مراعاة حرمة الملك
ومن حق الملك أن لا يرفع أحد من خاصته وبطانته رأسه إلى حرمةٍ له، صغرت أم كبرت.
فكم من فيلٍ قد وطيء هامة عظيم وبطنه، حتى بدت أمعاؤه، وكم من شريفٍ وعزيز قومٍ قد مزقته السباع وتمششته، وكم من جارية كانت كريمة على قومها عزيزة في ناديها قد أكلتها حيتان البحر وطير الماء، وكم من جمجمة كانت تصان وتعل بالمسك والبان قد ألقيت بالعراء، وغيبت جثتها في الثرى بسبب الحرم والنساء، والخدم، والأولياء!
ولم يأت الشيطان أحداً من بابٍ قط حتى يراه بحيث يهوي منقسم اللحم والأعضاء، هو أبلغ في مكيدته وأحرى أن يرى فيه أمنيته من هذا الباب، إذا كان من ألطف مكايده، وأدق وساوسه، وأحلى تزيينه!
فعلى الحكيم المحب لبقاء هذا النسيم الدقيق، وهذا الماء الرقيق، أن يطلب دوامها لنفسه حيلة يجد إليها سبيلاً، ويدفع مقارفتها لكل شيء يقع فيه التأويل بين أمرين من سلامة تنجي أو عطبٍ يتلف.
ولا يتكل على خيانة خفيت، أو فجرةٍ حظي بها أحد من أهل السفه والبطالة.
فإن تلك لا تسمى سلامة، بل إنما هي حسرة وندامة، يوم القيامة.
وكم من فعلةٍ قد ظهر عليها بعد مرور الأيام، وطول الأزمنة بها، فردت من كان قد أحسن بها الظن حتى تركته كأمس الذاهب، كأن لم يكن في العالم!