المجمع الأول
فبعث قسطنطين الملك إلى جميع البلدان، فجمع البتاركة والأساقفة فاجتمع في مدينة نيقية بعد سنة وشهرين ألفان وثمانية وأربعون أسقفا.
فكانوا مختلفي الآراء مختلفي الأديان:
فمنهم من يقول: المسيح ومريم إلهان، من دون الله، وهم المريمانية.
ومنهم من يقول: المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار تعلقت من شعلة نار، فلم ينقص الأولى لإيقاد الثانية منها.
ومنهم من كان يقول: لم تحبل مريم لتسعة أشهر وإنما مر نور في بطن مريم كما يمر الماء في الميزاب؛ لأن كلمة الله دخلت من أذنها وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها، وهذه مقالة الباريليدس وأشياعه.
ومنهم من كان يقول: إن المسيح إنسان خلق من اللاهوت كواحد منا في جوهره، وإن ابتداء الابن من مريم، وإنه اصطفي ليكون مخلصا للجواهر إلانسية، صحبته النعمة الإلهية، فحلت منه بالمحبة والمشيئة، فلذلك سمى ابن الله، ويقولون: إن الله جوهر واحد وأقنوم واحد، ويسمونه بثلاثة أسماء، ولا يؤمنون بالكلمة ولا بروح القدس، وهذه مقالة بولس وأشياعه.
ومنهم من كان يقول: ثلاثة آلهة لم تزل، صالح وطالح وعدل بينهما، وهذه مقالة مرقيون وأشياعه.
ومنهم من كان يقول: ربنا هو المسيح، وهي مقالة ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا.
قال ابن البطريق: ولما سمع قسطنطين الملك مقالتهم عجب من ذلك وأخلى لهم دارا، وتقدم لهم بالإكرام والضيافة وأمرهم أن يتناظروا فيما بينهم لينظر من معه الحق فيتبعه، فاتفق منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا على دين واحد ورأي واحد، وناظروا بقية الأساقفة المختلفين ففلجوا عليهم في المناظرة، وكان باقي الأساقفة مختلفي الآراء، والأديان. فصنع الملك للثلاثمائة والثمانية عشر أسقفا مجلسا عظيما وجلس في وسطه وأخذ خاتمه وسيفه وقضيبه. فدفع ذلك إليهم، وقال لهم: قد سلطتكم اليوم على المملكة فاصنعوا ما بدا لكم، وما ينبغي لكم أن تضيعوا ما فيه قوام الدين وصلاح الأمة، فباركوا على الملك وقلدوه سيفه، وقالوا له: أظهر دين النصرانية وذب عنه، ووضعوا له أربعين كتابا فيها السنن والشرائع، وفيها ما يصلح أن يعمل به الأساقفة وما يصلح للملك أن يعمل بما فيها، وكان رئيس القوم والمجمع والمقدم فيه بترك الإسكندرية وبترك أنطاكية وأسقف بيت المقدس، ووجه بترك رومية من عنده رجلين، فاتفق الكل على لعن أريوس وأصحابه، ولعنوه وكل من قال بمقالته.
ووضعوا الأمانة وقالوا: إن الابن مولود من الأب قبل كون الخلائق، وإن الابن من طبيعة الأب غير مخلوق. واتفقوا على أن يكون فصح النصارى يوم الأحد ليكون بعد فصح اليهود، وأن لا يكون فصح اليهود مع فصحهم في يوم واحد، ومنعوا أن يكون للأسقف زوجة.
وذلك أن الأساقفة منذ وقت الحواريين إلى مجمع الثلاثمائة وثمانية عشر كان لهم نساء لأنهم كانوا إذا صيروا واحدا أسقفا وكانت له زوجة ثبتت معه ولم تتنح عنه، ما خلا البتاركة فإنهم لم يكن لهم نساء ولا كانوا أيضا يصيرون أحدا له زوجة بتركا. قال: وانصرفوا مكرمين محظوظين وذلك في سبعة عشر سنة من ملك قسطنطين الملك، ومكث بعد ذلك ثلاث سنين.
أحداها: كسر الأصنام، وقتل من يعبدها.
والثانية: أمر أن لا يثبت في الديوان إلا أولاد النصارى، ويكونون هم الأمراء والقواد.
والثالثة: أن يقيم للناس جمعة الفصح والجمعة التي بعدها لا يعملون فيها عملا ولا يكون فيها حرب، وتقدم قسطنطين إلى أسقف بيت المقدس أن يطلب موضع المقبرة والصليب ويبني الكنائس ويبدأ ببناء القيامة، فقالت هيلانة أمه: إني نذرت أن أسير إلى بيت المقدس وأطلب المواضع المقدسة وأبنيها، فدفع إليها الملك أموالا جزيلة، وسارت مع أسقف بيت المقدس، فبنت كنيسة القيامة في موضع الصليب وكنيسة قسطنطين.