→ كتاب الصلاة (مسألة 392 - 394) | ابن حزم - المحلى كتاب الصلاة (مسألة 395 - 412) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الصلاة (مسألة 413 - 420) ← |
كتـاب الصلاة
395 - مسألة : ولا تحل الصلاة - للرجل خاصة - في ثوب فيه حرير أكثر من أربع أصابع عرضا في طول الثوب ، إلا اللبنة والتكفيف فهما مباحان ولا في ثوب فيه ذهب ، ولا لابسا ذهبا فيه خاتم ولا في غيره . فإن أجبر على لباس شيء من ذلك أو اضطر إليه خوف البرد : حل له الصلاة فيه . أو كان به داء يتداوى من مثله بلباس الحرير : فالصلاة له فيه جائزة وكذلك لو حمل ذهبا له في كمه ليحرزه ، أو حريرا أو ثوب حرير كذلك فصلاته تامة - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، ومحمد بن المثنى ، وزهير بن حرب قالوا : ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الشعبي عن سويد بن غفلة : { أن عمر بن الخطاب خطب بالجابية فقال " نهى رسول الله ﷺ عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع } . وبه إلى مسلم : ثنا شيبان بن فروخ ثنا جرير بن حازم ثنا نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ { إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا علي هو ابن المديني - ثنا وهب بن جرير بن حازم ثنا أبي قال : سمعت ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن أبي ليلى هو عبد الرحمن - عن حذيفة قال { نهى رسول الله ﷺ أن نشرب في آنية الذهب والفضة ، وأن نأكل فيها ، وعن لبس الحرير والديباج ، وأن نجلس عليه } أخبرنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا عبد الرحمن بن أسد الكازروني ثنا الدبيري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله ﷺ قال : { أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا عفان بن مسلم ثنا قتادة أن أنس بن مالك أخبره { أن رسول الله ﷺ شكا إليه عبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام : القمل ، فرخص لهما في قمص الحرير } . وبه إلى مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس { أن رسول الله ﷺ رخص لعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام في القمص الحرير لحكة كانت بهما أو وجع } . وبه إلى مسلم : ثنا يحيى بن يحيى ثنا خالد بن عبد الله هو الطحان - عن ابن جريج { عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق " أن أسماء أخرجت إليه جبة طيالسية كسروانية لها لبنة ديباج فرجاها مكنوفان بالديباج ، فقالت : هذه جبة رسول الله ﷺ كانت عند عائشة حتى قبضت فقبضتها ، وكان رسول الله ﷺ يلبسها ، فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها } . ومس الحرير والذهب وملكهما وحملهما حلال بالنص والإجماع ، فإن قيل : قد روي لباس الخز عن بعض الصحابة رضي الله عنهم قلنا : قد جاء تحريمه عن بعضهم - : كما روينا : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جهز جيشا فغنموا فاستقبلهم عمر فرآهم قد لبسوا أقبية الديباج ولباس العجم ، فأعرض عنهم وقال : ألقوا عنكم ثياب أهل النار فألقوها . وعن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر سمعت الشعبي يحدث عن سويد بن غفلة قال : أصبنا فتوحا بالشام فأتينا المدينة ، فلما دنونا لبسنا الديباج والحرير ، فلما رآنا عمر رمانا ، فنزعناها ، فلما رآنا قال : مرحبا بالمهاجرين إن الحرير والديباج لم يرض الله به لمن كان قبلكم ، فيرضى به عنكم ؟ لا يصلح منه إلا هكذا وهكذا وهكذا قال شعبة : أصبعين ، أو ثلاثا ، أو أربعا . وروينا عن أبي الخير : أنه سأل عقبة بن عامر الجهني عن لبنة حرير في جبته قال : ليس بها بأس وعن يزيد بن هارون : أنا هشام هو ابن حسان - عن حفصة بنت سيرين عن أبي ذبيان هو خليفة بن كعب - : { أن ابن عمر سمع الخبر في أن " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " فقال : إذن والله لا يدخلها ، قال تعالى : { ولباسهم فيها حرير } } وعن محمد بن المثنى : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن منصور هو ابن المعتمر - عن مجاهد قال : قال ابن عمر : اجتنبوا من الثياب ما خالطه الحرير وعن عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن زبيد عن أبي بردة عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال : من لبس ثوب حرير ألبسه الله تعالى ثوبا من نار ، ليس من أيامكم ولكن من أيام الله الطوال . وعن علي بن أبي طالب : أنه رأى رجلا لابسا جبة على صدرها ديباج فقال له علي : ما هذا النتن على صدرك وعن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال : كنت عند ابن مسعود فجاءه ابن له عليه قميص حرير فشقه ابن مسعود وعن ابن الزبير : من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة فإذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم فالفرض الرد عند تنازعهم إلى رسول الله ﷺ كما أمر الله عز وجل ، وقد باع سمرة خمرا ، وأكل أبو طلحة البرد وهو صائم ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ . ولا يصح في الرخصة في الثوب سداه حرير : خبر أصلا ، لأن الرواية فيه عن ابن عباس انفرد بها خصيف ، وهو ضعيف . فكيف وكل من روي عنه أنه لبس الخز من الصحابة رضي الله عنهم ليس في شيء من تلك الأخبار أنهم عرفوا أن سداها حرير . روينا عن شعبة عن عامر بن عبيدة الباهلي قال : رأيت على أنس جبة خز فسألته عن ذلك فقال : أعوذ بالله من شرها وعن معمر عن عبد الكريم الجزري قال : رأيت على أنس بن مالك جبة خز وكساء خز وأنا أطوف بالبيت مع سعيد بن جبير ، فقال سعيد بن جبير : لو أدركه السلف لأوجعوه . فهذا يوضح أن الصحابة كانوا يحرمون ذلك ، إذ لا يوجعون على مباح . وعن عبد الله بن شقيق أنه قال { نهى رسول الله ﷺ عن الحرير أشد النهي " فقال له رجل : أليس هذا عليك حريرا فقال عبد الله : سبحان الله هذا خز ، قال : بلى ، ولكن سداه حرير ، قال : ما شعرت } . وعن عمر بن عبد العزيز : أنه أمر أن يتخذ له ثوب من خز سداه كتان . وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى نحو ذلك . ولا يخلو كل من روى عنه من الصحابة رضي الله عنهم أنه لبس من أحد وجوه ثلاثة : إما أن سدى تلك الثياب كان كتانا . وإما أنهم لم يعلموا أنه حرير ؛ وهذا هو الذي لا يجوز أن يظن بهم غيره . وإما أنهم استغفروا الله تعالى من لباسه ، فأقل يوم من أيامهم مع رسول الله ﷺ يغطي على أضعاف هذا ، وليس غيرهم مثلهم ، فنصف مد شعير يتصدق به أحدهم يفضل جميع أعمال أحدنا لو عمر مائة سنة ؛ لأن نصف مد أحدهم أفضل من جبل أحد ذهبا ننفقه نحن في وجوه البر ؛ وما نعلم أحدا ينفق في البر زنة حجر ضخم من حجارة أحد فكيف الجبل كله - وبالله تعالى التوفيق . وأما من اضطر إليه خوف البرد فقد قال الله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه }
396 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يقرأ القرآن في ركوعه ولا في سجوده ، فإن تعمد بطلت صلاته ، وإن نسي ، فإن كان ذلك بعد أن اطمأن وسبح كما أمر أجزأه سجود السهو وتمت صلاته ؛ لأنه زاد في صلاته ساهيا ما ليس منها ، وإن كان ذلك في جميع ركوعه وسجوده ألغى تلك السجدة أو الركعة وكان كأن لم يأت بها ، وأتم صلاته وسجد للسهو ، لأنه لم يأت بذلك كما أمر ، وقد قال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج أنا زهير بن حرب ثنا سفيان بن عيينة أنا سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس قال : { كشف رسول الله ﷺ الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر ، فقال : أيها الناس ، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا ، أو ساجدا ، فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم } . قال علي : فإن قيل : قد روي هذا المعنى من طريق علي وفيه { نهاني ولا أقول نهاكم } قلنا : نعم ، وليس في هذا الخبر إلا نهي علي ، وفي الذي ذكرنا نهي الكل ؛ لأن كل ما نهى عنه عليه السلام فحكمنا حكمه ؛ إلا أن يأتي نص بتخصيصه ، فإن قيل : قد { روت عائشة رضي الله عنها : أنها سمعته ﷺ يقول في سجوده : سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي " يتأول القرآن } قلنا : نعم ، وقد روينا هذا الخبر عن سفيان الثوري عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة { كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول في سجوده : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي ، يتأول القرآن ، يعني { إذا جاء نصر الله والفتح } } هكذا ، في الخبر نصا ، فصح أن معنى تأوله عليه السلام القرآن هو في هذه السورة { واستغفره } . وقد روينا عن علي بن أبي طالب : لا تقرأ وأنت راكع ، ولا وأنت ساجد . وعن مجاهد : لا تقرأ في الركوع ولا السجود ، إنما جعل الركوع والسجود للتسبيح
397 - مسألة : فلو قرأ المصلي القرآن في جلوسه بعد أن يتشهد وهو إمام أو فذ أو تشهد في قيامه أو ركوعه أو سجوده بعد أن يأتي بما عليه من قراءة وتسبيح : جازت صلاته - عمدا فعل ذلك أو نسيانا - ولا سجود سهو في ذلك . وغير ذلك من ذكر الله تعالى أحب إلينا فأما جواز صلاته وسقوط سجود السهو عنه ؛ فلأنه لم يأت بشيء نهي عنه ، بل قرأ والقراءة : فعل حسن ما لم ينه المرء عنه ، والتشهد أيضا ذكر حسن . وأما قولنا : إن غير ذلك من الذكر أحب إلينا ؛ فلأنه لم يأت به أمر ولا حض - وبالله تعالى التوفيق
398 - مسألة : ولا تجزئ أحدا الصلاة في مسجد الضرار الذي بقرب قباء ، لا عمدا ولا نسيانا . لقول الله تعالى : { والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله } إلى قوله تعالى : { لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه } فصح أنه ليس موضع صلاة
399 - مسألة : ولا تجزئ الصلاة في مسجد أحدث مباهاة ، أو ضرارا على مسجد آخر . إذا كان أهله يسمعون نداء المسجد الأول ، ولا حرج عليهم في قصده ، والواجب هدمه ، وهدم كل مسجد أحدث لينفرد فيه الناس كالرهبان ، أو يقصدها أهل الجهل طلبا لفضلها ، وليست عندها آثار لنبي من الأنبياء عليهم السلام ولا يحل قصد مسجد أصلا يظن فيه فضل زائد على غيره إلا مسجد مكة ، ومسجد المدينة ، ومسجد بيت المقدس ، فقط ؛ لأن رسول الله ﷺ ذم تقارب المساجد . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن الصباح أنا سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن أبي فزارة عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ { ما أمرت بتشييد المساجد } . [ قال ابن عباس : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى ] قال علي : التشييد : البناء بالشيد . وبه إلى أبي داود ثنا محمد بن العلاء ثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت { أمر رسول الله ﷺ ببناء المساجد في الدور ، وأن تطيب وتنظف } . قال علي : فلم يأمر عليه السلام ببناء المساجد في كل مكان ، وأمر ببناء المساجد في الدور ، فصح أن الذي نهى عنه عليه السلام هو غير الذي أمر به ، فإذ ذلك كذلك فحق بناء المساجد هو كما بين ﷺ بأمره وفعله ، وهو بناؤها في الدور ، كما قال عليه السلام { والدور هي المحلات } ، قال عليه السلام : { خير دور الأنصار دار بني النجار ، ثم دار بني عبد الأشهل ، ثم دار بني الحارث بن الخزرج ، ثم دار بني ساعدة } . وعلى قدر ما بناها عليه السلام بالمدينة ، لكل أهل محلة مسجدهم الذي لا حرج عليهم في إجابة مؤذنه للصلوات الخمس ، فما زاد على ذلك أو نقص مما لم يفعله عليه السلام فباطل ومنكر ، والمنكر واجب تغييره . وقد افترض عليه السلام النكاح والتسري ونهى عن الرهبانية ، فكل ما أحدث بعده عليه السلام