→ وقع خبر الانتصار على قريش | سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أسباب انتصار المسلمين في وقعة بدر محمد رشيد رضا |
فضل أهل بدر ← |
كانت وقعة بدر أول انتصار للمسلمين في حروبهم ولم تكن من الوقائع الكبيرة من حيث عدد جيوش المتحاربين واستعدادهم الحربي فإن عدد المسلمين كان نحو 313 يقابلهم نحو ألف من أهل مكة ولكنها وقعة مهمة لأنها كانت بمثابة الحجر الأساس في انتصار الرسول في الوقائع المقبلة وهي بدء تحوّل خطير في تاريخ الإسلام وتاريخ العالم، في هذه الوقعة انهزم أهل مكة وظهر ضعفهم في القتال على كثرة عددهم وفرسانهم وقد أبدى بعض المؤرخين استغرابه لما أصاب أعداء المسلمين من الفشل مع أنهم كانوا أكثر منهم عددا وكان معهم مئة فرس وسبعمائة بعير ومع ذلك لم يكتسحوهم أمامهم بفرسانهم وركبانهم بل ولّوا هاربين، والظاهر أن المسلمين كانوا أحسن نظاما فقد عدل صفوفهم النبي ﷺ وخطب فيهم مستنهضا هممهم وكان يشرف على الوقعة من ذلك العريش العالي ويصدر الأوامر فكان قائدا عاما، ولم يصدر من أصحابه أية مخالفة لأوامره، أما أبو سفيان فلم يكن قائدا ماهرا، وقد ساعد بناء الحوض وتوافر الماء على النصر، والقرآن الكريم والأحاديث النبوية تنص صراحة على أن الله سبحانه وتعالى أمد نبيّه بمدد باطني فحاربت الملائكة مع المسلمين ونصروهم على أعدائهم وقد رآهم بعض الصحابة وبعض أهل مكة في ميدان القتال وذكروهم بسيماهم، فقيل: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضرا وصفرا وحمرا وكان الزبير بن العوام متعمما بعمامة صفراء فقال ﷺ «نزلت الملائكة - أي بعضهم - بسيما أبي عبدالله» - يعني الزبير -، وكانت خيل الملائكة بلقا مسومة - مزينة -، وعن عليّ كرّم الله وجهه قال: هبت ريح شديدة يوم بدر ما رأيت مثلها قط ثم جاءت أخرى كذلك ثم جاءت أخرى كذلك، فنزل في الأولى جبريل في ألف من الملائكة أمام النبي ﷺ ونزل في الثانية ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله ﷺ
هذا وقد جيء بالعباس يوم بدر، أسره أبو اليَسَر وكان مجموعا وكان العباس جسيما فقيل لأبي اليسر: كيف أسرته؟ قال: أعانني عليه رجل ما رأيته من قبل ذلك بهيئة كذا وكذا، فقال رسول الله ﷺ «لقد أعانك عليه ملك كريم».
وقد كان رسول الله ﷺ قال لأصحابه: «قد رأيت جبريل وعلى ثناياه النقع»، فقال رجل من بني غفار: أقبلت أنا وابن عم لي فصعدنا جبلا يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننظر لمن تكون الدائرة فننتهب فدنت منا سحابة فسمعت فيها حمحمة الخيل وسمعت قائلا يقول: أقدم حيزوم، قال: فأما ابن عمي فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك فتماسكت، وقال أبو داود المازني: إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل سيفي إليه فعرفت أنه قتله غيري، وقال سهل بن حنيف: كان أحدنا يشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف فكيف بعد هذا كله نكذب إمداد الله رسوله بالملائكة في وقعة بدر إن الله قد اختص نبيّه بمعجزات وهذه إحداها ولا سبيل لإنكارها وإن أنكرها المستشرقون الذين كتبوا سيرة النبي ﷺ فقد وردت في القرآن والأحاديث النبوية الصحيحة.
وروى الصحابة رضي الله عنهم الذين شهدوا بدرا أنهم رأوا الملائكة بسيماهم وهم يحاربون، قال حويطب بن عبد العزى: شهدت بدرا مع المشركين فرأيت عبرا، رأيت الملائكة تقتل وتأسر بين السماء والأرض ولم أذكر ذلك لأحد.
ومن أسباب انتصار المسلمين قوة العقيدة فإن لها تأثيرا عظيما في الحروب، فشتان بين من يحارب بعقيدة راسخة لينصر الله ورسوله فإن قتل فاز بنعمة الشهادة وتنعم في دار الخلد وبين من يحارب وهو لا يشعر بقوة العقيدة التي تدفع خصمه إلى القتال من غير مبالاة، فالمسلمون كانوا يتوقون إلى الموت في سبيل الله، فمن ذلك أن رسول الله ﷺ خرج من العريش يوم بدر وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (القمر: 45)، وحرّض المسلمين وقال: «والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة». فقال عمير بن الحمام الأنصاري وبيده تمرات يأكلهن: بخ بخ ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء، ثم ألقى التمرات من يده وقاتل حتى قُتل.
ويؤكد سير وليام موير William Muir أن الخوف الذي كان مستوليا على أهل مكة من إراقة دماء أقاربهم مع ما يقابل ذلك من رغبة المسلمين في القتال، كان هو العامل المهم في انتصار المسلمين في وقعة بدر.