→ وفاة خديجة سنة 620م | سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سفره إلى الطائف محمد رشيد رضا |
الإسراء والمعراج سنة 621 م ← |
الطائف بلدة في الحجاز على مسافة 65 ميلا جنوبا شرقيا من مكة، وهي مشهورة بجودة مناخها وخصب أرضها وفواكهها، ولا سيما العنب والبرقوق والرمان والخوخ وبها مياه جارية ويضرب بعنبها المثل في الحسن وربما جمد الماء فيها في الشتاء، والجبل الذي هي عليه يقال له - غزوان - وهي مصيف أغنياء مكة، ومقر عبادة العزى وقد سافر إليها النبي ﷺ لثلاث بقين من شوال سنة عشر من المبعث (يناير - فبراير سنة 620 م) ومعه مولاه زيد بن حارثة يلتمس من ثقيف النصرة فعمد إلى جماعة من أشراف ثقيف ودعاهم إلى الله فقال واحد منهم: أما وجد الله أحدا يرسله غيرك؟ وقال الآخر: والله لا أكلمك أبدا لأنك إن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويرمونه بالحجارة ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس وألجأوه إلى حائط وقد أدموا رجليه فلما اطمأن ورجع عنه السفهاء قال عليه الصلاة والسلام: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، اللهم يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهّمني أو إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع، إني أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك». وهذا الدعاء مشهور بدعاء الطائف، فلما رأى ابنا ربيعة عتبة وشيبة ما لقي رسول الله تحركت له رحمهما فدعوا له غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس، فقالا له: خذ قطفا من هذا العنب وضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه، ففعل عداس ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله فلما وضع رسول الله يده قال: باسم الله، فنظر عداس إلى وجهه ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة، قال له رسول الله ﷺ «ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس وما دينك؟»، قال: أنا نصراني وأنا رجل من أهل نينوى، فقال له رسول الله ﷺ «من قرية الرجل الصالح يونس بن متّى»؟ قال له: وما يدريك ما يونس بن متى؟ قال رسول الله ﷺ «ذلك أخي كان نبيا وأنا نبي»، فأكب عداس على رأس رسول الله ﷺ يقبّل رأسه ويديه ورجليه، فقال ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك، فلما جاءهما عداس قالا له: ويلك يا عداس ما لك تقبّل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي ما في الأرض خير من هذا الرجل، لقد خبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي؟ فقالا: ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه. ثم إن رسول الله ﷺ انصرف من الطائف راجعا إلى مكة حين يئس من خير ثقيف فوجد قومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه إلا قليلا مستضعفين ممن آمن به، وفي الطبري: أن بعضهم ذكر أن رسول الله ﷺ لما انصرف من الطائف مريدا مكة مر به بعض أهل مكة فقال له رسول الله ﷺ «هل أنت مبلغ عني رسالة أرسلك بها؟»، قال: نعم، قال: «ائت الأخنس بن شَريق فقل له: يقول لك محمد هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالة ربي»؟ قال: فأتاه فقال له ذلك، فقال الأخنس: إن الحليف لا يجير على الصريح، فأتى النبي ﷺ فأخبره، قال: «تعود؟»، قال: نعم، قال: «ائت سهيل بن عمرو فقل له: إن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربي؟» فأتاه فقال له ذلك، فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب، فرجع إلى النبي ﷺ فأخبره، قال: «تعود؟»، قال: نعم، قال: «ائت المطعم بن عدي فقل له إن محمدا يقول لك هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربي؟» قال: نعم، فليدخل، فرجع إليه الرجل فأخبره، وأصبح المطعم قد لبس سلاحه هو وبنوه وبنو أخيه فدخلوا المسجد، فلما رآه أبو جهل قال: أمجير أم متابع؟ قال: بل مجير، قال: قد أجرنا من أجرت، فدخل النبي ﷺ مكة وأقام بها، فدخل يوما المسجد الحرام والمشركون عند الكعبة فلما رآه أبو جهل قال: هذا نبيكم يا بني عبد مناف، قال عتبة بن ربيعة: وما تنكر أن يكون منا نبي أو ملك؟ فأخبر بذلك النبي ﷺ أو سمعه فأتاهم فقال: «أما أنت يا عتبة بن ربيعة فوالله ما حميت لله ولا لرسوله ولكن حميت لأنفك، وأما أنت يا أبا جهل فوالله لا يأتي عليك غير كبير من الدهر حتى تضحك قليلا وتبكي كثيرا، وأما أنتم يا معشر الملأ من قريش فوالله لا يأتي عليكم غير كبير من الدهر حتى تدخلوا فيما تنكرون وأنتم كارهون».
ويقال: إن رسول الله ﷺ أقام بالطائف عشرة أيام، وظاهر أن الذي دعاه إلى السفر هو التماس النصرة، ولكنهم خذلوه وما التمس النصرة من ثقيف إلا بعد أن توفي أبو طالب وخديجة، أضف إلى ذلك أن فريقا من المسلمين هاجروا إلى الحبشة، ولما عاد من الطائف لم يستطع دخول مكة إلا بجوار رجل كالمطعم بن عدي.
وفي رجوعه ﷺ من الطائف مرّ به نفر من جن أهل نصيبين اليمن وهو يقرأ سورة (الجن) فاستمعوا له وآمنوا به، ولم يشعر بهم ﷺ حتى نزل عليه: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرا مّنَ الْجِنّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُواْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِىَ وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} (الأحقاف: 29)، وكانوا سبعة وقيل أكثر.