مما لم يكن في عهده وعهد الخلفاء الراشدين فبدعة وباطل وقد هدم ابن مسعود مسجدا بناه عمرو بن عتبة بظهر الكوفة ورده إلى مسجد الجماعة - ولا فضل لجامع على سائر المساجد . ولا يحل السفر إلى مسجد ، حاشا مسجد مكة ، والمدينة ، وبيت المقدس حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور ثنا سفيان هو ابن عيينة - عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى } . حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت ثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا محمد بن معمر ثنا روح بن عبادة ثنا محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { إنما الرحلة إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجد المدينة ، ومسجد إيلياء }
400 - مسألة : ولا تجزئ الصلاة في مكان يستهزأ فيه بالله عز وجل أو برسوله أو بشيء من الدين ، أو في مكان يكفر بشيء من ذلك فيه ، فإن لم يمكنه الزوال ولا قدر صلى وأجزأته صلاته . قال الله تعالى : { أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم } وقال تعالى : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره } . فمن استجاز القعود في مكان هذه صفته فهو مثل المستهزئ الكافر بشهادة الله تعالى ، فمن أقام حيث حرم الله عز وجل عليه القعود فقعوده وإقامته معصية ، وقعود الصلاة طاعة . ومن الباطل أن تجزئ المعاصي عن الطاعات وأن تنوب المحارم عن الفرائض . وأما من عجز فقد قال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }
401 - مسألة : ولا تجوز القراءة في مصحف ولا في غيره لمصل ، إماما كان أو غيره ، فإن تعمد ذلك بطلت صلاته . وكذلك عد الآي ؛ لأن تأمل الكتاب عمل لم يأت نص بإباحته في الصلاة . وقد روينا هذا عن جماعة من السلف : منهم سعيد بن المسيب ، والحسن البصري والشعبي ، وأبو عبد الرحمن السلمي . وقد قال بإبطال صلاة من أم بالناس في المصحف أبو حنيفة والشافعي وقد أباح ذلك قوم منهم ، والمرجوع عند التنازع إليه هو القرآن والسنة . وقد قال رسول الله ﷺ : { إن في الصلاة لشغلا } فصح أنها شاغلة عن كل عمل لم يأت فيه نص بإباحته - وبالله تعالى التوفيق
402 - مسألة : ومن سلم عليه وهو يصلي فليرد إشارة لا كلاما ، بيده أو برأسه ، فإن تكلم عمدا بطلت صلاته . ومن عطس فليقل " الحمد لله رب العالمين " . ولا يجوز أن يقول له أحد " رحمك الله " ، فإن فعل بطلت صلاة القائل له ذلك إن تعمد عالما بالنهي . وقد ذكرنا حديث معاوية بن الحكم في ذلك وحديث الرد أيضا فأغنى عن إعادته وبالله تعالى التوفيق .
403 - مسألة : ولا تجزئ الصلاة بحضرة طعام المصلي غداء كان أو عشاء ، ولا وهو يدافع البول ، أو الغائط . وفرض عليه أن يبدأ بالأكل ، والبول ، والغائط حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد عباد ثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد هو أبو حزرة عن ابن أبي عتيق قال : تحدثت أنا والقاسم هو ابن محمد - عند عائشة فأتى بالمائدة فقام القاسم بن محمد : قالت عائشة : أين قال : أصلي ، قالت : اجلس غدر ، سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان } . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبيري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه قال : كنا مع عبد الله بن أرقم فأقام الصلاة ثم ذهب للغائط وقال سمعت رسول الله ﷺ يقول : { إذا أقيمت الصلاة وبأحدكم الغائط فليبدأ بالغائط } . وحدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا حجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال : كان عبد الله بن أرقم في حج أو عمرة فأقام الصلاة ثم قال لأصحابه : صلوا ، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول : { إذا أقيمت الصلاة وبأحدكم حاجة فليقض حاجته ثم يصلي فقضى حاجته ثم توضأ وصلى } . وبه قال السلف - : روينا عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني ، وحميد عن أنس : وضعت المائدة وحضرت الصلاة فقمت لأصلي المغرب ، فأخذ أبو طلحة بثوبي وقال : اجلس وكل ثم صله وعن عمر بن الخطاب لا تدافعوا الأخبثين في الصلاة فإنه سواء عليه يصلي من شكي به ، أو كان في طرف ثوبه - وعن ابن عباس مثل هذا . قال علي : فإن خشي فوات الوقت فكذلك ؛ لأنه مأمور على الجملة بأن يبتدئ بالبول أو الغائط والأكل ، فصح أن الوقت متمادى له إذ أمر بتأخيرها حتى يتم شغله كما ذكرنا - وبالله تعالى التوفيق
404 - مسألة : ومن أكل ثوما أو بصلا أو كراثا ففرض عليه أن لا يصلي في المسجد حتى تذهب الرائحة ، وفرض إخراجه من المسجد إن دخله قبل انقطاع الرائحة ، فإن صلى في المسجد كذلك فلا صلاة له ولا يمنع أحد من المسجد غير من ذكرنا ، ولا أبخر ، ولا مجذوم ، ولا ذو عاهة حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا ابن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر أخبرني نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { من أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم - فلا يقربن المساجد } . وبه إلى يحيى بن سعيد : ثنا هشام هو الدستوائي - ثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة { أن عمر بن الخطاب خطب الناس يوم الجمعة - فذكر كلاما كثيرا - : وفيه " إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين ، هذا البصل ، والثوم ، ولقد رأيت رسول الله ﷺ إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع } . وبه إلى مسلم : ثنا محمد بن حاتم ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني عطاء عن جابر بن عبد الله عن النبي ﷺ قال : { من أكل البصل والثوم ، والكراث ؛ فلا يقربن مسجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم } . قال علي : إذا لم يقل مسجدنا هذا ، أو لفظا يبين تخصيصه بمسجده بالمدينة - : فكل مسجد فهو مسجدنا ؛ لأنه عليه السلام يخبر عن المسلمين بقوله : { مسجدنا } مع ما قد بين ذلك في الحديث الآخر قال علي : روينا من طريق مصعب بن سعيد : كان رجل من أصحاب محمد ﷺ إذا أراد أن يأكل الثوم خرج إلى البرية كأنه يعني إياه وروينا عن علي بن أبي طالب وشريك بن حنبل من التابعين تحريم الثوم النيء . قال علي بن أحمد : ليس حراما لأن النبي ﷺ أباحه في الأخبار المذكورة . وروينا عن عطاء منع آكل الثوم من جميع المساجد . قال علي : لم يمنع عليه السلام من حضور المساجد أحدا غير من ذكرنا { وما ينطق عن الهوى } { وما كان ربك نسيا }
405 - مسألة : ومن تعمد فرقعة أصابعه أو تشبيكها في الصلاة بطلت صلاته ، لقوله ﷺ { إن في الصلاة لشغلا }
406 - مسألة : ومن صلى معتمدا على عصا أو على جدار أو على إنسان أو مستندا فصلاته باطلة لأمره ﷺ بالقيام في الصلاة ، فإن لم يقدر فقاعدا ، فإن لم يقدر فمضطجعا وكان الاتكاء والاستناد عملا لم يأت به أمر . وقال عليه السلام : { إن في الصلاة لشغلا } . قال علي : إلا أن يصح أثر في إباحة ذلك فنقول به ، ولا نعلمه يصح ؛ لأن الرواية فيه إنما هي من طريق عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي عن أبيه ، ولا يعلم حاله ولا حال أبيه ثم لو صح لكان لا إباحة فيه للاعتماد في الصلاة ، ولا للاستناد ؛ لأن لفظه إنما هو عن أم قيس بنت محصن { أن رسول الله ﷺ لما أسن وحمل اللحم اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه } . قال علي : وليس فيه : أنه كان عليه السلام يعتمد عليه في نفس الصلاة ، والأحاديث الصحاح : { أنه عليه السلام كان يصلي قاعدا فإذا بقي عليه من القراءة مقدار ما قام فقرأ ثم ركع }
