→ خبر آخر عن هرقل | هداية الحيارى المؤلف: ابن القيم |
تحريف التوراة والإنجيل ← |
الفصل السابع: الطرق الأربعة الدالة على صحة البشارة به
فهذا في الإخبار بنبوته مما تلقاه المسلمون من أفواه علماء أهل الكتاب، والمؤمنين منهم، والأول فيما نقلوه من كتبهم، وعلمائهم يقرون أنه في كتبهم. فالدليل بالوجه الأول يقام عليهم من كتبهم، وبهذا الوجه يقام بشهادة من لا يتهم عليهم، لأنه إما من عظمائهم، وإما ممن رغب عن رياسته، وماله، ووجاهته فيهم، وآثر الإيمان على الكفر، والهدى على الضلال، وهو في هذا مدع أن علماءهم يعرفون ذلك، ويقرون به، ولكن لا يطلعون جهالهم عليه. فالأخبار والبشارة بنبوته ﷺ في الكتب المتقدمة عرفت من عدة طرق:
أحدها: ما ذكرناه، وهو قليل من كثير، وغيض من فيض.
الثاني: إخباره ﷺ لهم، أنه مذكور عندهم وأنهم وعدوا به، وأن الأنبياء بشرّت به، واحتجاحه عليهم بذلك، ولو كان هذا الأمر لا وجود له البتة، لكان مغريا لهم بتكذيبه منفرا لاتباعه، محتجا على دعواه بما يشهد ببطلانها.
الثالث: أن هاتين الأمتين معترفتين: بأن الكتب القديمة بشرّت بنبي عظيم الشأن، يخرج في آخر الزمان، نعته كيت وكيت، وهذا مما اتفق عليه المسلمون، واليهود والنصارى.
فأما المسلمون: فلما جاءهم آمنوا به، وصدقوه، وعرفوا أنه الحق من ربهم.
وأما اليهود: فعلماؤهم عرفوه، وتيقنوا أنه محمد بن عبد الله، فمنهم من آمن به، ومنهم من جحد نبوته، وقالوا لأتباعه: إنه لم يخرج بعد.
وأما النصارى: فوضعوا بشارات التوراة والنبوات التي بعدها على المسيح، ولا ريب أن بعضها صريح فيه، وبعضها ممتنع حمله عليه، وبعضها محتمل، وأما بشارات المسيح فحملوها كلها على الحواريين، وإذا جاءهم ما يستحيل انطباقه عليهم حرفوه أو سكتوا عنه، وقالوا: لا ندري من المراد به.
الرابع: اعتراف من أسلم منهم بذلك، وأنه صريح في كتبهم، وعن المسلمين الصادقين منهم تلقى المسلمون هذه البشارات، وتيقنوا صدقها، وصحتها بشهادة المسلمين منهم بها مع تباين إعصارهم، وأمصارهم، وكثرتهم، واتفاقهم على لفظها.
وهذا يفيد القطع بصحتها ولو لم يقر بها أهل الكتاب، فكيف وهم مقرون بها لا يجحدونها، وإنما يغالطون في تأويلها، والمراد بها؟ وكل واحدة من هذه «الطرق الأربعة» كاف في العلم بصحة هذه البشارات، وقد قدمنا أن إقدامه ﷺ على إخبار أصحابه وأعدائه، بأنه مذكور في كتبهم بنعته وصفته، وأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وتكراره ذلك عليهم مرة بعد مرة في كل مجمع، وتعريفهم بذلك، وتوبيخهم، والنداء عليهم به، من أقوى الأدلة القطعية على وجوده من وجهين:
أحدهما: قيام الدليل القطعي على صدقه.
الثاني: دعوته لهم بذلك إلى تصديقه ولو لم يكن له وجود لكان ذلك من أعظم دواعي تكذيبه والتنفير عنه