→ ثم دخلت سنة ثلاث وستين | البداية والنهاية – الجزء الثامن ثم دخلت سنة أربع وستين ابن كثير |
وهذه ترجمة يزيد بن معاوية ← |
ففيها: في أول المحرم منها سار مسلم بن عقبة إلى مكة قاصدا قتال ابن الزبير ومن التفَّ عليه من الأعراب، على مخالفة يزيد بن معاوية، واستخلف على المدينة روح بن زنباع.
فلما بلغ ثنية هرشا بعث إلى رؤوس الأجناد فجمعهم، فقال: إن أمير المؤمنين عهد إليّ إن حدث بي حدث الموت أن أستخلف عليكم حُصين بن نمير السكوني، ووالله لو كان الأمر لي ما فعلت.
ثم دعا به فقال: انظر يا بن بردعة الحمار فاحفظ ما أوصيك به، ثم أمره إذا وصل مكة أن يناجز ابن الزبير قبل ثلاث.
ثم قال: اللهم إني لم أعمل عملا قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أحب إليّ من قتل أهل المدينة، وأجزى عندي في الآخرة.
وإن دخلت النار بعد ذلك إني لشقي، ثم مات قبحه الله ودفن بالمسلك فيما قاله الواقدي.
ثم أتبعه الله بيزيد بن معاوية فمات بعده في ربيع الأول لأربع عشرة ليلة خلت منه، فما متعهما الله بشيء مما رجوه وأملوه، بل قهرهم القاهر فوق عباده، وسلبهم الملك، ونزعه منهم من ينزع الملك ممّن يشاء.
وسار حصين بن نمير بالجيش نحو مكة فانتهى إليها لأربع بقين من المحرم فيما قاله الواقدي.
وقيل: لسبع مضين منه.
وقد تلاحق بابن الزبير جماعات ممن بقي من أشراف أهل المدينة، وانضاف إليه نجدة بن عامر الحنفي - من أهل اليمانة - في طائفة من أهلها ليمنعوا البيت من أهل الشام، فنزل حصين بن نمير ظاهر مكة، وخرج إليه ابن الزبير في أهل مكة ومن التفّ معه فاقتتلوا عند ذلك قتالا شديدا.
وتبارز المنذر بن الزبير ورجل من أهل الشام فقتل كل واحد منهما صاحبه، وحمل أهل الشام على أهل مكة حملة صادقة.
فانكشف أهل مكة، وعثرت بغلة عبد الله بن الزبير به، فكرّ عليه المسور بن مخرمة ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف وطائفة فقاتلوا دونه حتى قتلوا جميعا، وصابرهم ابن الزبير حتى الليل فانصرفوا عنه ثم اقتتلوا في بقية شهر المحرم وصفرا بكماله.
فلما كان يوم السبت ثالث ربيع الأول سنة أربع وستين نصبوا المجانيق على الكعبة ورموها حتى بالنار، فاحترق جدار البيت في يوم السبت، وهذا قول الواقدي، وهم يقولون:
خطَّاره مثل الفتيق المزبد * ترمى بها جدران هذا المسجد
وجعل عمر بن حوطة السدوسي يقول:
كيف ترى صنيع أم فروة * تأخذهم بين الصفا والمروة
وأم فروة اسم المنجنيق.
وقيل: إنما احترقت لأن أهل المسجد جعلوا يوقدون النار وهم حول الكعبة، فعلقت النار في بعض أستار الكعبة فسرت إلى أخشابها وسقوفها فاحترقت.
وقيل: إنما احترقت لأن ابن الزبير سمع التكبير على بعض جبال مكة في ليلة ظلماء، فظن أنهم أهل الشام، فرفعت نار على رمح لينظروا من هؤلاء الذين على الجبل، فأطارت الريح شررة من رأس الرمح إلى ما بين الركن اليماني والأسود من الكعبة، فعلقت في أستارها وأخشابها فاحترقت، وأسود الركن وانصدع في ثلاثة أمكنة منه.
واستمر الحصار إلى مستهل ربيع الآخر، وجاء الناس نعُي يزيد بن معاوية، وأنه قد مات لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة أربع وستين، وهو ابن خمس أو ثمان، أو تسع وثلاثين سنة.
فكانت ولايته ثلاث سنين وستة أو ثمانية أشهر، فغُلب أهل الشام هنالك وانقلبوا صاغرين، فحينئذ خمدت الحرب وطفئت نار الفتنة.
ويقال: إنهم مكثوا يحاصرون ابن الزبير بعد موت يزيد نحو أربعين ليلة، ويذكر أن ابن الزبير علم بموت يزيد قبل أهل الشام، فنادى فيهم: يا أهل الشام قد أهلك الله طاغيتكم، فمن أحب منكم أن يدخل فيما دخل فيه الناس فليفعل، ومن أحب أن يرجع إلى شامه فليرجع، فلم يصدق الشاميون أهل مكة فيما أخبروهم به.
حتى جاء ثابت بن قيس بن القيقع بالخبر اليقين.
ويذكر أن حصين بن نمير دعاه ابن الزبير ليحدثه بين الصفين فاجتمعا حتى اختلفت رؤوس فرسيهما، وجعلت فرس حصين تنفر ويكفها.
فقال له ابن الزبير: مالك؟
فقال: أن الحمام تحت رجلي فرسي تأكل من الروث فأكره أن أطأ حمام الحرم.
فقال له: تفعل هذا وأنت تقتل المسلمين؟
فقال له حصين: فأذن لنا فلنطف بالكعبة ثم نرجع إلى بلادنا، فأذن لهم فطافوا.
وذكر ابن جرير أن حصينا وابن الزبير اتعدا ليلة أن يجتمعا فاجتمعا بظاهر مكة، فقال له حصين: إن كان هذا الرجل قد هلك فأنت أحق الناس بهذا الأمر بعده، فهلم فارحل معي إلى الشام، فوالله لا يختلف عليك اثنان.
فيقال: إن ابن الزبير لم يثق منه بذلك، وأغلظ له في المقال فنفر منه ابن نمير وقال: أنا أدعوه إلى الخلافة وهو يغلظ لي في المقال؟
ثم كر بالجيش راجعا إلى الشام.
وقال: أعده بالملك، ويتواعد بالقتل؟
ثم ندم ابن الزبير على ما كان منه إليه من الغلظة، فبعث إليه يقول له: أما الشام فلست آتية، ولكن خذ لي البيعة على من هناك، فإني أؤمنكم وأعدل فيكم.
فبعث إليه يقول له: إن من يبتغيها من أهل البيت بالشام لكثير.
فرجع فاجتاز بالمدينة فطمع فيه أهلها وأهانوهم إهانة بالغة، وأكرمهم علي بن الحسين زين العابدين، وأهدى لحصين ابن نمير قتا وعلفا وارتحلت، بنو أمية مع الجيش إلى الشام فوجدوا معاوية بن يزيد بن معاوية قد استخلف مكان أبيه بدمشق عن وصية من أبيه له بذلك، والله سبحانه أعلم بالصواب.