زيارة الملوك لأخصانهم
ومن أخلاق الملوك الزيارة لمن خص بالتكرمة منهم وآثروه المنزلة ورفع المرتبة.
وزيارة الملك على أربعة أقسام: فمنها الزيارة للمطاعمة والمنادمة، ومنها الزيارة للعيادة، ومنها الزيارة للتعزية في المصيبة، ومنها الزيارة للتعظيم فقط.
وأكبر هذه الأقسام وأرفعها ذكراً الزيارة للتعظيم. لأن هذه الأقسام الثلاثة أكثر ما تقع وتتفق بسؤال المزور الملك، وتلطفه في ذلك.
وربما رفع الملك مرتبة الوزير، وخصه، وقدمه على سائر بطانته، فيكون من حيل الوزير أن يتعالل فيعوده الملك، فيظهر للعامة منزلته عنده وتكرمته إياه وإيثاره له.
وأيضاً، فقل ملك سأله وزيره أو صاحب جيشه أو أحد عظمائه زيارته إلا أجابه إلى ذلك، ولا سيما إذا علم أن غرضه في ذلك الزيارة في المرتبة، والتنويه بالذكر.
فإذا كانت الزيارة من الملك على أحد هذه الأقسام الثلاثة، فهي منزلة كان صاحبها يحاولها فبلغها، وأمنية طلبها فأدركها.
فأما الزيارة للتعظيم، فإنها لا تقع بسؤالٍ، ولا بإرادة المزور، إذ كان ليس من أخلاق وزيرٍ ولا شريفٍ أن يقول للملك: زرني لتعظمني، ولترفع في الناس من ذكري وقدري.
فإذا كان ذلك من الملك ابتداءً، فقد علمنا أن تلك أرفع مراتب الوزراء، وأفضل درجات الأشراف.
وكان أردشير وأنوشروان إذا زار وزيراً من وزرائهما أو عظيماً من عظمائها للتعظيم لا لغيره، أرخت الفرس تلك الزيارة، وخرجت بذلك التاريخ كتبهم إلى الآفاق والأطراف.
وكانت سنة من وزاره الملك للتعظيم أن توغر ضياعه، وتوسم خيله ودوابه، لئلا تسخر، ولا تمتهن. ويأتيه خليفة صاحب الشرطة في كل يوم مع ثلاثمائة راكبٍ ومائة راجلٍ، يكون بابه إلى غروب الشمس. فإن ركب كانت الرجالة مشاةً أمامه والركبان من خلفه. ولا يحبس أحد من حامته وخاصته لجنايةٍ جناها، ولا يحكم على أحدٍ من عبيده بحكمٍ، وإن وجب على أحدٍ من بطانته حد، وجه به إليه ليرى فيه رأيه، ويؤخر عليه وظيفة ما عليه من خراج أرضه حتى يكون هو الحامل له، وتقدم هداياه في النيروز والمهرجان على كل هدية، وتعرض على الملك، ويكون أول من يأذن له الحاجب، ويكون من الملك، إذا ركب عن يمينه، منزوياً، وتكون مرتبته إذا قعد عن يمينه، وإذا خرج من دار المملكة، لم يقعد بعده أحد.
وكانت ملوك آل ساسان لا تزور أحداً لعلةٍ من هذه العلل التي قدمنا ذكرها، فينصرف بخلعه أو طيبٍ أو تحفةٍ أو هديةٍ من جاريةٍ أو غلام. غير أنه كان إذا نزل الملك، وطأ لرجله فرساً رائعاً بسرج مذهبٍ، وأداةٍ تامة، فقدم إليه إذا أراد الانصراف.
فكان الأمر كذلك، حتى ملك بهرام بن يزدجرد. فكان ينادم الاساورة من أبناء أهل الشرف، فيخلع عليه في كل ساعةٍ خلعة مجددة، ويشتهي الزامرة والمغنية والرقاصة، فيأخذها. وكان أول من أطلق يده في ذلك، لغلبة اللهو علي، وإيثاره هواه.
فأما من كان من ملوكهم، فعلى الأمر الذي ذكرنا، والحكاية التي أدينا.