العفو عند المقدرة
ومن أخلاق الملك السعيد أن لا يعاقب، وهو غضبان، لأن هذه حال لا يسلم معها من التعدي والتجاوز لحد العقوبة.
فإذا سكن غضبه، ورجع إلى طبعه، أمر بعقوبته على الحد الذي سنته الشريعة، ونقلته الملة فإن لم يكن في الشريعة ذكر عقوبة ذنبه، فمن العدل أن يجعل عقوبة ذلك الذنب واسطة بين غليظ الذنوب ولينها، وأن يجعل الحكم عليه فيه، ونفسه طيبة، وذكر القصاص منه على بال.
فأما العقوبة فلا تجوز إذا رفع أمرها إلى الملك.
وليس الذنب بحضرة الملك كالذنب بحضرة السوقة، ولا الذنب بحضرة الحكيم كالذنب بحضرة الجاهل، لأن الملك هو بين الله وبين عباده، فإذا وجب بحضرته الذنب، فمن حقه العقوبة عليه ليزدجر الرعايا عن العياثة والتتايع في الفساد.