→ كتاب الصلاة (تتمة مسألة 286) | ابن حزم - المحلى كتاب الصلاة (مسألة 287 - 295) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الصلاة (مسألة 296 - 300) ← |
كتاب الصلاة
287 - مسألة : ولا يجوز أن تخص ليلة الجمعة بصلاة زائدة على سائر الليالي ؟ . لما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب ثنا حسين الجعفي عن زائدة عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي } ، وذكر باقي الحديث . ؟
288 - مسألة : وخير الأعمال ما ثبت أن رسول الله ﷺ عمله وما دووم عليه وإن قل ، وذلك أحب إلينا من الزيادة عليه برهان ذلك - : قول الله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } وما كان عليه السلام ليدع الأفضل . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني محمد بن المثنى ثنا عبد الوهاب هو الثقفي - ثنا عبيد الله هو ابن عمر - عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال : { يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل } .
289 - مسألة : وصلاة التطوع في الجماعة أفضل منها منفردا ؛ وكل تطوع فهو في البيوت أفضل منه في المساجد إلا ما صلى منه جماعة في المسجد فهو أفضل . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ : { صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وسوقه خمسا وعشرين درجة } وذكر باقي الحديث ، وهذا عموم لكل صلاة فرض أو تطوع . وقد روينا من طريق مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن { أنس أن جدته مليكة دعت رسول الله ﷺ لطعام صنعته فأكل منه ، ثم قال : قوموا فلأصلي لكم ، فقام رسول الله ﷺ وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا ، فصلى لنا رسول الله ﷺ ركعتين وانصرف } . وقد صلى عليه السلام بالناس في المسجد تطوعا إذ أمهم على المنبر وفي بيت عتبان بن مالك . قد صلى ابن الزبير بالناس في المسجد الحرام ركعتين بعد العصر جماعة وكذلك أنس أيضا . وبه إلى أبي داود : ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن إبراهيم بن أبي النضر عن أبيه عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت أن النبي ﷺ قال : { صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجد إلا المكتوبة } ، وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي : ثنا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر ، والنعمان بن قيس ، قال منصور : عن مجاهد قال لي أبو معمر : إذا صليت المكتوبة فارجع إلى بيتك . وقال النعمان بن قيس ما رأيت عبيدة السلماني متطوعا في مسجد الحي قط ؟ . وروينا عن ابن المثنى : ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ثنا سفيان الثوري عن منصور عن هلال بن يساف عن ضمرة بن حبيب عن رجل من أصحاب النبي ﷺ قال : تطوع الرجل في بيته يزيد على تطوعه عند الناس كفضل الجماعة على صلاة الرجل وحده ؟ . وبه إلى ابن المثنى : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا إسرائيل عن عمران بن مسلم قال : كان سويد بن غفلة لا يتطوع في المسجد . وروينا عن وكيع قال : قال سفيان الثوري قال نسير بن ذعلوق ما رأيت الربيع بن خثيم متطوعا في مسجد الحي قط . وعن وكيع عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال سئل حذيفة بن اليمان عن التطوع في المسجد بعد الفريضة ؟ فقال : إني لأكرهه ؛ بينما هم جميعا إذا اختلفوا . وعن حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن العباس بن سعد قال : أدركت الناس زمان عثمان بن عفان وهم يصلون الركعتين بعد المغرب في بيوتهم ؟ . والتطوع بعد الجمعة وبعد سائر الصلوات سواء فيما ذكرنا ، وكل ذلك جائز في المسجد أيضا ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : كل ذلك في المسجد أفضل وقال مالك : كل ذلك في المسجد أفضل إلا بعد الجمعة فإنه كره التطوع في المسجد بعد الجمعة واحتج بعض أصحابه بأن هذا خوف الذريعة في أن يقضيها أهل البدع الذين لا يعتدون بالصلاة مع الأئمة ؟ . قال علي : وهذا غاية في الفساد من القول ؛ لأن المبتدع يفعل مثل ذلك أيضا في مساجد الجماعات بسائر الصلوات ولا فرق . وأيضا : فهم قادرون على أن ينصرفوا إلى بيوتهم فيقضونها هنالك ؟ روينا من طريق أبي داود : ثنا إبراهيم بن الحسن ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج أخبرني عطاء : أنه رأى ابن عمر يصلي بعد الجمعة فينماز عن مصلاه الذي صلى فيه الجمعة قليلا غير كثير ، فيركع ركعتين ثم يمشي أنفس من ذلك فيصلي أربع ركعات رأيته يصنع ذلك مرارا . وعن محمد بن المثنى : ثنا المعتمر بن سليمان التيمي قال سمعت عطاء بن السائب يحدث عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : كان ابن مسعود يعلمنا أن نصلي بعد الجمعة أربعا فكنا نصلي بعدها أربعا ؛ حتى جاء علي بن أبي طالب فأمرنا أن نصلي بعدها ستا ، فنحن نصلي بعدها ستا ؟ . وقد حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا الحميدي ثنا سفيان بن عيينة ثنا عمرو بن دينار قبل أن نلقى الزهري عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : { رأيت رسول الله ﷺ يصلي بعد الجمعة ركعتين } .
