الجمعة بالمدينة وصلى العصر بملل قال ابن أبي سليط : وكنا نصلي الجمعة مع عثمان وننصرف وما للجدار ظل ؟ قال علي : بين المدينة ، وملل : اثنان وعشرون ميلا ، ولا يجوز ألبتة أن تزول الشمس ثم يخطب ويصلي الجمعة ثم يمشي هذه المسافة قبل اصفرار الشمس إلا من طرق طرق السرايا أو ركض ركض البريد المؤجل وبالحري أن يكون هذا ؟ وقد روينا أيضا هذا عن ابن الزبير . وعن ابن جريج عن عطاء قال : كل عيد حين يمتد الضحى : الجمعة ، والأضحى ، والفطر ، كذلك بلغنا ؟ وعن وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد قال : كل عيد فهو نصف النهار . قال علي : أين المموهون إنهم متبعون عمل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ؟ المشنعون بخلاف الصاحب إذا خالف تقليدهم ؟ وهذا عمل أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وابن مسعود ، وابن الزبير ، وطائفة من التابعين ولكن القوم لا يبالون ما قالوا في نصر تقليدهم وأما نحن فالحجة عندنا فيما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا وكيع عن يعلى بن الحارث المحاربي عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال { كنا نجمع مع رسول الله ﷺ إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا هارون بن عبد الله ثنا يحيى بن آدم ثنا حسن بن عياش ثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال { كنا نصلي مع رسول الله ﷺ الجمعة ثم نرجع فنريح نواضحنا ، قلت : أي ساعة ؟ قال : زوال الشمس } . وبه إلى أحمد بن شعيب : ثنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة وراح فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر } . حدثنا يونس بن عبد الله ثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا صفوان بن عيسى ثنا محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { مثل المهجر إلى الجمعة كمثل من يهدي بدنة ، ثم كمن يهدي بقرة ، ثم مثل من يهدي شاة ، ثم مثل من يهدي دجاجة ، ثم كمثل من يهدي عصفورا ، ثم كمثل من يهدي بيضة ، فإذا خرج الإمام فجلس طويت الصحف } . وروينا نحوه من طريق الليث بن سعد عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ . قال علي : ففي هذين الحديثين - : فضل التبكير في أول النهار إلى المسجد لانتظار الجمعة ؟ وبطلان قول من منع من ذلك ، وقال : إن هذه الفضائل كلها إنما هي لساعة واحدة ، وهذا باطل ، لأن رسول الله ﷺ جعلها ساعات متغايرات ثانية ، وثالثة ، ورابعة ، وخامسة ، فلا يحل لأحد أن يقول : إنها ساعة واحدة ؟ وأيضا - فإن درج الفضل ينقطع بخروج الإمام ، وخروجه إنما هو قبل النداء ، وهم يقولون : إن تلك الساعة مع النداء ، فظهر فساد قولهم ؟ وفيهما - : أن الجمعة بعد الزوال ؛ لأن مالكا عن سمي ذكر خمس ساعات . وزاد محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة ، والليث عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة - : ساعة سادسة وقد ذكر أن بخروج الإمام تطوى الصحف ، فصح أن خروجه بعد الساعة السادسة ، وهو أول الزوال ، ووقت الظهر ؟ فإن قيل : " قد رويتم عن سلمة بن الأكوع { كنا نجمع مع رسول الله ﷺ فنرجع وما نجد للحيطان ظلا نستظل به } ؟ قلنا : نعم ، ولم ينف سلمة الظل جملة ، إنما نفى ظلا يستظلون به ، وهذا إنما يدل على قصر الخطبة ، وتعجيل الصلاة في أول الزوال ؟ وكذلك قول سهل بن سعد " وما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد صلاة الجمعة " ليس ، فيه بيان أن ذلك كان قبل الزوال ؟ وقد روينا عن ابن عباس : خرج علينا عمر حين زالت الشمس فخطب يعني ، للجمعة ؟ وعن أبي إسحاق السبيعي : شهدت علي بن أبي طالب يصلي الجمعة إذا زالت ، الشمس ؟ وفرق مالك بين آخر وقت الجمعة وبين آخر وقت الظهر ، على أنه موافق لنا في أن أول وقتها هو أول وقت الظهر ، وهذا قول لا دليل على صحته ، وإذ هي ظهر اليوم فلا يجوز التفريق بين آخر وقتها من أجل اختلاف الأيام - وبالله تعالى التوفيق .
522 - مسألة : والجمعة إذا صلاها اثنان فصاعدا ركعتان يجهر فيهما بالقراءة . ومن صلاهما وحده صلاهما أربع ركعات يسر فيها كلها ، لأنها الظهر . وقد ذكرنا في باب وجوب قصر الصلاة من كتابنا حديث عمر { صلاة الجمعة ركعتان ، وصلاة المسافر ركعتان ، تمام غير قصر ، على لسان نبيكم ﷺ } . قال أبو محمد : وذهب بعض الناس إلى أنها ركعتان للفذ وللجماعة بهذا الخبر قال علي : وهذا خطأ ، لأنه الجمعة : اسم إسلامي لليوم ، لم يكن في الجاهلية ، إنما كان يوم الجمعة يسمى في الجاهلية " العروبة " فسمي في الإسلام " يوم الجمعة " ؛ لأنه يجتمع فيه للصلاة اسما مأخوذا من الجمع ، فلا تكون صلاة الجمعة إلا في جماعة وإلا فليست صلاة جمعة ، إنما هما ظهر ، والظهر أربع كما قدمنا . وقد ثبت عن رسول الله ﷺ أنه كان يجهر فيها ، وهو عمل أهل الإسلام ، نقل كواف من عهده عليه السلام إلى اليوم في شرق الأرض وغربها ؟ وأما العدد الذي يصليه الإمام فيه جمعة ركعتين كما ذكرنا - : فقد اختلف فيه - : فروينا عن عمر بن عبد العزيز : الجمعة تكون بخمسين رجلا فصاعدا . وقال الشافعي : لا جمعة إلا بأربعين رجلا : أحرارا ، مقيمين ، عقلاء ، بالغين - فصاعدا . وروينا عن بعض الناس : ثلاثين رجلا . وعن غيره : عشرين رجلا . وعن عكرمة : سبعة رجال لا أقل . وعن أبي حنيفة ، والليث بن سعد ، وزفر ، ومحمد بن الحسن : إذا كان ثلاثة رجال والإمام رابعهم صلوا الجمعة بخطبة ركعتين ، ولا تكون بأقل ؟ وعن الحسن البصري : إذا كان رجلان والإمام ثالثهما صلوا الجمعة بخطبة ركعتين وهو أحد قولي سفيان الثوري وقول أبي يوسف ، وأبي ثور وعن إبراهيم النخعي : إذا كان واحد مع الإمام صليا الجمعة بخطبة ركعتين . وهو قول الحسن بن حي ، وأبي سليمان ، وجميع أصحابنا ، وبه نقول ؟ قال علي : فأما من حد خمسين فإنهم ذكروا حديثا فيه { على الخمسين جمعة إذا كان عليهم إمام } . وهذا خبر لا يصح ؛ لأنه عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة ، والقاسم هذا ضعيف . وأما من حد بثلاثين فإنهم ذكروا خبرا مرسلا من طريق أبي محمد الأزدي - وهو مجهول - { إذا اجتمع ثلاثون رجلا فليؤمروا رجلا يصلي بهم الجمعة } . وأما من قال بقول أبي حنيفة ، والليث : فذكروا حديثا من طريق معاوية بن يحيى عن معاوية بن سعيد عن الزهري عن أم عبد الله الدوسية وقد أدركت النبي ﷺ أنه قال : { الجمعة واجبة في كل قرية وإن لم يكن فيهم إلا أربعة ؟ } . وهذا لا يجوز الاحتجاج به ؛ لأن معاوية بن يحيى ، ومعاوية بن سعيد : مجهولان وأيضا - : فإن أبا حنيفة أول من يخالف هذا الخبر ، لأنه لا يرى الجمعة في القرى ، لكن في الأمصار فقط فكل هذه آثار لا تصح ، ثم لو صحت لما كان في شيء منها حجة ، لأنه ليس في شيء منها إسقاط الجمعة عن أقل من العدد المذكور ؟ وقد روي حديث ساقط عن روح بن غطيف - وهو مجهول { لما بلغوا مائتين جمع بهم النبي ﷺ } فإن أخذوا بالأكثر فهذا الخبر هو الأكثر ، وإن أخذوا بالأقل فسنذكر إن شاء الله تعالى حديثا فيه أقل وأما الشافعي : فإنه احتج بخبر صحيح رويناه من طريق الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه : أنه إذا سمع نداء الجمعة ترحم على أبي أمامة أسعد بن زرارة ، فسأله ابنه عن ذلك ؟ فقال : إنه أول من جمع بنا في هزم حرة بني بياضة ، في نقيع يعرف بنقيع الخضمات ونحن يومئذ أربعون رجلا . قال علي : ولا حجة له في هذا ؛ لأن رسول الله ﷺ لم يقل : إنه لا تجوز الجمعة بأقل من هذا العدد ، نعم والجمعة واجبة بأربعين رجلا وبأكثر من أربعين وبأقل من أربعين ؟ واحتج من قال : بقول أبي يوسف بما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عبيد الله بن سعيد عن يحيى هو القطان - عن هشام هو الدستوائي - ثنا قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال : { إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم ، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم } . وهذا خبر صحيح ، إلا أنه لا حجة لهم فيه ، لأن رسول الله ﷺ لم يقل : إنه لا تكون جماعة ولا جمعة بأقل من ثلاثة ؟ وأما حجتنا فهي ما قد ذكرناه قبل من حديث مالك بن الحويرث أن رسول الله : قال له : { إذا سافرتما فأذنا وأقيما ، وليؤمكما أكبركما } فجعل عليه السلام للاثنين حكم الجماعة في الصلاة ؟ فإن قال قائل : إن الاثنين إذا لم يكن لهما ثالث فإن حكم الإمام أن يقف المأموم على يمين الإمام ، فإذا كانوا ثلاثة فقد قيل : يقفان عن يمين الإمام ويساره ؟ وقد قيل : بل خلف الإمام ، ولم يختلفوا في الأربعة : أن الثلاثة يقفون خلف الإمام ، فوجدنا حكم الأربعة غير حكم الاثنين ؟ قلنا : فكان ماذا ؟ نعم ، هو كما تقولون : في مواضع الوقوف ، إلا أن حكم الجماعة واجب لهما بإقراركم ، وليس في حكم اختلاف موقف المأموم دليل على حكم الجمعة أصلا ؟ وقد حكم الله تعالى على لسان رسوله ﷺ بأن صلاة الجمعة ركعتان . وقال عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } . فلا يجوز أن يخرج عن هذا الأمر وعن هذا الحكم أحد إلا من جاء نص جلي أو إجماع متيقن على خروجه عنه ، وليس ذلك إلا الفذ وحده - وبالله تعالى التوفيق . فإن ابتدأها إنسان ولا أحد معه ثم أتاه آخر أو أكثر ، فسواء أتوه إثر تكبيره فما بين ذلك إلى أن يركع من الركعة الأولى - : يجعلها جمعة ويصليها ركعتين ، لأنها قد صارت صلاة جمعة ، فحقها أن تكون ركعتين ، وهو قادر على أن يجعلها ركعتين بنية الجمعة ، وهي ظهر يومه . فإن جاءه بعد أن ركع فما بين ذلك إلى أن يسلم - : فيقطع الصلاة ويبتدئها صلاة جمعة ، لا بد من ذلك ، لأنه قد لزمته الجمعة ركعتين ، ولا سبيل له إلى أداء ما لزمه من ذلك إلا بقطع صلاته التي قد بطل حكمها - وبالله تعالى التوفيق .
523 - مسألة : وسواء فيما ذكرنا - من وجوب الجمعة - المسافر في سفره ، والعبد ، والحر ، والمقيم ، وكل من ذكرنا يكون إماما فيها ، راتبا وغير راتب ، ويصليها المسجونون ، والمختفون ركعتين في جماعة بخطبة كسائر الناس ، وتصلى في كل قرية صغرت أم كبرت ، كان هنالك سلطان أو لم يكن ، وإن صليت الجمعة في مسجدين في القرية فصاعدا : جاز ذلك ؟ ورأى أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي : أن لا جمعة على عبد ، ولا مسافر . واحتج لهم من قلدهم في ذلك بآثار واهية لا تصح : أحدها مرسل ، والثاني فيه هريم وهو مجهول والثالث فيه الحكم بن عمرو ، وضرار بن عمرو ، وهما مجهولان ولا يحل الاحتجاج بمثل هذا ؟ ولو شئنا لعارضناهم بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال { بلغني أن رسول الله ﷺ جمع بأصحابه في سفر ، وخطبهم يتوكأ على عصا } ولكننا ولله الحمد في غنى بالصحيح عما لا يصح ؟ واحتجوا بأن { رسول الله ﷺ لم يجهر في صلاة الظهر بعرفة ، وكان يوم جمعة } قال علي : وهذه جرأة عظيمة وما روى قط أحد : أنه عليه السلام لم يجهر فيها ، والقاطع بذلك كاذب على الله تعالى وعلى رسوله ﷺ قد قفا ما لا علم به ؟ وقد قال عطاء وغيره : إن وافق يوم عرفة يوم جمعة جهر الإمام ؟ قال علي : ولا خلاف في أنه عليه السلام خطب وصلى ركعتين وهذه صلاة الجمعة ، وحتى لو صح لهم أنه عليه السلام لم يجهر لما كان لهم في ذلك حجة أصلا ، لأن الجهر ليس فرضا ، ومن أسر في صلاة جهر ، أو جهر في صلاة سر ، فصلاته تامة ، لما قد ذكرنا قبل ؟ ولجأ بعضهم إلى دعوى الإجماع على ذلك وهذا مكان هان فيه الكذب على مدعيه . وروينا عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال : من ادعى الإجماع كذب - : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ، ومحمد بن عبد السلام الخشني - : قال ابن وضاح : ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع - : وقال محمد بن عبد السلام الخشني : ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي - : ثم اتفق وكيع ، وعبد الرحمن كلاهما عن شعبة عن عطاء بن أبي ميمونة عن أبي رافع عن أبي هريرة : أنهم كتبوا إلى عمر بن الخطاب يسألونه عن الجمعة وهم بالبحرين ؟ فكتب إليهم : أن جمعوا حيثما كنتم ؟ وقال وكيع : إنه كتب . وعن أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا أبو خالد الأحمر عن عبد الله بن يزيد قال : سألت سعيد بن المسيب : على من تجب الجمعة ؟ قال : على من سمع النداء وعن القعنبي عن داود بن قيس سمعت عمرو بن شعيب وقيل له : يا أبا إبراهيم ، على من تجب الجمعة ؟ قال : على من سمع النداء فعمم سعيد ، وعمرو : كل من سمع النداء ، ولم يخصا عبدا ، ولا مسافرا ، من غيرهما . وعن عبد الرزاق عن سعيد بن السائب بن يسار ثنا صالح بن سعد المكي أنه كان مع عمر بن عبد العزيز وهو متبد بالسويداء في إمارته على الحجاز ، فحضرت الجمعة ، فهيئوا له مجلسا من البطحاء ، ثم أذن المؤذن بالصلاة ، فخرج إليهم عمر بن عبد العزيز ، فجلس على ذلك المجلس ، ثم أذنوا أذانا آخر ، ثم خطبهم ، ثم أقيمت الصلاة ، فصلى بهم ركعتين وأعلن فيهما بالقراءة ، ثم قال لهم : إن الإمام يجمع حيثما كان . وعن الزهري مثل ذلك ، وقال ، إذا سئل عن المسافر يدخل قرية يوم الجمعة فينزل فيها ؟ قال : إذا سمع الأذان فليشهد الجمعة ومن طريق حماد بن سلمة عن أبي مكين عن عكرمة قال : إذا كانوا سبعة في سفر فجمعوا - يحمد الله ويثنى عليه ويخطب في الجمعة ، والأضحى والفطر ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : أيما عبد كان يؤدي الخراج فعليه أن يشهد الجمعة ، فإن لم يكن عليه خراج أو شغله عمل سيده فلا جمعة عليه . قال علي : الفرق بين عبد عليه الخراج ، وبين عبد لا خراج عليه : دعوى بلا برهان فقد ظهر كذبهم في دعوى الإجماع فلجئوا إلى أن قالوا : روي عن علي بن أبي طالب : لا جمعة على مسافر وعن أنس : أنه كان بنيسابور سنة أو سنتين فكان لا يجمع . وعن عبد الرحمن بن سمرة : أنه كان بكابل شتوة أو شتوتين فكان لا يجمع . قال علي : حصلنا من دعوى الإجماع على ثلاثة قد خالفتموهم