→ غزوة الفتح الأعظم وكانت في رمضان سنة ثمان | البداية والنهاية – الجزء الرابع قصة حاطب بن أبي بلتعة ابن كثير |
فصل استخلاف كلثوم بن حصين الغفاري على المدينة ← |
قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا قالوا: لما أجمع رسول الله ﷺ المسير إلى مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله ﷺ من الأمر في السير إليهم.
ثم أعطاه امرأة زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة، وزعم لي غيره أنها سارة مولاة لبعض بني عبد المطلب، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا، فجعلته في رأسها، ثم فتلت عليه قرونها، ثم خرجت به.
وأتى رسول الله ﷺ الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام، فقال: «أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش، يحذرهم ما قد أجمعنا له من أمرهم».
فخرجا حتى أدركاها بالحليفة، حليفة بني أبي أحمد فاستنزلاها، فالتمساه في رحلها، فلم يجدا فيه شيئا.
فقال لها علي: إني أحلف بالله ما كذب رسول الله ﷺ ولا كذبنا، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك.
فلما رأت الجد منه قالت: أعرض، فأعرض، فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه.
فأتى به رسول الله ﷺ، فدعا رسول الله ﷺ حاطبا، فقال: «يا حاطب ما حملك على هذا؟».
فقال: يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله وبرسوله ما غيرت ولا بدلت، ولكنني كنت امرءا ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم.
فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه فإن الرجل قد نافق.
فقال رسول الله ﷺ: «وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».
وأنزل الله في حاطب: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ... } [أول سورة الممتحنة] إلى آخر القصة.
هكذا أورد ابن إسحاق هذه القصة مرسلة.
وقد ذكر السهيلي أنه كان في كتاب حاطب أن رسول الله قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده، لنصره الله عليكم، فإنه منجز له ما وعده.
قال: وفي تفسير ابن سلام: أن حاطبا كتب: إن محمدا قد نفر، فإما إليكم وإما إلى غيركم، فعليكم الحذر.
وقد قال البخاري: ثنا قتيبة، ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، أخبرني الحسن بن محمد أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع، سمعت عليا يقول: بعثني رسول الله ﷺ أنا والزبير والمقداد، فقال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها».
فانطلقنا تعادي بنا خيلنا، حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب.
فقالت: ما معي.
فقلنا: لتخرجن الكتاب، أو لنلقين الثياب.
قال: فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله ﷺ فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة، إلى ناس مكة من المشركين، يخبرهم ببعض أمر رسول الله ﷺ.
فقال: «يا حاطب ما هذا؟».
فقال: يا رسول الله لا تعجل علي، إني كنت امرءا ملصقا في قريش - يقول: كنت حليفا - ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام.
قال رسول الله ﷺ: «أما إنه قد صدقكم».
فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق.
فقال: «إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدرا، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».
فأنزل الله سورة: { ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } إلى قوله: { فقد ضل سواء السبيل } .
وأخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه، من حديث سفيان بن عيينة.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الإمام أحمد: ثنا حجين ويونس، قالا: حدثنا ليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى أهل مكة يذكر أن رسول الله ﷺ أراد غزوهم، فدل رسول الله ﷺ على المرأة التي معها الكتاب، فأرسل إليها فأخذ كتابها من رأسها، وقال: «يا حاطب أفعلت؟»
قال: نعم، قال: أما إني لم أفعله غشا لرسول الله ﷺ ولا نفاقا، قد علمت أن الله مظهر رسوله ومتم له أمره، غير أني كنت غريبا بين ظهرانيهم، وكانت والدتي معهم، فأردت أن أتخذ يدا عندهم.
فقال له عمر: ألا أضرب رأس هذا؟
فقال: «أتقتل رجلا من أهل بدر، وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم».
تفرد بهذا الحديث من هذا الوجه الإمام أحمد، وإسناده على شرط مسلم، ولله الحمد.