290 - مسألة : وأفضل الوتر من آخر الليل ، وتجزئ ركعة واحدة والوتر وتهجد الليل ينقسم على ثلاثة عشر وجها ، أيها فعل أجزأه ، وأحبها إلينا ، وأفضلها : أن نصلي ثنتي عشرة ركعة ، نسلم من كل ركعتين ثم نصلي ركعة واحدة ونسلم ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا القعنبي ثنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : { أن نبي الله ﷺ كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين } . والوجه الثاني : أن يصلي ثماني ركعات ، يسلم من كل ركعتين منها ، ثم يصلي خمس ركعات متصلات لا يجلس إلا في آخرهن ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبدة بن سليمان ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت { كان رسول الله ﷺ يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ، يوتر منهن بخمس ركعات ، لا يجلس في شيء من الخمس إلا في آخرهن ، ثم يجلس ويسلم } . والثالث : أن يصلي عشر ركعات ، يسلم من آخر كل ركعتين ، ثم يوتر بواحدة ؟ . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين قالت : { كان رسول الله ﷺ يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء - وهي التي يدعو الناس العتمة - إلى الفجر إحدى عشرة ركعة ، يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة } ؟ . والرابع : أن يصلي ثماني ركعات ، يسلم من كل ركعتين ، ثم يوتر بواحدة : - لما رويناه من طريق مسلم : حدثنا محمد بن عباد ثنا سفيان بن عيينة ثنا الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه { أن رجلا سأل رسول الله ﷺ عن صلاة الليل ؟ فقال : مثنى مثنى ، فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة } . والخامس : أن يصلي ثماني ركعات ، لا يجلس في شيء منهن جلوس تشهد إلا في آخرها ؛ فإذا جلس في آخرهن وتشهد : قام دون أن يسلم ؛ فأتى بركعة واحدة ، ثم يجلس ويتشهد ويسلم : - لما روينا عن مسلم : حدثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن أبي عدي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى أن { سعد بن هشام بن عامر أتى ابن عباس فسأله عن وتر رسول الله ﷺ ؟ فقال له ابن عباس : ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله ﷺ ؟ قال : من ؟ قال : عائشة . فذكر سعد : أنه دخل على عائشة أم المؤمنين فسألها عن وتر رسول الله ﷺ وأنها قالت له : إنه كان يصلي تسع ركعات ، لا يجلس فيها إلا في الثامنة ، ثم ينهض ولا يسلم ، ثم يقوم فيصلي التاسعة ، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم يسلم تسليما يسمعنا ، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم ، وهو قاعد ، فلما أسن رسول الله ﷺ وأخذه اللحم أوتر بسبع ؛ وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عثمان بن عبد الله ثنا عبيد الله بن محمد ثنا حماد عن أبي حرة عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة : { أن النبي ﷺ كان يوتر بتسع ركعات ، يقعد في الثامنة ؛ ثم يقوم فيركع ركعة } ؟ . والسادس : أن يصلي ست ركعات ، يسلم في آخر كل ركعتين منها ، ويوتر بسابعة ؛ لقوله عليه السلام { صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة } ؟ . والسابع : أن يصلي سبع ركعات ، لا يجلس ولا يتشهد إلا في آخر السادسة منهن ، ثم يقوم دون تسليم فيأتي بالسابعة ، ثم يجلس ويتشهد ويسلم . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني زكرياء بن يحيى ثنا إسحاق أنا معاذ بن هشام الدستوائي ثنا أبي عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام بن عامر عن عائشة أم المؤمنين { أن رسول الله ﷺ لما كبر وضعف أوتر بسبع ركعات ، لا يقعد إلا في السادسة ، ثم ينهض ولا يسلم فيصلي السابعة ، ثم يسلم تسليمة } وذكر الحديث . والثامن : أن يصلي سبع ركعات ، لا يجلس جلوس تشهد إلا في آخرهن فإذا كان في آخرهن جلس وتشهد وسلم - لما روينا بالسند المذكور إلى أحمد بن شعيب : أنا إسماعيل بن مسعود الجحدري أنا خالد بن الحارث ثنا سعيد بن أبي عروبة ثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام بن عامر أن عائشة أم المؤمنين قالت { لما أسن رسول الله ﷺ وأخذه اللحم صلى سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن ، ثم يصلي ركعتين بعد أن يسلم } . والتاسع : أن يصلي أربع ركعات ، يتشهد ويسلم من كل ركعتين ، ثم يوتر بواحدة ؛ لقوله عليه السلام : { صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة } . والعاشر : أن يصلي خمس ركعات متصلات ؛ لا يجلس ، ولا يتشهد إلا في آخرهن - : لما روينا بالسند المذكور إلى أحمد بن شعيب : أنا إسحاق بن منصور أنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة { أن النبي ﷺ كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن } ؟ . قال علي : وقد قال بهذا بعض السلف - : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء ، أنه رأى عروة بن الزبير أوتر بخمس أو سبع ما جلس لمثنى - : ومن طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة قال : كذلك يوتر أهل البيت بخمس ، لا يجلس إلا في آخرهن - : وعن عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمي عن ليث عن عطاء عن ابن عباس أنه قال : الوتر كصلاة المغرب ، إلا أنه لا يقعد إلا في الثالثة : قال علي : قول ابن عباس هذا لم يروه عن النبي ﷺ فلا نقول به إذ لا حجة إلا في رسول الله ﷺ قوله أو عمله أو إقراره فقط ؟ . والوجه الحادي عشر : أن يصلي ثلاث ركعات ، يجلس في آخر الثانية منهن ، ويتشهد ويسلم ، ثم يأتي بركعة واحدة ، يتشهد في آخرها ويسلم ؛ لقوله عليه السلام : { صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة } . وهذا قول مالك : وقد روى بعض الناس في هذا أثرا من طريق الأوزاعي عن المطلب بن عبد الله : أنه سأل ابن عمر عن الوتر ؟ فأمره أن يفصل بين الركعتين والركعة بتسليم ، فقال له الرجل : إني أخاف أن تكون البتيراء ؟ فقال له ابن عمر : أتريد سنة رسول الله ﷺ ؟ هذه سنة رسول الله ﷺ ؟ . والثاني عشر : أن يصلي ثلاث ركعات ، يجلس في الثانية ، ثم يقوم دون تسليم ويأتي بالثالثة ، ثم يجلس ويتشهد ويسلم ، كصلاة المغرب . وهو اختيار أبي حنيفة - : لما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا إسماعيل بن مسعود ثنا بشر بن المفضل ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام بن عامر : أن عائشة أم المؤمنين حدثته " أن رسول الله ﷺ كان { لا يسلم في ركعتي الوتر } ؟ . والثالث عشر : أن يركع ركعة واحدة فقط ، وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان وغيرهما - : لما حدثناه حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا بكر بن حماد ثنا مسدد ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - ثنا شعبة ثنا قتادة عن أبي مجلز قال : سألت ابن عباس ، وابن عمر عن الوتر ؟ فكل واحد منهما قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { ركعة من آخر الليل } . وروينا عن سعد بن أبي وقاص ، وابن عباس ، ومعاوية ، وغيرهم : الوتر بواحدة فقط لا يزاد عليها شيء ، وكذلك أيضا عن عثمان أمير المؤمنين وحذيفة وابن مسعود وابن عمر ؟ قال علي : هذا كل ما صح عندنا ؛ ولو صح عندنا عن النبي ﷺ زيادة على هذا لقلنا به - ، وبالله تعالى التوفيق . ولم يصح عن النبي ﷺ نهي عن البتيراء ، ولا في الحديث - على سقوطه - بيان ما هي البتيراء ؟ ، وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : الثلاث بتيراء - يعني في الوتر ؛ فعادت البتيراء على المحتج بالخبر الكاذب فيها . فإن قيل : قد صح عن النبي ﷺ أنه قال : { صلاة المغرب وتر النهار ، فأوتروا صلاة الليل } ؟ . قيل لهم : ليس في هذا الخبر أن يكون وتر الليل ثلاثا كوتر النهار ، وهذا كذب ممن ينسبه إلى إرادة رسول الله ﷺ فإن قطعتم بذلك كذبتم وكنتم أيضا خالفتم ما قلتم ؛ لأنه يلزمكم أن تجهروا في الأوليين وتسروا في الثالثة كالمغرب ؛ وأن تقنتوا في المغرب كما تقنتون في الوتر ؛ أو أن لا تقنتوا في الوتر كما لا تقنتوا في المغرب ؛ والقياس كله باطل ، وبالله تعالى التوفيق .