407 - مسألة : ومن تختم في السبابة أو الوسطى ، أو الإبهام ، أو البنصر - إلا الخنصر وحده - وتعمد الصلاة كذلك فلا صلاة له حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار ، وهناد بن السري ، قال محمد بن بشار : ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عاصم بن كليب عن أبي بردة هو ابن أبي موسى الأشعري قال : سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول { نهاني رسول الله ﷺ عن الخاتم في السبابة والوسطى } . وقال هناد بن السري : عن أبي الأحوص عن عاصم بن كليب عن أبي بردة هو ابن أبي موسى الأشعري - عن علي بن أبي طالب قال : { نهاني رسول الله ﷺ أن أتختم في أصبعي هذه ، وفي الوسطى ، أو التي تليها } . قال علي : حديث شعبة هذا يقضي على كل خبر شك فيه من رواه عن عاصم ، ولا فرق بين من صلى متختما في إصبع نهي عن التختم فيها وبين من صلى لابس حرير أو على حال محرمة ، لأن كلهم قد فعل في الصلاة فعلا نهي عنه ؛ فلم يصل كما أمر
408 - مسألة : فلو صرف نيته في الصلاة متعمدا إلى صلاة أخرى ، أو إلى تطوع عن فرض ، أو إلى فرض عن تطوع - : بطلت صلاته ؛ لأنه لم يأت بها كما أمر ؛ فلو فعل ذلك ساهيا لم تبطل صلاته ؛ ولكن يلغى ما عمل بخلاف ما أمر به ، طال أم قصر ، ويبني على ما صلى كما أمر ، ويتم صلاته ثم يسجد للسهو ، ذلك ما لم ينتقض وضوءه ، فإن انتقض وضوءه ابتدأ الصلاة من أولها ، لما قد ذكرنا في الكلام والعمل في الصلاة ولا فرق
409 - مسألة : ومن أتى عرافا - وهو الكاهن - فسأله مصدقا له وهو يدري أن هذا لا يحل له - : لم تقبل له صلاة أربعين ليلة إلا أن يتوب إلى الله عز وجل . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى العنزي حدثني يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر عن صفية هي بنت أبي عبيد - عن بعض أزواج النبي ﷺ قال { من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة } . قال علي : أزواج النبي ﷺ كلهن في غاية الصدق والعدالة والطهارة والثقة ؛ لا يمكن أن يخفين ، ولا أن يختلط بهن من ليس منهن ؛ بخلاف مدعي الصحبة وهو لا يعرف ومن أتى العراف فسأله غير مصدق له لكن ليكذبه فليس سائلا له ولا آتيا إليه ، ومن تاب فقد استثنى الله بالتوبة سقوط جميع الذنوب إذا صحت التوبة وكانت على وجهها - وبالله تعالى التوفيق . ومن ادعى أن هذا على التغليظ فقد نسب تعمد الكذب إلى رسول الله ﷺ ؛ وفي هذا ما لا يخفى على أحد
410 - مسألة : ومن ظن أن إمامه قد سلم أو نسي أنه في إمامة الإمام فقام لقضاء ما لم يدرك أو لتطوع أو لحاجة ساهيا : فعليه أن يرجع متى ما ذكر ويجلس ويتشهد إن كان لم يكن تشهد ولا يسلم إلا بعد سلام إمامه وجالسا : ولا بد ، فإن حيل بينه وبين الجلوس : سلم كما يقدر ويسجد للسهو ، فإن انتقض وضوءه قبل أن يعمل ما ذكرنا ابتدأ الصلاة ولا بد فلو تعمد شيئا مما ذكرنا قبل ذاكرا أنه في إمامة الإمام بطلت صلاته لما ذكرناه من بطلان الصلاة بكل عمل تعمد لم يؤمر به ولا أبيح له ، وبأن النسيان معفو عنه والسلام لا يكون بالنص والإجماع إلا في آخر الجلوس الذي فيه التشهد - وبالله تعالى التوفيق
411 - مسألة : والصلاة خلف من يدري المرء أنه كافر باطل وكذلك خلف من يدري أنه متعمد للصلاة بلا طهارة ، أو متعمد للعبث في صلاته - وهذا لا خلاف فيه من أحد مع النص الثابت بأن يؤم القوم أقرؤهم { وليؤمكم أحدكم } في حديث أبي موسى ، والكافر ليس أحدنا وليس الكافر من المصلين ولا مضافا إليهم ، وليس العابث مصليا ولا في صلاة فالمؤتم بواحد منهما لم يصل كما أمر
412 - مسألة : فإن صلى خلف من يظن أنه مسلم ثم علم أنه كافر ، أو أنه عابث ، أو أنه لم يبلغ ؛ فصلاته تامة ؛ لأنه لم يكلفه الله تعالى معرفة ما في قلوب الناس وقد قال عليه السلام { لم أبعث لأشق عن قلوب الناس وإنما كلفنا ظاهر أمرهم } فأمرنا إذا حضرت الصلاة أن يؤمنا بعضنا في ظاهر أمره فمن فعل ذلك فقد صلى كما أمر ، وكذلك العابث في نيته أيضا لا سبيل إلى معرفة ذلك منه - وبالله تعالى التوفيق