آداب مسايرة الملك
وقد قلنا إن من حق الملك أن لا يبتدئه أحد بمسايرة. وإن طلب ذلك منه من يستحق المسايرة، فالذي يجزئه من ذلك أن يقف بحيث يراه ويتصدى له. فإن أومأ إليه، سايره، وغن أمسك عن الإيماء، علم أن إمساكه هو ترك الإذن له في مسايرته.
ومن حقه، إذا سايره، أن لايمس ثوبه ثوب الملك، ولايدني دابته من دابته، ويتوخى أن يكون رأس دابته بإزاء سرج الملك، غير أنه لا يكلفه أن يلتفت إليه. ولا ينبغي له أن يبتدئه بكلام.
وإن كان لا يثق بلين عنان دابته حتى يصرفه كيف شاء ومتى شاء، فالرأي لا أن لا يسايره. فإن في مسايرته وصمةً عليه وعلى الملك. أما عليه، فإنه يحتاج إلى حركة متواترة يتعب بها نفسه ودابته، ويخرج بها عن حد أهل الأدب والمروءة والشرف، ولعله في خلال ذلك أيضاً أن لا يبلغ ما يريد.
وأما على الملك، فإنه وهن في المملكة، لأن الملك، إن طلب الصبر عليه وعلى سير دابته، كان إنما يسير عند ذلك بسيره، وليس في آيين المملكة أن يسير الأعظم بسير من هو دونه.
ولذلك كانت رؤساء الأكاسرة والأساورة والدبيربذ وموبذان موبذ ومن أشبه هؤلاء من خاصة الملك، إذا هم الملك بالمسير في نزهة أو لبعض أموره، وعرضوا دوابهم على راضة الملك وصاحب دوابه. وكان كل واحدٍ منهم لا يأمن أن يدعو به الملك للمسايرة والمحادثة، فيحتاج إلى معاناة دابته لبلادةٍ أو كثرة نفورٍ أو عثارٍ أو جماحٍ، فيكون على الملك من ذلك بعض ما يكره. وكان الرائض يمتحن دابةً دابةً من دواب هؤلاء العظماء. فما اختار منها ركب، وما نفى أرجيء.
وأيضاً إن من حق الملك، إذا سايره واحد، أن لا تروث دابته ولا تبول ولا تتحصن ولا تتشغب، ولا يطلب المحاذاة لسير دابة الملك، وإن أراد ذلك منعه راكبه.