→ ثم دخلت سنة ثنتين وخمسين | البداية والنهاية – الجزء الثامن خالد بن زيد بن كليب ابن كثير |
وفيها كانت وفاة أبي موسى الأشعري ← |
أبو أيوب الأنصاري الخزرجي، شهد بدرا والعقبة والمشاهد كلها، وشهد مع علي قتال الحرورية.
وفي داره كان نزول رسول الله ﷺ حين قدم المدينة فأقام عنده شهرا حتى بنى المسجد ومساكنه حوله، ثم تحول إليها.
وقد كان أبو أيوب أنزل رسول الله في أسفل داره، ثم تحرج من أن يعلو فوقه، فسأل من رسول الله ﷺ أن يصعد إلى العلو ويكون هو وأم أيوب في السفل فأجابه.
وقد روينا عن ابن عباس أنه قدم عليه أبو أيوب البصرة وهو نائبها، فخرج له عن داره وأنزله بها، فلما أراد الانصراف خرج له عن كل شيء بها.
وزاده تحفا وخدما كثيرا أربعين ألفا، وأربعين عبدا إكراما له، لما كان أنزل رسول الله ﷺ في داره، وقد كان من أكبر الشرف له.
وهو القائل لزوجته أم أيوب - حين قالت له: أما تسمع ما يقول الناس في عائشة -؟
فقال: أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟
فقالت: لا والله.
فقال: والله لهي خير منك، فأنزل الله: { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرا } الآية [النور: 12] .
وكانت وفاته ببلاد الروم قريبا من سور قسطنطينية من هذه السنة.
وقيل: في التي قبلها.
وقيل: في التي بعدها.
وكان في جيش يزيد بن معاوية، وإليه أوصى، وهو الذي صلى عليه.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عثمان، ثنا همام، ثنا أبو عاصم، عن رجل من أهل مكة أن يزيد بن معاوية كان أميرا على الجيش الذي غزا فيه أبو أيوب.
فدخل عليه عند الموت، فقال له: إذا أنا مت فاقرأوا على الناس مني السلام، وأخبروهم أني سمعت رسول ﷺ يقول: «من مات لا يشرك بالله شيئا جعله الله في الجنة».
ولينطلقوا فيبعدوا بي في أرض الروم ما استطاعوا.
قال: فحدث الناس لما مات أبو أيوب فأسلم الناس وانطلقوا بجنازته.
وقال أحمد: حدثنا أسود بن عامر، ثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن أبي ظبيان قال: غزا أبو أيوب مع يزيد بن معاوية قال: فقال: إذا مت فأدخلوني في أرض العدو فادفنوني تحت أقدامكم حيث تلقون العدو، قال:
ثم قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة».
ورواه أحمد عن ابن نمير، ويعلى بن عبيد، عن الأعمش سمعت أبا ظبيان فذكره.
وقال فيه: سأحدثكم حديثا سمعته من رسول الله ﷺ لولا حالي هذا ما حدثتكموه، سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة».
وقال أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثني محمد بن قيس - قاضي عمر بن عبد العزيز - عن أبي صرمة، عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال حين حضرته الوفاة: قد كنت كتمت عنكم شيئا سمعته من رسول الله ﷺ سمعته يقول: «لولا أنكم تذنبون لخلق الله قوما يذنبون فيغفر لهم».
وعندي أن هذا الحديث والذي قبله هو الذي حمل يزيد بن معاوية على طرف من الأرجاء، وركب بسببه أفعالا كثيرة أنكرت عليه، كما سنذكره في ترجمته، والله تعالى أعلم.
قال الواقدي: مات أبو أيوب بأرض الروم سنة ثنتين وخمسين، ودفن عند القسطنطينية، وقبره هنالك يستسقي به الروم إذا قحطوا.
وقيل: إنه مدفون في حائط القسطنطينية، وعلى قبره مزار ومسجد وهم يعظمونه.
وقال أبو زرعة الدمشقي: توفي سنة خمس وخمسين، والأول أثبت، والله أعلم.
وقال أبو بكر بن خلاد: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا داود بن المحبر، ثنا ميسرة بن عبد ربه، عن موسى بن عبيدة، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي أيوب الأنصاري، عن النبي ﷺ.
قال: «إن الرجلين ليتوجهان إلى المسجد فيصليان فينصرف أحدهما وصلاته أوزن من صلاة الآخر، وينصرف الآخر، وما تعدل صلاته مثقال ذرة، إذا كان أورعهما عن محارم الله وأحرصهما على المسارعة إلى الخير».
وعن أبي أيوب قال: قال رسول الله ﷺ لرجل سأله أن يعلمه ويوجز فقال له: «إذا صليت صلاة فصلِ صلاة مودعٍ، ولا تكلمن بكلام تعتذر منه، واجمع اليأس مما في أيدي الناس».