أيضا ؛ لأن عبد الرحمن ، وأنسا رضي الله عنهما كانا لا يجمعان ، وهؤلاء يقولون : يجمع المسافر مع الناس ويجزئه . ورأى علي أن يستخلف بالناس من يصلي بضعفائهم صلاة العيد في المسجد أربع ركعات ، وهم لا يقولون : بهذا . وهذا عمر بن الخطاب يرى الجمعة عموما قال علي : قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } - : قال علي : فهذا خطاب لا يجوز أن يخرج منه مسافر ولا عبد بغير نص من رسول الله ﷺ وكذلك قول رسول الله ﷺ وحكمه وفعله أن صلاة الخوف ركعة ؟ وأما إمامة المسافر ، والعبد في الجمعة - : فإن أبا حنيفة ، والشافعي ، وأبا سليمان ، وأصحابهم قالوا : يجوز ذلك ، ومنع مالك من ذلك - : وهو خطأ . أول ذلك - قوله : إن المسافر والعبد إذا حضرا الجمعة كانت لهما جمعة فما الفرق بين هذا وبين جواز إمامتهما فيها مع قول النبي ﷺ { وليؤمكم أكبركم } و " { يؤم القوم أقرؤهم } ؟ فلم يخص عليه السلام جمعة من غيرها ، ولا مسافرا ، ولا عبدا من حر مقيم ، ولا جاء قط عن أحد من الصحابة منع العبد من الإمامة فيهما ، بل قد صح أنه كان عبد لعثمان رضي الله عنه أسود مملوك أميرا له على الربذة يصلي خلفه أبو ذر رضي الله عنه وغيره من الصحابة الجمعة وغيرها ؛ لأن الربذة بها جمعة ؟ وأما قولنا : كان هنالك سلطان أو لم يكن - : فالحاضرون من مخالفينا موافقون لنا في ذلك إلا أبا حنيفة ، وفي هذا خلاف قديم ؟ وقد قلنا : لا يجوز تخصيص عموم أمر الله تعالى بالتجميع بغير نص جلي ولا فرق بين الإمام في الجمعة والجماعة فيها وبين الإمام في سائر الصلوات والجماعة فيها ، فمن أين وقع لهم رد الجمعة خاصة إلى السلطان دون غيرها ؟ وأما قولنا : تصلى الجمعة في أي قرية صغرت أم كبرت - : فقد صح عن علي رضي الله عنه : لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ، وقد ذكرنا خلاف عمر لذلك ، وخلافهم لعلي في غير ما قصة . وقال مالك : لا تكون الجمعة إلا في قرية متصلة البنيان ؟ قال علي : هذا تحديد لا دليل عليه ، وهو أيضا فاسد ، لأن ثلاثة دور قرية متصلة البنيان ، وإلا فلا بد له من تحديد العدد الذي لا يقع اسم قرية على أقل منه ، وهذا ما لا سبيل إليه . وقال بعض الحنفيين : لو كان ذلك لكان النقل به متصلا ؟ فيقال له : نعم قد كان ذلك ، حتى قطعه المقلدون بضلالهم عن الحق ، وقد شاهدنا جزيرة " ميورقة " يجمعون في قراها ، حتى قطع ذلك بعض المقلدين لمالك ، وباء بإثم النهي عن صلاة الجمعة . وروينا أن ابن عمر كان يمر على أهل المياه وهم يجمعون فلا ينهاهم عن ذلك . وعن عمر بن عبد العزيز : أنه كان يأمر أهل المياه أن يجمعوا ، ويأمر أهل كل قرية لا ينتقلون بأن يؤمر عليهم أمير يجمع بهم ؟ ويقال لهم : لو كان قولكم حقا وصوابا لجاء به النقل المتواتر ، ولما جاز أن يجهله ابن عمر ، وقبله أبوه عمر ، والزهري وغيره ، ولا حجة في قول قائل دون رسول الله ﷺ . وأما قولنا : إن الجمعة جائزة في مسجدين فصاعدا في القرية - : فإن أصحاب أبي حنيفة حكموا عن أبي يوسف : أنها لا تجزئ الجمعة إلا في موضع واحد من المصر ، إلا أن يكون جانبان بينهما نهر ، فيجزئ أن يجمع في كل جانب منهما . ورووا عن أبي حنيفة ، ومحمد بن الحسن ، وأبي يوسف أيضا : أن الجمعة تجزئ في موضعين في المصر ، ولا تجزئ في ثلاثة مواضع ؟ وكلا هذين المذهبين من السخف حيث لا نهاية له لأنه لا يعضدهما قرآن ، ولا سنة ، ولا قول صاحب ، ولا إجماع ولا قياس وقد رووا عن محمد بن الحسن : أنها تجزئ في ثلاثة مواضع من المصر . فإن قالوا : صلى علي العيد في المصلى واستخلف من صلى بالضعفاء في المسجد ، فهما موضعان وهذا لا يقال : رأيا ؟ قلنا لهم : فقولوا : إنه لا تجزئ الجمعة إلا في المصلى . وفي الجامع فقط ، وإلا فقد خالفتموه ، كما خالفتموه في هذا الخبر نفسه ، إذ أمر رضي الله عنه الذي استخلف أن يصلي بهم العيد أربعا - : فقلتم : هذا شاذ فيقال لكم : بل الشاذ هو الذي أجزتم ، والمعروف هو الذي أنكرتم وما جعل الله تعالى آراءكم قياسا على الأمة ، ولا عيارا في دينه وهلا قلتم ، في هذا الخبر كما تقولون في خبر المصراة وغيره : هذا اعتراض على الآية ؛ لأن الله تعالى عم الذين آمنوا بافتراض السعي إلى الجمعة ، فصار تخصيصه اعتراضا على القرآن بخبر شاذ غير قوي النقل في أن ذلك لا يجب إلا في مصر جامع ؟ ومنع مالك ، والشافعي : من التجميع في موضعين في المصر . ورأينا المنتسبين إلى مالك يحدون في أن لا يكون بين الجامعين أقل من ثلاثة أميال وهذا عجب عجيب ، ولا ندري من أين جاء هذا التحديد ؟ ولا كيف دخل في عقل ذي عقل حتى يجعله دينا ؟ نعوذ بالله من الخذلان . قال الله تعالى : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم } فلم يقل عز وجل : في موضع ولا موضعين ولا أقل ، ولا أكثر { وما كان ربك نسيا } . فإن قالوا : قد كان أهل العوالي يشهدون مع النبي ﷺ الجمعة . قلنا : نعم وقد كان أهل ذي الحليفة يجمعون معه أيضا عليه السلام ، روينا ذلك من طريق الزهري ، ولا يلزم هذا عندكم ، وقد كانوا يشهدون معه عليه السلام سائر الصلوات ، ولم يكن ذلك دليلا على أن سائر قومهم لا يصلون الجماعات في مساجدهم ، ولم يأت قط نص بأنهم كانوا لا يجمعون سائر قومهم في مساجدهم ، ولا يحدون هذا أبدا ؟ ومن البرهان القاطع على صحة قولنا : أن الله تعالى إنما افترض في القرآن السعي إلى صلاة الجمعة إذا نودي لها ، لا قبل ذلك ، وبالضرورة أن من كان على نحو نصف ميل ، أو ثلثي ميل لا يدرك الصلاة أصلا إذا راح إليها في الوقت الذي أمره الله تعالى بالرواح إليها . فصح ضرورة أنه لا بد لكل طائفة من مسجد يجمعون فيه إذا راحوا إليه في الوقت الذي أمروا بالرواح إليه فيه أدركوا الخطبة والصلاة ، ومن قال غير هذا فقد أوجب الرواح حين ليس بواجب ، وهذا تناقض وإيجاب ما ليس عندهم واجبا . ومن أعظم البرهان عليهم : أن رسول الله ﷺ أتى المدينة وإنما هي قرى صغار مفرقة ، بنو مالك بن النجار في قريتهم حوالي دورهم أموالهم ونخلهم ، وبنو عدي بن النجار في دارهم كذلك ، وبنو مازن بن النجار كذلك ، وبنو سالم كذلك ، وبنو ساعدة كذلك ، وبنو الحارث بن الخزرج كذلك ، وبنو عمرو بن عوف كذلك ، وبنو عبد الأشهل كذلك ، وسائر بطون الأنصار كذلك ، فبنى مسجده في بني مالك بن النجار ، وجمع فيه في قرية ليست بالكبيرة ، ولا مصر هنالك . فبطل قول من ادعى أن لا جمعة إلا في مصر ، وهذا أمر لا يجهله أحد لا مؤمن ولا كافر ، بل هو نقل الكواف من شرق الأرض إلى غربها ، وبالله تعالى التوفيق . وقول عمر بن الخطاب ، " حيثما كنتم " إباحة للتجميع في جميع المساجد ؟ وروينا عن عمرو بن دينار أنه قال : إذا كان المسجد تجمع فيه للصلاة فلتصل فيه الجمعة . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج : قلت لعطاء بن أبي رباح : أرأيت أهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر كيف يصنعون ؟ قال : لكل قوم مسجد يجمعون فيه ثم يجزئ ذلك عنهم . وهو قول أبي سليمان ، وبه نأخذ ؟