291 - مسألة : والوتر آخر الليل أفضل . ومن أوتر أوله فحسن ، والصلاة بعد الوتر جائزة ، ولا يعيد وترا آخر ؛ ولا يشفع بركعة : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا ابن أبي خلف ثنا أبو زكرياء السيلحيني ثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الله بن أبي رباح عن أبي قتادة { أن النبي ﷺ قال لأبي بكر : متى توتر ؟ قال : أول الليل ، وقال لعمر : متى توتر ؟ قال : آخر الليل فقال عليه السلام لأبي بكر : أخذ هذا بالحذر ، وقال لعمر : أخذ هذا بالقوة } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا هشام بن عمار عن يحيى هو ابن حمزة قاضي دمشق - عن يحيى هو ابن أبي كثير - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف حدثتني عائشة أم المؤمنين { أن النبي ﷺ كان يصلي بعد العشاء الآخرة ثماني ركعات ، ثم يصلي ركعتين يقرأ فيهما - وهو جالس - فإذا أراد أن يركع قام فركع ، ثم ركع بعد ذلك ركعتي الفجر } ؟ . قال علي : وأما قوله عليه السلام : { اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا } و { بادروا الصبح بالوتر } فندب ؛ لما قد بينا : من أن الوتر ليس فرضا ؛ ومن فعله عليه السلام إذ صلى ركعتين بعد الوتر غير ركعتي الفجر ؛ { ولقوله عليه السلام لأبي هريرة : أن لا ينام إلا على وتر } . فلا يجوز ترك بعض كلامه لبعض ، وليس هذا مكان نسخ لكنه إباحة كله - ، وبالله تعالى نتأيد ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا ملازم بن عمرو ثنا عبد الله بن بدر عن { قيس بن طلق قال : زارنا طلق بن علي في رمضان ، وأمسى عندنا فأفطر ثم قام بنا تلك الليلة وأوتر بنا ثم انحدر إلى مسجده فصلى بأصحابه ، حتى إذا بقي الوتر قدم رجلا ، فقال : أوتر بأصحابك فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول لا وتران في ليلة } وقد روي عن عثمان رضي الله عنه وغيره شفع الوتر بركعة ، إذا أراد أن يصلي بعدما يوتر - ولا حجة إلا في رسول الله ﷺ .
292 - مسألة : ويقرأ في الوتر بما تيسر من القرآن مع " أم القرآن : " ، وإن قرأ في الثلاث ركعات مع أم القرآن بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد فحسن . وإن اقتصر على ( أم القرآن ) فحسن ، وإن قرأ في ركعة الوتر مع أم القرآن بمائة آية من النساء " فحسن ؟ ، قال تعالى : { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن عاصم الأحول ، عن أبي مجلز { أن أبا موسى الأشعري كان بين مكة والمدينة ؛ فصلى العشاء ركعتين ، ثم قام فصلى ركعة أوترها ، وقرأ فيها بمائة آية من النساء وقال : ما ألوت أن وضعت قدمي حيث وضع رسول الله ﷺ وأن أقرأ ما قرأ رسول الله ﷺ } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا الحسين بن عيسى ثنا أبو أسامة ثنا زكرياء بن أبي زائدة عن أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : { كان رسول الله ﷺ يوتر بثلاث يقرأ فيهن في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى ، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بقل هو الله أحد } .
293 - مسألة : ويوتر المرء قائما وقاعدا لغير عذر إن شاء ، وعلى دابته : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا مالك عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن { سعيد بن يسار قال : كنت أسير مع ابن عمر بطريق مكة فخشيت الصبح فنزلت فأوترت ، ثم لحقته ، فقال ابن عمر : أين كنت ؟ فقلت : خشيت الصبح فنزلت فأوترت ، فقال ابن عمر : أليس لك في رسول الله أسوة حسنة ؟ قلت : بلى ، والله قال : فإن رسول الله ﷺ كان يوتر على راحلته } . وعن جرير بن حازم سألت نافعا مولى ابن عمر : أكان ابن عمر يوتر على راحلته ؟ قال : نعم ؛ وهل للوتر فضل على سائر التطوع ؟ ، وعن سفيان الثوري عن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه : أن علي بن أبي طالب كان يوتر على راحلته : ، وعن ابن جريج قلت لعطاء : أيوتر الرجل وهو جالس ؟ قال : نعم وعن وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي : الوتر لا يقضى ، ولا ينبغي تركه ؛ وهو تطوع ، وهو أشرف التطوع . : وعن حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب : الوتر والأضحى : تطوع - : قال علي : لا خلاف في أن التطوع يصليه المرء جالسا إن شاء - : كما روينا عن طريق مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد عن المطلب بن أبي وداعة السهمي { عن حفصة أم المؤمنين قالت : ما رأيت رسول الله ﷺ صلى في سبحته قاعدا حتى كان قبل موته بعام ، فكان يصلي في سبحته قاعدا } ، وبالله تعالى التوفيق .
