→ الفصل الثالث عشر: يستحيل الإيمان بنبي من الأنبياء مع جحد نبوة محمد | هداية الحيارى المؤلف: ابن القيم |
غباوة اليهود ← |
إنكار النبوات شيمة الفلاسفة والمجوس وعباد الأصنام
فإن الفلاسفة لم يمكنهم الاعتراف بالملائكة والجن والمبدأ والمعاد وتفاصيل صفات الرب تعالى وأفعاله مع إنكار النبوات؛ بل والحقائق المشاهدة التي لا يمكن إنكارها لم يثبتوها على ما هي عليه ولا أثبتوا حقيقة واحدة على ما هي عليه البتة، وهذا ثمرة إنكارهم النبوات. فسلبهم الله إدراك الحقائق التي زعموا أن عقولهم كافية في إدراكها، فلم يدركوا منها شيئا على ما هو عليه، حتى ولا الماء ولا الهواء ولا الشمس ولا غيرها.
فمن تأمل مذاهبهم فيها علم أنهم لم يدركوها، وإن عرفوا من ذلك بعض ما خفي على غيرهم.
وأما المجوس فأضل وأضل.
وأما عباد الأصنام فلا عرفوا الخالق ولا عرفوا حقيقة المخلوقات ولا ميزوا بين الشياطين والملائكة، وبين الأرواح الطيبة والخبيثة، وبين أحسن الحسن وأقبح القبيح، ولا عرفوا كمال النفس وما تسعد به، ونقصها وما تشقى به.
وأما النصارى فقد عرفت ما الذي أدركوه من معبودهم وما وصفوه به وما الذي قالوه في نبيهم، وكيف لم يدركوا حقيقته البتة، ووصفوا الله بما هو من أعظم العيوب والنقائص، ووصفوا عبده ورسوله بما ليس له بوجه من الوجوه.
وما عرفوا الله ولا رسوله، والمعاد الذي أقروا به لم يدركوا حقيقته، ولم يؤمنوا بما جاءت به الرسل من حقيقته، إذ لا أكل عندهم في الجنة ولا شرب ولا زوجة هناك، ولا حور عين يلذ بهن الرجال كلذاتهم في الدنيا، ولا عرفوا حقيقة أنفسهم وما تسعد به وتشقى، ومن لم يعرف ذلك فهو أجدر أن لا يعرف حقيقة شيء كما ينبغي البتة، فلا لأنفسهم عرفوا، ولا لفاطرهم وبارئها، ولا لمن جعله إليه سببا في فلاحها وسعادتها، ولا للموجودات وأنها جميعها فقيرة مربوبة مصنوعة، ناطقها وصامتها آدميها وجنيها وملكها، فكل من في السموات عبده وملكه، وهو مخلوق مصنوع مربوب فقير من كل وجه، ومن لم يعرف هذا لم يعرف شيئا.