→ صاحب اليمامة | هداية الحيارى المؤلف: ابن القيم |
قصة عبد الله بن سلام ← |
قصة الحارث
وذكر الواقدي أن رسول الله ﷺ بعث شجاع بن وهب إلى «الحارث ابن أبي شمر» وهو بغوطة دمشق، فكتب إليه مرجعه من الحديبية «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى الحرث ابن أبي شمر، سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدق، وإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى لك ملكك».وختم الكتاب، فخرج به شجاع بن وهب، قال: فانتهيت إلى حاجبه فأجده يومئذ وهو مشغول بتهيئة الأنزال والألطاف لقيصر، وهو جاء من حمص إلى إيليا حيث كشف الله عنه جنود فارس شكرا لله عز وجل. قال: فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة فقلت لحاجبه: إني رسول رسول الله إليه فقال حاجبه: لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا، وجعل حاجبه وكان روميا اسمه: مرى، يسألني عن رسول الله ﷺ وما يدعو إليه؟ فكنت أحدثه فيرق حتى يغلبه البكاء، ويقول: إني قرأت في الإنجيل وأجد صفة هذا النبي بعينه.
فكنت أراه يخرج بالشام فأراه قد خرج بأرض العرب، فأنا أؤمن به وأصدقه وأنا أخاف من الحارث ابن أبي شمر أن يقتلني.
قال شجاع: فكان هذا الحاجب يكرمني ويحسن ضيافتي، ويخبرني عن الحارث باليأس منه ويقول: هو يخاف قيصر، قال: فخرج الحارث يوما وجلس فوضع التاج على رأسه فأذن لي عليه، فدفعت إليه كتاب رسول الله ﷺ فقرأه، وقال: من ينتزع مني ملكي؟ !أنا سائر إليه ولو كان باليمن جئته، عليّ بالناس، فلم يزل جالسا يعرض حتى الليل، وأمر بالخيل أن تنعل.
ثم قال: أخبر صاحبك ما ترى، وكتب إلى قيصر يخبره خبري فصادف قيصر بإيليا وعنده دحية الكلبي قد بعثه إليه رسول الله ﷺ، فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب إليه أن لا تسر إليه وأنه عنه ووافني بإيليا.
قال: ورجع الكتاب وأنا مقيم، فدعاني، وقال: متى تريد أن تخرج إلى صاحبك؟ قلت: غدا، فأمر لي بمائة مثقال ذهبا، ووصلني مرى بنفقة وكسوة، وقال: أقرأ على رسول الله ﷺ مني السلام، وأخبره أني متبع دينه.
قال: شجاع فقدمت على رسول الله ﷺ فأخبرته فقال: «باد ملكه» وأقرأته من مرى السلام وأخبرته بما قال، فقال رسول الله ﷺ: «صدق».
ونحن إنما ذكرنا بعض ملوك الطوائف الذين آمنوا به، وأكابر علمائهم وعظمائهم، ولا يمكننا حصر من عداهم وهم جمهور أهل الأرض، ولم يتخلف عن متابعته إلا الأقلون، وهم إما مسالم له قد رضي بالذلة والجزية والهوان، وإما خائف منه فأهل الأرض معه ثلاثة أقسام: مسلمون له، ومسالمون له، وخائفون منه.