→ غزوة الفرع من بحران | البداية والنهاية – الجزء الرابع خبر يهود بني قينقاع في المدينة ابن كثير |
سرية زيد بن حارثة إلى ذي القردة ← |
وقد زعم الواقدي أنها كانت في يوم السبت النصف من شوال، سنة ثنتين من الهجرة، فالله أعلم، وهم المرادون بقوله تعالى: { كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الحشر: 11] .
قال ابن إسحاق: وقد كان فيما بين ذلك من غزو رسول الله ﷺ أمر بني قينقاع.
قال وكان من حديثهم: أن رسول الله ﷺ جمعهم في سوقهم ثم قال: يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم.
فقالوا: يا محمد إنك ترى أنا قومك، لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، أما والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس.
قال ابن إسحاق: فحدثني مولى لزيد بن ثابت عن سعيد بن جبير، وعن عكرمة عن ابن عباس قال: ما نزلت هؤلاء الآيات إلا فيهم: { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا } [آل عمران: 12-13] يعني أصحاب بدر من أصحاب رسول الله ﷺ وقريش.
{ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ } [آل عمران: 13]
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا العهد، وحاربوا فيما بين بدر وأحد.
قال ابن هشام: فذكر عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، عن أبي عون قال: كان أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ هناك منهم، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها.
فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديا، فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فأغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع.
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: فحاصرهم رسول الله ﷺ حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم فقال: يا محمد أحسن في موالي وكانوا حلفاء الخزرج، قال: فأبطأ عليه رسول الله ﷺ فقال: يا محمد أحسن في موالي فأعرض عنه.
قال: فأدخل يده في جيب درع النبي ﷺ.
قال ابن هشام: وكان يقال لها ذات الفضول، فقال له رسول الله ﷺ: «أرسلني» وغضب رسول الله ﷺ حتى رأوا لوجهه ظللا، ثم قال: «ويحك أرسلني».
قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربعمائة حاسر، وثلثمائة دراع قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، إني والله أمرؤ أخشى الدوائر.
قال: فقال له رسول الله ﷺ: «هم لك».
قال ابن هشام: واستعمل رسول الله ﷺ في محاصرته إياهم أبا لبابة - بشير بن عبد المنذر - وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليلة.
قال ابن إسحاق: وحدثني أبي، عن عبادة بن الوليد، عن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله ﷺ تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي وقام دونهم.
ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله ﷺ، وكان من بني عوف له من حلفهم مثل الذي لهم من عبد الله بن أبي، فخلعهم إلى رسول الله ﷺ، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وقال: يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم.
قال: وفيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات من المائدة: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض.. } الآيات حتى قوله: { فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة } يعني: عبد الله ابن أبي، إلى قوله: { ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } يعني: عبادة بن الصامت، وقد تكلمنا على ذلك في التفسير.