عود إلى أخلاق الملوك
ومن أخلاق الملك، إذا قرب إنساناً أو أنس به حتى يهازله ويضاحكه، ثم دخل عليه بعد، أن يدخل دخول من لم يجر بينهما أنس قط، وأن يظهر من الإجلال له والتعظيم والاستخذاء أكثر مما كان عليه قبل، فإن أخلاق الملوك ليست على نظام.
ومن أخلاقهم أن لا تكون أخلاقهم معروفة، فيتمثل عليها، ويعاملون بها. ألا ترى أن الملك قد يغضب على الرجل من حماته، والرجل من حماته وبطانته، إما لجنايةٍ في صلب مالٍ، أو لخيانة حرمة الملك، فيؤخر عقوبته دهراً طويلاً، ثم لا يظهر له ما يوحشه حتى يتقي ذلك في اللحظة والكلمة والإشارة وما أشبه ذلك. وليست هذه أخلاق سائر الناس، إذ كنا نعلم أن طبائع الناس الانتصار في أول أوقات الجنايات، وعند أول بوادر الغضب.
فأما الملوك وأبناءهم، فليست تقاس أخلاقهم، ولا يعاير عليها. إذ كان أحدهم يضع أعدى خلق الله له بين أذنه وعاتقه، وبين سحره ونحره، فتطول بذلك المدة، وتمر به الأزمنة، وهو لو قتله في أول حادثةٍ تكون، وعند أول عثرةٍ يعثر، لم يكن بين هذه القتلة وبين الأخرى بعدها بعشرين سنة فرق، غذ كان لا يخاف ثاراً، ولا في الملك وهناً.