الفصل الثامن: التغيير في ألفاظ الكتب
فلنرجع إلى الجواب على طريق من يقول: «إنهم غيروا ألفاظ الكتب وزادوا ونقصوا» كما أجبنا على طريق من يقول: «إنما غيروا معانيها وتأولوها على غير تأويلها».
قال هؤلاء: نحن لا ندعي ولا طائفة من المسلمين أن ألفاظ كل نسخة في العالم غيرت وبدلت؛ بل من المسلمين من يقول: أنه غير بعض ألفاظها قبل مبعث رسول الله ﷺ، وغيرت بعض النسخ بعد مبعثه، ولا يقولون: أنه غيرت كل نسخة في العالم بعد المبعث؛ بل غير البعض وظهر عند كثير من الناس تلك النسخ المغيرة المبدلة دون التي لم تبدل، والنسخ التي لم تبدل موجودة في العالم.
ومعلوم أن هذا مما لا يمكن نفيه والجزم بعدم وقوعه؛ فإنه لا يمكن أحدا أن يعلم أن كل نسخة في العالم على لفظ واحد بسائر الألسنة ومن الذي أحاط بذلك علما وعقلا؟ أهل الكتاب يعلمون أن أحدا لا يمكنه ذلك.
وأما من قال من المسلمين: أن التغيير وقع في أول الأمر فإنهم قالوا: أنه وقع أولا من عازر الوراق، في «التوراة» في بعض الأمور إما عمدا وإما خطأ، فإنه لم يقم دليل على عصمته، ولا أن تلك الفصول التي جمعها من التوراة بعد احتراقها هي عين التوراة التي أنزلت على موسى، وقد ذكرنا أن فيها ما لا يجوز نسبته إلى الله وأنه أنزله على رسوله وكليمه، وتركنا كثيرا لم نذكره.