سُميت يثرب بعد الإسلام بالمدينة، مدينة رسول الله ﷺ وهي عبارة عن جملة قرى تقع في سهل خصب وبينها وبين مكة 200 ميل وهي في شمالها، جاء في «معجم البلدان» لياقوت: «إن لهذه المدينة تسعة وعشرين اسما» ثم سردها. وكذا أحصى المجد الشيرازي اللغوي نحو ثلاثين اسما، وذكر السمهودي في كتاب «وفاء الوفا» أربعة وتسعين اسما وقال: إن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، ونقل ابن زبالة، أن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: بلغني أن للمدينة في التوراة أربعين اسما.
فمن أسمائها أثرب كمسجد ويثرب، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مّنْهُمْ يأَهْلَ.يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُواْ} (الأحزاب: 13)، والبلد، قال تعالى: {لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} (البلد: 1) ودار الهجرة والسنة وطيبة وطابة وقرية الأنصار ومدينة الرسول ومضجع الرسول وأكالة البلدان والمباركة والمسكينة والعذراء والبارة والفاضحة.
أما قدرها فهي في مقدار نصف مكة وهي في حرة سبخة ولها نخيل كثيرة ومياه ونخيلهم وزروعهم تسقى من الآبار عليها العبيد وللمدينة سور والمسجد في نحو وسطها وقبر النبي ﷺ في شرق المسجد وهو بيت مرتفع وليس بينه وبين سقف المسجد إلا فرجة وهو مسدود لا باب له وفيه قبر النبي ﷺ وقبر أبي بكر وقبر عمر، والمنبر الذي كان يخطب عليه رسول الله ﷺ قد غشي بمنبر آخر والروضة أمام المنبر بينه وبين القبر، ومصلاه ﷺ الذي كان يصلي فيه الأعياد في غربي المدينة داخل الباب.
و(بقيع الغرقد) خارج المدينة من شرقيها وهو مدفن أكثر أمواتها. و(قُباء) خارج المدينة على نحو ميلين إلى ما يلي القبلة وهي شبيهة بالقرية. و(أُحُد) جبل في شمال المدينة وهو أقرب الجبال إليها مقدار فرسخين وبقربها مزارع ونخيل وضياع لأهل المدينة. (وادي العقيق) فيما بينها وبين الفرع. و(الفُرع) من المدينة على أربعة أيام في جنوبها وبها مسجد جامع غير أن أكثر هذه الضياع خراب، وكذلك حوالي المدينة ضياع كثيرة أكثرها خراب، وأعذب مياه تلك الناحية آبار العقيق.
وحرَّم رسول الله ﷺ شجر المدينة بريدا في بريد من كل ناحية ورخَّص في الهش وفي متاع الناضح، ونهى عن الخبط - ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها - وأن يعضد ويهصر ولم تكن المدينة بلدا خصبا مثمرا، إنما كان بها بعض النخيل والماشية ومن خصائص المدينة أنها طيبة الريح وللعطر فيها فضل رائحة لا توجد في غيرها وتمرها الصيحاني لا يوجد في بلد من البلدان مثله، ولهم حب اللبان ومنها يحمل إلى سائر البلدان، وجبلها أُحد قد فضله رسول الله ﷺ فقال: «أُحد جبل يحبنا ونحبه وهو على باب من أبواب الجنة» وحجارة أُحد من الجرانيت.
المسافات: من المدينة إلى مكة نحو عشر مراحل ومن الكوفة إلى المدينة نحو عشرين مرحلة وطريق البصرة إلى المدينة نحو من ثماني عشرة مرحلة ويلتقي مع طريق الكوفة بقرب معدن النقرة ومن الرقة إلى المدينة نحو من عشرين مرحلة، ومن البحرين إلى المدينة عن طريق الساحل.
ولما قدم رسول الله المدينة وجد أهلها من أخبث الناس كَيْلا فأنزل الله تعالى: {وَيْلٌ لّلْمُطَفّفِينَ} (المطففين: 1) فأحسنوا الكَيْل بعد ذلك.