→ كتاب الصلاة (مسألة 336) | ابن حزم - المحلى كتاب الصلاة (مسألة 337 - 343) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الصلاة (مسألة 344 - 348) ← |
كتـاب الصلاة
أوقـــات الصـلاة
337 - مسألة : قال علي : وقت الظهر أطول من وقت العصر أبدا في كل زمان ومكان ؛ لأن الشمس تأخذ في الزوال في أول الساعة السابعة ، ويأخذ ظل القائم في الزيادة على مثل القائم - بعد طرح ظل الزوال - في صدر الساعة العاشرة ؛ أما في خمسها الأول إلى ثلثها الأول : لا يتجاوز ذلك أصلا في كل زمان ومكان ؟ ووقت صلاة الصبح مساو لوقت صلاة المغرب أبدا في كل زمان ومكان ؛ لأن الذي من طلوع الفجر الثاني إلى أول طلوع الشمس ، كالذي من آخر غروب الشمس إلى غروب الشفق - الذي هو الحمرة أبدا - في كل وقت ومكان ؛ يتسع في الصيف ، ويضيق في الشتاء ؛ لكبر القوس وصغره . ووقت هاتين الصلاتين أبدا : هو أقل من وقت الظهر ووقت العصر ؛ لأن وقت الظهر هو ربع النهار وزيادة ؟ فهو أبدا ثلاث ساعات ، وشيء من الساعات المختلفة ووقت العصر ربع النهار غير شيء فهو أبدا ثلاث ساعات ، غير شيء من الساعات المختلفة . ولا يبلغ ذلك وقت المغرب ولا وقت الصبح ، وأكثر ما يكون وقت كل صلاة منهما ساعتين ، وقد يكون ساعة واحدة وربع ساعة من الساعات المختلفة ؛ وهي التي يكون منها في أطول يوم من السنة ، وأقصر يوم من السنة - : اثنتا عشرة ، فهي تختلف لذلك في طولها وقصرها ؛ وفي الهيئة أيضا كذلك ، ولا فرق ؟ وأوسعها كلها وقت العتمة ؛ لأنه أزيد من ثلث الليل ، أو ثلث الليل ومقدار تكبيرة في كل زمان ومكان - ، وبالله تعالى التوفيق .
338 - مسألة : الشفق ، والفجر . قال علي - : الفجر : فجران - والشفق : شفقان . والفجر الأول : هو المستطيل المستدق صاعدا في الفلك كذنب السرحان ، وتحدث بعده ظلمة في الأفق - : لا يحرم الأكل ولا الشرب على الصائم ؛ ولا يدخل به وقت صلاة الصبح - : هذا لا خلاف فيه من أحد من الأمة كلها . والآخر : هو البياض الذي يأخذ في عرض السماء في أفق المشرق في موضع طلوع الشمس في كل زمان ، ينتقل بانتقالها ، وهو مقدمة ضوئها ، ويزداد بياضه ؛ وربما كان فيه توريد بحمرة بديعة ، وبتبينه يدخل وقت الصوم ووقت الأذان لصلاة الصبح ووقت صلاتها . فأما دخول وقت الصلاة بتبينه ؟ فلا خلاف فيه من أحد من الأمة وأما الشفقان : فأحدهما الحمرة - والثاني : البياض ، فوقت المغرب عند ابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري ، ومالك ، والشافعي ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، والحسن بن حي ، وداود وغيرهم - : يخرج ويدخل وقت صلاة العتمة بمغيب الحمرة ؟ وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق . إلا أن أحمد قال : يستحب - في الحضر خاصة دون السفر - : أن لا يصلي إلا إذا غاب البياض ؛ ليكون على يقين من مغيب الحمرة فقد تواريها الجدران وقال أبو حنيفة ، وعبد الله بن المبارك ، والمزني ، وأبو ثور : لا يخرج وقت المغرب ولا يدخل وقت العتمة إلا بمغيب البياض ؟ قال علي : قد صح أن رسول الله ﷺ حد خروج وقت المغرب ، ودخول وقت العتمة بمغيب نور الشفق ؛ والشفق : يقع في اللغة على الحمرة ، وعلى البياض . فإذ ذلك كذلك ؛ فلا يجوز أن يخص قوله عليه السلام بغير نص ولا إجماع ؛ فوجب أنه إذا غاب ما يسمى شفقا فقد خرج وقت المغرب ، ودخل وقت العتمة ولم يقل عليه السلام قط : حتى يغيب كل ما يسمى شفقا ؟ . وبرهان قاطع ؛ وهو : أنه قد ثبت أن رسول الله ﷺ حد وقت العتمة بأن : أوله إذا غاب الشفق ، وآخره : ثلث الليل الأول ، وروي أيضا : نصف الليل . وقد علم كل من له علم بالمطالع ، والمغارب ، ودوران الشمس : أن البياض لا يغيب إلا عند ثلث الليل الأول ؛ وهو الذي حد عليه السلام خروج أكثر الوقت فيه ، فصح يقينا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين ، فقد ثبت بالنص أنه داخل قبل مغيب الشفق ، الذي هو البياض بلا شك فإذ ذلك كذلك فلا قول أصلا إلا أنه : الحمرة بيقين ؛ إذ قد بطل كونه : البياض . واحتج من قلد أبا حنيفة بأن قال : إذا صلينا عند غروب البياض فنحن على يقين - بإجماع - أننا قد صلينا عند الوقت ، وإن صلينا قبل ذلك ، فلم نصل بيقين إجماع في الوقت ؟ قال علي : هذا ليس شيئا ؛ لأنه إن التزموه ؟ أبطل عليهم جمهور مذهبهم فيقال : مثل هذا في الوضوء بالنبيذ ، وفي الاستنشاق ، والاستنثار ، وقراءة أم القرآن ، والطمأنينة ، وكل ما اختلف فيه مما يبطل الصوم والحج ، ومما تجب فيه الزكاة ؟ فيلزمهم أن لا يؤدوا عملا من الشريعة إلا حتى لا يختلف اثنان في أنهم قد أدوه كما أمروا . ومع هذا لا يصح لهم من مذهبهم جزء من مائة جزء بلا شك وذكروا حديث النعمان بن بشير : { أنه عليه السلام كان يصلي العتمة لسقوط القمر ليلة ثالثة } . ولو كان لكان أعظم حجة لنا ؛ لأن الشفق الأبيض يبقى بعد هذه مدة طويلة بلا خلاف ، واحتج بعضهم بالأثر { أن رسول الله ﷺ كان يصلي العشاء الآخرة إذا اسود الليل } وبقاء البياض يمنع من سواد الأفق . قال علي : وهذا خطأ ؛ لأنه يصلي العتمة مع بياض القمر ، وهو أمنع من سواد الأفق على أصولهم : من البياض الباقي بعد الحمرة ، الذي لا يمنع من سواد الأفق ؛ لقلته ودقته ؟ . وذكروا حديث النعمان بن بشير : { أنه عليه السلام كان يصلي العتمة لسقوط ليلة ثالثة } ، وهذا لا حجة لهم فيه ؛ لأننا لا نمنع من ذلك ، ولا من تأخيرها إلى نصف الليل ، بل هو أفضل ؛ وليس في هذا المنع من دخول وقتها قبل ذلك ؟ وذكروا حديثا ساقطا موضوعا ، فيه { أنه عليه السلام صلى العتمة قبل غروب الشفق } . وهذا لو صح - ومعاذ الله من ذلك - لما كان فيه إلا جواز الصلاة قبل وقتها ؛ وهو خلاف قولهم وقولنا وذكروا عن ثعلب : أن الشفق : البياض قال علي : لسنا ننكر أن الشفق : البياض ، والشفق : الحمرة ؛ وليس ثعلب حجة في الشريعة إلا في نقله ؛ فهو ثقة ، وأما في رأيه فلا ؟ وأظرف ذلك احتجاج بعضهم : بأن الشفق : مشتق من الشفقة ، وهي الرقة ؛ ويقال : ثوب شفيق إذا كان رقيقا . قالوا : والبياض أحق بهذا ؛ لأنها أجزاء رقيقة تبقى بعد الحمرة قال علي : وهذا هوس ناهيك به فإن قيل لهم : بل الحمرة أولى به ؛ لأنها تتولد عن الإشفاق والحياء ، وكل هذا تخليط هو في الهزل أدخل منه في الجد ؟ وقال بعضهم : لما كان وقت صلاة الفجر يدخل بالفجر الثاني : وجب أن يدخل وقت صلاة العتمة بالشفق الثاني ؟ فعورضوا بأنه لما كان الفجر فجرين ، وكان دخول وقت صلاة الفجر يدخل بالفجر الذي معه الحمرة : - وجب أن يكون دخول وقت العتمة بالشفق الذي معه الحمرة . وقالوا أيضا : لما كانت الحمرة التي هي مقدمة طلوع الشمس لا تأثير لها في خروج وقت صلاة الفجر - : وجب أن يكون أيضا لا تأثير لها في خروج وقت المغرب ؟ فعورضوا بأنه لما كانت الطوالع : ثلاثة ، والغوارب ثلاثة ، وكان الحكم في دخول وقت صلاة الصبح للأوسط من الطوالع وجب أن يكون الحكم في دخول صلاة العتمة للأوسط من الغوارب وهذه كلها تخاليط ودعاوى فاسدة متكاذبة ؛ وإنما أوردناها ليعلم من أنعم الله تعالى عليه بأن هداه لإبطال القياس في الدين - : عظيم نعمة الله تعالى عليه في ذلك ؛ وليتبصر من غلط فقال به - وما توفيقنا إلا بالله تعالى .
339 - مسألة : ومن كبر لصلاة فرض ، وهو شاك هل دخل وقتها أم لا ؟ لم تجزه : سواء وافق الوقت أم لم يوافقه ؛ لأنه صلاها بخلاف ما أمر ؟ وإنما أمر أن يبتدئها في وقتها ، وقد قال رسول الله ﷺ { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } .
340 - مسألة : فلو بدأها وهو عند نفسه موقن بأن وقتها قد دخل ؟ فإذا بالوقت لم يكن دخل لم تجزه أيضا ؛ لأنه لم يصلها كما أمر ؛ ولا يجزئه إلا حتى يوقن أنه الوقت ؛ ويكون الوقت قد دخل - ، وبالله تعالى التوفيق .
341 - مسألة : كل من ركع ركعتي الفجر لم تجزه صلاة الصبح إلا بأن يضطجع على شقه الأيمن بين سلامه من ركعتي الفجر ، وبين تكبيره لصلاة الصبح . وسواء - عندنا - ترك الضجعة عمدا أو نسيانا ؛ وسواء صلاها في وقتها أو صلاها قاضيا لها من نسيان ، أو عمد نوم . فإن لم يصل ركعتي الفجر لم يلزمه أن يضطجع ، فإن عجز عن الضجعة على اليمين لخوف ، أو مرض ، أو غير ذلك أشار إلى ذلك حسب طاقته فقط ؟ . برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثنا عبد الواحد هو ابن زياد - ثنا الأعمش عن أبي صالح هو السمان - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه } ؟ . فقال له مروان بن الحكم : ما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه ؟ قال أبو هريرة : لا ، فبلغ ذلك ابن عمر ، فقال : أكثر أبو هريرة على نفسه فقيل لابن عمر عندها : تنكر شيئا مما يقول ؟ قال : لا ؛ ولكنه اجترأ وجبنا ، فبلغ ذلك أبا هريرة ، فقال : فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا ؟ . وروينا من طريق وكيع عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه عن قبيصة بن ذؤيب قال : مر بي أبو الدرداء من آخر الليل وأنا أصلي ؟ فقال : افصل بضجعة بين صلاة الليل ، وصلاة النهار . قال علي : وقد أوضحنا أن أمر رسول الله ﷺ كله على الفرض ، حتى يأتي نص آخر أو إجماع متيقن غير مدعى بالباطل - : على أنه ندب ، فنقف عنده ، وإذا تنازع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فالرد إلى كلام الله تعالى وكلام رسوله ﷺ . فإن قالوا : قد ورد إنكار الضجعة عن ابن مسعود ؟ قلنا : نعم ؛ وخالفه أبو هريرة ؛ ومع أبي هريرة سنة رسول الله ﷺ من أمره وعمله . وإن كان إنكار ابن مسعود : حجة على غيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم - : فقد أنكر رضي الله عنه : وضع الأيدي على الركب في الصلاة ، وضرب اليدين على ذلك ؟ وقد أنكر قصر الصلاة إلا في حج ، أو عمرة ، أو جهاد وأنكر قراءة القرآن في ليلة ؟ فما التفتم إنكاره فالآن استدركتم هذه السنة ؟ . وقالوا : لو كانت الضجعة فرضا لما خفيت على ابن مسعود وابن عمر ؟ فقلنا لهم : فهلا قلتم مثل هذا في إتمام عثمان رضي الله تعالى عنه بمنى ؛ وإتمام عائشة وسعد رضي الله عنهما ؟ فقولوا : لو كان قصر الصلاة سنة ما خفي على هؤلاء وهلا قلتم : لو كان الجلوس في آخر الصلاة فرضا ما خفي على علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين يقول : إذا رفعت رأسك من آخر صلاتك من السجود فقد تمت صلاتك ، فإن شئت فقم ، وإن شئت فاقعد ؟ ومثل هذا كثير جدا ؛ وإنما هو شيء يفزعون إليه إذا ضاق بهم المجال ثم هم أول تارك له ؟ ، وبالله تعالى التوفيق . فإن قالوا : فبطلت صلاة من لم يضطجع من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم ؟ قلنا : إن المجتهد مأجور يصلي ، وإن خفي عليه النص ؛ وإنما الحكم فيمن قامت عليه الحجة فعند . ثم نعكس قولهم عليهم ، فنقول للمالكيين والشافعيين : أترى بطلت صلاة ابن مسعود ومن وافقه ؛ إذا كان يصلي ، ولا يرى الوضوء من مس الذكر ؟ ونقول للحنفيين : أترى صلاة ابن عمر ، وأبي هريرة فاسدة ، إذ كانا يصليان ، وقد خرج من أنف أحدهما دم ، ومن بثرة بوجه الآخر دم فلم يتوضأ لذلك ؟ . ونقول لجميعهم : أترون صلاة عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وابن عباس ، وأبي بن كعب ، وأبي أيوب ، وزيد ، وغيرهم - : كانت فاسدة إذا كانوا يرون : أن من وطئ ولم ينزل فلا غسل عليه ، ويفتون بذلك ؟ ومثل هذا كثير جدا ، يعود على من لم يكن بيده حجة غير التشنيع وهو عائد عليهم ؛ لأنهم أشد خلافا على الصحابة منا ، وسؤالهم هذا لازم لأبي هريرة كلزومه لنا ولا فرق ؟ . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يزيد هو المقري - ثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو الأسود عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت { كان رسول الله ﷺ إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن } ؟ . قال علي : روينا من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني : أن أبا موسى الأشعري وأصحابه كانوا إذا صلوا ركعتي الفجر اضطجعوا ومن طريق الحجاج بن المنهال عن جرير بن حازم عن محمد بن سيرين قال : أنبئت : أن أبا رافع ، وأنس بن مالك وأبا موسى ، كانوا يضطجعون على أيمانهم إذا صلوا ركعتي الفجر ؟ . ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عثمان بن غياث هو ابن عثمان - أنه حدثه قال : كان الرجل يجيء وعمر بن الخطاب يصلي بالناس الصبح فيصلي ركعتين في مؤخر المسجد ويضع جنبه في الأرض ويدخل معه في الصلاة . وذكر عبد الرحمن بن زيد في " كتاب السبعة " أنهم - يعني : سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وعروة بن الزبير ، وأبا بكر بن عبد الرحمن ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وسليمان بن يسار - : كانوا يضطجعون على أيمانهم بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح فإن عجز فقد قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ، وقال عليه السلام : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } ؟ . وحكم الناسي ههنا كحكم العامد ؛ لأن من نسي عملا مفترضا من الصلاة والطهارة فعليه أن يأتي به ؛ لأنه لم يأت بالصلاة كما أمر ، إلا أن يأتي نص بسقوط ذلك عنه ؟ وإنما يكون النسيان بخلاف العمد في حكمين : أحدهما - سقوط الإثم جملة هنا ، وفي كل مكان . والثاني - : من زاد عملا لا يجوز له ناسيا ، وكان قد أوفى جميع عمله الذي أمر به ، فإن هذا قد عمل ما أمر ، وكان ما زاد بالنسيان لغوا لا حكم له ؟ فإن أدرك إعادة الصلاة في الوقت لزمه أن يضطجع ويعيد الفريضة ، وإن لم يقدر على ذلك إلا بعد خروج الوقت لم يقدر على الإعادة لما ذكرنا قبل ؟ . ولا يجزئه أن يأتي بالضجعة بعد الصلاة ؛ لأنه ليس ذلك موضعها ؛ ولا يجزئ عمل شيء في غير مكانه ، ولا في غير زمانه ، ولا بخلاف ما أمر به ؛ لأن هذا كله هو غير العمل المأمور به على هذه الأحوال - ، وبالله تعالى التوفيق .
342 - مسألة : ومن فاتته صلاة الصبح بنسيان ، أو بنوم ؟ فنختار له إذا ذكرها - وإن بعد طلوع الشمس بقريب أو بعيد - أن يبدأ بركعتي الفجر ثم يضطجع ، ثم يأتي بصلاة الصبح ؟ وفرض على كل من غفل عن صلاة بنوم ، أو بنسيان ؟ ثم ذكرها أن يزول عن مكانه الذي كان بجسمه فيه إلى مكان آخر ؛ ولو المكان المتصل بذلك المكان فما زاد ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبان هو ابن يزيد العطار - ثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في حديث نوم النبي ﷺ وأصحابه عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس : أن رسول الله ﷺ قال لهم : { تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة ؟ فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق القاضي ثنا ابن الأعرابي ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ثنا عبد الله بن يزيد المقري ثنا الأسود بن شيبان ثنا خالد بن سمير ثنا عبد الله بن رباح ثنا أبو قتادة الأنصاري قال : { بعث رسول الله ﷺ جيش الأمراء ؛ فلم توقظنا إلا الشمس طالعة ، فقمنا وهلين لصلاتنا ، فقال النبي ﷺ رويدا رويدا حتى تعالت الشمس ، قال رسول الله ﷺ من كان منكم يركع ركعتي الفجر فليركعهما ؟ فقام من يركعهما ومن لم يكن يركعهما ، ثم أمر رسول الله ﷺ أن ينادى بالصلاة فيؤذن لها فقام رسول الله ﷺ فصلى بنا } ، وذكر الحديث ؟ قال علي : فإن قيل : ليس في هذا الخبر ذكر الضجعة ؟ قلنا : قد يسكت عنها الراوي ، كما يسكت عن الوضوء ، وعما لا بد منه من ذكر التكبير للإحرام والسلام وغير ذلك وقد يكون هذا الخبر قبل أن يأمر عليه السلام بالضجعة ؟ وليس جميع السنن مذكورة في حديث واحد ، ولا في آية واحدة ، ولا في سورة واحدة ؛ والتعلل بها قدح في جميع الشريعة : أولها عن آخرها ؛ فليس منها شيء إلا ، وهو مسكوت عنه في أحاديث كثيرة وفي آيات كثيرة . فكل من تعلل في أمر رسول الله ﷺ بالأذان للصلاة المنسية ، وفي أمره بصلاة ركعتي الفجر قبل صلاة الفريضة ، وفي أمره عليه السلام بالتأني [ والانتشار ] والتحول - بما لم يقله رسول الله ﷺ - : فقد كذب على رسول الله ﷺ وقوله ما لم يقل ، وافترى عليه بغير علم ؛ فليتبوأ مقعده من النار - . وقد ذكر الأذان لها وصلى ركعتين قبلهما - : حماد عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة ؟ فإن قيل : قد روي في بعض ألفاظ هذا الخبر : أنه عليه السلام قال لهم حينئذ { من أدرك منكم صلاة الغداة فليقض معها مثلها } ؟ قلنا : نعم ، قد روي هذا اللفظ ، وروي { ليصلها أحدكم من الغداة لوقتها } ؟ . وروي { فإذا سها أحدكم عن الصلاة فليصلها إذا ذكرها ومن الغد للوقت } ؟ ، وروي { أنهم قالوا : يا رسول الله ، أنقضيها لميقاتها من الغد ؟ وأنهم قالوا : ألا نصلي كذا وكذا صلاة قال : لا ينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم } . وكل هذا صحيح ومتفق المعنى ؛ وإنما يشكل من هذه الألفاظ { من أدرك منكم صلاة الغداة فليقض معها مثلها } ؟ ، وإذا تؤمل فلا إشكال فيه ؛ لأن الضمير - في لغة العرب - راجع إلى " الغداة " - لا إلى الصلاة - : أي فليقض مع الغداة مثل هذه الصلاة التي يصلي ، بلا زيادة عليها - : أي : فليؤد ما عليه من الصلاة مثل ما فعل كل يوم ؛ فتتفق الألفاظ كلها على معنى واحد ، لا يجوز غير ذلك ، وبالله تعالى التوفيق .
343 - مسألة : صفة الصلاة ، وما لا تجزئ إلا به : لا تجزئ أحدا صلاة إلا بثياب طاهرة ، وجسد طاهر ، في مكان طاهر ؟ قال علي : قد ذكرنا الأشياء المفترض اجتنابها ؛ فمن صلى غير مجتنب لها فلم يصل كما أمر ، وقد ذكرنا أمر رسول الله ﷺ بكنس ما كان يصلي عليه ؛ وبأن تطيب المساجد وتنظف ؛ لقوله عليه السلام الذي سنذكره إن شاء الله تعالى بإسناده { وجعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا } ؟ ، وقال تعالى : { وثيابك فطهر } . ومن ادعى أن المراد بذلك : القلب - : فقد خص الآية بدعواه بلا برهان ، والأصل في اللغة التي بها نزل القرآن : أن الثياب هي الملبوسة والمتوطأة ولا ينقل عن ذلك إلى القلب والعرض إلا بدليل ، ولا حال للإنسان إلا حالان ، لا ثالث لهما : حال الصلاة ، وحال غير الصلاة ؟ . ولا يختلف اثنان في أنه لا يحرج من في بدنه شيء واجب اجتنابه وفي ثيابه أو في مقعده في حال غير الصلاة ؛ وإنما الكلام : هل ذلك مباح في الصلاة أم لا ؟ فإذا خرجت حال غير الصلاة بالإجماع المتيقن لم يبق حيث تستعمل أوامر الله تعالى ورسوله ﷺ إلا للصلاة ؛ فهذا فرض فيها - ، وبالله تعالى التوفيق .