→ وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي | البداية والنهاية – الجزء الثامن وفيها توفي عبد الله بن عباس ترجمان القرآن ابن كثير |
ذكر صفة أخرى لرؤيته جبريل ← |
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي أبو العباس الهاشمي ابن عم رسول الله ﷺ، حبر هذه الأمة، ومفسر كتاب الله وترجمانه، كان يقال له: الحبر والبحر.
وروى عن رسول الله ﷺ شيئا كثيرا، وعن جماعة من الصحابة، وأخذ عنه خلق من الصحابة وأمم من التابعين، وله مفردات ليست لغيره من الصحابة لاتساع علمه وكثرة فهمه وكمال عقله وسعة فضله ونبل أصله، رضي الله عنه وأرضاه.
وأمه: أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، وهو والد الخلفاء العباسيين، وله أخوة عشرة ذكور من أم الفضل للعباس، وهو آخرهم مولدا، وقد مات كل واحد منهم في بلد بعيد عن الآخر كما سيأتي ذلك.
قال مسلم بن خالد الزنجي المكي: عن ابن نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس.
قال: لما كان رسول الله ﷺ في الشعب جاء أبي إلى رسول الله ﷺ فقال له: يا محمد، أرى أم الفضل قد اشتملت على حمل.
فقال: «لعل الله أن يقر أعينكم».
قال: فلما ولدتني أتى بي رسول الله ﷺ وأنا في خرقة فحنكني بريقه.
قال مجاهد: فلا نعلم أحدا حنكه رسول الله ﷺ بريقه غيره.
وفي رواية أخرى: فقال رسول الله ﷺ: «لعل الله أن يبيض وجوهنا بغلام»، فولدت عبد الله بن عباس.
وعن عمرو بن دينار قال: ولد ابن عباس عام الهجرة.
وروى الواقدي: من طريق شعبة، عن ابن عباس أنه قال: ولدت قبل الهجرة بثلاث سنين، ونحن في الشعب، وتوفي رسول الله ﷺ وأنا ابن ثلاث عشرة سنة.
ثم قال الواقدي: وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل العلم.
واحتج الواقدي: بأنه كان قد ناهز الحلم عام حجة الوداع.
وفي صحيح البخاري: عن ابن عباس قال: توفي رسول الله ﷺ وأنا مختون، وكانوا لا يختنون الغلام حتى يحتلم.
وقال شعبة، وهشام، وابن عوانة: عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
قال: توفي رسول الله ﷺ وأنا ابن عشر سنين مختون.
زاد هشام: وقد جمعت المحكم على عهد رسول الله ﷺ.
قلت: وما المحكم؟
قال: المفصل.
وقال أبو داود الطيالسي: عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قبض رسول الله ﷺ وأنا ابن خمس عشرة سنة مختون، وهذا هو الأصح ويؤيده صحة ما ثبت في الصحيحين.
ورواه مالك: عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس قال: أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله ﷺ يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف، فلم ينكر عليّ ذلك أحد.
وثبت عنه في الصحيح أنه قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، كانت أمي من النساء، وكنت أنا من الولدان، وهاجر مع أبيه الفتح فاتفق لقياهما النبي ﷺ بالجحفة، وهو ذاهب لفتح مكة، فشهد الفتح وحنينا والطائف عام ثمان.
وقيل: كان في سنة تسع وحجة الوداع سنة عشر، وصحب النبي ﷺ حينئذ ولزمه، وأخذ عنه وحفظ وضبط الأقوال والأفعال والأحوال، وأخذ عن الصحابة علما عظيما مع الفهم الثاقب، والبلاغة والفصاحة والجمال والملاحة، والأصالة والبيان.
ودعا له رسول الرحمن ﷺ كما وردت به الأحاديث الثابتة الأركان، أن رسول الله ﷺ دعا له بأن يعلمه التأويل، وأن يفقهه في الدين.
وقال الزبير بن بكار: حدثني ساعدة بن عبيد الله المزني، عن داود بن عطاء، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر أنه قال: إن عمر كان يدعو عبد الله بن عباس فيقر به ويقول: إني رأيت رسول الله ﷺ دعاك يوما فمسح رأسك وتفل في فيك وقال: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل».
وبه أن رسول الله ﷺ قال: «اللهم بارك فيه وانشر منه».
