احتياط الملك
ومن أخلاق الملك أن يكون لمنامه في ليل ولا نهار موضع يعرف به، ولا حوى يقصد إليه؛ إذ كانت أنفس الملوك هي المطلوب غرتها، والموكل برعاية سنتها، وساعة غفلتها.
ويقال إن ملوك آل ساسان لم يعرف مبيت أحد منهم قط، ولا مقيله.
فأما أردشير بن بابك، وسابور، وبهرام، ويزدجرد، وكسرى أبرويز، وكسرى أنوشروان، فكان يفرش للملك منهم أربعون فراشاً، في أربعين موضعاً، ليس منها فراش إلا ومن رآه من بعيد على الانفراد، لا يشك أنه فراش الملك خاصةً، وأنه نائم فيه. ولعله أن لا يكون على واحد منها، بل لعله ينام على مجلس رقيق، وربما توسد ذراعه، فنام.
ولو لم يجب على ملوكنا حفظ منامهم، وصيانته عن كل عين تطرف، وأذن تسمع، غلا النبي ﷺ، فعله، وهو من الله بمكانه المخصوص من كلاءته إياه، وحراسة الروح الأمين له، لقد كان يحق عليهم أن يقتدوا به، ويمتثلوا فعله. وقد كان المشركون هموا بقتله، فأخبره جبريل، صلى الله عليهما، عن الله، جل ثناؤه، بذلك، فدعا علي بن أبي طالب عليه السلام، فأنامه على فراشه، ونام هو، ﷺ، بمكان آخر. فلما جاء المشركون إلى فراشه، فنهض منه علي، انصرفوا عنه.
ففي هذا أكبر الأدلة، وأوضح الحجة على ما ذكرنا، إذ كانت أنفس الملوك هي الأنفس الخطيرة الرفيعة التي توزن بنفوس كل من أظلت الخضراء، وأفلت الغبراء.
وكانت الأعاجم تقول: " لا ينبغي للملك أن يطلع على موضع منامه إلا الوالدان فقط؛ فأما من دونهما، فالوحشة منه وترك الثقة به أبلغ في باب الحزم وأوكد في سياسة الملك، وأوجب في الشريعة، وأوقع في الهوينا.