غضب الملك ورضاه
ومن أخلاق الملك سرعة الغضب، وليس من أخلاقه سرعة الرضى.
فأما سرعة الغضب، فإنما تأتي الملك من جهة دوام الطاعة، وذلك لأنه لا يدور في سمعه ما يكره في طول عمره.
فإذا ألفت النفس هذا العز الدائم، صار أحد صفاتها.
فمتى قرع حس النفس مالا تعرفه في خلقها، نفرت منه نفوراً سريعاً، فظهر الغضب، أنفةً وحميةً.
وأما رضى الملك فبطيء جداً، لأنه شيء تمانعه النفس أن يفعله، وتدفعه عن نفسها، إذ كان في ذلك جنس من أجناس الاستخذاء، وخلق من أخلاق العامة.
وهكذا عن أبي العباس أنه غضب على رجل ذهب عني اسمه، فذكره ليلةً من الليالي،
فقال له بعض سماره: يا أمير المؤمنين! فلان لو رآه أعدى خلق الله له، لرحمه وانعصر له قلبه.
قال: ولم ذاك؟
قال: لغضب أمير المؤمنين عليه.
قال: ماله من الذنب ما يبلغ به من العقوبة هذا الموضع.
قال: فمن عليه، يا أمير المؤمنين، برضاك.
قال: ما هذا وقت ذاك!
قال: قلت إنك يا أمير المؤمنين لما صغرت ذنبه، طمعت في رضاك عنه.
قال: إنه من لم يكن بين غضبه ورضاه مدة طويلة، لم يحسن أن يغضب ولا يرضى.