→ فصل في مدة إقامته عليه السلام بمكة | البداية والنهاية – الجزء الرابع فصل فيما حكم عليه السلام بمكة من الأحكام ابن كثير |
فصل مبايعة رسول الله الناس يوم الفتح على الإسلام والشهادة ← |
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلم، عن مالك بن شهاب، عن عروة، عن عائشة، عن النبي ﷺ، وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة قالت:
كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد أن يقبض ابن وليدة زمعة، وقال عتبة: إنه ابني، فلما قدم رسول الله ﷺ مكة في الفتح أخذ سعد بن أبي وقاص ابن وليدة زمعة، فأقبل به إلى رسول الله ﷺ وأقبل معه عبد بن زمعة.
فقال سعد بن أبي وقاص: هذا ابن أخي عهد إلي أنه ابنه.
قال عبد بن زمعة: يا رسول الله هذا أخي، هذا ابن زمعة ولد على فراشه، فنظر رسول الله ﷺ إلى ابن وليدة زمعة، فإذا هو أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص، فقال رسول الله ﷺ: «هو لك هو أخوك يا عبد بن زمعة من أجل أنه ولد على فراشه».
وقال رسول الله ﷺ: «احتجبي منه يا سودة» لما رأى من شبه عتبة بن أبي وقاص.
قال ابن شهاب: قالت عائشة: قال رسول الله ﷺ: «الولد للفراش وللعاهر الحجر».
قال ابن شهاب: وكان أبو هريرة يصرح بذلك.
وقد رواه البخاري أيضا، ومسلم، وأبو داود، والترمذي جميعا عن قتيبة عن الليث به، وابن ماجه من حديثه، وانفرد البخاري بروايته له من حديث مالك عن الزهري.
ثم قال البخاري: ثنا محمد بن مقاتل، أنبا عبد الله، أنا يونس، عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن امرأة سرقت في عهد رسول الله ﷺ في غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه.
قال عروة: فلما كلمه أسامة فيها تلون وجه رسول الله ﷺ وقال: «أتكلمني في حد من حدود الله»
فقال أسامة: استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العشي قام رسول الله ﷺ خطيبا، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد فإنما هلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
ثم أمر رسول الله ﷺ بتلك المرأة فقطعت يدها، فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت.
قالت عائشة: كانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله ﷺ.
وقد رواه البخاري في موضع آخر، ومسلم من حديث ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة به.
وفي صحيح مسلم: من حديث سبرة بن معبد الجهني قال: أمرنا رسول الله ﷺ بالمتعة عام الفتح حين دخل مكة، ثم لم يخرج حتى نهى عنها.
وفي رواية فقال: «ألا إنها حرام حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة».
وفي رواية في مسند أحمد والسنن: أن ذلك كان في حجة الوداع، فالله أعلم.
وفي صحيح مسلم: عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يونس بن محمد، عن عبد الواحد بن زياد، عن أبي العميس، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه أنه قال: رخص لنا رسول الله ﷺ عام أوطاس في متعة النساء ثلاثا، ثم نهانا عنه.
قال البيهقي: وعام أوطاس هو عام الفتح، فهو وحديث سبرة سواء.
قلت: من أثبت النهي عنها في غزوة خيبر قال: إنها أبيحت مرتين، وحرمت مرتين، وقد نص على ذلك الشافعي وغيره.
وقد قيل: إنها أبيحت وحرمت أكثر من مرتين، فالله أعلم.
وقيل: إنها إنما حرمت مرة واحدة وهي هذه المرة في غزوة الفتح.
وقيل: إنها إنما أبيحت للضرورة، فعلى هذا إذا وجدت ضرورة أبيحت.
وهذا رواية عن الإمام أحمد.
وقيل: بل لم تحرم مطلقا وهي على الإباحة، هذا هو المشهور عن ابن عباس وأصحابه، وطائفة من الصحابة، وموضع تحرير ذلك في الأحكام.