هدايا المهرجان والنيروز
ومن حق الملك هدايا المهرجان والنيروز.
والعلة في ذلك أنهما فصلا السنة.
فالمهرجان دخول الشتاء وفصل البرد، والنيروز إذن بدخول فصل الحر. إلا أن في النيروز أحوالاً ليست في المهرجان؛ فمنها استقبال السنة، وافتتاح الخراج، وتولية العمال، والاستبدال، وضرب الدراهم والدنانير، وتذكية بيوت النيران، وصب الماء، وتقريب القربان، وإشادة البنيان، وما أشبه ذلك.
فهذه فضيلة النيروز على المهرجان.
ومن حق الملك أن يهدي إليه الخاصة والحامة.
والسنة في ذلك عندهم أن يهدي الرجل ما يحب من ملكه، إذا كان في الطبقة العالية. فإن كان يحب المسك، أهدي مسكاً لا غيره. وإن يحب العنبر،
أهدى عنبراً. وإن كان صاحب بزة ولبسة، أهدى كسوةً وثياباً، وإن كان الرجل من الشجعاء والفرسان، فالسنة أن يهدي فرساً أو رمحاً أو سيفاً. وإن كان رامياً، فالسنة أن يهدي نشاباً. وإن كان من أصحاب الأموال، فالسنة أن يهدي ذهباً أو فضةً. وإن كان من عمال الملك، وكانت عليه موانيذ للسنة الماضية، جمعها وجعلها في بدرٍ حريرٍ صيني، وشريحات فضة، وخيوط إبريسم، وخواتيم عنبر، ثم وجهها.
وكذلك، إنما كان يفعل من العمال من أراد أن يتزين بفضل نفقاته أو بفضل عمالته أو أداء أمانته.
وكان يهدى الشاعر الشعر، والخطيب الخطبة، والنديم التحفة والطرفة والباكورة من الخضروات.
وعلى خاصة نساء الملك وجواريه أن يهدين إلى الملك ما يؤثرنه ويفضلنه كما قدمنا في الرجال. غير أنه يجب على المرأة من نساء الملك، إن كانت عندها جارية تعلم أن الملك يهواها ويسر بها، أن تهديها إليه بأكمل حالاتها، وأفضل زينتها، وأحسن هيآتها. فإذا فعلت ذلك، فمن حقها على الملك أن يقدمها على نسائه، ويخصها بالمنزلة، ويزيدها في الكرامة، ويعلم أنها قد آثرته على نفسها، وبذلت له مالا تجود النفس به، وخصته بما ليس في وسع النساء، إلا القليل منهن، الجود به.
ومن حق البطانة والخاصة على الملك، في هذه الهدايا، أن تعرض عليه، وتقوم قيمة عدل.
فإذا كانت قيمة الهدية عشرة آلافٍ، أثبتت في ديوان الخاصة. فإن كان صاحبها ممن يرغب في الفضل، ويذهب إلى الربح، ثم نابته نائبة من مصيبةٍ يصاب بها أو بناءٍ يتخذه، أو مأدبةٍ يأدبها، أو عرسٍ يكون من تزويج ابنٍ، أو إهداء ابنةٍ إلى بعلها، نظر إلى ماله في الديوان وقد وكل بذلك رجل يرعى هذا وما أشبهه ويتعهده، فإذا كانت قيمة الهدية عشرة آلافٍ، أضعفت له ليستعين بها على نائبته.
وإن كان الرجل ممن أهدى نشابةً أو درهماً أو تفاحةً أو أترجة، فإن تلك الهدية إنما قدمها لتثبت له في الديوان، ويخبر الملك إن نابته نائبة. فعلى الملك إعانته عليها، إذا كان من أساورته وبطانته أو محدثيه. فإذا رفع للملك أن له في الديوان نشابةً أو درهماً أو أترجةً أو تفاحةً، أمر الملك أن تؤخذ أترجة، فتملأ دنانير منظومة ويوجه بها إليه.
وكان لا يعطي صاحب التفاحة إلا كما يعطي صاحب الأترجة، وأما صاحب النشابة، فكانت تخرج نشابته من الخزانة، وعليها اسمه، فتنصب ويوضع بإزائها من كسوة الملك ومن سائر الكساء. فإذا ارتفعت حتى توازي نصل النشابة، دعي صاحبها، فدفعت إليه تلك الكسوة.
وكان من تقدمت له هدية في النيروز والمهرجان، صغرت أم كبرت، كثرت أم قلت، ثم لم يخرج له من الملك صلة عند نائبه تنوبه أو حقٍ يلزمه، فعليه أن يأتي ديوان الملك ويذكر بنفسه، وأن ر يغفل عن إحياء السنة ولزوم الشريعة. وإن غفل عن أمره بعارضٍ يحدث، فإن ترك ذلك على عمدٍ، فمن سنة الملك أن يحرمه أرزاقه لستة أشهر، وأن يدفعها إلى عدو، إن كان له. إذ أتى شيئاً فيه شين على الملك، وضعة في المملكة.
وكان أردشير بن بابك، وبهرام جور، وأنوشروان يأمرون بإخراج ما في خزانتهم في المهرجان والنيروز من الكسى فتفرق كلها على بطانة الملك وخاصته، ثم على سائر الناس على مراتبهم.
وكانوا يقولون: إن الملك يستغني عن كسوة الصيف في الشتاء، وعن كسوة الشتاء في الصيف، وليس من أخلاق الملوك أن تخبأ كسوتها في خزائنها، فتساوي العامة في فعلها.
فكان يلبس في يوم المهرجان الجديد من الخز والوشي والملحم. ثم تفرق كسوة الصيف على ذكرنا.
فإذا كان يوم النيروز، لبس خفيف الثياب ورقيقها، وأمر بكسوة الشتاء كلها ففرقت.
ولا نعلم أن أحداً بعدهم اقتفى آثارهم إلا عبد الله بن طاهر، فإني سمعت من محمد بن الحسن بن مصعب يذكر أنه كان يفعل ذلك في النيروز والمهرجان، حتى لا يترك في خزائنه ثوباً واحداً إلا كساه. وهذا من أحسن ما حكي لنا من فضائله.