→ بعث علي بن أبي طالب إلى اليمن | سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حجة الوداع محمد رشيد رضا |
بعث أسامة بن زيد ← |
في شهر ذي الحجة سنة عشر من الهجرة (مارس سنة 632 م) حج رسول الله ﷺ حجة الوداع، وسُميت بذلك لأنه ودّع الناس فيها، وعن عائشة زوج النبي ﷺ قالت: خرج رسول الله ﷺ إلى الحج لخمس ليال بقين من ذي القعدة فلما كان بسرف أمر الناس أن يحلوا بعمرة إلا من ساق الهدي، وكان رسول الله قد ساق الهدي وناس معه، قال ابن إسحاق: ثم مضى رسول الله ﷺ على حجّه فأرى الناس مناسكهم وأعلمهم سنن حجهم وخطب الناس خطبته التي بيَّن فيها ما بيَّن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
«أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا، أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وكحرمة شهركم هذا وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلَّغ فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها وإن كل ربا موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون، قضى الله أنه لا ربا وأن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله وأن كل دم كان في الجاهلية موضوع وأن أول دمائكم أضع دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وكان مسترضعا في بني ليث فقتله هُذَيْلٌ فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية، أما بعد أيها الناس فإن الشيطان قد يئس من أن يُعبد بأرضكم هذه أبدا ولكنه إن يُطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم، أيها الناس إن النسيء زيادة في الكفر يُضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرّم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله وإن الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا منها أربعة حُرُم، ثلاثة متوالية ورجب وصفر الذي بين جمادى وشعبان، أما بعد أيها الناس فإن لكم على نسائكم حقا ولهن عليكم حقا لكم عليهن ألا يوطِئن فرشكم أحدا تكرهونه وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن الله أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهم شيئا وإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيها الناس قولي فإني قد بلغت وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا، أمرا بيّنا: كتاب الله وسنّة نبيّه، أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه تعلمنّ أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة فلا يحل لامرىء من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمنّ أنفسكم»، اللهم هل بلغت فذكر لي أن الناس قالوا اللهم نعم فقال رسول الله ﷺ «اللهم اشهد» اهـ، وكان الذي يبلغ عنه بعرفة ربيعة بن أمية بن خلف لكثرة الناس وقد تنبأ رسول الله في هذه الخطبة بأن أجله قد قرب وأنه لا يحج بعد هذه المرة لقولة في أولها: «فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا»، وأوصى الناس بالنساء خيرا ومنع الرجال من معاملتهن بالظلم حضهم على معاشرتهن بالمعروف، وكما أن للرجال حقا عليهن فكذلك للنساء حقا عليهم، وهذا من غير شك رفع لشأنهن فلم تعد المرأة كمية مهملة أو مهضومة الحقوق بعد أن عُنِيَ الرسول بها في خطبته، فليفهم ذلك المسلمون في جميع أنحاء الأرض وليعملوا بنصح الرسول.
وتُسمى هذه الحجة أيضا حجة التمام والكمال لنزول قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسْلاَمَ دِينا} (المائدة: 3)، ورسول الله ﷺ واقف بعرفة ولم يحج رسول الله بعد أن هاجر غير هذه الحجة، ولم يترك الحج وهو بمكة قط لأن قريشا في الجاهلية لم يكونوا يتركون الحج وإنما يتأخر منهم من لم يكن بمكة أو عاقه ضعف، قال ابن الأثير في النهاية: كان يحج كل سنة قبل أن يهاجر.
واستعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي، وقيل: سباع بن عرفة الغفاري، وكانت نساؤه كلهن معه، وكان دخوله مكة صبح الرابع من ذي الحجة يوم الأحد.
يقول مستر موير «الراجح أن النبي خرج من المدينة يوم السبت 25 ذي القعدة (23 فبراير سنة 632 م) وبلغ سَرف مساء الأحد في اليوم العاشر ودخل مكة يوم الثلاثاء».
وخرج معه ﷺ 90000 ويقال أكثر من ذلك وأما الذين حجوا معه فأكثر من ذلك طبعا لانضمام أهل مكة إليهم والذين أتوا من اليمن مسلمين.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن نجيح أن رسول الله ﷺ حين وقف بعرفة قال هذا الموقف - للجبل الذي هو عليه - وكل عرفة موقف، وقال حين وقف على قُزَح صبيحة المزدلفة: هذا الموقف وكل المزدلفة موقف ثم لما نحر بالمنحر بمنى قال هذا النحر وكل مِنى منحر، فقضى رسول الله ﷺ الحج وقد أراهم مناسكهم وأعلمهم ما فرض الله عليهم من حجهم من الموقف ورمي الجِمار وطواف البيت وما أحل لهم من حجهم وما حرم عليهم، ثم عاد رسول الله إلى المدينة.