294 - مسألة : ويستحب أن يختم القرآن كله مرة في كل شهر ؛ فإن ختمه في أقل : فحسن ، ويكره أن يختم في أقل من خمسة أيام ؛ فإن فعل ففي ثلاثة أيام لا يجوز أن يختم القرآن في أقل من ذلك . ولا يجوز لأحد أن يقرأ أكثر من ثلث القرآن في يوم وليلة ؟ برهان ذلك : ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني القاسم بن زكرياء ثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن مولى بني زهرة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف { عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله ﷺ اقرأ القرآن في شهر قلت : إني أجد قوة ؟ قال : فاقرأه في عشرين ليلة ، قلت : إني أجد قوة ؟ قال : فاقرأه في سبع ، لا تزد على ذلك } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الصمد هو ابن عبد الوارث - ثنا همام بن يحيى ثنا قتادة عن يزيد بن عبد الله هو ابن الشخير - { عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال لرسول الله ﷺ في كم أقرأ القرآن ؟ قال : في شهر } ثم ذكر الحديث وفيه : أنه عليه السلام قال له { : اقرأه في سبع ؟ قال : إني أقوى من ذلك ؛ قال عليه السلام : لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث } . فإن قيل : قد كان عثمان يختم القرآن في ليلة ؟ قلنا : قد كره ذلك ابن مسعود ، وقال تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } ، وسنة رسول الله كما ذكرنا - : وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة وسفيان كلاهما عن علي بن بذيمة عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال : من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز ؟ ، وعن عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي ثنا حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف : أن سعيد بن جبير كان يقرأ القرآن في ركعة ؛ وكان ابن مسعود يكره ذلك ؟ فإن ذكروا حديثا رويناه من طريق هشام الدستوائي عن عطاء بن السائب عن أبيه { عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سأل النبي ﷺ كيف أقرأ القرآن ؟ قال : اقرأه في يوم وليلة ، لا تزيد على ذلك ؟ } . فإن رواية عطاء لهذا الخبر مضطربة معلولة ، وعطاء قد اختلط بأخرة روينا هذا الخبر نفسه من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبيه { عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ قال له : اقرأ القرآن في شهر ، قال : فناقصني وناقصته } . قال عطاء : فاختلفنا عن أبي ؛ فقال بعضنا : سبعة أيام ، وقال بعضنا خمسة . قال علي : فعطاء يعترف باختلافهم على أبيه ، وأنه لم يحقق ما قال أبوه فإن ذكروا : أن داود عليه السلام كان يختم القرآن في ساعة ؟ قلنا : قرآن داود هو الزبور ، لا هذا القرآن ، وشريعته غير شريعتنا - وداود عليه السلام لم يبعث إلا إلى قومه خاصة ، لا إلينا ؛ ومحمد عليه السلام هو الذي بعث إلينا ، صح ذلك عن رسول الله ﷺ وقال تعالى : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } .
وأما قيام الليل فقد صح أن رسول الله ﷺ لم يقم ليلة قط حتى الصباح ؟ وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله : { وأحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود كان يرقد شطر الليل ، ثم يقوم ثم يرقد آخره ثم يقوم ثلث الليل بعد شطره } . قال علي : فإذ هذا أحب الصلاة إلى الله تعالى فما زاد على هذا فهو دون هذا بلا شك ؛ فإذا كان دون هذا فهو ضائع لا أجر فيه ؛ فهو تكلف ، وقد نهينا عن التكلف - وقد منع من قيام الليل كله : سلمان ، ومعاذ ، وغيرهما ؟
295 - مسألة : والجهر والإسرار في قراءة التطوع ليلا ونهارا : مباح للرجال والنساء ؟ إذ لم يأت منع من شيء من ذلك ، ولا إيجاب لشيء من ذلك في قرآن ولا سنة ؟ فإن قيل : تخفض النساء ؟ قلنا : ولم ؟ ولم يختلف مسلمان في أن سماع الناس كلام نساء رسول الله ﷺ مباح للرجال ، ولا جاء نص في كراهة ذلك من سائر النساء ، وبالله تعالى التوفيق ؟