وقال حماد بن سلمة: عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
قال: بت في بيت خالتي ميمونة فوضعت للنبي ﷺ غسلا، فقال: «من وضع هذا؟»
قالوا: عبد الله بن عباس.
فقال: «اللهم علمه التأويل، وفقهه في الدين».
وقد رواه غير واحد عن ابن خيثم بنحوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن بكر بن أبي صفرة، أبو يونس، عن عمرو بن دينار: أن كريبا أخبره أن ابن عباس قال: أتيت رسول الله ﷺ من آخر الليل فصليت خلفه فأخذ بيدي فجرني حتى جعلني حذاءه.
فلما أقبل رسول الله ﷺ على صلاته خنست فصلى رسول الله ﷺ، فلما انصرف من صلاته قال: «ما شأني أجعلك في حذائي فتخنس؟».
فقلت: يا رسول الله أوينبغي لأحد أن يصلي في حذائك وأنت رسول الله الذي أعطاك الله عز وجل؟ قال: فأعجبته فدعا الله لي أن يزيدني علما وفهما.
ثم رأيت رسول الله ﷺ نام حتى سمعت نفخه، ثم أتاه بلال فقال: يا رسول الله: الصلاة، فقام فصلى ما أعاد وضوءا.
وقال الإمام أحمد وغيره: حدثنا هاشم بن القاسم، ثنا ورقاء، وسمعت عبيد الله بن أبي يزيد يحدث عن ابن عباس قال: أتى رسول الله ﷺ الخلاء فوضعت له وضوءا، فلما خرج قال: «من وضع ذا؟»
فقيل: ابن عباس.
فقال: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل».
وقال الثوري وغيره: عن ليث، عن أبي جهضم موسى بن سالم، عن ابن عباس أنه رأى جبريل وأن رسول الله ﷺ دعا له بالحكمة، وفي رواية بالعلم، مرتين.
وقال الدار قطني: حدثنا حمزة بن القاسم الهاشمي وآخرون قالوا: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا محمد بن مصعب بن أبي مالك النخعي، عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: رأيت جبريل مرتين، ودعا لي رسول الله ﷺ بالحكمة مرتين.
ثم قال: غريب من حديث أبي إسحاق السبيعي، عن عكرمة تفرد به عنه أبو مالك النخعي عبد الملك بن حسين.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس.
قال: ضمني رسول الله ﷺ وقال: «اللهم علمه الحكمة».
ورواه أحمد أيضا، عن إسماعيل بن علية، عن خالد الحذاء، عن عكرمة عنه قال: ضمني إليه رسول الله ﷺ وقال: «اللهم علمه الكتاب».
وقد رواه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه من حديث خالد، وهو ابن مهران الحذاء، عن عكرمة عنه به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد، ثنا سليمان بن بلال، ثنا حسين بن عبد الله بن عكرمة، عن ابن عباس.
أن رسول الله ﷺ قال: «اللهم أعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل».
تفرد به أحمد، وقد روى هذا الحديث غير واحد عن عكرمة بنحو هذا.
ومنهم من أرسله عن عكرمة، والمتصل هو الصحيح، فقد رواه غير واحد من التابعين عن ابن عباس.
وروى من طريق أمير المؤمنين المهدي، عن أبيه، عن أبي جعفر المنصور - عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس - عن أبيه، عن جده، عن عبد الله بن عباس.
أن رسول الله ﷺ قال: «اللهم علمه الكتاب وفقهه في الدين».
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل، وعفان المعني قالا: ثنا حماد، ثنا عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس.
قال: كنت مع أبي عند النبي ﷺ وعنده رجل يناجيه.
قال عفان: وهو كالمعرض عن العباس، فخرجنا من عنده فقال العباس: ألم أر ابن عمك كالمعرض عني؟
فقلت: إنه كان عنده رجل يناجيه.
قال عفان: قال عباس: أوَكان عنده أحد؟
قلت: نعم.
فرجع إليه فقال: يا رسول الله هل كان عندك أحد آنفا؟ فإن عبد الله أخبرني أنه كان عندك رجل يناجيك.
قال: «هل رأيته يا عبد الله؟»
قال: قلت: نعم!
قال: «ذاك جبريل عليه السلام».
وقد روي من حديث المهدي عن آبائه، وفيه أن رسول الله ﷺ قال: «أما إنك ستصاب في بصرك».
وكان كذلك، وقد روي من وجه آخر أيضا والله أعلم.