→ الأربعة الباحثون عن دين إبراهيم | سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الرد على مستر كانون سل محمد رشيد رضا |
ترجمة زيد بن عمرو ← |
قال مستر كانون سل في كتابه «حياة محمد»: (قال زيد وأصحابه: إنهم رغبوا في اتباع دين إبراهيم)، ويظن أن محمدا أخذ منهم هذه الفكرة ثم قال: (بقي زيد حنيفا وعاب على أهل مكة عبادة الأصنام فأثار ذلك غضبهم فأرغم على ترك مكة والإقامة في جبل حراء وبعد أن أمضى هنالك زمنا يفكر، توفي ودفن بأسفل الجبل وقد كان له تأثير عظيم في محمد الذي كان يجل شأنه ويقدره قدره. ولا ريب أن هؤلاء الرجال وأمثالهم من ذوي العقول الراجحة كانوا كثيرا ما يتشاورون ويتحادثون فيما وصلت إليه حالة العرب الاجتماعية من الانحطاط ويأسفون لانتشار الوثنية وضعف مركزهم السياسي، ولم ينجح عثمان بن الحويرث في تأسيس سلطة مركزية لاعتماده على دولة أجنبية - الامبراطورية الرومانية - ومع ذلك كانت الحاجة تدعو إلى وجود سلطة مركزية والاعتراف بالكعبة وجعلها قوة دينية للعرب جميعا، فكيف الوصول إلى ذلك؟ وكيف يمكن إبطال عبادة الأصنام؟) إلى أن قال: (وهنا سنحت الفرصة لظهور نبيّ وقد كان الاستعداد لظهوره قريبا وما لبث أن ظهر نبيٌّ قوي الشخصية ذو فطنة سياسية فائقة برسالة محدودة للأمة العربية اهـ). هذا ما زعمه مستر كانون سل، فنقول:
نعم إن هؤلاء تحادثوا في أمر انتشار عبادة الأصنام وأخذوا يبحثون عن الدين الصحيح لكن محادثتهم كانت قليلة، وليس لها شأن ولم يبلغنا أن النبي ﷺ كان يجتمع بهم ويحادثهم في شؤون العرب الدينية أو السياسية. وقد كان زيد بن عمرو مضطهدا ولجأ إلى حراء لكن لم تكن له اجتماعات برسول الله حتى يقال إنه تذاكر معه مسائل الدين وترك في نفسه أثرا عميقا أو أنه أخذ منه الفكرة، لأن المسألة ليست مسألة اقتباس فكرة، فالقرآن وما حواه من فصاحة وبلاغة خارقة وحكم بالغة وأمثال محكمة وذكر أحوال الماضين من أنبياء وأمم وأنباء المستقبل وعلاقة الإنسان بخالقه وعلاقته بغيره والتشريع العظيم الشأن الذي صار موضوع بحث الأئمة المجتهدين والعلماء الأعلام - لا يكون مصدره اجتماع زيد بن عمرو برسول الله مصادفة في حراء أو في الطريق، ثم إننا فوق ذلك لا نعلم من تاريخ رسول الله أنه كان يتذاكر مع رجال أو كانوا يعلمونه من صغره إلى أن صار نبيا بل الثابت أنه كان أميّا لا يدري ما الكتابة والقراءة ولا الدين ولا أصوله حتى أُوحي إليه ثم إن رسالة النبي ﷺ لم تكن محدودة للأمة العربية كما ظن سل وأمثاله بل كانت رسالته عامة بنص القرآن؛ قال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَكَ إِلاَّ كَآفَّةً لّلنَّاسِ بَشِيرا وَنَذِيرا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28).
وإليك ترجمة حياة زيد بن عمرو إتماما للحديث.