→ تزويجه بزينب بنت جحش | البداية والنهاية – الجزء الرابع نزول الحجاب صبيحة عرس زينب ابن كثير |
سنة ست من الهجرة ← |
فناسب نزول الحجاب في هذا العرس صيانة لها، ولأخواتها من أمهات المؤمنين، وذلك وفق الرأي العمري.
قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله الرقاش، حدثنا معتمر بن سليمان، سمعت أبي حدثنا أبو مجلز، عن أنس بن مالك قال: لما تزوج رسول الله ﷺ زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا وجلسوا يتحدثون، فإذا هو يتهيأ للقيام فلم يقوموا.
فلما رأى ذلك قام، فلما قام، قام من قام، وقعد ثلاثة نفر، وجاء النبي ﷺ ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقوا، فجئت فأخبرت النبي ﷺ أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي... } الآية.
وقد رواه البخاري في مواضع أخر، ومسلم، والنسائي، من طرق، عن معتمر.
ثم رواه البخاري منفردا به من حديث أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس نحوه.
وقال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال: بُني على النبي ﷺ بزينب بنت جحش بخبز ولحم، فأرسلت على الطعام داعيا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه، فقلت: يا نبي الله ما أجد أحدا أدعوه، قال: «ارفعوا طعامكم».
وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت، فخرج النبي ﷺ فانطلق إلى حجرة عائشة، فقال: «السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته» قالت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، كيف وجدت أهلك بارك الله لك؟ فتقرَّى حجر نسائه كلهن، ويقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة.
ثم رجع النبي ﷺ فإذا رهط ثلاثة في البيت يتحدثون، وكان النبي ﷺ شديد الحياء، فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة، فما أدري أخبرته أم أخبر أن القوم خرجوا، فخرج حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب، وأخرى خارجه أرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب.
تفرد به البخاري من هذا الوجه، ثم رواه منفردا به أيضا: عن إسحاق هو ابن نصر، عن عبد الله بن بكير السهمي، عن حميد بن أنس بنحو ذلك، وقال: رجلان بدل ثلاثة، فالله أعلم.
قال البخاري: وقال إبراهيم بن طهمان، عن الجعد أبي عثمان، عن أنس فذكر نحوه.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو المظفر، حدثنا جعفر بن سليمان، عن الجعد أبي عثمان اليشكري، عن أنس بن مالك قال: أعرس رسول الله ﷺ ببعض نسائه، فصنعت أم سليم حيسا، ثم حطته في ثور فقالت: اذهب إلى رسول الله ﷺ وأخبره إن هذا منا له قليل.
قال أنس: والناس يومئذ في جهد، فجئت به فقلت: يا رسول الله بعثت بهذا أم سليم إليك، وهي تقرئك السلام وتقول: إن هذا منا له قليل، فنظر إليه ثم قال: «ضعه في ناحية البيت».
ثم قال: «اذهب فادع لي فلانا وفلانا» فسمى رجالا كثيرا.
قال: ومن لقيت من المسلمين، فدعوت من قال لي، ومن لقيت من المسلمين، فجئت والبيت والصفة والحجرة ملاء من الناس، فقلت: يا أبا عثمان كم كانوا؟
قال: كانوا زهاء ثلثمائة.
قال أنس: فقال لي رسول الله ﷺ: «جيء» فجئت به إليه، فوضع يده عليه، ودعا، وقال ما شاء الله، ثم قال: «ليتلحق عشرة عشرة ويسموا، وليأكل كل أنسان مما يليه» فجعلوا يسمون، ويأكلون، حتى أكلوا كلهم.
فقال لي رسول الله ﷺ: «ارفعه».
قال: فجئت فأخذت الثور، فنظرت فيه فلا أدري أهو حين وضعته أكثر أم حين رفعته؟
قال: وتخلف رجال يتحدثون في بيت رسول الله ﷺ، وزوج رسول الله ﷺ التي دخل بها معهم، مولية وجهها إلى الحائط، فأطالوا الحديث، فشقوا على رسول الله ﷺ، وكان أشد الناس حياء، ولو علموا كان ذلك عليهم عزيزا.
فقام رسول الله ﷺ فسلم على حجره وعلى نسائه، فلما رأوه قد جاء ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه ابتدروا الباب، فخرجوا وجاء رسول الله ﷺ حتى أرخى الستر، ودخل البيت وأنا في الحجرة، فمكث رسول الله ﷺ في بيته يسيرا، وأنزل الله القرآن فخرج وهو يقرأ هذه الآية:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيما } [الأحزاب: 53-54] .
قال أنس: فقرأهن عليَّ قبل الناس، وأنا أحدث الناس بهن عهدا.
وقد رواه مسلم، والترمذي، والنسائي جميعا، عن قتيبة، عن جعفر بن سليمان، عن الجعد أبي عثمان به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
ورواه مسلم أيضا عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الجعد أبي عثمان به.
وقد روى هذا الحديث البخاري، والترمذي، والنسائي، من طرق: عن أبي بشر الأحمسي الكوفي، عن أنس بنحوه.
ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي نضرة العبدي، عن أنس بنحوه، ولم يخرجوه.
ورواه ابن جرير من حديث عمرو بن سعيد، ومن حديث الزهري عن أنس نحو ذلك.
قلت: كانت زينب بنت جحش رضي الله عنها من المهاجرات الأول، وكانت كثيرة الخير والصدقة، وكان اسمها أولا بره، فسماها النبي ﷺ زينب، وكانت تكنى بأم الحكم.
قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت امرأة قط خيرا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم أمانة وصدقة.
وثبت في الصحيحين كما سيأتي في حديث الإفك، عن عائشة أنها قالت: وسأل رسول الله ﷺ عني زينب بنت جحش، وهي التي كانت تساميني من نساء النبي ﷺ، فعصمها الله بالورع، فقالت: يا رسول الله احمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرا.
وقال مسلم بن الحجاج في (صحيحه): حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا الفضل بن موسى الشيباني، حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة، عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله ﷺ: «أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا».
قالت: فكنا نتطاول أينا أطول يدا، قالت: فكانت زينب أطولنا يدا، لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق.
انفرد به مسلم.
قال الواقدي وغيره من أهل السير، والمغازي، والتواريخ: توفيت سنة عشرين من الهجرة، وصلى عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ودفنت بالبقيع، وهي أول امرأة صنع لها النعش.