مراتب الندماء والمغنين لدى الفرس وفي الإسلام
وإذ قد انتهينا إلى هذا القانون من القول، فبنا حاجة إلى الإخبار عن مراتب الطبقات الثلاث من الندماء والمغنين، وإن كانت مراتبهم في كتاب الأغاني محصورة، فقد يجب ذكرها في هذا الموضع أيضاً، لأنها داخلة في أخلاق الملوك.
ولنبدأ بملوك العجم، إذ كانوا هم الأول في ذلك، وعنهم أخذنا قوانين الملك والمملكة، وترتيب الخاصة والعامة، وسياسة الرعية، وإلزام كل طبقة حظها، والاقتصار على جديلتها: كان أردشير بن بابك أول من رتب الندماء، وأخذ بزمام سياستهم، فجعلهم ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى
فكانت الأساورة وأبناء الملوك في الطبقة الأولى، وكان مجلس هذه الطبقة من الملك على عشرة أذرع من الستارة؛ ثم
الطبقة الثانية
الطبقة الثانية، كان مجلسها من هذه الطبقة على عشرة أذرع وهم بطانة الملك وندماؤه ومحدثوه من أهل الشرف والعلم.
الطبقة الثالثة
الطبقة الثالثة، كان مجلسهم على عشرة أذرع من الثانية، وهم المضحكون وأهل الهزل والبطالة. غير أنه لم يكن، في هذه الطبقة الثالثة، خسيس الأصل ولا وضيعه ولا ناقص الجوارح، ولا فاحش الطول والقصر، ولا مؤوف، ولا مرسي بأبنةٍ، ولا مجهول الأبوين، ولا ابن صناعة دنيئة، كابن حائك أو حجام، ولو كان يعلم الغيب مثلاً.
وكان أردشير يقول: ما شيء أضر على نفس ملكٍ من معاشرة سخيفٍ، أو مخاطبة وضيعٍ؛ لأنه كما أن النفس تصلح على مخاطبة الشريف الأديب الحسيب، كذلك تفسد بمعاشرة الدنيء الخسيس حتى يقدح ذلك فيها، ويزيلها عن فضيلتها؛ وكما أن الربح إذا مرت بطيبٍ، حملت طيباً تحيا به النفس، وتقوى به جوارحها، كذلك إذا مرت بالنتن، فحملته، ألمت له النفس، وأضر بأعلاقها أضراراً تاماً.