→ ثم دخلت سنة تسع وستين | البداية والنهاية – الجزء الثامن وهذه ترجمة الأشدق ابن كثير |
أبو الأسود الدؤلي ← |
هو عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، أبو أمية القرشي الأموي، المعروف: بالأشدق.
يقال: أنه رأى النبي ﷺ وروى عنه أنه قال: «ما نحل والد ولدا أحسن من أدب حسن».
وحديثا آخر في العتق، وروى عن عمر، وعثمان، وعلي، وعائشة، وحدث عنه بنوه أمية، وسعيد، وموسى، وغيرهم.
واستنابه معاوية على المدينة، وكذلك يزيد بن معاوية بعد أبيه كما تقدم، وكان من سادات المسلمين، ومن الكرماء المشهورين، يعطي الكثير، ويتحمل العظائم، وكان وصي أبيه من بين بنيه، وكان أبوه كما قدمنا من المشاهير الكرماء، والسادة النجباء.
قال عمرو: ما شتمت رجلا منذ كنت رجلا، ولا كلفت من قصدني أن يسألني، لهو أمنّ علي مني عليه.
وقال سعيد بن المسيب: خطباء الناس في الجاهلية الأسود بن عبد المطلب، وسهيل بن عمرو.
وخطباء الناس في الإسلام معاوية وابنه، وسعيد بن العاص وابنه، وعبد الله بن الزبير.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، ثنا حماد، ثنا علي بن زيد، أخبرني من سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية حتى يسيل رعافه».
قال: فأخبرني من رأى عمرو بن سعيد بن العاص رعف على منبر رسول الله ﷺ حتى سال رعافه.
وهو الذي كان يبعث البعوث إلى مكة بعد وقعة الحرة أيام يزيد بن معاوية لقتال ابن الزبير، فنهاه أبو شريح الخزاعي وذكر له الحديث الذي سمعه من رسول الله ﷺ في تحريم مكة.
فقال: نحن أعلم بذلك منك يا شريح، إن الحرام لا يعيذ عاصيا، ولا فارا بدمٍ، ولا فارا بجزية.
الحديث كما تقدم وهو في الصحيحين.
ثم إن مروان دخل إلى مصر بعد ما دعا إلى نفسه واستقر له الشام، ودخل معه عمرو بن سعيد ففتح مصر، وقد كان وعد عمرا أن يكون ولي العهد من بعد عبد الملك، وأن يكون قبل ذلك نائبا بدمشق، فلما قويت شوكة مروان رجع عن ذلك، وجعل الأمر من بعد ذلك لولده عبد العزيز، وخلع عمرا.
فما زال ذلك في نفسه حتى كان من أمره ما تقدم، فدخل عمرو دمشق وتحصن بها وأجابه أهلها، فحاصره عبد الملك ثم استنزله على أمان صوري، ثم قتله كما قدمنا.
وكان ذلك في هذه السنة على المشهور عند الأكثرين.
وقال الواقدي، وأبو سعيد بن يونس: سنة سبعين فالله أعلم.
ومن الغريب ما ذكره هشام بن محمد الكلبي بسند له: أن رجلا سمع في المنام قائلا يقول على سور دمشق قبل أن يخرج عمرو بالكلية، وقبل قتله بمدة هذه الأبيات:
ألا يا قوم للسفاهة والوهن * وللفاجر الموهون والرأي الأفن
ولا ابن سعيدٍ بينما هو قائم * على قدميه خرّ للوجه والبطن
رأى الحصن منجاة من الموت فالتجأ * إليه فزارته المنية في الحصن
قال: فأتى الرجل عبد الملك فأخبره فقال: ويحك سمعها منك أحد؟
قال: لا!
قال: فضعها تحت قدميك.
قال: ثم بعد ذلك خلع عمرو الطاعة وقتله عبد الملك بن مروان.
وقد قيل: إن عبد الملك لما حاصره راسله وقال: أنشدك الله والرحم أن تدع أمر بيتك وما هم عليه من اجتماع الكلمة فإن فيما صنعت قوة لابن الزبير علينا، فارجع إلى بيعتك ولك عليّ عهد الله وميثاقه، وحلف له بالأيمان المؤكدة أنك ولي عهدي من بعدي.
وكتبا بينهما كتابا فانخدع له عمرو وفتح له أبواب دمشق فدخلها عبد الملك وكان من أمرهما ما تقدم.
وممن توفي فيها من الأعيان