→ كتـاب الصلاة (مسألة 485) | ابن حزم - المحلى كتـاب الصلاة (مسألة 486 - 488) المؤلف: ابن حزم |
كتـاب الصلاة (مسألة 489 - 493) ← |
كتـاب الصلاة
صلاة الجماعة
486 - مسألة : ومن العذر للرجال في التخلف عن الجماعة في المسجد - : المرض ، والخوف ، والمطر ، والبرد ، وخوف ضياع المال ، وحضور الأكل ، وخوف ضياع المريض ، أو الميت ، وتطويل الإمام حتى يضر بمن خلفه ، وأكل الثوم ، أو البصل ، أو الكراث ما دامت الرائحة باقية ، ويمنع آكلوها من حضور المسجد ، ويؤمر بإخراجهم منه ولا بد ، ولا يجوز أن يمنع من المساجد أحد غير هؤلاء ، لا مجذوم ، ولا أبخر ، ولا ذو عاهة ، ولا امرأة بصغير معها فأما المرض والخوف فلا خلاف في ذلك ، لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقوله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } وقال تعالى : { إلا من أكره } . وكذلك إضاعة المال ، ونهى عليه السلام عن إضاعة المال ؟ - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عباد ثنا حاتم هو ابن إسماعيل - عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة عن ابن أبي عتيق أنه شهد عائشة أم المؤمنين قالت : إني سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لا صلاة بحضرة طعام ، ولا وهو يدافعه الأخبثان } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن منصور أنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن ابن جريج ثنا عطاء عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ﷺ : { من أكل من هذه الشجرة ، قال أول يوم : الثوم ، ثم قال : الثوم والبصل والكراث فلا يقربنا في مساجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا هشام هو الدستوائي - ثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة : أن عمر بن الخطاب قال : " { إنكم أيها الناس تأكلون من شجرتين ما أراهما إلا خبيثتين : هذا البصل ، والثوم ، لقد رأيت نبي الله ﷺ إذا وجد ريحهما من الرجل أمر به فأخرج إلى البقيع } - : ولا يخرج غير هؤلاء ، لأن الله تعالى : لو أراد منع أحد غيرهم من المساجد لبين ذلك { وما كان ربك نسيا } فإن ذكر ذاكر حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ : { لا عدوى ولا طيرة ، وفر من المجذوم فرارك من الأسد } ؟ فإن معناه كقول الله تعالى { اعملوا ما شئتم } أي فر من المجذوم فرارك من الأسد ، لا عدوى إنه لا يعديك ، ولا ينفعك فرارك مما قدر عليك ، ولو لم يكن معناه هذا لكان آخر الحديث ينقض أوله ، وهذا محال وأيضا : فلو كان على معنى الفرار لكان الأمر به عموما ، فوجوب أن تفر منه امرأته وولده وكل أحد حتى يموت جوعا وجهدا ، ولوجب أن تقفل الأزقة أمامه ، كما يفعل بالأسد وهذا باطل بيقين ، وما يشك أحد أنه قد كان في عصره عليه السلام مجذومون فما فر عنهم أحد . فصح أن مراده عليه السلام ما ذكرناه - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا سعيد بن عفير حدثني الليث حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري { أن عتبان بن مالك - ممن شهد بدرا من الأنصار - أتى إلى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله ، قد أنكرت بصري ، وأنا أصلي لقومي ، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي المسجد ووددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى ؟ فقال رسول الله ﷺ : سأفعل إن شاء الله } . قال عتبان : فغدا على رسول الله ﷺ وذكر الحديث ؟ وبه إلى البخاري : ثنا مسدد ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن عبيد الله بن عمر حدثني نافع قال : أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان ثم قال : ألا صلوا في رحالكم ، فأخبرنا { أن رسول الله ﷺ كان يأمر مؤذنا يؤذن ، ثم يقول على إثره : ألا صلوا في الرحال } ؟ حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه هو أسامة بن عمير الهذلي - أنه قال له { رأيتنا مع رسول الله ﷺ زمن الحديبية ، ومطرنا مطرا فلم تبل السماء أسفل نعالنا ، فنادى منادي النبي ﷺ : أن صلوا في رحالكم } . وبه إلى عبد الرزاق : ثنا ابن جريج عن نافع عن ابن عمر عن نعيم بن النحام قال { أذن مؤذن رسول الله ﷺ ليلة فيها برد ، وأنا تحت اللحاف فتمنيت أن يلقي الله على لسانه ولا حرج ، فلما فرغ قال : ولا حرج } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا إسماعيل هو ابن علية - ثنا عبد الحميد صاحب الزيادي ثنا عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيرين : أن ابن عباس قال لمؤذنه في يوم مطير : إذا قلت " أشهد أن محمدا رسول الله " فلا تقل " حي على الصلاة " قل " صلوا في بيوتكم " وقال ابن عباس : قد فعل هذا من هو خير مني ، إن الجمعة عزمة ، وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والمطر . حدثنا يوسف بن عبد الله النمري ثنا عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي القاضي ثنا إسحاق بن أحمد ثنا العقيلي ثنا موسى بن إسحاق هو الأنصاري ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن سعيد هو ابن أبي عروبة - عن قتادة عن كثير مولى ابن سمرة قال : مررت بعبد الرحمن بن سمرة وهو على بابه جالس ، فقال : ما خطب أميركم ؟ قلت : أما جمعت معنا ؟ قال : منعنا هذا الردغ . قال علي : فهذا ابن عمر وابن عباس وعبد الرحمن بن سمرة بحضرة الصحابة يتركون الجمعة وغيرها للطين ، ويأمرون المؤذن أن يقول : { ألا صلوا في الرحال } ولا نعرف لهم مخالفا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ؟ وأما التطويل فقد ذكرنا حديث معاذ والذي خرج عن إمامته فلم ينكر النبي ﷺ ذلك على الخارج وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى ثنا هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود الأنصاري قال { جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال : إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان ، مما يطيل بنا ، فما رأيت رسول الله ﷺ غضب في موعظة قط أشد مما غضب ، فقال يومئذ : يا أيها الناس ، إن منكم منفرين ، فأيكم أم الناس فليوجز ، فإن من ورائه الكبير ، والضعيف ، وذا الحاجة } . فلم ينكر رسول الله ﷺ تأخره عن صلاة الفريضة من أجل إطالة الإمام ؟ وأما المجذوم ، والأبخر ، وآكل الفجل وغيرهم - : فلو جاز منعهم المسجد لما أغفل ذلك رسول الله ﷺ { وما كان ربك نسيا }
487 - مسألة : والأفضل أن يؤم الجماعة في الصلاة أقرؤهم للقرآن وإن كان أنقص فضلا . فإن استووا في القراءة فأفقههم . فإن استووا في الفقه والقراءة فأقدمهم صلاحا فإن حضر السلطان الواجبة طاعته أو أميره على الصلاة فهو أحق بالصلاة على كل حال فإن كانوا في منزل إنسان فصاحب المنزل أحق بالإمامة على كل حال إلا من السلطان . وإن استووا في كل ما ذكرنا فأسنهم ؟ فإن أم أحد بخلاف ما ذكرنا أجزأ ذلك ، إلا من تقدم بغير أمر السلطان على السلطان ، أو بغير أمر صاحب المنزل على صاحب المنزل ، فلا يجزئ هذين ولا تجزئهم ؟ وقد ذكرنا حديث مالك بن الحويرث : { وليؤمكما أكبركما } وكانا في القراءة والفقه والهجرة سواء ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد هو القطان - ثنا شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال : { إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم ، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم } . ورويناه - أيضا من طريق عبد الله بن المبارك عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله ﷺ وبه إلى مسلم : ثنا أبو سعيد الأشج ، ومحمد بن المثنى . قال الأشج : عن أبي خالد الأحمر عن الأعمش . وقال ابن المثنى : ثنا محمد بن جعفر عن شعبة . ثم اتفق شعبة والأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود ؟ قال شعبة : سمعت أوس بن ضمعج يقول : سمعت أبا مسعود هو البدري - قال : قال رسول الله ﷺ : { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما ، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه } . قال علي : وقد فسر رسول الله ﷺ الهجرة الباقية أبدا كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ قال : { المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه } قال علي : وقال مالك : يؤم الأفضل وإن كان أقل قراءة - وهذا خطأ ، لأنه خلاف أمر رسول الله ﷺ - : حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج أنا نافع أنه سمع ابن عمر يقول " كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين أصحاب رسول الله ﷺ والأنصار في مسجد قباء ، فيهم : أبو بكر ، وعمر ، وأبو سلمة وزيد بن حارثة ، وعامر بن ربيعة " . قال علي : وحدثناه عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا أنس بن عياض عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال " لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضعا بقباء قبل مقدم رسول الله ﷺ كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا " . قال علي : فهذا فعل الصحابة رضي الله عنهم بعلم رسول الله ﷺ ولا مخالف لهم من الصحابة في ذلك . فإن قيل : إن عمر قدم صهيبا ؟ قلنا : نعم ، وصار صهيب أميرا مستخلفا من قبل الإمام ، فهو أحق الناس يومئذ لأنه سلطان ؟ قال علي : وروينا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير فقال أبو سلمة : قال النبي ﷺ : { إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمهم أقرؤهم ، وإن كان أصغرهم سنا ، فإذا أمهم فهو أميرهم } . وقال أبو سلمة : فذاك أمير أمره رسول الله ﷺ وإنما أجزنا إمامة من أم بخلاف ذلك - : لما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى ثنا بكر بن عيسى قال سمعت شعبة يذكر عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين { أن أبا بكر الصديق صلى للناس ورسول الله ﷺ في الصف } . وبه إلى أحمد بن شعيب - : أنا علي بن حجر ثنا إسماعيل هو ابن علية - ثنا حميد عن أنس قال { آخر صلاة صلاها رسول الله ﷺ مع القوم : صلى في ثوب واحد متوشحا به خلف أبي بكر } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع وحسن بن علي الحلواني جميعا عن عبد الرزاق أنا ابن جريج حدثني ابن شهاب عن حديث عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة أخبره - فذكر حديثا وفيه قال { فأقبلت معه - يعني رسول الله ﷺ - حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى لهم ، فأدرك رسول الله ﷺ إحدى الركعتين ، فصلى عليه السلام مع الناس الركعة الآخرة ، فلما سلم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله ﷺ يتم صلاته فأفزع ذلك المسلمين ، فأكثروا التسبيح ، فلما قضى رسول الله ﷺ أقبل عليهم فقال : أحسنتم ، أو قد أصبتم ، يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها } . وبهذا الإسناد إلى ابن شهاب - : عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن حمزة بن المغيرة بن شعبة نحو هذا الحديث ، وفيه قال المغيرة : { أردت تأخير عبد الرحمن بن عوف فقال رسول الله ﷺ دعه } . قال علي : فبهذين الخبرين علمنا أن قول رسول الله ﷺ { يؤم القوم أقرؤهم ، فإن استووا فأفقههم ، فإن استووا فأقدمهم هجرة ، فإن استووا ، فأقدمهم سنا } : ندب لا فرض ؛ لأنه عليه السلام أقرأ من أبي بكر ، وعبد الرحمن ، وأفقه منهما ، وأقدم هجرة ، إلى الله تعالى منهما وأسن منهما ؟ وبهذين الأثرين جازت الصلاة خلف كل مسلم ، وإن كان في غاية النقصان ، لأنه لا مسلم إلا ونسبته في الفضل والدين إلى أفضل المسلمين بعد رسول الله ﷺ - : أقرب من نسبة أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف - وهما من أفضل المسلمين رضي الله عنهما - في الفضل والدين إلى رسول الله ﷺ ، فخرج هذا بدليله ؟ ولم نجد في التقدم على السلطان وعلى صاحب المنزل أثرا يخرجهما عن الوجوب إلى الندب ، فبقي على الوجوب . بل وجدنا ما يشد وجوب ذلك - : كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني الزهري حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال : { لما استعز برسول الله ﷺ وأنا عنده في نفر من المسلمين دعاه بلال إلى الصلاة ، فقال : مروا من يصلي بالناس فخرج عبد الله بن زمعة فإذا عمر في الناس ، وكان أبو بكر غائبا ، فقال : قم يا عمر فصل بالناس ، فتقدم وكبر ، فلما سمع رسول الله ﷺ صوته - وكان عمر رجلا مجهرا - فقال رسول الله ﷺ فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون ، فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة ثنا داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال : تزوجت امرأة فكان عندي ليلة زفاف امرأتي نفر من أصحاب رسول الله ﷺ فلما حضرت الصلاة أراد أبو ذر أن يتقدم فيصلي ، فجذبه حذيفة وقال : رب البيت أحق بالصلاة ، فقال لابن مسعود : أكذلك ؟ قال : نعم قال أبو سعيد : فتقدمت فصليت بهم وأنا يومئذ عبد ؟ وعن ابن جريج عن عطاء - في القوم يتنازلون فيهم القرشي والعربي والمولى والأعرابي والعبد ، لكل امرئ منهم فسطاط ، فانطلق أحدهم إلى فسطاط أحدهم فحانت الصلاة ، قال - : صاحب الرحل يؤمهم هو ، حقه يعطيه من يشاء .
488 - مسألة : والأعمى ، والبصير ، والخصي ، والفحل ، والعبد ، والحر ، وولد الزنى ، والقرشي - : سواء في الإمامة في الصلاة ، وكلهم جائز أن يكون إماما راتبا ، ولا تفاضل بينهم إلا بالقراءة ، والفقه ، وقدم الخير ، والسن ، فقط ؟ وكره مالك إمامة ولد الزنى ، وكون العبد إماما راتبا - ولا وجه لهذا القول ، لأنه لا يوجبه قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا قول صاحب ، وعيوب الناس في أديانهم وأخلاقهم ، لا في أبدانهم ولا في أعراقهم . قال الله عز وجل : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } . واحتج بعض المقلدين له بأن قال : يفكر من خلفه فيه فيلهى عن صلاته قال علي : وهذا في غاية الغثاثة والسقوط ولا شك في أن فكرة المأموم في أمر الخليفة إذا صلى بالناس ، أو الأحدب إذا أمهم - أكثر من فكرته في ولد الزنى ، ولو كان لشيء مما ذكرنا حكم في الدين لما أغفله الله على لسان رسوله ﷺ : { وما كان ربك نسيا } . والعجب كله في الفرق بين الإمام الراتب وغير الراتب وتجوز إمامة الفاسق كذلك ونكرهه ، إلا أن يكون هو الأقرأ ، والأفقه ، فهو أولى حينئذ من الأفضل ، إذا كان أنقص منه في القراءة ، أو الفقه ، ولا أحد بعد رسول الله ﷺ إلا وله ذنوب . قال عز وجل : { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } . وقال تعالى : { والصالحين من عبادكم وإمائكم } . فنص تعالى على أن من لا يعرف له أب : إخواننا في الدين . وأخبر أن في العبيد والإماء صالحين ؟ - : حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن أبي مليكة : أنهم كانوا يأتون عائشة أم المؤمنين بأعلى الوادي ، هو وأبوه ، وعبيد بن عمير ، والمسور بن مخرمة وناس كثير ، فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة وهو غلامها لم يعتق ، فكان إمام أهلها بني محمد بن أبي بكر ، وعروة ، وأهلها ، إلا عبد الله بن عبد الرحمن كان يستأخر عنه أبو عمرو فقالت عائشة رضي الله عنها : إذا غيبني أبو عمرو ودلاني في حفرتي فهو حر ؟ وعن إبراهيم النخعي قال : يؤم العبد الأحرار وعن شعبة عن الحكم بن عتيبة قال : كان يؤمنا في مسجدنا هذا عبد ، فكان شريح يصلي فيه ؟ وعن وكيع عن سفيان الثوري عن يونس عن الحسن البصري قال : ولد الزنى وغيره سواء ؟ وعن وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال : ولد الزنى بمنزلة رجل من المسلمين ، يؤم ، وتجوز شهادته إذا كان عدلا وعن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت إذا سئلت عن ولد الزنى : قالت ليس عليه من خطيئة أبويه شيء { ولا تزر وازرة وزر أخرى } . وعن وكيع عن سفيان الثوري عن برد أبي العلاء عن الزهري قال : كان أئمة من ذلك ، قال وكيع : يعني من الزنى . وعن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان قال : سألت إبراهيم عن ولد الزنى ، والأعرابي ، والعبد ، والأعمى : هل يؤمون ؟ قال : نعم ، إذا أقاموا الصلاة وعن الشعبي : ولد الزنى تجوز شهادته ويؤم ؟ وعن معمر قال سألت الزهري عن ولد الزنى : هل يؤم ؟ قال : نعم ، وما شأنه ؟ وقد كان أبو زيد صاحب رسول الله ﷺ يؤم وهو مقعد ذاهب الرجل وقد كان طلحة أشل اليد ، وما اختلف في جواز إمامته ، وقد كان في الشورى . ومن طريق الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أنه دخل على عثمان رضي الله عنه وهو محصور ، فقال له : إنك إمام عامة ، ونزل بك ما نرى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج ، فقال له عثمان : إن الصلاة أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسن الناس فأحسن معهم ، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم ؟ وكان ابن عمر يصلي خلف الحجاج ، ونجدة - : أحدهما خارجي ، والثاني أفسق البرية وكان ابن عمر يقول : الصلاة حسنة ما أبالي من شركني فيها ؟ وعن ابن جريج قلت لعطاء : أرأيت إماما يؤخر الصلاة حتى يصليها مفرطا فيها ؟ قال : أصلي مع الجماعة أحب إلي ، قلت : وإن اصفرت الشمس ولحقت برءوس الجبال ؟ قال : نعم ، ما لم تغب ، قلت لعطاء : فالإمام لا يوفي الصلاة ، أعتزل الصلاة معه ؟ قال : بل صل معه ، وأوف ما استطعت ، الجماعة أحب إلي ، فإن رفع رأسه من الركوع ولم يوف الركعة فأوف أنت ، فإن رفع رأسه من السجدة ولم يوف ، فأوف أنت ، فإن قام وعجل عن التشهد فلا تعجل أنت ، وأوف وإن قام ؟ وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عقبة عن أبي وائل : أنه كان يجمع مع المختار الكذاب . وعن أبي الأشعث قال : ظهرت الخوارج علينا فسألت يحيى بن أبي كثير ، فقلت : يا أبا نصر ، كيف ترى في الصلاة خلف هؤلاء ؟ قال : القرآن إمامك ، صل معهم ما صلوها ؟ وعن إبراهيم النخعي قلت لعلقمة : إمامنا لا يتم الصلاة ؟ قال علقمة : لكنا نتمها ، يعني نصلي معه ونتمها وعن الحسن : لا تضر المؤمن صلاته خلف المنافق ، ولا تنفع المنافق صلاته خلف المؤمن ؟ وعن قتادة قلت لسعيد بن المسيب : أنصلي خلف الحجاج ؟ قال : إنا لنصلي خلف من هو شر منه قال علي : ما نعلم أحدا من الصحابة رضي الله عنهم امتنع من الصلاة خلف المختار ، وعبد الله بن زياد ، والحجاج ، ولا فاسق أفسق من هؤلاء . وقد قال الله عز وجل : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } . ولا بر أبر من الصلاة وجمعها في المساجد فمن دعا إليها ففرض إجابته وعونه على البر والتقوى الذي دعا إليهما ، ولا إثم بعد الكفر آثم من تعطيل الصلوات في المساجد ، فحرام علينا أن نعين على ذلك ؟ وكذلك الصيام ، والحج ، والجهاد ، من عمل شيئا من ذلك عملناه معه ، ومن دعانا إلى إثم لم نجبه ، ولم نعنه عليه وكل هذا قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ؟