→ عبد الله بن عامر | البداية والنهاية – الجزء الثامن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما ابن كثير |
قصته مع ليلى بنت الجودي ملك عرب الشام ← |
وهو أكبر ولد أبي بكر الصديق، قاله الزبير بن بكار، قال: وكانت فيه دعابة، وأمه أم رومان، وأم عائشة فهو شقيقها، بارز يوم بدر، وأخذ مع المشركين، وأراد قتل أبيه أبي بكر، فتقدم إليه أبوه أبو بكر فقال له رسول الله ﷺ: «أمتعنا بنفسك».
ثم أسلم عبد الرحمن بعد ذلك في الهدنة، وهاجر قبل الفتح، ورزقه رسول الله ﷺ من خيبر كل سنة أربعين وسقا، وكان من سادات المسلمين، وهو الذي دخل على رسول الله ﷺ يوم مات وعائشة مسندته إلى صدرها، ومع عبد الرحمن سواك رطب فأخذه بصره، فأخذت عائشة ذلك السواك فقضمته وطيبته.
ثم دفعته إلى رسول الله ﷺ فاستن به أحسن استنان ثم قال: «اللهم في الرفيق الأعلا»، ثم قضى.
قالت: فجمع الله بين ريقي وريقه، ومات بين سحري ونحري، في بيتي ويومي لم أظلم فيه أحدا.
وقد شهد عبد الرحمن فتح اليمامة وقتل يومئذ سبعة، وهو الذي قتل محكم بن الطفيل.
صديق مسيلمة على باطله، كان محكم واقفا في ثلمة حائط فرماه عبد الرحمن فسقط محكم، فدخل المسلمون من الثلمة فخلصوا إلى مسيلمة فقتلوه.
وقد شهد فتح الشام، وكان معظما بين أهل الإسلام ونفل ليلى بنت الجودي ملك عرب الشام، نفله إياها خالد بن الوليد عن أمر عمر بن الخطاب كما سنذكره مفصلا.
وقد قال عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي بكر - ولم يجرب عليه كذبة قط - ذكر عنه حكاية: أنه لما جاءت بيعة يزيد بن معاوية إلى المدينة.
قال عبد الرحمن لمروان: جعلتموها والله هرقلية وكسروية - يعني: جعلتم ملك الملك لمن بعده من ولده -.
فقال له مروان: اسكت فإنك أنت الذي أنزل الله فيك { وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ } [الأحقاف: 17] .
فقالت عائشة: ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن، إلا أنه أنزل عذري، ويروى أنها بعثت إلى مروان تعتبه وتؤنبه وتخبره بخبر فيه ذم له ولأبيه لا يصح عنها.
قال الزبير بن بكار: حدثني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهري، عن أبيه، عن جده.
قال: بعث معاوية إلى عبد الرحمن بن أبي بكر بمائة ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد بن معاوية، فردها عبد الرحمن وأبى أن يأخذها، وقال: أبيع ديني بدنياي؟
وخرج إلى مكة فمات بها.
وقال أبو زرعة الدمشقي: ثنا أبو مسهر، ثنا مالك قال: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر في نومة نامها.
ورواه أبو مصعب، عن مالك، عن يحيى بن سعيد فذكره وزاد: فأعتقت عنه عائشة رقابا.
ورواه الثوري: عن يحيى بن سعيد، عن القاسم فذكره.
ولما توفي كانت وفاته بمكان يقال له الحبشي - على ستة أميال من مكة، وقيل: اثني عشر ميلا - فحمله الرجال على أعناقهم حتى دفن بأعلا مكة.
فلما قدمت عائشة مكة زارته وقالت: أما والله لو شهدتك لم أبكِ عليك، ولو كنت عندك لم أنقلك من موضعك الذي مت فيه، ثم تمثلت بشعر متمم بن نويرة في أخيه مالك: وكنا كند ماني جذيمة برهةً * من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكٍ * لطول اجتماعٍ لم نبت ليلةً معا رواه الترمذي وغيره.
وروى ابن سعد: أن ابن عمر مرة رأى فسطاسا مضروبا على قبر عبد الرحمن - ضربته عائشة بعد ما ارتحلت - فأمر ابن عمر بنزعه وقال: إنما يظله عمله.
وكانت وفاته في هذا العام في قول كثير من علماء التاريخ.
ويقال: إن عبد الرحمن توفي سنة ثلاث وخمسين قاله الواقدي، وكاتبه محمد بن سعد وأبو عبيد وغير واحد.
وقيل: سنة أربع وخمسين فالله أعلم.