باب في صفة ندماء الملك
ينبغي أن يكون نديم الملك معتدل الطبيعة، معتدل الأخلاط، سليم الجوارح والأخلاق، لا الصفراء تقلقه وتكثر حركته، ولا الرطوبة والبلغم يقهره ويكثر بوله وبزقه وتثاؤبه ويطيل نومه، ولا السوداء تضجره وتطيل فكره وتكثر أمانيه وتفسد مزاجه. فأما الدموي فليس يدخل في هذه الأقسام المذمومة، إذ كان بالبدن إليه حاجة كحاجته إلى تركيبه وسلامته.
ومن حق الملك، إذا زامله بعض بطانته، أن يكون عارفاً بمنازل الطريق، وقطع المسافة، دليلاً بهدايته وأعلامه ومياهه، قليل التثاؤب والنعاس، قليل السعال والعطاس، معتدل المزاج، صحيح البنية، طيب المفاكهة والمحادثة، قصير المياومة والملايلة، عالماً بأيام الناس ومكارم أخلاقهم، عالماً بالنادر من الشعر والسائر من المثل، متطرفاً من كل فن، آخذاً من الخير والشر بنصيب. إن ذكر الآخرة ونعيم أهل الجنة، حدثه بما أعد الله تعالى لأهل طاعته من الثواب، فرغبه فيما عنده؛ وإن ذكر النار، حذره ما قرب إليها.
فزهده مرةً، ورغبه أخرى. فإن بالملك أعظم
الحاجة إلى من كانت هذه صفاته، وبالحرى إذا أصاب هذا، أن لا يفارقه إلا عن أمرٍ تنقطع به النقمة.